كلما صبرت وتصابرت وأتقنت مهارة الإنصات وليس الاستماع فحسب، كلما كانت فرص تكوّن صورة ذهنية واضحة عن الموضوع الذي تسمع عنه عالية جداً.. حتى تخرج صورة ذات جودة عالية، كما هي مفردات عالم التلفزيون وعالم الصور الرقمية، لقد قلنا مراراً وتكراراً بأن اتخاذ القرار الصائب والسليم لأداء عمل ما، سواء كان هذا العمل على شكل قرار إداري تريد أن تتخذه أو كلام مكتوب تريد أن تنشره أو تذيعه، إنما يعتمد بشكل كبير على حسن استماعك وإنصاتك للكلام إن كان منطوقاً، وحُسن فهمك إن كان مكتوباً. الإنصات لمن يتحدث إليك وعلى وجه أخص حين يكون الحديث ثنائياً، فإنه بالإضافة إلى أنه نوع من الخلق أو الذوق الرفيع، فهو أيضاً أداة رائعة ومهمة لصناعة القرار السليم لفعل معين.. لماذا نقول هذا؟ الإجابة بكل وضوح هي أن ضبط النفس مهم للسيطرة على حماستها نحو النقد والمخالفة قبل أن تكتمل عملية الإنصات، من أجل ألا يقع المحظور على شكل رد فعل غير عاقل أو اتخاذ قرار غير سوي وحاسم. لأهمية هذا الأمر، حاول وتدرب على أن تضبط نفسك وأعصابك ولسانك، لا تتكلم من قبل أن تسمع كامل الحديث، ولا تكتب قبل أن تفهم ما تقرأ، فدع المتحدث ينهي حديثه بالتمام وبالكمال، واستمع له بإنصات وتركيز وفهم من قبل أن ترد وتناقش، وبالمثل مع المكتوب من القول.. اقرأ مرة واثنتان وألف، وتدبر القول المكتوب وافهم المراد منه من قبل التعجل بالنقد. إن الإنصات والتركيز وفهم الحديث، من صفات الحكماء. أما التعجل وعدم التركيز والفهم العميق لما يقال أو يُكتب، صفات لا تتناسب مع طالب الحكمة.. ومن أساء الاستماع وفهم الكلام المنطوق أو المكتوب، أساء الإجابة واتخاذ القرار، فحين يقول تعالى (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون)، فإن ذلك دعوة وجيهة ودرس بليغ على أهمية التدرب وتعلم هذا الخُلق أو هذا الذوق الرفيع في التعامل مع الكلمة المسموعة أو المقروءة.. وما أعظم القرآن في التوجيه والهداية.