توفيت في وقت متأخر من مساء أول أمس، الروائية الجزائرية والمرشحة لجائزة نوبل للآداب للسنة الماضية والمدافعة الكبيرة عن حقوق المرأة الكاتبة فاطمة الزهراء إيمالاين المعروفة باسم آسيا جبار بنت شرشال بولاية تيبازة الساحلية عن عمر يناهز ال79 سنة .. بعد صراع طويل مع المرض بباريس وسيوارى جثمانها الأسبوع الجاري. آسيا جبار من مواليد 30 جوان 1936 بشرشال وحازت على العديد من الجوائز الأدبية في مختلف البلدان الأوروبية والولاياتالمتحدةالأمريكية وكندا، وقد رشحت سنة 2004 لنيل جائزة نوبل للأدب قبل أن تصبح عضو في الأكاديمية الفرنسية في 2005 وهي أعلى مؤسسة فرنسية تختص بتراث اللغة الفرنسية، حيث تعتبر أول شخصية من بلاد المغرب تصل لهذا المنصب، وخامس امرأة تدخل الأكاديمية. كما كانت آسيا جبار أول امرأة جزائرية تنتسب إلى دار المعلمين في باريس عام 1955 م، وأول أستاذة جامعية في الجزائر ما بعد الاستقلال في قسم التاريخ والآداب، وأول كاتبة عربية تفوز عام 2002 بجائزة السلام، التي تمنحها جمعية الناشرين وأصحاب المكتبات الألمانية، وقبلها الكثير من الجوائز الدولية في إيطاليا، الولاياتالمتحدة وبلجيكا. إنها آسيا جبار، الكاتبة الكبيرة التي ورد اسمها السنة الماضية في لائحة المرشحين لجائزة نوبل وقد اختارتها "الأكاديمية الفرنسية"عضواً فيها بعدما حصدت 16 صوتاً في مقابل 11 صوتاً للكاتب الفرنسي دومنيك فرنانديز. وهذا المنصب كان رشح له في الدورة السابقة الكاتب اللبناني أمين معلوف، لكنّ الأصوات لم تسعفه للفوز به. فهذه الروائية التي أبدعت في اللغة الفرنسية لم تتخل يوماً عن قضيتها الجزائرية التي هي قضية المواطنين والنساء، قضية التحرر والاستقلال، قضية الثقافة واللغة والانتماء. . . . أكتب ضد الموت والنسيان كلما تحدثت آسيا عن هذه المعاناة تتذكر قول الأديب الجزائري الكبير محمد ديب: "غربتي لغتي". إلا أن هذا الإحساس الداخلي ب "الغربة اللغوية" لم يحل دون قيام علاقة "رحمية" بينها وبين الفرنسية، التي أحبتها واعتنقتها وأبدعت فيها أيّما إبداع. آسيا جبار. . روائية جزائرية حاضرة بقوة في المشهد الثقافي الفرنسي من خلال مؤلفاتها العديدة ومن خلال السجلات التي فجرتها في موضوع الهوية والاستعمار والمرأة. تقول الكاتبة في كتابها " لا مكان في بيت أبي" الذي يحكي سيرة فتاة تعيش في الجزائر العاصمة، تخرج من الثانوية حيث تتابع دروسها وتجول في الشوارع فرِحَةً بما ترى. غير أنّ هذه الحياة العذبة جاءت قبل عام واحد من انفجار كبير هزّ البلد بأكمله، "أكتب ضدّ الموت، أكتب ضدّ النسيان. أكتب على أمل أن أترك أثراً ما، ظلاً، نقشاً في الرمل المتحرّك، في الرماد الذي يطير وفي الصحراء التي تصعد. . . ". وراء هذا النفَس الشعري، نقرأ أيضاً أنّ الكتابة فعل أمل وتعبير عن التزام بالإنسان وتطلّعاته وهمومه. إنها النزعة الإنسانية التي طبعت نتاجها المتعدِّد، شعراً ورواية ومسرحاً وأفلاماً وثائقية تجلّت في أفلامها "نوبة نساء جبل شنوة" (1977) الذي حاز على جائزة النقد العالمي في مهرجان البندقية للعام 1979، وفيلم "زردة أو أغاني النسيان" (1982) الذي نال جائزة أفضل فيلم وثائقي في مهرجان برلين السينمائي. .. أول فتاة عربية تدخل المدرسة الكولونيالية لم تهمل أسيا جبار ذاتها وحياتها الخاصة كأول فتاة عربية في قريتها تعتب باب المدرسة الكولونيالية وسط أبناء وبنات المعمرين، حيث سمح لها والدها الذي كان يعمل كمدرس بالتعلّم والخروج بلا "حايك" حتى وهي فتاة مراهقة نمت أنوثتها . ومع ذلك لم يسمح لها بقيادة الدراجة، حتى وهي صغيرة لا تزال في الابتدائي وفي ساحة المدرسة، بسبب بروز فخذيها، تقليدا لبنات المعمرين. بعد استقلال الجزائر توزعت جبار بين تدريس مادة التاريخ في جامعة الجزائر العاصمة والعمل في جريدة "المجاهد"، مع اهتمامها السينمائي والمسرحي. هاجرت إلى فرنسا عام 1980 حيث بدأت بكتابة رباعيتها الروائية المعروفة، التي تجلى فيها فنها الروائي وفرضها كصوت من أبرز الكتاب الفرنكوفونيين. واختارت شخصيات رواياتها تلك من العالم النسائي فمزجت بين الذاكرة والتاريخ مثل رواية "نساء الجزائر" ورواية "ظل السلطانة". .. حداثة الأسلوب وعراقة الفكر تتسم كتابات آسيا جبار بالحداثة في الأسلوب والمضمون على الرغم من تمسكها بالتقاليد العريقة للمجتمع الذي تتحدر منه. وبصفتها أستاذة في التاريخ، غالبا ما تسلط الأضواء على تلك التقاليد التي تتوارثها النساء. توالت أعمالها الروائية بين الجزائروفرنسا، من رواية "العطش" إلى روايات أخرى: "بعيداً من المدينة"، "نافذة الصبر" "شاسع هو السجن" و"ليالي ستراسبورغ". . . في هذه الروايات تروي الكاتبة أيضاً جزءاً من سيرتها وسيرة بلدها، وتستند إلى التاريخ كأحد العناصر الأساسية في بلورة أعمالها بدون أن تنتمي هذه الأعمال إلى صنف الرواية التاريخية، بل هي أبعد ما تكون عن ذلك. .. في رواية "الحب والفنتازيا". . الكلمة لهن في عام 1989 أصدرت روايتها "الحب والفنتازيا" لتعطي الكلمة لجميع النساء، ليصفن حرب التحرير، ويندمجن في مجتمع منفتح فيجدن أنفسهن في حيرة من أمرهن، مرة خاضعات، ومرة ثائرات ومتمردات، وهو تضاد تعيشه الجزائريات منذ الاستقلال، وفي "الحب والفنتازيا " جانب تاريخي مهم حيث يطلع المشاهد على وثائق تاريخية لضباط أمثال "بيليسي" و"سانت أرنو" والنهب الذي تعرضت له مدن جزائرية خلال الاستعمار. .. "بياض الجزائر" رثاء للمثقفين الراحلين في صمت أما روايتها " الملكة المستترة " الصادرة عام 1990، وهي المرحلة التي دخلت الجزائر فيها مرحلة سياسية واقتصادية واجتماعية جديدة، فتتحدث عن نساء الطبقة الوسطى والغنية وتصور لنا امرأتين تحاولان التخلص من القيود الاجتماعية التقليدية. وفي روايتها "بياض الجزائر" الصادرة عام 1996، بكت آسيا جبار أصدقاءها المثقفين الذين اغتيلوا في الأزمة التي ألمّت بالجزائر. . اغتيلوا ببشاعة ورحلوا في صمت رهيب كما بكت الإنسان أينما وجد. عملت آسيا جبار منذ عام 1997 مديرة في "مركز الدراسات الفرنسية" في جامعة لويزيانا، كما تم انتخابها كعضو في أكاديمية اللغة الفرنسية وهي أعلى مؤسسة فرنسية تختص بأعمال التراث، وأعمالها الأدبية مترجمة إلى الكثير من اللغات. ترددت كثيرا على بلادها طوال هذه السنوات التي أقامت خلالها في الخارج، لكنها لم تزر الجزائر سوى مرة واحدة خلال النزاع الدامي الذي شهدته التسعينات بين قوات الأمن والجماعات الإسلامية المسلحة لتشييع جنازة والدها الذي كان مدرسا. وتزوجت آسيا جبار بعد أن طلقت في 1975، من جديد مع الشاعر والكاتب الجزائري عبد المالك علولة. آسيا جبار رحلت دون نوبل ولكنها استطاعت أن تنقش اسمها بالخط العريض في الأدب العالمي والسينما والمسرح.