أصدر مشروع "كلمة" للترجمة التابع لهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، أخيرا، النسخة العربية لمذكرات الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك بعنوان "كل خطوة يجب أن تكون هدفاً". في هذا الكتاب، الذي ترجمه إلى العربية الباحث اللبناني جان ماجد جبور، يظل جاك شيراك وفيا لتقاليد السير الذاتية لرجال السياسة، من خلال تدوينه للذكريات المرتبطة بالأحداث والمواقف، التي ساهم في تشييدها أو عاصرها، وكشف بعض الأسرار الدفينة وتصفية الحسابات المؤجلة. تماما كما فعله الجنرال دوغول، وجورج بومبيدو وفاليري جيسكار ديستان، وفرانسوا ميتران وغيرهم. تغطي هذه المذكرات، التي تضم 24 فصلا السنوات 63 الأولى من حياة شيراك، منذ ولادته عام 1932 حتى انتخابه رئيسا للجمهورية عام 1995، وفيها يتطرق لأهم الأحداث التي عاشها وأثرت في مساره. وتشكل هذه المرحلة الأولى حقبة المسؤوليات السياسية حتى وصوله إلى ماتينيون على رأس الوزارة الأولى، خلال حكم جيسكار ديستان، ثم رئاسة فرانسوا ميتران. في بداية المذكرات لمحة عن حياة شيراك ومساره وكيف ترعرع في أسرة متواضعة ليصل إلى أعلى المسؤوليات في الدولة. وهنا تبرز صورة ناصعة البياض لشريكة حياته برناديت، التي التقاها أثناء الدراسة في معهد العلوم السياسية، وتردد أهلها في تزويجها من طالب "يساري" متمرد ليست له أية وضعية اجتماعية، إذ كان بائعا لجريدة "لومانيتيه" الناطقة باسم الحزب الشيوعي. تزوجا عام 1956، ومنذ ذلك التاريخ لم تفارق برناديت زوجها إلى اليوم، يقول شيراك، إن "برناديت شخصية أساسية في حياتي، أعرف ما أنا مدين لها في حياتي السياسية، لم تتأخر يوماً في بذل جهودها لمساعدتي، منذ أول انتخابات خضتها، ترافقني في كل مكان، في المقاهي والمزارع؛ وكذلك بمدينة باريس فقد ساعدتني في كسب التأييد في الدوائر الصعبة، وتحملت مسؤولياتها كزوجة رئيس وزراء، وكانت آراؤها ونصائحها وانتقاداتها منيرة لي دائما في القرارات التي أتخذها، وحول الرجال الذين يجب أن أثق فيهم والذين عليّ الحذر منهم". وتحدث شيراك في هذه المذكرات لأول مرة عن مرحلة صعبة في حياته، وهي فقدانه لابنته لورانس في ريعان صباها إثر إصابتها بمرض غريب عام 1973 أودى بحياتها خلال فترة قصيرة، إنه جرح ما يزال يحمله إلى اليوم، ويتجنب الحديث عنه. ويعترف شيراك في مذكراته بفضل الرئيس الفرنسي الأسبق، الراحل جورج بومبيدو عليه في بداياته السياسية، واصفا إياه بِ "الأب الروحي"، مؤكداً أنه لولا بومبيدو لما وصل إلى ما هو عليه "كان رجلاً ذا ثقافة استثنائية، وكان في نظري يرمز إلى فرنسا تماما، كالجنرال ديغول، وأرى أن نظرتيهما إلى فرنسا لم تكونا متعارضتين، بل إن نظرة بومبيدو كانت أكثر حسما وحميمية، وهي في آن واحد متجذرة في التقاليد، ومنفتحة على الحداثة بكل أشكالها". في مذكراته يسترجع شيراك ذكريات علاقاته مع شخصيات دولية، ويفصح عن أحداث تتعلق بالسياسة الخارجية، ومنها الكثير، ما يهم العالم العربي. فعلاقة شيراك بالعالم العربي ابتدأت في الجزائر، إذ كان عليه أن يقضي فيها الخدمة العسكرية في عامي 1956 و1957. وخص شيراك صدام حسين بفقرة تلخص علاقته الحميمية بالعالم العربي. كما تحدث عن سياسة التوازن التي سعت فرنسا إلى الحفاظ عليها دائما في منطقة الشرق الأوسط، خاصة التوازن بين إيران والعراق أيام الشاه. كما يتضمن الكتاب فقرات مشوقة عن قدرة الرئيس شيراك على الانفتاح على الآخرين. فهو لا يخفي مثلا عشقه لليابان، إلى حد أن الكثيرين يتحدثون عن ابن له هناك، وعن حساب مصرفي وأموال في بنوك يابانية، ولكن لا شيء ثبت أنه صحيح. ولد جاك شيراك في 29 نوفمبر 1932، والده هو فرانسوا شيراك، مدير لعدد من الشركات، ووالدته هي ماري لويز فالات، تزوج في 16 مارس 1956 من برناديت شودرون دو كورسال، و له ابنتان لورانس وكلود. بدأ حياته السياسية بتأسيس حزب "التجمع من أجل الجمهورية" (1976)، ثم حزب "الاتحاد من أجل حركة شعبية" (2002). انتخب لمنصب رئاسة الجمهورية الفرنسية عام 1995، وجدد انتخابه في 2002، وانتهت رئاسته بتاريخ 17 ماي 2007. وكان قبل ذلك عمدة لمدينة باريس لمدة 18 عاما من 1977 إلى 1995، كما تولى رئاسة الوزارة مرتين من 27 مايو 1974 إلى 26 غشت 1976، ومن 20 مارس 1986 إلى 10 ماي 1988.