الإقبال الجماهيري على المسلسلات التركية أمرا لم نشهد له مثيلا من قبل، وعدّ البعض هذا الإقبال نوعا من التعطش للعاطفة والرومانسية التي كاد يفتقدها مجتمعنا حين حلّ العنف اللفظي والجسدي تعاملنا مع بعضنا البعض، ويرى آخرون أنّ ما يعرض من مناطق سياحية لم نشاهدها من قبل وحب الاستطلاع من قبل المشاهدين للتعرف على ما هو موجود في هذه البلاد كان السّبب وراء انتشارها بهذا الشكل، في حين يذهب البعض الآخر إلى أن سبب انتشار هذه المسلسلات هو احتوائها على عادات وطقوس قريبة للبيئة العربية، وأنّها عالجت قضايا اجتماعية تمثل الواقع العربي وحب المشاهد لهذا النوع من الدراما. روبورتاج: أسماء زبار كما كان لموجة المسلسلات التركية وما يعرض فيها من لباس أنيق، أثر كبير على المجتمع الجزائري ولعلّ أبرز هاته المسلسلات "العشق الممنوع"، حيث كانت ترتدي البطلات ملابس أنيقة وفخمة، ومسلسل "فريحة" الذي تناول موضوع الصراع بين الفقر والغنى وكيف كان تأثير ذلك على طالبة جامعية حاولت التمرد على واقعها وولوج عالم الأثرياء عن طريق اللباس والماكياج والتسريحات والأكسسوارات الغالية الثمن، إضافة إلى مسلسلات أخرى عديدة استطاعت من خلالها البطلات أن تعرض أكبر عدد ممكن من الألبسة والموضة التركية. هاته الأخيرة جعلت من الجزائريات خصوصا منهن الفتيات العاشقات للباس والأناقة، يتأثّرن بذلك، فحاولت "الحياة العربية" من هذا المنطلق أن تركز اهتمامنا على اللباس التركي ومدى تأثيره في المجتمع عامة وعند الفتيات خاصة بحكم أنّهن الأكثر إقبالا على هاته المسلسلات، في ظل تراجع الإقبال على اللباس الجزائري الأصيل. ..ثقافة لباس جديدة تفرضها العولمة.. تقليد أعمى للأتراك! قالت (أمال. ص) موظفة" أنا ألبس اللباس التركي لأنه عصري وعلى الموضة، فأنا اشتري كل ما هو جديد وأطّلع على آخر الصيحات في عالم الموضة التركية في المسلسلات المعروضة على الشاشات وفي الانترنت، في مرّة أعجبت كثيرا بفستان إحدى بطلات المسلسلات وبحثت عنه أسابيع في المحلات الكبرى إلى أن وجدت واحدا يشبهه تماما فاشتريته رغم سعره المرتفع" وتابعت "الموضة التركية هي الرائجة الآن لذا نحن نقتنيها، وحتى محلات الألبسة فمعظمهم يبيعون الألبسة التركية". أمّا رندة من العاصمة، فقالت "اللباس التركي يتكوّن من فيزو وفستان قصير وخمار على الرأس، مودال الحجاب التركي الأنيق بنظر العديد من الفتيات الجزائريات، هذا هو حال المجتمع الجزائري يقلّد كل ما يعرض عليه، ففي وقت كانت الموضة الميكسيكية والمصرية هي الغالبة وبعدها الموضة الخليجية والآن طغت علينا الموضة التركية بسبب المسلسلات المعروضة في معظم الفضائيات"، وأضافت المتحدثة "ومن يرغب في مشاهدة ملابس الترك والموديلات ما عليه سوى أن يذهب إلى أحد أحياء العاصمة كديدوش مراد أو العربي بن مهيدي ليرى أحدث ما أنتجه المصمّمون الأتراك في مجال الأزياء". من جهة أخرى، قالت (دنيا.ش)، موظفة "اللباس التركي أنيق لهذا نلاحظ هذا الظهور والرواج الكبير له في السنوات الأخيرة بفضل المسلسلات المعروضة التي ساهمت في إبراز كل ما هو تركي، فالمسلسلات تقدّم لنا فتيات جميلات بألبسة أنيقة وأماكن ولا أروع تجذب كلّ من يشاهدها فتقوم الفتاة الجزائرية بتقليد اللبس الذي أعجبها، كما أنّ سبب انتشار اللباس التركي في الجزائر نظرا لاحتشامه مقارنة باللباس الأوروبي الغربي البعيد عن ثقافتنا وعاداتنا" كما قالت "لكن التقليد الأعمى للباس التركي أدى ببعض الفتيات إلى المبالغة في التقليد والتخلي عن القيم ومبادئ الاحتشام". أمّا حمزة طالب بكلية الحقوق قال "اللباس التركي هوس البنات اليوم بسبب انشغالهم بالمسلسلات التركية، وما يعرض فيها فهذا ما لبسته "سمر" و"نهال" وما تلبسه "مرام" في مسلسل " فاطمة"، وغيرهن أصبح الحديث الذي يدور بينهن في الجامعة وحافلات نقل الطلبة، ولم يقف الأمر عند تقليد اللباس فحسب بل تعدى الأمر إلى إتباع أمور لا تتماشى والقيم تماما، يلبسون لباسا فاضحا وغير محتشم تقليدا للبطلة الفلانية، وتتخلى المتحجبة عن أساس الحجاب وتبتدع فيه على الطريقة التركية لتصبح كارثة، في سبيل التشبه ببطلات المسلسلات فقط". أمّا أحمد فقال لنا بخصوص الموضوع "أنا ضدّ هذه الموضة التركية الدخيلة على مجتمعنا الجزائري المحافظ، هذا اللباس الذي أغوى المجتمع والفتيات خاصة وأدّى بهم إلى التخلي عن قيمهم ومبادئهم للتشبه بالأتراك، والغريب أنني أحيانا استغرب وأتعجب ممّا أرى في الشارع وكأنني أشاهد مسلسل تركي بسبب تقليد البطلات التركية والتأثر بالمسلسلات المعروضة". .. السلع التركية قضت على السلع الصينية يقول ( رابح.ك) وهو صاحب محل لبيع الألبسة الجاهزة بحي ديدوش مراد بالعاصمة، أنّ النسبة الأكبر من الألبسة التي يعرضها يقوم بجلبها من تركيا، وقد استحوذت هذه السلع بالفعل على إعجاب واهتمام الجنس اللطيف في الجزائر، لاسيما وأنهم يجلبون في معظم الأوقات كافة الملابس التي يتمُّ عرضُها من خلال المسلسلات والأفلام، وكذا آخر الموديلات التي يتم طرحها في السوق التركية، هذا إضافة إلى أن سفرياتهم الكثيرة إلى تركيا ذهابا وإيابا لا تكلف نفس المبالغ المالية التي تكلفها سفرياتُهم إلى دول أخرى خصوصا في السنوات الأخيرة، من جهته قال (سليم.خ) بائع بمحل لبيع الألبسة بشارع حسيبة بن بوعلي أنّ هذه الملابس لا تقل جودة عن غيرها من الماركات الأوروبية، إضافة إلى أن أسعارها تكون مناسبة جدا، سواء المتعلقة بالسراويل أو الفساتين القصيرة أو فساتين السهرة والأحذية وغيرها، كما أنّ ما روّج عن السلع الصينية ومدى خطورتها على صحة المواطنين، أدّى للجوء معظم الزبائن نحو الألبسة التركية، كما أنّ أسعارها نوعا ما مرتقعة لكن تبقى رخيصة مقارنة بالماركات العالمية الأوروبية. .. الإعجاب والتأثر ببطلات المسلسل يدفع الفتيات لتقليدهن قال المختص النفسي بولقرع مخلوف أنّ تقمص الفتيات للشخصية التركية هو سبب للتقليد الكبير في اللباس فكثير من الفتيات اللاتي يشاهدن المسلسلات التركية يتأثرن بإحدى البطلات فتتقمص الفتاة شخصية البطلة من شدة الإعجاب والتأثر وتصبح تقلدها في اللباس والكلام و...الخ، وأضاف المختص في حديثه ل" الحياة العربية" نحن لدينا هوية جزائرية وثقافة خاصة يجب أن نعتز بها لكنّنا تخلينا عليها بسبب الإعلام المرئي والمسلسلات التركية التي طغت على الفضائيات في الآونة الأخيرة، ولم يقف الأمر عند اللباس فقط بل تعدى أيضا إلى الأكل والأطباق التركية التي باتت الأسرة الجزائرية تحضرها إعجابا بهذه الثقافة التي غزت مجتمعنا، وأشار المختص إلى أن التقليد لا حرج فيه إذا كان في الإطار المعقول أي إذا كان اللباس محتشم لا حرج في ذلك لكن هناك من يسيء التقليد ويلبس ما هو فاضح وهنا تكون المشكلة. ..تركيا بلد غربي بسبب القرب والاحتكاك.. والجزائريون يأخذون قشور هذه الحضارة قال المختص الاجتماعي الأستاذ محمد طويل ل"الحياة العربية"، أنّ غزو اللباس التركي للمجتمع الجزائري له أسباب عديدة ومرتبطة في ما بينها فالسّبب الأوّل الذي ساهم بشكل كبير في بروز الثقافة التركية عند العرب عامة وفي الجزائر خاصة هوالسّبب السياسي ومواقف رئيس الوزراء التركي طيب أردوغان المؤيّدة للعرب وللجانب الفلسطيني ومواقفه ضدّ إسرائيل هذا الأمر ساهم في تطبيع العلاقات مع العرب وتركيا حيث أصبحت هذه الأخيرة في مكانة مهمة عند العرب، أمّا هذا التقليد الذي نشهده في الآونة الأخيرة فسببه المسلسلات التركية التي غزت الفضائيات، فبعدما تأثر المجتمع الجزائري في وقت وبشكل ملفت بالمسلسلات المكسيكية والمصرية جاء دور الأفلام التركية لتغزو ثقافتنا ونصبح نقلد كل ما يبث دون أي انتباه، وأضاف المختص أن الأتراك أذكياء حيث روجوا تقاليدهم وعاداتهم بطريقة سهلة عن طريق المسلسلات خاصة عندما يعرضون القران وصلاة الجنازة..وغيرها من القيم الدينية لتسهل مهمة التأثير، كما حاول الأتراك من خلال مسلسلاتهم إظهار الدّين بالمفهوم الحديث، كلبس الحجاب بالمظهر الحديث والتخلي عن الحجاب الذي جاء في القران الكريم، ولا يجب أن يخفى أن الأتراك تعرضوا للعلمنة مدّة 100 عام فاللباس العاري في تركيا موضة وأمر مرتبط بالعصرنة باعتبارهم قريبون من أوروبا والاحتكاك معهم أمر سهل جدا، وأضاف الأستاذ أن الأتراك مجتمع غربي من حيث التقاليد والقيم بسبب القرب والاحتكاك، وأكد أن الجزائريون يأخذون قشور هذه الحضارة لأنّها ليست مائة بالمائة تركية، وأكّد بحكم زيارته المتعددة لهذا البلد أنّها جدّ متطورة حيث بنت نفسها بنفسها، كما أن هذا التأثر الكبير جاء أيضا من الدبلجة السورية واللبنانية للمسلسلات السورية، لأنّ المجتمع الجزائري يحب ويتأثر بهذه اللهجة التي تحتوي على عبارات لبقة وظريفة، كما أشار المتحدث إلى أنّ المجتمع الجزائري يقلد ولا ينتقد، فتجد الفتاة تلبس كل ما لبسته بطلة مسلسل تركي دون أن ترى فيه أيّ نقص أو عيب. ..رأي الدين : اللباس إن اختل فيه شرط من شروط الحجاب فهو غير جائز الحجاب فريضة شرعية متفق عليها، فلا يجوز لمسلمة خلعه أو التهاون فيه، فإن ذلك يمنع من دخول الجنة ويؤدي إلى النار - والعياذ بالله- حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: صنفان من أهل النار لم أرهما قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس. ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا. رواه مسلم. قال النووي: قيل: معناه كاسيات من نعمة الله عاريات من شكرها، وقيل: معناه تستر بعض بدنها، وتكشف بعضه إظهاراً بحالها ونحوه، وقيل: معناه تلبس ثوبا رقيقاً يصف لون بدنها. وقد أمر الله تعالى بالحجاب حفظاً للمرأة من الأذى ودرءاً للفتنة عنها وعن غيرها، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا {الأحزاب:59}. ارتداء لباس عصري محتشم لا بأس به إن كان جامعاً لشروط الحجاب، ومن هذه الشروط أن يكون ساتراً لجميع البدن على خلاف الوجه والكفين فقط. وأما إن اختل فيه شرط من شروط الحجاب فلا يجوز لبسه، لما سبق بيانه.