لا تزال العائلات الجزائرية تعاني مع استمرار أزمة قاعات الأفراح والأعراس التي لم يعد يعمل منها سوى القليل بعد أن بلغت نسبة القاعات التي أغلقت خلال السنوات الخمس الماضية أزيد من 80 بالمائة من أصل 1200 قاعة موزعة عبر الوطن من بينها أكثر من 280 قاعة بولاية الجزائر لم يبق بهذه الأخيرة سوى 20 قاعة تشتغل، علما أن العاصمة هي الأكثر تضررا من إجراءات الغلق المطبقة. وقد أدت هذه الوضعية إلى ظهور بعض الفضاءات الموازية يعرض أصحابها خدماتهم للعائلات بحجة أنها ترغب في مساعدتها والتخفيف من معاناتها. ويعتبر التقلص المستمر في عدد قاعات الأفراح حقيقة أدخلت العديد من العائلات الجزائرية في دوامة لم تجد لها مخرجا وأجبرت العديد منها على تأجيل أفراحها إلى أجل غير مسمى، بينما رأت أخرى إقامة أعراسها في المنازل مع الاكتفاء بدعوة الأقارب والمقربين. ورغم مرور أزيد من خمس سنوات عن صدور المرسوم التنفيذي رقم 05 - 207 المؤرخ في 4 جوان 2005 والمحدد لشروط استغلال مؤسسات التسلية والترفية، إلاّ أنه لا حل في الأفق لهذه المعضلة بل أكثر من ذلك تفاقمت آثارها لتزيد من معاناة أصحاب هذه المرافق والعائلات على حد سواء، هذه الأخيرة التي تجد نفسها في سباق لا نهاية له مع الزمن قبل أشهر عديدة من موعد حفلات الزفاف والأفراح عامة. ففي العاصمة أجبرت العديد من العائلات على تأجيل أعراسها ريثما تظهر لها قاعة لاحتضان أفراحها، بينما ألغى البعض منها مناسباتها بسبب عدم الظفر بقاعة بعد أن تم حجز جميعها منذ شهر مارس الماضي بل حتى أن البعض منها حجزت خلال السنة الماضية. ولم يعد عدد القاعات التي لا تزال تشتغل إلى يومنا هذا بولاية الجزائر يتجاوز ال20 قاعة من أصل 280 قاعة بعد أن أضيفت مؤخرا ست قاعات بالقبة إلى قائمة القاعات المحظورة ونذكر بعض القاعات التي شمعت بهذه البلدية وهي قاعة الأسد الذهبي، قاعة زهير 1 و2 بالمنظر الجميل وقاعة الرمال الذهبية بالقبة القديمة. عائلات تائهة وأخرى تتنفس الصعداء من جهتها، لم تفهم بعض العائلات سبب لجوء السلطات إلى غلق قاعات الحفلات بهذا الكم الهائل خاصة أن هذه المؤسسات -كما أكّد بعض المواطنين- أصبحت من المرافق التي تقدم خدمات هامة بل أصبحت مع مرور الوقت ضرورية للعائلات الجزائرية خاصة مع أزمة السكن التي تعاني منها نسبة كبيرة من هذه العائلات التي وجدت على مر السنوات متنفسا لها عبر هذه القاعات لإحياء أفراحها بعيدا عن ضيق المسكن وتفاديا لإزعاج الجيران، إضافة إلى أن أسعار كراء هذه القاعات شهدت ارتفاعا كبيرا حسب أحد المواطنين الذي قال إنه تعذر عليه إحياء حفل زفاف إبنه خارج مسكنه بسبب الغلاء الذي أصبح يميّز هذه القاعات، والذي برّره أحد ملاك القاعات بارتفاع الطلب وانخفاض العرض بعد غلق العدد الهائل من هذه المرافق عبر كامل الوطن. إلاّ أن عائلات أخرى تنفست الصعداء بعد أن جاء القانون الجديد المنظم لنشاط قاعات الحفلات ليخلصها مما أسمته بكابوس لازمها طيلة سنوات لم تعرف خلالها معنى الهدوء خاصة في فصل الصيف الذي تكثر فيه الأعراس. وقد أكّد مصدر مقرب من ولاية الجزائر أن النقائص والتجاوزات المسجلة على مستوى هذه المؤسسات إضافة إلى الشكاوى الكثيرة التي وجهها المواطنون إلى الجهات المعنية وعلى الخصوص الولاية جعلت من إعادة تنظيم نشاط هذه المرافق أكثر من ضرورة. وقد عاتب مواطن التقته ''المساء'' أمام قاعة أفراح بالعاصمة أصحاب هذه المرافق على عدم مراعاة راحة المواطنين قائلا: ''إن هؤلاء لا يهمهم سوى الربح وجمع المال''، في حين استحسن مواطن آخر الإجراءات الجديدة المتخذة خاصة ما يتعلق بمنع تواجد هذا النوع من المرافق قرب المستشفيات والمساجد، المقابر والمؤسسات التربوية. عائلات أجلت أفراحها وأخرى اكتفت بعرس على طريقة ''زمان '' وقد وضع قرار غلق هذه القاعات العائلات التي سبق وأن حجزت في وضعية لا تحسد عليها، حيث أكّدت السيدة (غنية.ب) أنها قامت بحجز قاعة الأفراح خلال شهر فيفري الماضي لإقامة حفل زفاف إبنها إلاّ أن مفاجأتها كانت كبيرة عندما تلقت مكالمة هاتفية من صاحب القاعة يدعوها فيها إلى الحضور لاسترجاع المبلغ المسبق الذي دفعته، ويحدث هذا مع الأسف قبل أسبوعين فقط من التاريخ المحدد للزفاف وأكثر من ذلك ليس بإمكاني حتى تأجيل الفرح لأن شهر رمضان على الأبواب'' توضح بحسرة كبيرة متحدثتنا التي اعترفت بأنها لا تدري ما الذي يمكن أن تفعله للخروج من هذا المأزق، بينما لم تتردد الكثير من العائلات في العودة إلى عادات زمان والاكتفاء بإقامة ''تصديرة ''العروس وحتى تقديم العشاء للمدعوين في المنزل رغم ضيق المكان في الكثير من الحالات. ويقول مواطن إن عدم توفر القاعة التي بحث عنها طويلا عادت عليه بالفائدة، حيث أدرك بعد مرور حفل زفاف ابنته أن أعراس القاعات نالت كثيرا من ميزانيته، بينما سمحت ندرتها بتوفير بعض المال الذي سيستغله في الترويح عن أسرته خلال الفترة المتبقية من موسم الاصطياف الذي تقلص بحلول الشهر الكريم. أصحاب القاعات يطالبون بمهلة كافية قبل الغلق لتسوية وضعيتهم من جهتهم، أبدى أصحاب القاعات قلقهم اتجاه سياسة الغلق المعتمدة بعد صدور المرسوم التنفيذي الذي وضع شروطا يجب توفرها في هذه المرافق تمنح شهادة المطابقة لأصحابها، حيث يرى البعض أن الغلق جاء بصفة مفاجئة ما وضع هؤلاء أمام مواقف حرجة مع زبائنهم خاصة أن المهلة الممنوحة للحصول على شهادة المطابقة المفروضة بمقتضى القانون الجديد قصيرة جدا وهو ما أكّده مسير إحدى قاعات الأفراح بوسط العاصمة الذي طلب منه تسوية وضعيته في مهلة لا تتعدى ال15 يوما. أما صاحب قاعة أخرى، فيعاتب السلطات على لجوئها إلى غلق هذه المرافق مع اقتراب فصل الصيف ما يتسبب في أضرار جسيمة لممتلكي هذه القاعات. ورغم كل هذه الاحتجاجات وكل ما قيل حول الموضوع، فإنه من المحتمل -حسب مصدر مسؤول بولاية الجزائر- أن تتعرض المزيد من القاعات للغلق نظرا لصرامة القانون وعزم السلطات على تطبيق المرسوم التنفيذي المنظم لهذه المرافق بحذافيره من جهة وقلة القاعات التي تعتبر مطابقة للمعايير والشروط المفروضة من جهة أخرى. وتحرص السلطات العمومية -حسب نفس المصدر- على تطبيق القانون بدون أي تردّد رغم أن تشميع عدد كبير من القاعات كبد الدولة خسائر وخيمة بلغت نسبتها ال34 بالمائة من مداخيل هذه القاعات، مشيراً إلى أن العدالة لم تفصل بعد في الطعون المتعلقة بقرار غلق بعض قاعات الحفلات. وعن الآثار المترتبة عن إجراءات الغلق هذه وحسب المسؤول الولائي لفرع قاعات الحفلات السيد عبد النور بوخالفة، فإن الخسائر المترتبة عن عمليات التشميع وخيمة أفقدت الدولة 34 بالمائة من مداخيل هذه القاعات، ودفعت بأصحاب الأعراس بالعاصمة إلى أن يقيموا أفراحهم في أماكن غير مؤمّنة كسطوح العمارات ومطاعم بعض المؤسسات، وقاعات الملاعب والمستودعات وحتى رياض الأطفال. وأضاف المسؤول الولائي أن الكثير من الطعون الخاصة بقرار غلق بعض قاعات الحفلات، توجد أمام العدالة ولم يتم الفصل فيها لحد الساعة، في الوقت الذي عوقب فيه أشخاص أغلقت قاعاتهم وأعادوا فتحها بطرق غير قانونية، بغرامة مالية أو بالحبس غير النافذ. قاعات موازية تستغل العائلات بحجة مساعدتها وككل مرة عند تسجيل أي ندرة في السلع أو الخدمات في السوق الوطنية وأمام الطلب المتزايد ونقص العرض، يظهر بعض منتهزي فرص الربح السريع والاستغلال، حيث شهدت بعض المناطق في العاصمة نشاطا غير قانوني جديد يتمثل في لجوء بعض الأشخاص إلى تحويل مستودعاتهم وأسطحهم بعد تهيئتها لتعرض كفضاء لإقامة الأعراس مبرّرين ذلك برغبتهم في مساعدة العائلات والتخفيف من معاناتها. وقد أنتجت هذه الظاهرة عددا كبيرا من القاعات الموازية التي تعمل في الظلام بعيدة عن أعين السلطات المحلية وعن رقابتها، إذ غالبا ما تغيب الشبهات، حيث يعتقد كل من مر بالمكان أن الفرح المقام على السقف أو المستودع هو فرح صاحب المكان. ففي بوزريعة مثلا التي يصل عدد سكانها إلى 180 ألف نسمة توجد 23 قاعة أفراح موازية وثلاث قاعات فقط تعمل بصفة قانونية. ولا ترى العائلات -التي لا تتردد لحظة في كراء هذه الفضاءات غير القانونية لإقامة إعراسها - الموضوع من باب القانون والشرعية وإنما تعتقدها فرصة من ذهب للخروج من المأزق التي تتخبط فيه جراء عدم توفر القاعات من جهة واقتراب الموعد المحدد لأفراحها من جهة أخرى، والتي يقترب منها شهر رمضان الكريم الذي لم يعد يفصلنا عنه إلا أسبوعان. ''المهم هو أن أفرح بزواج إبني قبل شهر رمضان'' تقول إحدى السيدات التي سألناها عن الموضوع والتي أكدت أن إقامة عرسها فوق سطح أحد المنازل سوف لن يكلفها الكثير، حيث لم يتعد سعر الكراء حدود ال 5 آلاف دينار بينما لم تتحصل على قاعة حتى باستعدادها لدفع الملايين. وسجلت السنوات التي أعقبت تنفيذ القانون الجديد بعض الممارسات التي أصبح يعتمدها بعض أصحاب هذه المرافق، حيث يلجأ هؤلاء إلى العمل رغم خضوع قاعته للغلق والتشميع، وذلك بفتح الباب الخلفي لاستقبال الزبائن وإقامة الأفراح ضاربين عرض الحائط قرارالغلق المطبق عليهم. ويتساءل المواطنون في مثل هذه الحالات عن سر عدم تحرك السلطات المحلية لمعاقبة هؤلاء، إذ لا يعقل أن تكون هذه الأخيرة غافلة إلى حد عدم اكتشاف الأمر. كما يعتمد البعض ممارسات احتيالية في حق المواطنين بداية من رفع الأسعار إلى درجة الجنون، حيث أصبحت تتراوح ما بين 50 و200 ألف دينار، بينما يقوم البعض الآخر بتوقيف المكيفات الهوائية أثناء الحفل لتقليص استهلاكهم للطاقة في الوقت الذي تمّ حجز القاعة بسعر خيالي على أساس أن القاعة مكيفة. اللجنة الوطنية لقاعات الأفراح تطالب بمراجعة قرارات الغلق وترى الفيدرالية الوطنية لقاعات الحفلات المنضوية تحت لواء الاتحاد العام للتجار والحرفيين إلى ضرورة التحاور ودراسة الملفات العالقة بخصوص قرار غلق أزيد من 80 ¥ من القاعات على مستوى العاصمة، والذي لا يخدم على حد تعبير ممثل الفيدرالية مصلحة المواطن ويجعله عاجزا عن إقامة أفراحه على أكمل وجه، مبرزة استعدادها لإيجاد الحلول الممكنة في حال تسبب القاعات المغلقة إزعاجا للسكان، كما طالبت بضرورة حضور ممثل عنها في الاجتماعات من أجل التفاوض ومناقشة المشاكل العالقة. واعتبر رئيس الفيدرالية أن قرار غلق هذا الكم الهائل من القاعات على مستوى ولاية الجزائر يعد تعسفيا وأن أغلبية القاعات الناشطة لا تخضع للشروط التي ينص عليها المرسوم التنفيذي، وأوضح المتحدث ل''المساء'' أن قضية الإغلاق هذه تحرم عددا كبيرا من الناس من إقامة الأعراس في قاعات الحفلات خاصة بعد إقفال 6 قاعات أيضا ببلدية القبة، حيث لم يعد يتعدى عدد القاعات التي ما زالت تنشط في العاصمة وما جاورها 20 قاعة. واستغرب السيد يسيلة تأخر دراسة الملفات الخاصة بتلك القاعات خاصة أن الفيدرالية كانت قد طلبت موعدا مع السلطات المعنية لكنها لم تتلق إلا ردا واحدا وهو أن القاعات المشمعة تبقى مغلقة إلى غاية دراسة الملفات. وعن الأسباب التي أدت إلى غلق تلك القاعات، كشف رئيس الفيدرالية أن أغلبها تتعلق بالإزعاج الذي تحدثه للسكان من خلال مواقف السيارات التي تعيق حركة السير، وكذلك الضوضاء الناتجة عن الموسيقى الصاخبة، وهو مشكل اعتبره المتحدث محلولا وممكن معالجته بكل سهولة ولا يستدعي درجة الغلق كأن يغادر موكب العروس من أمام القاعة بمجرد وصوله. كما أن 85 قاعة أغلقت بحجة أن أصحابها تقل أعمارهم عن 30 سنة، حيث حصلوا على قروض مصغرة من وكالات دعم وتشغيل الشباب، لكن نشاطهم أوقف فجأة. واعتبر محدثنا الأسعار المعتمدة حاليا غير معقولة ووعد بالعمل على استقرارها بشرط أن يعملوا بكل حرية وبصفة عادية والتدخل من طرف المسؤولين يكون كمراقبين فقط.