بعد مرور قرابة سداسي من السنة الجامعية الجارية وجد الطلبة الجدد الملتحقين بالجامعة الجزائرية أنفسهم أمام أمر واقع يختلف كلية عن الأحلام التي رسموها عن الجامعة، بعدما تخلوا عن أحلام راودتهم منذ الطفولة ما جعل الكثير منهم يعيد التفكير ألف مرة في حسم اختياره الذي يتعارض والمعطيات التي يفرضها الواقع وتغذيها الأزمة التي ألقت بظلالها على مستقبل الطلبة حتى قبل تخرجهم. مروى ر الواقع يدفع الطلبة إلى تسليح أنفسهم وإتقان مختلف المهارات التي يمكن أن تساعدهم في قادم الأيام على الحصول على منصب عمل لائق، طمعا في الخروج بأخف الأضرار بما أن الطالب الجامعي قد تخلى أساسا عن طموحه وحلمه بدراسة تخصص معين، إلا أن منطق السوق أو رغبة الوالدين أجلا ذلك أو قضيا عليه. .. واقع سوق العمل يطيح بأحلام الطفولة حلم المستقبل منذ الصغر لطالما حدد بفضل محيطنا الاجتماعي، قرارات الأولياء أو لحظة عابرة تشبثنا بها، لكن لم يكن في ذهن أحسن العارفين بأحوال المجتمع أن يخضع مستقبله لما يفرضه الواقع المعاش، ولكن أحلام الطلبة اليوم على اختلاف مراحلهم الدراسية باتت تخضع "لاقتصاد السوق"، فلا حديث بين أطفال المدارس الا عن حلم الالتحاق " بالجيش " أو" العمل في البنك" أو أي تخصص من شأنه أن يضمن مستقبل مادي، فهذه الأحلام باتت واقعا يسعى لتحقيقه الأبناء ويقبل به الأولياء. .. التخلي عن حلم الطفولة من أجل مسايرة الواقع وفي الحديث عن السر الذي دفع الكثير من الطلبة إلى تغيير حلم طفولته أو تأجيله إلى إشعار لاحق يرجع "العربي" مزاولته" لدراسة العلوم الاقتصادية، إلا أن حبه للصحافة جعله يستغل وقت الفراغ في مراجعة المقرر الدراسي النهائي من أجل الحصول على شهادة بكالوريا أخرى تمكنه من التسجيل في كلية الصحافة. أما "آمال" هي الأخرى تحصلت على شهادتين من البكالوريا، وهي اليوم تدرس في البيولوجيا، إلا أن فضولها لم يقتصر على المواد العلمية، بل دفعها لدراسة علم النفس، وعن تجربتها هذه التي مزجت بين العلوم الطبيعية والإنسانية، فتؤكد أن رغبتها الجامحة في التخصص في هذين المجالين جعلتها تبذل قصارى جهدها من أجل التوفيق بين كلا التخصصين. في حين يقول "بلال" أنه وجد نفسه مجبرا على تحقيق رغبة والديه في دراسة الطب رغم أن طموحه الأول كان الدخول إلى معهد الموسيقى، يقول في هذا الصدد "أذكر حرص والدي على دخولي لكلية الطب، ورغم أنني حصلت على معدل يؤهلني لذلك، إلا أن ميولي لم يكن في ذلك التخصص، ولكن تحقيق رغبة والدي كانت أولى، حزنت في البداية، ولكن قررت أن أجتاز البكالوريا مرة أخرى، وهو ما فعلته منذ السنة الأولى جامعي، وقد تمكنت من الظفر بها مرة أخرى لأسجل في معهد الموسيقى". .. "الاستجابة لمتطلبات سوق العمل فوق كل اعتبار" إن الواقع المفروض على الشباب أوجب عليهم التزوّد بمختلف العلوم والتسّلح بإمكانيات علمية مختلفة، خاصة أن بعض المتخرجين من الجامعة يبدون ندما عن التزامهم بدراسة تخصص واحد لم يمكنهم من الحصول على منصب عمل لائق ما جعل البعض منهم يكسر روتين البطالة الذي عاشه بعد التخرج بمزاولة الدراسة في تخصص آخر بعد أن انقضت خمس سنوات على حصولهم على شهادة ليسانس ما يفسّر وجود العديد من الطلبة كبار السن مقارنة مع زملائهم الذين التحقوا بمقاعد الجامعة لأول مرة علّ ذلك التخصص يكون معبر النجاة من شبح البطالة، ومنهم "حسن" ، يدرس بالسنة الأولى حقوق، يقول "كان من الصعب عليّ أن ألتحق بالجامعة من جديد بعد أن تخرجت منها منذ ثماني سنوات، إلا أنني لا أرى للعلم حدودا تقدّر بسنوات العمر، ولكن التخصص الذي التحقت به سيمكنني من الحصول على الكفاءة التي من شأنها أن تؤهلني للعديد من مناصب العمل". .. شباب يفضلون التسلح بجملة من الشهادات أملا في الحصول على وظيفة أنسب وفي نفس السياق، عبّر بعض الطلبة أن ظروف بعضهم لا تسمح بالدراسة في أكثر من تخصص واحد لاسيما إذا كان الطالب بحاجة إلى مصدر مالي ما يجعل البعض منهم يفضّل العمل بدل دراسة أكثر من تخصص، بينما يفضل آخرون التسجيل ببعض المعاهد التي تدرس مختلف اللغات الأجنبية، الإعلام الآلي ومختلف البرمجيات، وحتى بعض التكوينات في المكتبية والسكرتارية وغيرها من التخصصات المتوفرة للطالب دون أن يكون حاصلا على شهادة بكالوريا، حيث يؤكد بعض من تحدثنا معهم في الموضوع أن تلك المعاهد توفر مختلف التكوينات التي يمكن أن يستعين بها الطالب في الرفع من قدراته وإمكانياته العلمية في مدة أقل وبطريقة تعتمد على الدراسات التطبيقية أكثر، ومنهم "أمينة" التي تقول أنها حرصت منذ قدومها إلى العاصمة للدراسة بكلية العلوم الإنسانية على استغلال المنحة الجامعية في بعض الدورات التكوينية في بعض المجالات مثل الإعلام الآلي والتصوير الفوتوغرافي، وقد تمكنت من الظفر بشهادات تقول أنها ستكون مهمة في ملء سيرتها الذاتية، كما تمكنها من عمل ما وإن لم يكن في مجال تخصصها، لتبقى هذه المنجزات كفيلة في مواكبة والتماشي مع متطلبات سوق العمل الذي يحتاج دائما إلى خريجي جامعات ومعاهد يملكون كفاءات في ميادين شتى تؤهلهم لأداء مهامهم في المناصب التي يرسّمون فيها على أكمل وجه.