توارثت الأجيال معتقدا حول مصطلح" صلّاح الدار" أو "عسّاس الدّار" حسب ما يطلقون عليهم في مناطق متعددة في الجزائر، والمتّفق عليه هو أنّهم من عالم الجنّ المسالمين، أي لا يؤذون البشر ماعدا من يبادر هم في أديّتهم، و ترتّب على هذا المعتقد قصص وأساطير. أسماء زبار البعض يقول أنّها حقيقية والآخر يقول أنّها مجرّد خرافة، وبين هذا وذاك أرادت الحياة العربية أن تقف عند حقيقة الأمر وجمعت أراء عديدة، مواطنين ومختصين وخرجت بنتيجة تفيد بأنّ المصطلح مجرّد معتقد خاطئ لا أساس له في الدين، وأنّ نقص الوعي و الإيمان غالبا ما يدفع بالمرء للتفكير في أمور عيبية وشركية. .. مواطنون يرون شيوخا.. أطفالا ورجالا ويقولون عنهم "صلاح الدار" قالت (فريال.ق) 23 سنة، أنّها تؤمن بهذا المعتقد، وأنّ صلاح الدار هم من الجنّ المسالم، ففهم لا يؤذون إلّا إذا أديناهم نحن، فمنذ القديم والناس يتداولون هذا المصطلح، فمرّة من المرات، رأيت خيالا وعندما تقصيت الأمر، قالت جدّتي إنّه من صلاح الدار، وفي إحدى المرات وبالضبط في شهر رمضان، وعندما استيقظت للسّحور توجهت إلى المطبخ فرأيت طفلة صغيرة تلعب، اتجهت مسرعة عند أمّي لأخبرها فقالت لي لا تحدثي ضجيجا فهي من صلاح البيت. من جهتها قالت إيمان موظفة أنّها هي الأخرى تؤمن بالمعتقد، ففي إحدى المرّات كانت في منزلهم حيث انتقلوا إليه من جديد، رأت شخص جالس على الأريكة، فركضت مسرعة عند أمّها لتخبرها فأسكتتها بحجة أنّه من صلاح البيت. ووافقتها الرأي (راشدة.ز) أنّها في وقت غير بعيد كانت هي الأخرى تؤمن بأنّ "صلّاح الدار" موجودون، وأنّها تخاف من أن تلج اماكن وغرف مهجورة، لكن مع الوقت تبدّد لديها هذا الشعور، خصوصا بعدما استمعت لحصص بثت في قنوات عربية لمشايخ تحدّثوا فيها عن عالم الجنّ. سألنا (نادية.ر) 53 سنة ربة منزل عن رأيها في الموضوع فقالت لنا "أنا لا أؤمن بهذا المصطلح، بل أؤمن بعالم الجنّ وأنّ لهم أماكنهم الخاصّة بهم، في المجاري وفي الأماكن المهجورة، لكن أن نرى في بيوتنا أشخاصا وأن تحدث قصص خرافية فهذا لا أعترف به بتاتا" وأضافت" علينا أن نذكر الله كثيرا ونتعوّذ به من الشياطين". الشيخ أبو الحسن الجزائري: "صلاح الدار" معتقد لا أساس له من الصحة قال الشيخ أبو الحسن الجزائري بخصوص موضوع "صلاح الدار" أنّه معتقد فقط لا أساس له من الصّحة، وأنّ عالم الجن موجود خلقه الله عزّ وجلّ، ومن بين الحقائق التي جاء بها القرآن الكريم عن عالم الجن، أنّ الجن خلقوا من نار قال عز وجل: "وَخَلَقَ الْجَآنَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ"، ويختلف عالم الجن اختلافا كليا عن عالم الملائكة والإنسان، فكلّ له مادته التي خلق منها، وصفاته التي يختلف بها عن الآخر، إلّا أنّ عالم الجنّ يرتبط مع عالم الإنس من حيث صفة الإدراك وصفة العقل والقدرة على اختيار طريق الخير والشرّ. وأضاف الشيخ أنّ من خصائص الجن أنهم يرون الناس وهم لا يرونهم، فقال عزّ وجلّ: "إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ"، وإنّ له تجمعات في قبائل وأجناس شبيهة بتجمعات البشر، وللجنّ قدرات خارقة منها قوله عزّ وجلّ في تسخير الجنّ لسليمان عليه السّلام "وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ * يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ". وأكّد الشّيخ أنّ "صلاح الدار" مصطلح غير موجود بتاتا وتلك الخرافات التي تقول إذا حدث أمر خير في البيت أنّه من فعل صلاح الدار وغيرها غير صحيح، وعالم الجن هو ما يستخلص من ظواهر القرآن ومن صحاح الأخبار النبوية عن هذه المجودات الخفية عن حاسة البصر والسمع، منتشرة في أمكنة مجهولة ليست على سطح الأرض ولا في السموات، بل هي في أجواء غير محصورة، أي ليست أجساما ولا جسمانيات بل هي موجودات روحانية مخلوقة من عنصر ناري، ولها حياة وإرادة وإدراك خاص بها لا يدرى مداه. وهذه الموجودات النارية جنس من أجناس الجواهر تحتوى على الجن وعلى الشياطين فهما نوعان لها إدراكات خاصة، وتصرفات محدودة، وهي مغيبة عن الأنظار ملحقة بعالم الغيب، لا تراها الأبصار، ولا تدركها أسماع الناس إلا إذا أوصل الله الشعور بحركتها وإرادتها إلى البشر على وجه المعجزة خرقا للعادة لأمر قضاه الله سبحانه وتعالى وأراده. ..الشيخ الإمام عبد الرحمان: صلاّح الدّار ومفسدو الدّار هم النّاس وليسوا الجنّ وفي ذات الموضوع، قال الإمام عبد الرحمان بمسجد النصر ببوزريعة أنّ "صلاح الدار" أو "عساس الدار" غير موجود، وقال من حيث المبدأ عالم الجن هو عالم موجود خلقه الله تعالى ولهم وظائف معينة، كما أنّ منهم الصالح والفاسد حال الإنس، وأضاف أنه لا توجد لهم علاقة مباشرة مع الإنس مثل علاقة الملائكة مع الإنسان، كما أنّ الجن ليست لهم أماكن محددة يتواجدون فيها فهم مع الناس في كلّ مكان، وصلاح الدار أو مفسدي الدّار هم الناس وليسوا من عالم الجنّ لكن إذا التقى الإنسان الشرير مع الجني الشرير يحدث ما لا يحمد عقباه لكن المبادر إلى الشر أولا هو الإنسان، وأكّد الإمام أنّ صلاح الدار غير موجودون وهو معتقد فقط، كما أنّ ذكر اسم الله في كلّ شيء يبعد جميع المخاطر أو الأذية. ..الشيخ أحمد قواسم: الناس يبالغون في التصديق بمعتقدات خاطئة ما يوقعهم في الشرك قال الشيخ أحمد قواسم في اتصال مع الحياة العربية أنّ موضوع صلاّح الدار أو عساس الدار أمر غير موجود إلاّ في المعتقدات الخاطئة، وقال نحن نؤمن بما جاء في القران الكريم والسّنة النبوية الشريفة، أمّا فكرة ومعتقد صلاح الدار فهذا أمر خاطئ سببه الجهل بالأمور الدينية والاعتقاد وتصديق الخرافات والأساطير الجاهلة. وأضاف إلى أنّه هناك بعض الناس يبالغون في التصديق بهذه الأمور إلى حدّ كبير ويولونها أهمية بالغة وسلطة ما يؤدّي بهم إلى الوقوع في أمور الشّرك والعياذ بالله. وأضاف الشيخ أنّ الإنسان الذي يذكر ربه ويقرأ القرآن والأذكار يسخّر له الله عزّ وجلّ ملائكة تحميه وتحرسه، أمّا إذا قلنا أنّ هناك من يحرس البيت فهو الله عزّ وجل فالعبد الذي يذكر الله عزّ وجلّ يذكره ربه ويحميه من الشرور كلّها قال تعالى " لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ * إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ * وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ"، فعلى المسلم أنّ لا يؤمن بخرافات جاهلة بل الواجب ذكر الله كثيرا وفي كلّ الأمور لأنّ ذلك هو الفلاح المبين، وأن يحصن نفسه بأذكار الصباح والمساء وقراءة القرآن في البيت وعند الخروج وذكر اسم الله في كلّ شيء وعند كلّ أمر، كما على المسلم أن يحصّن بيته ولا يدخل الكلاب وغيرها من النجاسات إلى البيت ويكثر من قراءة القرآن فيه خاصة سورة البقرة ليحفظه الله من جميع الأمور. ..الشيخ شمس الدين: "عسّاس الدار" مصطلح غير موجود لا في القرآن ولا في السنّة قال الشّيخ شمس الدّين بوروبي بخصوص موضوع "عساس الدار" أنّه مصطلح غير موجود لا في القرآن ولا في السّنة، غير أنّ الجنّ موجود خلقه الله عزّ وجلّ، وقال في تصريح صحفي أنّ هناك من يقول أنّهم يسمعون أصواتا غربية في منازلهم يعتقدون أنهم من الجن يسكنون معهم، وقال هذا الأمر غير صحيح فهناك بيوت شكلها الهندسي هو سبب تلك الأصوات، وكثيرة هي الحالات فمرّة في إحدى المدارس كانوا يسمعون أصوات حيوانات وكانت تلك المدرسة مصدر خوف العديد من الناس وألّفت في ذلك قصص وروايات مفادها أنّ المدرسة بنتها فرنسا وهي مسكونة بالجنون لكن في مرة تم تصليح أنابيب صرف المياه فيها، ووجدوا أنّ هناك أنابيب فارغة وعندما تدخلها الرياح تصدر تلك الأصوات. وعن قول بعض الناس أنّهم يرون أشخاصا غريبين في بيوتهم ثم يختفون بسرعة قال شمس الدين أن الجن لا يتصور ولا يظهر ولا يمكن للإنسان مشاهدته أبدا عكس الملائكة التي تتشكّل في صور. .. خوف الإنسان من الجن خلق حكايات وأساطير.. الدّجالون والمشعوذون ضخّموه في عقول العامة أكّد المختص النفسي بولقرع مخلوف في اتصال بالحياة العربية، أنّ هناك قوى خير ممثّلة في الملائكة لها تأثير في حياتنا على الرغم من عدم إدراكنا إياها، وقوى شرّ ممثلة في الشياطين وهم مردة الجن، وهناك سورة كاملة في القرآن الكريم عن الجنّ تبيّن طبيعة خلقهم ووظيفتهم والقوانين التي تحكمهم، ومن ضمن هذه القوانين أنهم يروننا ولا نراهم إضافة إلى قدرتهم الهائلة على الحركة والتأثير التي تفوق قدرة الإنسان، ومن هنا جاء خوف الإنسان من هذه القوّة الخفية التي يمكنها أن تؤثّر فيه أو عليه ( بدافع منها أو بتوجيه من شرار الإنس) دون أن يراها أو يملك وسيلة لدفعها، هذا الخوف أحاط موضوع الجن بالكثير من الحكايات والأساطير منها هذه المعتقدات، وأشار المتحدث إلى أنّ استغلال الدجالين والمشعوذين هذا الخوف فلعبوا عليه وضخّموه في عقول العامة، وأقاموا على أساسه مجموعات هائلة من المعتقدات والممارسات الأسطورية والسحرية جعلت لهم سلطانا على عقول وقلوب الدهماء خاصة في المجتمعات المتخلفة. .. الجهل والابتعاد عن الدين دفع البعض لتفسير أمور بخرافات أسطورية لملأ فراغهم الروحي أكّد المختص الاجتماعي الأستاذ محمد طويل أن "عساس الدار" و"صلاح الدّار" معتقد خاطئ لكنّ الناس يؤمنون بوجوده لأنّهم لا يزالون يعتقدون الخرافات الخاطئة، وهذا راجع إلى النقص العلمي والوعي لدى الأفراد والأسر، كما أنّ هذا راجع أيضا إلى غياب أو نقص التفسير العلمي لبعض الظواهر لتحلّ محلّه خطابات الشعوذة، وكذا نقص دور الإعلام والمؤسسات التربوية لنزع هذه المعتقدات من الأذهان. وأضاف المختص أنّ هذه الأفكار لها تأثير كبير على الجانب الاجتماعي والديني خاصة، فالمصدّق لهذه الخرافات تجعله يبتعد عن العقيدة الدينية، كما أكّد المتحدّث أنّ أسباب هذه المعتقدات الخاطئة تعود إلى ضعف الخطاب الديني وعدم توضيح الأمور، كما أنّ الاعتقادات الساذجة التي كانت سائدة لتحقيق أغراض روحية أثرت بشكل كبير على الناس وجعلتهم يصدّقون أنّ هناك أرواحا غير بشرية تحرص البيت وتجعل فيه الخير ونسوا أنّ الأمور كلّها بيد الله سبحانه وتعالى. إضافة إلى تدني المستوى التعليمي والأمية فأصبحوا يفسّرون أمورا بخرافات أسطورية لإقناع أنفسهم وملأ فراغهم الروحي. وأشار الأستاذ إلى أنّ التصديق بهذه الخرافات يعدّ من الأمور الخاطئة التي تؤدي بهم إلى الوقوع في الشّرك بالله فعلى الإنسان العاقل المؤمن أن يؤمن بأنّ الأمور كلّها بيد الله، والقرآن الكريم والسّنة النبوية الشريفة هما المرجعان الأساسيان والوحيدان لتفسير الأمور الروحية.