صدر للروائي والناقد الأدبي الجزائري سمير بن خرف الله عن دار قباء للنشر المصرية السعودية طبعة جديدة من المجموعة القصصية، والتي ضمنت ثلاث قصص، ووسمها ب "المدير والنائب"، تتناول تجليات الفساد المستشري في عمق المجتمع وتداعياته على السلوك البشري، في مقاربة سيكولوجية، نجح الروائي في تحسس نبضات الحياة المهنية – وبخاصة في مجال الإعلام – داخل عالمها الضيق. تستهل القصة الأولى، "المدير والنائب" باجتماع لمجلس إدارة جريدة يومية حكومية، يعلن خلاله المدير عن استحداث منصب نائب للمدير، وأن بإمكان الموظفين أن يتقدموا بطلبات حتى يعينوا فيه. الطريف في القصة أن المدير يختار في نهاية المطاف كلبا نائبا له. وتدور الحبكة حول الحيوان الذي يصبح أغلب الموظفين يتملقونه ويتقربون منه طمعا في الترقية والزيادة في الراتب. تصل القصة إلى نهاية غير متوقعة، حينما يقال المدير وتحاول وزارة الإعلام استبداله بموظف من الجريدة عبر اقتراع بين العاملين، والذي تسفر نتيجته عن تعيين الكلب مديرا على الجريدة. أما القصة الثانية والتي وسمها الكاتب الروائي ب "الحقيبة"، فهي تروي قصة شاب متشرد تنقلب حياته في لحظة رأساً على عَقِب، حينما يسلمه رجل مجهول حقيبة ممتلئة بالمال والمجوهرات، وتتبع القصة سيرة المتشرد وتحوله إلى رجل أعمال ثري، لتنتهي بعد ذلك نهاية مأساوية محيرة. في حين أن القصة الثالثة والموسومة ب"الغابة العجيبة"، فتعود بنا إلى الفضاء الأدبي الرحب الذي كتبت فيه "كليلة ودمنة" غير أن أسلوب الكاتب أصبغه بقالب حداثي، من خلال اعتماد جماليات الصورة الفنية، والتي تتجلى في البنية السردية التي تنطلي عليها الأطر الفنية سواء من حيث الصياغة أومن حيث الأسلوب الذي يترك لدى القارئ ما نسميه ب"لذة الانتظار" ويتحقق ذلك في الركون إلى عنصر المفاجأة، والإبهار عبر الحبكات القصصية التي تجعلنا نحن القراء ننبهر بسلاستها ضمن ما نسميه نحن ب"حسن التخلص". ويكمن مضمون القصة الأخيرة في أن نسرا حل ضيفا على غابة يرى فيها ما يثير عجبه ويحرك اندهاشه، حيث يتجلى ذلك من خلال مشاهد صورها الكاتب في قالب يميل إلى حد ما صوب السخرية والتهكم : أسود ذليلة وخنازير عزيزة. فيبحث النسر عن السر وراء هذا الانقلاب العجيب في موازين القوى بين الحيوانات، ليكتشف أسرارا عجيبة. القصص الثلاث تندرج في ما يسمى "أدب الخيال"، ففي القصة الأولى يعيَّن كلبا نائبا لمدير الجريدة، وهوأمر بالطبع قاب قوسين أوأدنى من الكون الأدبي السريالي، حيث إن الوقائع لم تحدث من قبل، كما أنها تستعصي على التصديق، فالكاتب أراد أن يسقط واقع رداءة الوضع في عالم الصحافة وخاصة في الوطن العربي، لدرجة أنه تخيل إمكانية حدوث هذا في جريدة حكومية. ويظهر في القصة أيضا نفاق الموظفين الذين رضوا بالأمر وتزلفوا إلى المسؤول القاضي بأمره، فتحولوا إلى متملقين للكلب طمعا في رضى صاحبه. أما القصة الثانية، "الحقيبة"، فإنها أيضا تدور في عالم ممهور بالتجليات الخيالية ويستطيع القارئ أن يشعر بأنه عالم موجود بين الحقيقة والخيال، أوبين اليقظة والمنام. فقصة المتشرد تبدأ بتلقيه حقيبة المال وهوغارق ما بين اليقظة والمنام، وتنتهي أخيرا حينما يخلد للنوم ليلة زفافه فيجد نفسه وقد عاد إلى المكان الذي تلقى فيه تلك الحقيبة. ليجعل القارئ في حيرة من أمره: هل عاش المتشرد تلك الأحداث فعلا، أم أنها كانت من وحي خياله؟ ذلك ما يسرده سمير بن خرف الله من خلال فضاء القصة الرحب الذي يتفطن إلى دقائق الأحدث والوقائع فيصفها وصفا فوتوغرافيا من خلال التداخل المنسجم بين بنية سردية تبدو متكاملة وتوظيف جمالي للصور التخييلية التي تجعل القصة تعتمد الإثارة والدفع نحوإدخال عنصر المفاجأة. أما القصة الثالثة، "الغابة العجيبة"، فهي قصة نسجت على منوال قصص كليلة ودمنة، وأشعار لافونتين، التي تستعمل الحيوانات كرموز لتوصل رسالة أورسائل ذات مغزى إلى القارئ. ويغلب على القصة التجاء الكاتب إلى الإكثار من الحوار، إكثار يجعل من السهل أن تتشكل أدبيا ضمن فضاء مسرحي رحب.