غالبا ما تكثر المشاكل والشجارات بين الزوجين، ويكون مردها بالدرجة الأولى العادات والطباع السيئة التي تعرقل السير الحسن للحياة الزوجية، بل تتعدى ذلك وتؤدي إلى تدميرها. كوثر سلمان يرجع أغلب الأزواج السبب للعادات والطباع المقلقة والسيئة التي يقوم بها أحد الطرفين أوكلاهما ما ينجر عنها دخول الحياة الزوجية قفص الصراعات والتوتر ووضعها على المحك وبالتالي إرباك العلاقة الزوجية المبنية أساسا على روح التفاهم والتعاون، وانحراف سيرها لخندق القلق المتواصل والتذمر الشديد، وللدخول أكثر في تفاصيل هذه العادات ومعرفة تفاصيل أكثر بخصوص هذا الموضوع ارتأت الحياة العربية أن تقوم بجولة استطلاعية في شوارع العاصمة للإطلاع ا كثر عن هذه الطباع .."زوجي بخيل جدا بطريقة لا تطاق" تصف لنا السيدة مريم التي التقيناها في ضاحية من ضواحي العاصمة شعورها بالإحباط وبخيبة الأمل عندما اكتشفت هذه الصفة المشينة في زوجها وتقول: «لم تظهر عليه ملامح هذه الصفة في فترة الخطوبة وأيضا في الشهور الأولى من دخولي القفص الذهبي الذي أحسسته قفصا حديديا صدئا لمّا لاحت بوادر البخل والشح في الأفق، لأنّه بدأ شيئا فشيئا ينقص في شراء الحاجيات المنزلية ومن ثم بات لا يقتني إلا الشيء اللازم ولا يبتاع لي ما أطلبه وأضحت جملة "ليس عندي نقود وأنت امرأة مبذرة"حاضرة بقوة في فمه وبعدها رويدا رويدا صرت أنا المعيل الرئيسي وأتحمل تقريبا كلّ المصاريف اللازمة والحمد الله أنّي امرأة عاملة وإلا لكنت غرقت في الفقر ولا عشت عيشة المساكين بسبب بخله رغم أنّ حالته ميسورة وبإمكاننا أن نحيا حياة رغدة، بسبب بخله كرهته وكرهت الحياة معه ولولم أنجب منه أطفالا لكنت قد طلبت الطلاق". " الفوضى التي يحدثها زوجي تزعجني وتخنقني" تحدثنا إلى السيدة كريمة التي أعربت لنا عن انزعاجها وتعصبها من الفوضى العارمة التي يحدثها زوجها في المنزل وتقول: «الفوضى وعدم إرجاع الأشياء إلى أماكنها وتنظيمها هي صفات ملازمة لزوجي ولا تفارقه رغم التنبيهات التي أقوم بها مرارا وتكرارا، فهذا الأمر يؤرقني ويثير أعصابي جدا وكانت اغلب المشاجرات التي تحدث بيننا بسبب ذلك فهو شخص غير منضبط، دائما يخلق لي "شغلا" من لا شيء بسبب بعثرته للأشياء في المنزل، فالخزانة دائما مفتوحة ملابسه ملقاة في كل مكان سواء النظيفة أو المتسخة، عندما يصلح شيئا في البيت يبحث في كل الأماكن ويخرج جميع الأدوات ولا يعيدها، اعمل على تنظيف وترتيب البيت طوال اليوم ليأتي هوفي المساء ويقلبه رأسا على عقب فوضويته هذه تتعبني جدا وتفقدني أعصابي ,تكلمت معه كثيرا في هذا الموضوع لكن دون جدوى فكلامي كالنقش على الماء". "إهمال زوجي يحبطني وهو جاف معي عاطفيا" من جهة أخرى، تقول السيدة نوال التي التقيناها في أحد المطاعم الموجودة بالعاصمة "أستاء جدا من إهمال زوجي لي فهو الذي تغيّر بعد الزواج، فتصرفاته انقلبت 630 درجة، ودائما يبرّر لي إهماله بتعبه من الشغل وكثرة مشاغله التي لا تنتهي، وكلّما طلبت منه طلبا ينساه ويرجح الكفة لكثرة الأعباء التي يتحملها في عمله، وما زاد الطين بلة في الأمر هو جفافه العاطفي الذي تولد بعدما ارتفع مؤشّر الإهمال، فالرومانسية والعواطف أضحتا عنده في خبر كان، تحول إلى كتلة من الحديد خالية من الأحاسيس السامية الرقيقة لا يهمّه سوى العمل وتحصيل النقود، هاتان الصفتان جعلتاني أكرهه وحولتا حياتنا إلى جحيم ". "كذب زوجتي يميت حبها في قلبي" يقول السيد حميد الذي كانت لنا فرصة التحدث معه في خضم الجولة الاستطلاعية التي قادتنا للتجوال في شوارع العاصمة: «من الصفات التي لا أحبذها في أي شخص هي الكذب الذي وجدته ملازما لزوجتي لسوء حظي، فمثلا عندما أوضح لها أخطاءها في أشياء فعلتها، دائما ما تبررها بأشياء كاذبة لا تمت للواقع بصلة، هذه الصفة أسقطت كمّ الحب والتقدير اللذان كنت أكنّهما لها بل وأماتت حبها في قلبي، لأني لا أطيق هذه الصفة وغالبا ما نتشاجر بسبب كذبها التي تخلقه لتبرير أمور تافهة، كلّما انتهى شجار بيننا أفكّر مباشرة في إنهاء العلاقة الزوجية لكن وجود أولادي في حياتي يمنعني من ذلك لأني لا أريد أن أعذّبهم بطلاقي من أمّهم وأحملهم أكثر من طاقتهم، أنا غالبا ما أشحن بطارية تحملي لكذبها لأجلهم". "تشاؤمها ونكدها يبعداني عنها عاطفيا" يصف لنا السيد ياسين الذي التقيناه في حديقة عمومية موجودة في إحدى ضواحي العاصمة تذمره وكرهه من الصفات التي تعتري زوجته ويقول :"زوجتي إنسانة نكدية بطبعها ومتشائمة فهي كلّ يوم تصرخ على أبسط الأشياء ولا يعجبها العجب، ابتسامتها نادرة لا تخرج سوى في المناسبات، وهي تدمرني بتشاؤمها اللامتناهي فدائما ترى المستقبل مظلما وتتوقع السّيئ في أبسط الأمور على عكس نظرتي فأنا إنسان متفائل بطبعي حتى وإن حدث معي شيء سيّء، أقول في قرارة نفسي، ربما وقع هذا ليدحر عني أشياء أسوء كانت مقدرة لي، هذه الصفات لم اكتشفها فيها إلا بعد الزواج والعشرة لأنها في فترة الخطوبة لم تكن على هذه الشاكلة بل كانت إنسانة رقيقة وحساسة ودائما تحدثني عن طموحاتها المستقبلية، لو ظهر لي نكدها في فترة الخطوبة لفسختها، لأنني شخص أحب اللعب والمزاح وهي عكسي جامدة ونكدية وتكره المزاح". "هذه الطباع ناتجة عن نمط التنشئة الاجتماعية المتوارثة" أكّدت الأستاذة والمختصة في علم الإجتماع سامية قطوش أنّ هذه الطباع ناتجة عن نمطية التنشئة الاجتماعية التي توارثناها عن أجدادنا قائلة أنّ الفرق بين البخل والتقصير أو الفوضى نابع عن نمط التنشئة الاجتماعية التي تلقاها الرجل الجزائري وأنه منذ البدايات شبّ على شعور بنوع من العظمة بينما المرأة نشأت على فكرة الدونية وهي تشتكي من هذه التصرفات، ولكنها تكرس لنفس الثقافة. كما أشارت المختصة في حديثتها ل" الحياة العربية" أنّ فكرة التبعية المرتبطة بعوامل التنشئة الاجتماعية تعترف بالقوامة لكن دون تطبيق معناها الحقيقي لأن القوامة تعني الشراكة سواء الجسمية أو المعنوية وليس القوامة بمفهومها الخاطئ والتي تعني القوة لأن الرجل أساسا قوي على المرأة، وأن القوامة أيضا معناها السند وليس تثبيطات معنوية أو فكرية، وأضافت أنّ الرجل الذي نشأ على ثقافة معنية سيعجز عن تغيير طباعه أو ممارساته لأنّها ليست وليدة اليوم والليلة وإنّما هي وليدة حياة طويلة منوّهة أنّ المجتمعات العربية اعتادت على الدّور الوظيفي المنزلي للمرأة وأنّ الرجل الذي يساعد المرأة يصفونه بأنّه قلّل من قدره ومكانته وأنّ هذا الأمر حاصل في الوقت الذي تغيّر في دور المرأة التي أصبحت تمارس وظائف خارج البيئة الأسرية. كما ألحّت على ضرورة التعاون على الحياة الزوجية لاسيما وان تطلعات واهتمامات المرأة تعدت الحدود المنزلية فالمرأة الآن تدرس وتعمل وتتقلد ارفع المناصب وذكرت في سياق حديثها أنّ المجتمعات العربية وبرغم التغيرات التي حصلت فيها مازالت مجتمعات ذكورية، فالرجل يشعر أنّ المرأة هي امتداد له، ومهما حدثت تحولات اجتماعية فإنّ مضمون التنشئة لازال ثابتا، واستشهدت في قولها أنّ العلاقة الزوجية تمثل صورة نمطية فالمرأة عندما تدخل المنزل متعبة تغير ثيابها وتذهب مباشرة للمطبخ بينما الرجل يأتي للمنزل ويستلقي في غرفة الجلوس ويشاهد التلفاز. كما شدّدت محدثتنا على ضرورة الالتزام بالشريعة الإسلامية والإقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم مستذكرة أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم كان في خدمة أهله رغم أنه كان يحمل أعباء الأمة فكان يلاطفهم ويداعبهم ويخيط ثوبه لأنّ الدين معاملة فلو كلّ زوج وزوجة حاول تطبيق نظرية الدين معاملة لهانت كل المشاكل ولا طغى على فكره البعد الروحاني فالرسول صلى الله عليه وسلم بلّغ الرسالة بالسيف وبالكلمة، كما نوهت محدثتنا أنّ الزواج سكن ومودة ومحبة وهو عبارة عن مواقف يومية يعيشها الزوج مع زوجته تحتاج إلى ثقافة تبحث في جوهر الإنسان وتتجاهل جنسه وتترفع عن بعض الأنماط السلوكية، كذلك يجب فهم المعنى الحقيقي لمصطلح القوامة فالكثير من الرجال يتقمص دور القوامة ويتعذر بها ويتجاهل معانيها الحقيقية السامية، وعن التغيرات الاجتماعية الكثيرة الحاصلة تقول الأستاذة قطوش أنّنا نحتاج إلى إعطاء دورات توعية للشباب المقبلين على الزواج توضح كيفية نجاح العلاقة الزوجية لأنّها يجب أن تترفع وتسمو عن التفاهات . "يجب أن يكون هناك أسلوب حواري في التعامل بين الزوجين" أكّدت الأخصائية النفسية بدوحان فايزة، أنّ إبراز العوامل لحدوث مشاكل بين الزوجين يكون مردها بالدرجة الأولى هوغياب الأسلوب الحواري بينهما إذ يجب أن يعطي كل واحد وجهة نظره للخروج بحل يناسب كلا الطرفين لان وجوده يعطي فرصة لكلا الزوجين للتنبه لخطأهما وهو ما يتيح فرصة للاصطلاح ومحاولة احتواء المشاكل قبل تفاقمها، كذلك متطلبات الوقت الحاضر شيء مهم لأن الأزواج الآن لا يجلسون مع بعضهم وذلك لمتطلبات الحياة الزوجية فالزوجة تعمل والزوج كذلك وبالتالي عدم وجود إمكانية لمعالجة المشاكل التي يجب أن تعالج بشكل يومي لمنع تراكمها وشكّل تداخلها الذي يجعل البحث عن الحلّ صعب وبالتالي يهمل لب المشكل وتتولد عدم رغبة في المواجهة. أضافت المختصة في حديثها ل" الحياة العربية" أنّ الغربة بين الزوجين سبب في حدوث المشاكل فيجب أن يكون هناك تقرب وتكامل بين الزوجين لأن الحياة الانفعالية العاطفية مهمة جدا بين الزوجين فالبعد عن العواطف حسبما تقول ينتج نوع من الجفاف الذي يؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على الحياة العاطفية. كما نوهت الأستاذة فايزة أنّ شخصية الزوج والزوجة تلعب دور رئيسي في مسار سلوك الحياة الزوجية فإذا كان الزوج متسلط وخشن التعامل والعكس كذلك، هذا الأمر مهم ويؤدي إلى حدوث شرخ في العلاقة الزوجية التي يجب أن تكون مبنية على المعاملة الطيبة كما تطرقت محدثتنا في سياق حديثها إلى وجوب حضور عنصر الثقة في التعامل بين الزوجية كون هذا العنصر بالغ الأهمية لان غيابه يسمح بوجود الريبة التي تنعكس سلبيا على المسار السلوكي التعاملي بين الطرفين، كما شددت على ضرورة وجود الأسلوب الحواري بشكل أنّي قبل الوقوع في المشكل وذلك حتى تكون القاعدة الحياتية المعيشية بينهما مبنية على أساس التوازن ويكون إيجاد الحل سهلا ونوهت إلى ضرورة وجود تقارب في المستوى العلمي والثقافي والتربوي لان ذلك يؤثر ايجابيا على سير العلاقة الزوجية .