"يسهرون الليالي..يصرفون أموالا على دروس الدّعم ..يدخلون في دوامة من القلق والخوف والمرض في بعض الأحيان".. والهدف واحد نيل شهادة البكالوريا وافتكاك تأشيرة الدخول إلى الجامعة.. لكلّ طالب آفاق، فالبعض يطمح للتفوق والنجاح والبعض يطمح للحصول على منصب شغل، وطالبات يرغبن في البروز والواجهة غير ان بعضهن يلجأن إلى الجامعة بحثا حياة راقية عن طريق عريس مثالي مثقف وواع، وأخريات يتعمّدن للمجيء للعاصمة أو والولايات الكبرى قصد الدراسة، لكن يحدث وأن يحتكن مع طالبات أخريات أكبر منهن سنا وأقدم منهنّ تجربة، فيخرجن عن سياق طلب العلم لهثا وراء الحبّ والغرام بعيدا عن أعين الأهل ورقابتهم، وسنكون مجحفين إن قلنا أنّ الأمر يقتصر عليهن فقط بل أيّا كانت قد يغرّر بها، ويزجّ بها في عالم لا مخرج منه، فكم من علاقة بدأت داخل أسوار الجامعة بكلام وتصرفات لا أخلاقية، وكم من جريمة زنا وقعت داخل الجامعة وكم من طالبة أجهضت وربما ماتت بسبب هذا، وكم من طفل ولد ورمي في قمامات الأحياء الجامعية. استطلاع :أسماء زبار أضحت الجامعات الجزائرية حديث العام والخاصّ، وأصبحت طالبات جامعيات مثارا للجدل والنقاش، فكما يقال "حبّة فاكهة أفسدت كلّ الصندوق"، إذ يمكن لأي واحد منّا الدخول للجامعة والوقوف على سلوكات مشينة في وسط الطلبة والطالبات. ولهذا الغرض تنقلت "الحياة العربية" لبعض الجامعات بالعاصمة واستطلعت رأي الطلبة في الموضوع ورأي المختصين كذالك. .. البعض يعتبرونها عادية وآخرون تعوّدوا عليها التقينا بفاطمة طالبة السّنة الثالثة علم النفس بجامعة الجزائر 2 ببوزيعة وقالت "خلال سنواتي الثلاثة رأيت الكثير من السّلوكات غير الأخلاقية، في سنتي الأولى شاهدت طالبة مع شاب في وضعية مخلّة بالحياء داخل إحدى القاعات، أصبت بالدّهشة والخجل، فلم أصدّق الأمر لولا أنّني شاهدت بأمّ عيني، وعندما أخبرت صديقتي بالأمر قالت بأنّ هاته الأفعال أصبحت عادية، فستشاهدين الكثير منها مع الوقت، وبعد مرور ثلاث سنوات تأكّد ما قالته لكنني لم أعد أدهش مثل الأوّل بل وكأنني أرى أمرا عاديا، هذه السلوكات انتشرت في الجامعات بسبب الانحلال الأخلاقي، وعدم الرقابة من طرف أعوان الأمن الذين يقومون أحيانا بنزع البطاقات عندما يرون هذه الأمور لكن سرعان ما يعيدونها لهم" . من جهته، قال رضا من كلية العلوم السياسية والإعلام أنّ الأمر "عادي" وأنّها مرحلة يمرّ بها الطالب في مشواره الدراسي، وهناك من يعتبرها أنّها تكمّله. وأجابت فريدة وهي طالبة بجامعة باب الزوار عن سؤالنا، بأنّ هذه السّلوكات شيء عادي جدّا في جامعة هواري بومدين، كأنّهم في بلدان غربية حتى في طريقة اللباس والتصرفات والكلام، والأدهى والأمرّ أنّهم يمارسون هذه الأفعال أمام الملأ دون خجل. أمّا حنان تدرس في السنة الثالثة "أدب بجامعة الجزائر1"، فقالت تحدث في الجامعة سلوكات غير أخلاقية حيث نصادف يوميا مناظر مخلة بالحياء خاصة في القاعات والمدرجات، فمرّة دخلت المدرج فصدمت بمنظر مقزز، كنت سأخبر أعوان الأمن لكنني ترددت لتفادي المشاكل. ووافقتها كنزة "تدرس علم الاجتماع"، وصرحت: "لم أكن أعلم أن هذا يحدث في الجامعات إلا عندما درست فيها، فبعض الطالبات يغتنمن فرصة عدم مراقبة الأهل ليقمن بهذه السلوكات اللاأخلاقية في الحرم الجامعي، خاصة الفتيات اللاتي يأتين من خارج الولاية، وأضافت لابد لأعوان الأمن أن يكثّفوا الرقابة ويشدّدوا العقوبة على كلّ من يرونهم في وضعيات مخلة بالحياء ليكونوا عبرة لمن يعتبر. ..التحرّر من رقابة الأهل والأسرة يدفع للتحرّر الأخلاقي المستورد من الغرب قال المختص الاجتماعي محمد طويل في الموضوع أنّ هذه السّلوكات اللاأخلاقية التي تحدث في الجامعات جديدة ودخيلة على المجتمع الجزائري، فالحرم الجامعي له قواعد وضوابط تحكمه كما له قانون داخلي لا يجب التعدي عليه ويعاقب كلّ مخالف له، ونظرا لتغير الكثير من القيم الاجتماعية وتخلي الأفراد عن الكثير من الأخلاقيات، أصبحت الجامعات فضاء لممارسة هذه العلاقات التي تصل مع قلة الحياء وانعدامه إلى ممارسة الزنا. وأشار الأستاذ أنّ هناك أسباب تخصّ الأشخاص في حدّ ذاتهم (الممارسون لهذه الأفعال اللاأخلاقيةّ)، أهمّها التمرد على الأسرة فبعد تلك الرقابة والصرامة والمتابعة الشديدة ينتقل الشاب أو الشابة إلى الجامعة فيتحرّر من رقابة الأهل والأسرة خاصة إذا كانوا بعيدين عنهم. كما أنّ هذه الفئة تتغذى بأفكار التحرّر الأخلاقي وهي أفكار غربية بعيدة عن مجتمعنا المسلم الذي يدعو إلى العفة والحياء، وهي أفكار غريبة عن قيمنا الاجتماعية السائدة. وأضاف الأستاذ أنّ الثقافة الغربية التي تبيح هذه الأمور وتعرضها في الأفلام والمسلسلات التي يشاهدها الشباب أثّرت بشكل كبير في تغيّر قيمنا، ففي الماضي كان مجرد الحديث عن علاقة عاطفية أمر غير أخلاقي فما بالك ممارستها أمام الملأ وفي الحرم الجامعي. وأشار الأستاذ أنّه من بين الأسباب التي ساهمت في انتشار هذه السّلوكات في الجامعات، جماعة الرفاق خاصة في السّنة الأولى فالطالب أو الطالبة الذي يصاحب رفاقا يقومون بممارسة هذه السّلوكات اللاأخلاقية يصبح مثلهم يتأثر بهم. وأشار الأستاذ أنّ هذه السّلوكات الرذيلة تعود أيضا إلى وجود فضاءات في الجامعات تساعد على مثل هذه الأمور كقاعات الحفلات مثلا، إضافة إلى نقص الصّرامة في تطبيق القانون وتهاون بعض أعوان الأمن في أداء مهامهم، بل أنّ بعضا منهم لهم علاقات عاطفية مع الطالبات يمارسون معهم هذه الأفعال. وتابع المختص المؤسف في الموضوع أنّ الأمر وبفعل العادة والتكرار أصبح ينظر إليه أنّه عادي بسبب المتغيرات الاجتماعية والأخلاقية التي آل إليها المجتمع اليوم، وتراجع الضبط الاجتماعي فالأشخاص الذين يستنكرون الأمر ويرفضون هذه السّلوكات أصبحوا لا ينهون عنها، كما أنّ هذا راجع أيضا إلى نقص الحياء وانعدامه عند هؤلاء الطلبة الذين يمارسون هاته الأفعال، فالجامعة هي أيضا فضاء لسلوكات أخرى كهذه يُظهر فيها الشاب والشابات ذاتهم بطريقة حتى وإن كانت خاطئة مثل هذه الممارسات. وأرجع الأستاذ أسباب الانتشار إلى عدم فعالية دور المنظمات الطلابية في الجامعات، والتي يجب أن تحدّ من هذه الأمور الأخلاقية التي تسيء للجامعة كونها مكان للبحث العلمي، وقال ربّما أعضاء المنظمات هذه يمارسون مثل هذه الأفعال. وأيضا تراجع دور الأسرة في هذه المرحلة حيث تصبح لا تراقب ابنها أوابنتها خاصة إذا كانوا يدرسون خارج ولايتهم. كما أن هناك أساتذة ودكاترة بالجامعات يمارسون مثل هذه الأمور مع الطالبات وهذا ما يزيد من خطورة الأمر وتدني المستوى الأخلاقي بحيث يقول الطالب كيف الأستاذ يفعل وأنا لا أفعل هذا؟. فتغيّر القيم الاجتماعية واستبدالها بالقيم الغربية التي غزت مجتمعنا خاصة في الآونة الأخيرة، ومع نقص وسائل التوعية إذا لم نقل انعدامها ساهم وبشكل خطير في تفشي مثل هذه السّلوكات. إضافة إلى عدم وجود مساجد أو مصليات في الكثير من الجامعات بينما توجد فضاءات وقاعات للحفلات والرقص وغيرها ما يفتح المجال للانحراف الأخلاقي. واعتبر المختص الاجتماعي هذه السّلوكات هي مخالفات وجريمة في حق الحرم الجامعي، فالعلم والأخلاق توأمان لا يمكن إبعاد أحدهما عن الآخر وهذا مؤشر قوي يدلّ فعلا على تدهور المستوى التعليمي والعلمي في الجامعات، الأمر الذي يدعو للأسف لأنّه كلّما ارتفع مستوى العلم ارتقت الأخلاق والعكس صحيح، فالطلبة بدلا من أن يذهبوا للجامعات للدراسة والبحث باتوا يذهبون لممارسة أرذل الأفعال التي تؤدّي إلى نتائج لا تحمد عقباها، إنّ هذه الأفعال الدخيلة البعيدة عن قيمنا الدينية والاجتماعية والأخلاقية باتت تهدد جامعاتنا وعلى المسؤولين والأسر بالتفطن للأمر. ..حبّ التجربة والميل لاكتشاف الجديد والرفقة السيئة أسباب تدفع الطالبات لهاته السلوكات قالت أستاذة علم النفس الاجتماعي بجامعة الجزائر 2 (ب.م)، أنّ هذه السّلوكات التي عرفتها الجامعات الجزائرية من قبل لكنّها استفحلت في الآونة الأخيرة بسبب الانحلال الأخلاقي الذي وصل إليه المجتمع، وتجرّد الشّباب من جميع القيم الأخلاقية أوّلها الحياء والعفة لتحلّ محلّها الأفعال اللاأخلاقية مثل هذه السلوكات بين الطلاب والطالبات، وأضافت الأستاذة أنه من أسباب انتشار هذه الأفعال عدم رقابة الأهل، فالفتاة التي تدرس خارج ولايتها تكون بعيدة عن أسرتها وبعد احتكاكها بالجامعة ورفيقاتها في السكن يمارسون هاته الأفعال مع أصدقائهم تخلق لديها حبّ التجربة، لأنّ الإنسان بطبعه يميل لاكتشاف الأمر الجديد، فالخوف من الأهل يحدّ من هذه الأمور. وأضافت الأستاذة أن الضغوطات والصرامة الشديدة التي يطبقها الأهل على أبنائهم خاصة الفتيات، يدفعهم لاستغلال الجامعة للانتقام ممّا عاشوه، وأشارت المتحدثة إلى أنّ هناك العديد من الطالبات من يقعن في شباك الإغراء حيث تقيم علاقة مع طالب يعدها بالزواج بعد الدراسة وهو في حقيقة الأمر يستغلها لأغراض غريزية لا غير. كما أنّ تأثير الرفاق على السلوك والتفكير له دور كبير في تفشي هذه السلوكيات حيث يصبحون يرونها أمورا عادية وبفعل العادة تصبح لهم أمرا ضروريا لابد من القيام به بل يتطور الأمر إلى أكثر من ذلك تصبح العلاقة بينهم قائمة على هذا الأمر اللاأخلاقي، كما أنّ مظاهر الإغراء في الجامعات كثيرة جدّا خاصة من جانب الفتيات حيث يلبسن لباسا فاضحا يظهر الجسد ما يؤدي إلى انتشار العديد من السلوكات غير الأخلاقية مثل هذه الظاهرة. وأشارت المتحدثة إلى أنّ العلاقات لم تقف عند الطلبة فقط بل هناك علاقات بين الطالبات والأساتذة وأعوان الأمن. ..اختلاط النساء بالرجال يولد الفتن العظمى.. فتبدأ بالمصافحة وتنتهي بالزنا وما ينجرّ عنها قال الإمام أحمد قواسم في اتصال مع الحياة العربية أنّ العلاقات العاطفية بين الطلاب في الجامعية حرام من الأساس، لأنّ الله عزّ وجل حرّم علاقة الرجل بالمرأة دون رابط شرعي لما فيها من مضار لهما وللمجتمع برمته. فالنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن مصافحة المرأة للرجل فما بالك بأمور أخرى، كما حرّمت الخلوة بين الرجل والمرأة لتجنب وقوع هذه الأفعال التي تؤدّي إلى جريمة الزنا لا محالة. فالطالب والطالبة عندما يدخلون الجامعة يجدون أنفسهم قد تحرّروا من قيود الأسرة والأهل، وبعد الاحتكاك مع الزملاء وخاصة رفاق السوء يقودونهم لمثل هذه الأفعال التي حرّمها الله عزّ وجل. وقال هذه السّلوكات الخطيرة تؤدي إلى ارتكاب الزنا بل هي بداية الزنا وسببها الانحلال الأخلاقي الذي وصل إليه المجتمع، وبعض البنات –هداهم الله- يلبسون ثيابا كأنهن عاريات يلبسون الضيق والشفاف وغير ذلك، فيثيرون بذلك الفتنة في الجامعات، والطالبة عندما ترى زميلها ينظر إليها بإعجاب تصبح تنمق وتزين نفسها أكثر لتثير الإعجاب، ومن ثم تبدأ العلاقة المحرمة. وأكّد الشيخ أنّ غض البصر من الأمور التي تبعد الفرد على هذه المحرمات قال عز وجل" قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ * ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ * إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ"، وقال تعالى"وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ". وأضاف الشّيخ أنّ من أسباب انتشار هذه المعاصي في الجامعات هو الاختلاط، هذه المصيبة الكبرى التي تسبّبت في الكثير من المعاصي في المجتمع، لأنّ اختلاط النّساء بالرجال يولد الفتن العظمى، كما أن المرأة لها ضعف وفراغ روحي وعندما تصادف ذئاب البشرية تقع في هذه الغلطات الكبيرة التي يترتب ارتكاب الزنا مما ينتج عنه حمل وإجهاض وقد يؤدي إلى الانتحار أو الهروب من المنزل أو المشي في طريق المعاصي والفساد، قال الرسول صلى الله عليه وسلم "لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم". فهذه الأدلة من الكتاب والسنة تدل على تحريم العلاقات التي تكون بين الذكور والإناث، إلا بعقد شرعي، وأن لا يتحدثا مع بعضهما إلا بوجود محرم تجنبا للمفاسد التي تنجرّ عن الخلوة والاختلاط. وقال الشيخ على الأولياء أن يتفطنوا لهذا الأمر وأن يحرسوا بناتهم وأولادهم حتى لا يقعوا في المعاصي الكبرى، فالأولاد الذين لا يعرف نسبهم هم من نتائج العلاقات اللامحدودة بين الذكور والإناث، والأولياء غافلون ساهون عما يفعل أبناؤهم في الجامعات وغيرها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" كلّكم راع وكلّكم مسؤول عن رعيته". ...الحرم الجامعي انتهك بكلّ ما هوخادش للحياء العام والخاص قال المحامي ضيف فواز في حديثه ل" الحياة العربية" عن هذه السلوكات اللاخلاقية بالجامعات، في الحقيقة هو موضوع يدمي القلب لما وصل إليه مجتمعنا عموما والجامعة خصوصا من مستوى منحط على جميع الأصعدة، فصارت الجامعة التي أنشأت لسبب واحد وهو العلم، جامعة لكلّ الآفات وصار الحرم الجامعي منتهكا بكلّ ما هو خادش للحياء العام والخاص، وأضاف، في الحقيقة لإعطاء الموضوع حقه يجب علينا فك معادلة في غاية الصعوبة وهي من المتسبب في الانحطاط الأخلاقي للمجتمع عموما الحاكم أم المحكوم واعتقادي أنّنا شركاء في هذه الكارثة التي وصلنا إليها، ولا يمكننا أن نلصق التهمة في أعوان الأمن وتحميلهم مسؤولية هذه التصرفات لأنّ هذه المظاهر موجودة في الشواطئ في المطاعم وفي الطرقات.