يخطئ من يظن أن سعي الكثير من الشباب والبنات وراء الموضة نابع من الفراغ أو حدث غير مألوف, بعد أن كان أغلبهم يحاولون تقليد الشخصية التي يفضلونها في حياتهم والتي تكون مشهورة أصبحت اليوم الدراما التركية قدوة الكثيرين, خاصة الجنس اللطيف وبات العديد من الشباب والفتيات يستمدون موضة ملابسهم من هذه المسلسلات, خاصة بعد غزو الماركات التركية للأسواق. تلقى المسلسلات التركية أكبر نسبة مشاهدة من طرف العديد من فئات المجتمع وانتشرت ظاهرة الموضة التركية في المحلات وبين الفتيات والشبان وأصبح الممثلون في هذه المسلسلات قدوة للعديد منهم, يقلدونهم في قصات الشعر وحتى في ملابسهم واتخذوا أيضا رنات الهواتف من مقاطع أغاني المسلسلات, وقد استغلت العديد من المحلات هوس الكثير من الفتيات بالموضة التركية لترويج سلعها. ولمعرفة مدى اهتمام مختلف فئات المجتمع بهذه الظاهرة, قمنا برصد آراء بعضهم, وتقول ليلى وهي طالبة جامعية: «أنا أقلد بطلة المسلسل التركي لميس في ملابسها, لأن ذوقها في الملابس جميل بالإضافة إلى أني أستعمل أغنية مسلسلها كرنة في هاتفي», أما سليمة فهي ماكثة في البيت وهو ما جعلها تقضي وقتا طويلا أمام التلفزيون, حيث تقول: «أنا أقضي وقت فراغي في مشاهدة المسلسلات التركية, لأنها تعالج العديد من المشاكل الاجتماعية بالإضافة إلى أنها مسلية وأنا حاليا أتابع المسلسل الجديد نساء حائرات وبائعة الورد», أما عن اهتمامها بمظهرهم وطريقة لباسهم فتقول: «أنا أحب التغيير في الموضة ولذلك فإن الموديلات التركية جعلتنا نخرج من الموضة الغربية قليلا وهي تناسب المحجبات والمتبرجات وفيها تنوع بالموديلات». وهناك من يقصدن صالونات الحلاقة للحصول على قصة شعر تشبه قصة إحدى الممثلات التركيات, وهذا ما أكدته سامية صاحبة محل للحلاقة والتجميل: «أغلب زبائني يطلبون مني قصة شعر مثل إحدى الممثلات التركيات وحتى طريقة وضع الماكياج يطلبونها مثلهن». أما فريدة وهي إحدى المقبلات على الزواج فتقول: «أنا أريد أن يكون فستان زواجي مثل بطلة مسلسل ايزل عائشة, وطلبت من الخياطة أن تفصل لي موديلا مثله بالإضافة إلى أنني قمت بشراء شريط كامل لموسيقى تركية لأضعها في الصالة يوم عرسي». فيصل هو الآخر مقبل على الزواج, ولكنه مهووس بشخصية مراد علمدار لدرجة أنه يقلده في الكثير من الأمور, حيث يقول: «أنا أحب شخصية مراد علمدار في مسلسل وادي الذئاب وسأقوم بتسريح شعري مثله وسأشتري بدلة عرسي تشبه بدلته, لأني سأتزوج في الأسبوع المقبل, وأنا أقلد حتى طريقة مشيه, لأني أحبه وتعجبني شجاعته». ومن جهة أخرى, هناك من يتابع المسلسلات لإعجابهم بالشخصية التي تقوم بالدور ويتمنون أن يكون شريك حياتهم بنفس مواصفاتهم, حيث يقول سمير: «تعجبني بطلة مسلسل سيلا, لأن شخصيتها قوية, وأنا أتمنى أن تكون زوجتي المستقبلية مثلها». أما جميلة فهي الأخرى من المعجبات بأبطال المسلسلات التركية وتقول: «أنا أشاهد جميع المسلسلات التركية ويعجبني أبطالها من الرجال كعمار الكوسوفي, لأنه شجاع, وفي نفس الوقت رومنسي, وأتمنى أن يكون فتى أحلامي مثله». ولا يقتصر الأمر في مشاهدة هذه المسلسلات على النساء فقط, بل أصبحت الدراما التركية محل اهتمام الكثير من الرجال, وفي هذا الصدد يقول سليمان وهو متزوج: «أنا لا أحب كل المسلسلات التركية, ولكن يعجبني بعضها كمسلسل عمار وايزل وأيضا وادي الذئاب, لأنه فيه الأكشن والصراع». أما أمين فيقول: «أنا أشاهد جميع المسلسلات التركية ويعجبني جمال الممثلات التركيات بالإضافة إلى رقتهن ورومنسيتهن». وهناك من الشباب من يقوم باستغلال الشبه بينهم وبين أبطال مسلسلات تركية في جذب الفتيات, حيث يقول محمد, معظم أصدقائي ينادوني بمهند, لأني أشبهه كثيرا, وأنا أيضا أقلده في قصة شعره بالإضافة إلى أني أستغل الأمر في جذب الفتيات». أما سامي فيقول: «أنا أضع دائما أشرطة الموسيقى التركية في سيارتي بصوت عال للفت انتباه العديد من الفتيات اللواتي يعشقنها». وأصبحت هذه المسلسلات لا تجرف إلا الشباب, بل امتدت إلى بعض كبار السن, حيث تقول الحاجة فاطمة: «أنا أتابع المسلسلات التركية, لأنهم يشبهوننا في عاداتهم, وشاهدت في مسلسل بائعة الورد أنهم في حفلات زواجهم يقومون بوضع الحناء للعروس مثلنا ويرقصون أيضا مثلنا وأنا آخذ الكثير من العبر من مسلسلاتهم». ومن جهة أخرى, فقد استغلت العديد من المحلات هوس النساء بالمسلسلات التركية وقامت بترويج سلعها المستوردة, ولمعرفة المزيد اقتربنا من أحد بائعي الملابس في العاصمة: «جميع السلع من الملابس الموجودة في محلي مستوردة من تركيا, وهناك إقبال كبير على هذه الملابس من النساء, وهن يطلبن مني ملابس لممثلات تركيات ويأتين بمجلات تتضمن أزياء للممثلات وأقوم بتوفيرها لهن حسب الطلب من هناك, ولكن بأسعار مرتفعة تتراوح بين 5000 الى 20 ألف دينار حسب نوعيتها». ولا تقتصر السلع التركية على الملابس, بل قام بعض التجار بوضع صور لممثلات تركيات على علب العطور وتسمية العطر باسمها لجلب أكبر عدد ممكن من الزبائن, ويقول بائع عطور بسوق ساحة أول ماي: «أنا أبيع العديد من العطور المقلدة التي أصنعها بنفسي, ولكن أحرص على صنعها بتشكيلة من أنواع الورود كالياسمين والفل وأقوم بصنع علب بها صور لممثلات تركيات وأسميها بأسمائهن كعطر لميس وحتى عطور رجالية كعطر ايزل, ويعرف محلي إقبالا كبيرا على هذه العطور, وتتراوح أسعارها ما بين 500 دينار إلى 1500 دينار حسب تركيبة العطر». وهناك من قام بصناعة إكسسوارات مقلدة عن التي تقتنيها العديد من الممثلات التركيات, فصليحة هي صاحبة محل بباب الزوار مختص ببيع الإكسسوارات, اهتمت بهذا النوع من النشاط والذي لقي إقبالا كبيرا على حد قولها: «أنا أقوم بصنع سلاسل وأساور بالإضافة إلى خواتم كلها مصنوعة من الفضة تشبه التي تقتنيها العديد من الممثلات التركيات, وفي بعض الأحيان أصنعها من الأحجار الكريمة الملونة ولدي كاتالوج مختص بصناعة الإكسسوارات التركية أعرضه على الزبائن وأقوم بتقليده حسب الطلب, وأغلب الزبونات من المقبلات على الزواج يطلبن مني نفس الإكسسوار الموجود عند إحدى الممثلات في المسلسل التركي, وهناك الكثير من الشباب وحتى الأطفال الذين يطلبون مني صناعة الخواتم التركية كالتي يضعها مراد في وادي الذئاب, وأنا ألبي لهم طلباتهم لجذب الزبائن». وبالرغم من أن المسلسلات والموضة التركية تلقى إقبالا كبيرا من الكثير من فئات المجتمع, إلا أن هناك بعض المعارضين لها, حيث يقول عمار: «أنا أجد هوس المرأة بالمسلسلات التركية أمر مبالغ وتضييع للوقت, لأنها تشاهد مسلسلا تلو الآخر, بالإضافة إلى أنني شاهدت أحد المسلسلات ووجدت فيه مشاهد مخلة بالحياء لا تستطيع أن تشاهدها مع العائلة». أما كريمة فتقول: «أنا لا أحب مشاهدة المسلسلات التركية, لأني أخاف أن أصبح مدمنة عليها بالإضافة إلى أن التمسك بالموضة والجري وراءها فيه تبذير كبير للمال, وأنا لي ذوقي الخاص في اختيار الملابس, ولا أحب فكرة تقليد الممثلات التركيات في ارتداء الملابس. وبالرغم من أن هناك ملابس تركية محتشمة, إلا أن هناك مبالغة من قبل بعض الفتيات في ارتداء الملابس غير المحتشمة بهدف التقليد حتى وإن كان خارجا عن عاداتنا وتقاليدنا». وهناك من تسببت له مشاهدة المسلسلات التركية في الوقوع في خلافات عائلية وهذا ما حدث مع سكينة: «زوجي يتابع معظم المسلسلات التركية, وأنا لا أستطيع منعه من مشاهدتها ودائما أتشاجر معه, لأن الممثلات يرتدين ملابس غير محتشمة في بعض الأحيان, وأنا أغار عليه, ولكنه أصبح يفضل المسلسلات التركية على زوجته, وأنا خائفة أن تدمر علاقتي معه بسبب هذه المسلسلات». رأي علماء النفس الاجتماعي في الظاهرة تقول الدكتورة نبيلة صابونجي, مختصة في علم النفس الاجتماعي: «إن الكثير من الظواهر الاجتماعية نشأت من الانفتاح الذي تحقق بسبب الفضائيات والانترنت, فالموضة في حد ذاتها ليست مشكلة, ولكن المبالغة فيها بما لا يناسب هوية الشخص وطبيعته هو المشكلة الحقيقية, فالفتاة أو الشاب حين يقرران إتباع موضة معينة في أي مجال كالشعر أو الأزياء أو غيرهما فإن الدافع الحقيقي في ذلك يكون الانبهار بنموذج معين أو غياب القدوة عن الأذهان, فكما أن المشكلة واضحة فإن الحل واضح, ولكن يبقى علينا أن نكون واقعيين ومنطقيين, فلا نعرض شبابنا وبناتنا للعادات والسلوكيات الخاطئة, ثم نطالبهم بعدم تقليدها, فالأولاد أو الفتيات في سن معين يصعب تقويم سلوكياتهم بالقوة وبالتالي يصبح الإقناع وسيلتنا الوحيدة لتعديل السلوك», وتضيف «إن من الأمور الغريبة فعلا أن نظل نعرض شبابنا للفضائيات بكل ما تعرضه, ثم نلومهم إن قلدوها, وهنا يجب أن نكون على قناعة بشيء مهم, وهو إما أن نحرمهم من هذه الفضائيات ومن ثم نحاول توفير البديل المناسب الذي يرضيهم وتوجيههم بطريقة سليمة, أو أن نسلم بالأمر الواقع ونسمح لهم باقتناء بعض النماذج التي يرونها في الفضائيات», وتضيف الدكتورة «إن مشاهدة المسلسلات التركية بشكل مستمر يجعل الإنسان مدمن, عليها ولا يستطيع التوقف عن المشاهدة, بالإضافة إلى أنه يقوم بنفس السلوكيات والأفعال التي يقوم بها الممثلون في المسلسلات سواء كانت سلبية أو ايجابية, وفي بعض الأحيان يصاب الإنسان بحالة من الهوس بهذه المسلسلات أو بالشخصيات الموجودة بداخلها ويقوم بالتقليد الأعمى لهم بشكل عشوائي, هذا التقليد يكون في غالب الأحيان سلبيا وخاليا من العقلانية أو التفكير ويؤثر على شخصية الفرد وذاته, وقد يفقد شخصيته ويتقمص شخصية الممثل أو الممثلة في المسلسل, وإذا فشل في تقليده يشعر بالإحباط والقلق, وهناك منهم من يصاب بحالة من الإعجاب الجنوني الذي يجعل الإنسان لا يستطيع العيش بدون هذه الشخصية ولا يمتنع عن مشاهدته, وهذا ما يؤثر على نفسيته وقد يدخله في ضغط نفسي, فعاداتنا وتقاليدنا تختلف عن المجتمعات الأخرى, ولا يجب أن تثق فئات المجتمع بهذه المسلسلات, وقد أصبح نجوم المسلسلات التركية الأكثر مثارا للاهتمام بين الشباب يؤثرون على مختلف فئات المجتمع, وتقليد الكثير من الشباب لهم هو سلوك خاطئ, لأنه ليس جميع تصرفاتهم صحيحة, وقد يقعون في سلوك خاطئ ويقلدونه, ولذلك يجب الحد من هذه الظاهرة, لأن سلبياتها أكثر من ايجابياتها».