التسول في المساجد.. مداخيل معتبرة والسر في الأجواء الإيمانية التي تدفع المصلين إلى البذل بات من الصعب على الإنسان أن يمشي في شوارع العاصمة أو يمر بالقرب من أحد المساجد دون أن يتعرض له من يطلب الصدقة والإحسان، أو تتناهى إلى سمعه عبارات لكسب التعاطف، حيث أصبح المتسولون جزءا لا يتجزأ من ديكور العاصمة، وازدادت أعدادهم بشكل كبير مع حلول شهر رمضان الكريم مقتنصين فرصة الأجواء الإيمانية العالية لدى الجزائريين من أجل تحقيق مداخيل مالية معتبرة. صوراية مينية في شهر يكثر فيه لعظمته الخير و الرحمة و تتألف القلوب و تخشع في ذكر الله، شهر رمضان تنزل فيه بركة يتقاسمها الفقير مع الغني في حين تتفاقم فيه ظاهرة أقل ما نقول عنها "عادة متوارثة" من قبل لا ضمير لهم و هي التسول، هي عادة يستعملها البعض من أجل الاسترزاق، فهي لدى البعض مهنة لجمع الثروة، فبمجرد نزولك للشارع يصادفك فئات من مختلف الأعمار يجولون الشوارع للتسول و بصفة خاصة النساء و الأطفال أكثرهم حديثي الولادة و بطرق مبتكرة يتمركزون أمام مراكز تجارية و على الطرق و أمام المساجد، ومنهم من يتجول في الأحياء الراقية، يستعطفون قلوب الناس بكلمات مؤثرة تنفطر لها الأحاسيس يؤثرون عليهم بإبراز عاهاتهم أو مرددين كلمات دينية مصحوبة بأدعية و دموع، ومنهم من يسرد عليك قصة مؤلمة، فبعدما كانت في وقت سابق مقتصرة على النساء و الأطفال، مست الآن الرجال كذلك، مغتنمين شهر الرحمة نظرا لكثرة العبادات فيه بما فيها الصدقة و ليونة قلوب الجزائريين. و حتى لا نكون لا جادين توجد فئة من هي فعلا بحاجة إلى الإعانة، فمنهم بسبب اليتم لا كافل له أو الطلاق أو الفقر الشديد و لكن فئة كبيرة طغت عليهم منتحلين صفتهم، فحتى الغني "الجشع" له نصيب في التسول و أصحاب السوابق العدلية متخذين حرفة التسول مهنة يخفون من وراءها السرقة و الثراء مستعملين أناس أبرياء، ينتج عن ما بعد التسول انحراف في الأخلاق و اعتداءات جنسية كالجرائم و القتل و التشرد و انعكاسات سلبية اتجاه الدين و الوطن و المجتمع. تطرقت "الحياة العربية " لموضوع التسول بصفة خاصة في الشهر الكريم و كان لها أصداء مختلفة في شوارع العاصمة. مساجد ومستشفيات قبلة للمتسولين يقول عبد الفتاح أن "المساجد أصبحت القبلة الأكثر ولوجا لدى المتسول، فمن بداية صلاة الفجر إلى صلاة التراويح يكتسحون الأبواب و الساحات مع سماعك منهم و أنت مار عليهم كلمات تقشعر لها الأبدان تجبرك على منحهم ما بوسعك" ليقاطعه الشاب سمير "لا يمكننا أن نصدقهم فأنا بأم عيني شاهدت صبي تحمله في كل مرة شابة أو عجوز و إذا سألت طفل من تروي لك قصة مختلفة عن الأخرى ، لا ننكر انه يوجد من هو بحاجة لهده الصدقة و لكن أختلط المحتاج مع المحتال و لا ندري لمن نحن نتصدق، ليدخل "محمد" برأيه متأسفا لما يحدث في بلد مسلم، فالمتسولون رسموا وصمة عار على ديننا، فلا الله و لا الرسول أمر بمد اليد، فأنا بالنسبة لي المحتاج لا يقصدك، فأنت من تجده لأنه لديه عزة نفس و كرامة لمد يده إلا إذا اضطر بشدة، أما من نشاهده اليوم فهم متسولون مجرمون أصحاب مهنة من لا مهنة له"، و من غير اختلاف واضح وافقه الرأي الحاج"أحمد" قائلا "لقد فضحوا بلدنا بما يقومون به فمثلا لا يمكننا أن نزور المستشفيات و لا المرضى و لا حتى المعالجة، فهم يقطعون الطريق بأدعيتهم و بكائهم، و الغريب أنهم يتناوبون عن المكان و المضحك في كل هذا يرفضون أخذ كل ما هو أكل و ملابس إلا النقود، و إذا ما تصدقت بقطعة دراهم صغيرة قوبلت بالرفض من طرف المتسول، هذا إذا ما لم تسمع كلمة بذيئة منه"، مضيفا "نعم صدقيني مثل ما حدث عند زيارتي لأحد المقابر، صادفت امرأة تحمل كيسا من الملابس منحته لمتسولة و فور رحيل المتصدقة قامت المتسولة برميهم فوق القبور مع السب و الشتم". يغزون الأسواق.. وحافلات يمتطيها المتسول قبل المسافر "فتحية" حدث معها نفس الأمر، فبمجرد دخولها السوق يتلقفها فئات مختلفة من المتسولين طالبين منها ما يقتاتون منه وبشروطهم فهم يختارون الأكل الفاخر مما يجعلها في حرج للشراء، أما "وسيلة "ترى أن ظاهرة التسول مست كذلك و بكثرة محطات المسافرين و الحافلات فهم يصعدون و بيدهم إما علب الأدوية أو وصفات طبية مرددين على مسامعنا ما يؤثر فينا من الكلمات بل تعدى بهم الأمر حد طلب الصدقة لإتمام زفاف بناتهم. ينتحلون "بصمة" التسول باسم اللاجئين السوريين ظاهرة أخرى للاحتيال من طرف المتسولين تحدثت عنها "كريمة" صحفية في إحدى الجرائد، و على لسانها تقول أنها رصدت فئة من النساء يتمركزون في شوارع العاصمة والمحلات لطلب الصدقة، مغتنمين فرصة اللجوء السياسي الذي طال الجالية السورية، فهن يستعملن اللهجة السورية فاستدراج الناس، و بعد تعقب الصحفية لهن تبين أن المتسولات جزائريات يأتين من أحياء قصديرية بالعاصمة برفقة سائق للتسول و يعيدهن مساءا"، أما سليمة تقول "مرت عليّ خدعة مع إحدى المتسولات إذ السنة الماضية أثارت انتباهي شابة حامل تمد يدها للتسول و هي تتألم في شهرها التاسع، هزت مشاعري، اقتربت منها و سألتها، روت قصتها أنها ستلد عما قريب، منحتها بعض النقود و في اليوم الموالي حملت معي بعض الملابس للرضيع فلم أجدها، و لكن في هذه السنة و في هذا الشهر وجدتها مازالت حاملا و تروي نفس القصة للجميع" وتضيف "هو حال فئة من المجتمع تعيش وتدق ناقوس الخطر في بلد يقوده قانون و شريعة إسلامية". "المساجد لم تبن للتسول والسؤال فيها مكروه" جاء في موقع "إسلام واب" أن المسألة من غير حاجة حرام، والتي تكاثرت النصوصُ في النهي عنها والتحذير منها، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مزعة لحم" متفق عليه. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سأل الناس أموالهم تكثراً فإنما يسأل جمراً فليستقل أو ليستكثر". رواه مسلم. فإذا عُلمَ من حال هؤلاء السؤّال أنهم يسألون من غير حاجة، أو كانوا يستطيعون التكسب، ولكنهم يتركونه اعتماداً على ما يأخذونه من المسألة المحرمة، فمنعهم من المسألة في المسجد مشروع، لما فيه من النهي عن المنكر، وكذا إذا كانوا يسألون لحاجة، وكان في سؤالهم تشويشٌ على المصلين وإزعاج لهم ، فإنهم يمنعون من المسألة والحال هذه، لأن حق المصلين مقدم، وقد سئل شيخ الإسلام عن السؤال في المسجد فقال: أصل السؤال محرَّم في المسجد وخارج المسجد إلا لضرورة، فإن كانت ضرورة وسأل في المسجد ولم يؤذ أحدًا كتخطيه رقاب الناس، ولم يكذب فيما يرويه ويذكر من حاله ولم يجهر جهرا يضر الناس مثل أن يسأل والخطيب يخطب، أو وهم يسمعون علما يشغلهم به ونحو ذلك جاز، ولا يُنافي هذا قوله تعالى "وأما السائل فلا تنهر" لأن السائل الذي نُهي عن نهره هو من سأل مُحتاجاً، قال الطبري: وأما من سألك من ذي حاجة فلا تنهره، ولكن أطعمه واقض له حاجته. ثم إن منعهم من المسألة في المسجد لا يستلزم نهرهم، بل يمكن أن يمنعوا برفق، ويُردوا رداً جميلاً. قال القرطبي "وأما السائل فلا تنهر، أي لا تزجره فهو نهي عن إغلاظ القول، ولكن رُدَّه ببذلٍ يسير، أو ردٍّ جميل". فإذا خلا سؤال السائلين في المسجد عن المحاذير المذكورة، فقد نص العلماء على كراهته، وإن كان إعطاؤهم قُربة يُثابُ عليها، وأما الكراهة فلعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم "فإن المساجد لم تُبنَ لهذا" أخرجه مسلم. قال السيوطي رحمه الله: السؤال في المسجد مكروه كراهة تنزيه، وإعطاء السائل فيه قربة يثاب عليها وليس بمكروه فضلا عن أن يكون حراما، هذا هو المنقول والذي دلت عليه الأحاديث، ولا بأس بأن يعطي السائل في المسجد شيئا لحديث عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل منكم أحد أطعم اليوم مسكينا؟ فقال أبو بكر دخلت المسجد فإذا أنا بسائل يسأل فوجدت كسرة خبز في يد عبد الرحمن فأخذتها فدفعتها". هذا كلام شرح المهذب بحروفه، والحديث الذي أورده فيه دليل للأمرين معا أن الصدقة عليه ليست مكروهة، وأن السؤال في المسجد ليس بمحرم لأنه صلى الله عليه وسلم اطلع على ذلك بأخبار الصديق ولم ينكره، ولو كان حراما لم يقر عليه بل كان يمنع السائل من العود إلى السؤال في المسجد، وبذلك يعرف أن النهي عن السؤال في المسجد إن ثبت محمول على