لم يبق في المجتمع الجزائري حال على حاله، فكلّ شيء تغيّر مع الزمن، ولأسباب متعدّدة، فالعولمة والتطور التكنولوجي وغلاء المعيشة والنمو الديمغرافي كلّها ساهمت في زوال ظواهر ونشأة أخرى جديدة، ومن بين هاته الظواهر هي إقامة الأعراس في قاعات مخصّصة للحفلات، بدافع ضيق السكنات أو لعدم كركبة البيت وغيرها من الدوافع، وجميل أن يجتمع الناس والأحباء في مكان واحد للفرحة والبهجة والتنفيس على الروح، لكن نسي الكثيرون أنّ هذه الصالات خصوصا منها التي تقع وسط أحياء سكنية، تحاذيها سكنات أخرى وأنّ هنالك أناس بالقرب منها، وقد يكون لدى هؤلاء مريض أو إنسان في حالة قلق، وأنّ الأصوات المرتفعة ل" الدي جي" قد يزيد حالتهم سوءا. استطلاع: أسماء زبار اشتكى العديد من المواطنين القاطنين بمحاذاة قاعات للأفراح بمناطق مختلفة بالعاصمة، من الضجيج والصخب الذي تحدثه هاته الأخيرة، غير مبالية بشعور وإحساس الجيران، خصوصا وأنّ غالبيتها يعمل بطريقة غير قانونية، ورغم الشكاوي العديدة التي تقدّموا إلى السّلطات المحلية إلاّ أنّ الحال بقي على حاله، ولم يتغّير شيء، وأمام هذه الأوضاع وقفت الحياة العربية على هذا الجانب واستطلعت رأي المعنيين. قالت السيدة (م.باية)، "حيّنا هادئ جدّا لكن بعد ما افتتحت قاعة الأفراح بمحاذاة بيتنا صرنا ننزعج جدا بسبب الموسيقى الصاخبة التي تهز الجدران خاصة في فصل الصيف أين تكثر الأعراس، وليس هذا فحسب بل سيارات "الكورتاج" غالبا ما تتسبّب في غلق الطريق وتصعّب علينا الخروج بالسيارة وهذا الأمر الذي يؤدّي في كثير من الأحيان إلى تشاجر زوجي مع صاحب القاعة لكن لا حياة لمن تنادي نحن لا نذوق طعم الهدوء إلا في شهر رمضان". أمّا الآنسة سعاد هي الأخرى تسكن بجانب قاعة أفراح ببومعطي فقالت في الموضوع " نحن ننزعج كثيرا من الصوت المرتفع لل"دي جي"، وكذا أبواق السيارات التي يبالغ جدّا في استعمالها، قدّمنا شكوى ضدّ أصحاب الصالة، حيث تم غلقها بسبب عدم وجود موقف لكن بعد مدّة أعيد فتحها وعاد معها الانزعاج، فبعض الناس يبالغون في الأعراس بإطلاق البارود والمفرقعات وغيرها فلا يبالون بالجيران المهم أنّهم يتباهون بعرسهم، وفي كثير من المرات تشاجر الجيران مع صاحب القاعة لخفض صوت الديسك جوكي لكن دون جدوى". أما الشاب حمزة فقال في الموضوع " إخترنا مكانا هادئا وجميلا وبنينا فيه فيلا، كان الأمر في البداية على ما يرام، لكن بعد مدة فتح جارنا قاعة أفراح ببيته، إذ لا يفصلنا عنه سوى جدار، الأمر الذي جعلنا لا نستطيع أن نسكن فيها خاصة وأنّ والداي كبيران في السنّ يحتاجون للراحة والهدوء، فقرّرنا بيعها". من جهتها، قالت السيدة فاطمة الزهرة، قاعات الأفراح مصدر إزعاج للكثير من الناس لأنّ مكانها غير مناسب فالجيران الذين يسكنون بمحاذاتها لا يعرفون الهدوء بتاتا، ما يسبّب الكثير من الخلافات بينهم وبين أصحابها وهذا ما حصل في العديد من المرات في الحي الذي أسكن فيه فإضافة إلى الموسيقى الصاخبة التي تدوم إلى ساعات من الليل، أصبح حيّنا موقف لأصحاب الأعراس ومعازيمهم، وعندما تريد الدخول إلى بيتك تجد سيارات مصطفة أمام بابك. قاعات الأفراح مكانها المناسب بعيد عن الأحياء السكنية أوفي مراكز تجارية لا تزعج أحدا. أما الآنسة منال فقالت في ذات الموضوع "إنّ وجود قاعات الأفراح وسط المجمعات السكنية يتسبّب في بعض الآثار السلبية التي يتغاضى عنها الكثيرون، لسببين إمّا نفورا من المشاكل أو لأنّ الأمر لا يعنيهم، رغم الخطورة الكامنة وراء هذه الممارسات، فبعض هذه القاعات تفتقر لتقنيات عازل الصوت، ممّا يغرق الحي في دوامة من الصخب خاصة في موسم الأعراس، بفعل مكبرات الصوت التي تطلق الأغاني دون مراعاة نوعيتها أو ما يقال فيها، مما يتسبب في حرمان السكان المجاورين من الراحة والهدوء، ناهيك عن تجمهر بعض من المعازيم أمام مدخل القاعة، إذا كانت لا تملك قاعة خاصة بالرجال. كما يجد الرجال المدعوون أنفسهم عند الكثير من قاعات الحفلات، في حيرة من إيجاد مكان لركن سياراتهم مما يضطر الكثيرون منهم للبقاء أمام مداخل القاعات، متسببين بذلك في حالة من الازدحام والاكتظاظ والفوضى، أو يصطفونها أمام منازل الجيران مما يتسبب ذلك في بعض المشاكل. ... صاحبة قاعة أفراح قالت السيدة (جميلة.م)، صاحبة قاعة أفراح بأحد الأحياء السكنية بالحراش، "على أصحاب قاعات الأفراح أن يراعوا راحة الجيران ويحترموا بيوتهم وذلك بخفض الموسيقى وعلى كلّ قاعة أن يكون لديها موقف خاص بالسيارات لتفادي إزعاج الناس، وأضافت أنا أسكن بمحاذاة قاعتي أفراح وأعلم جيدا مدى انزعاج الجيران من الأصوات الصاخبة فأشترط على أصحاب الأفراح بتوقيف الديسك جوكي على السّاعة السادسة والنصف، وعليهم أن لا يتجاوزوا الساعة الثامنة في القاعة وهذا لتفادي المشاكل مع الجيران لأنّه في الأوّل حدثت معي بعض المشاكل مع الجيران، وتمّ حلها بطرق سلمية فلا أريد أن أدخل في خلافات قد ينجم عنها غلق قاعتي التي هي مصدر رزقي". من جهتها قالت (مليكة.ه) صاحبة قاعة أفراح ببوزريعة، أنّها تسكن في منطقة هادئة وصالة الأفراح تقع داخل فيلتها، كانت في البداية لا تأبه للأمر لكن مع الوقت كثرت المشاكل مع جيرانها، ورغم مراعاتها لوقت انتهاء العرس ووقف ال"دي جي"، إلّا أنّ ذالك لم يشفع لها من غضب الجيران فقررت منع ال"دي جي" من صالاتها والاكتفاء بالمدائح الدينية شرط عدم رفع الصوت، هذا القرار الذي اتخذته نفّر العديد من أصحاب الأعراس من صالتها لكن قال أنّ هذا القرار أغناها عن المشاكل مع جيرانها. .. المواطنون يبالغون في سلوكياتهم ولقاعات الأفراح قانون خاص بها قالت المختصة الاجتماعية طايبي أمال في اتصال بالحياة العربية، أنّه في البداية كانت قاعات الحفلات تشكّل مصدر إزعاج كبير للمواطنين القاطنين بقربها، بسبب الضجيج الذي تحدثه يوميا، والتي تصل إلى ساعات متأخرة من الليل، خاصة القاعات التي لا تتوفّر على أيّ ترخيص يخوّل لها مزاولة هذا النشاط، كما أنّ لا أحد من السّكان سبق وأن أبدى موافقته أووقّع وثيقة تسمح له بتخصيص هذه القاعات للأفراح. لكن مؤخرا لم تعد هذه القاعات تثير الإزعاج وهذا بسبب القانون الذي حدّدته الدّولة بخصوص هذه القاعات كالجدران العازلة للصوت وموقف السيارات وتحديد ساعات العرس لكي لا يدوم إلى ساعات من الليل، وتم على إثر هذا القانون غلق العديد من الصالات التي لا تتوفر على جميع الشروط. وأكّدت المختصة أن بعض المواطنين يبالغون في الأمر وهذا راجع إلى الجانب النفسي لبعض الناس وسلوكياتهم حيث يرفضون بالأساس إقامة الأعراس أو أبواق السيارات أوالزرنة فيثيرون المشاكل، وهنا يبدأ الشجار النفسي أولا قبل الاجتماعي مع صاحب القاعة أو صاحب العرس. وأكّدت المتحدّثة أنّ قاعات الأفراح لها قوانين تحدّد نشاطها ولا يحق لأيّ أحد أن يبلّغ عنها إلّا إذا خرجت عن نطاق القانون. وأضافت الأستاذة إلى أنّ هناك تمركز قوي للعديد من قاعات الحفلات في وسط أحياء يعاني سكانها العذاب المستمر بسبب الإزعاج الصادر عنها، إذ تستقبل يوميا أفراح الأعراس التي تستعمل فيها البارود والمفرقعات وغيرها من الأمور المزعجة وهذا ما يجب الحدّ منه لأنّ صوت الموسيقى داخل القاعة لا يخرج، بل الأمر المزعج هي الفوضى والصخب عند باب القاعة. لا حرج في إقامة الأعراس في الحدود المعقولة أي"لا إفراط ولا تفريط" قال الإمام أحمد قواسم في حديثه للحياة العربية، أنّ إقامة الأفراح والأعراس واختيار الأمكنة الأنسب لها يدخل في حكم العادات، فلا يحظر فيها إلاّ ما حرّمه الله تعالى وإلاّ دخلنا في معنى قوله تعالى: "قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَاماً وَحَلاَلاً قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ" ولا يعدل عن هذا الأصل إلاّ إذا اقترن به محذور شرعي يرجع إلى وجود اعتقاد فاسد أو يخالف حكما شرعيا ثابتا أو يلحق ضررا هذا هو الأصل، فقاعات الأفراح التي لا تسبّب إزعاجا للناس بالموسيقى الصاخبة والغناء الماجن وغيرها من المحرمات فهي مشروعة لا حرج في إقامة فيها الأعراس في الحدود المعقولة أي لا افراط ولا تفريط. وهناك قاعات الأفراح تشترط إقامة الأعراس بالمدائح الدينية هذا ما يشجّع على احترام الناس وراحتهم. أمّا القاعات التي تكون وعاء لمفاسد خلقية من مظاهر الألبسة غير المحتشمة، والغناء الصاخب والرقص والاختلاط بين الرجال والنساء، وهي كثيرة، فهذا لا يجوز شرعا فقال الله تعالى"وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ. كما أشار الشيخ إلى ظاهرة الصور والفيديوهات التي تلتقط في الأعراس والتي تنتشر في الهواتف المحمولة وتسبّب العديد من المشاكل الاجتماعية منها الطلاق وعليه قال الإمام "على النساء أن يلتزمن الاحتشام في الأعراس فلا تقول هناك نساء فقط وتلبس لباسا فاضحا وغيرها من الأمور الفاتنة وتقع بعد ذلك في المشاكل التي تهدم الأسر والمجتمع".