جلس إلى صديقه مستاء من أداء التلفزيون وكيف أنه يصم آذانه عن الاستماع إلى معاناة الناس بسبب سوء التسيير والتقصير في الواجب.. تنحنح قليلا وقال له كأنه يلقي خطابا على الملأ: - شفت..الرداءة دايرة حالة وأتعجّب من هذا الانفتاح المتأخر وفي اتجاه واحد هو المشاكل الاجتماعية فقط، فلا انفتاح على النقاش السياسي والحزبي بشأن القضايا المختلفة، وكما أن... حاول صديقه أن يقاطعه قائلا: - لكنك صحفي وتدرك أن.. قاطعه هو مرّة أخرى قائلا: - ما كان، ما كان..أعجب ما تسمع أن الانفتاح المحسوب يأتي بأوامر مثل الغلق يأتي بأوامر أيضا..والغريب أننا كثيرا ما نرى برامج لا تسمع فيها إلاّ صوت المنشط يسأل الضيوف ثم يتكلم مكانهم، وكما أن.. قاطعه صديقه كرّة أخرى وحاول أن يسأله: - شوف..هذي ظاهرة جزا... راح هو يصيح ثانية: - ما كان والو..بعض المنشطين والمنشطات كالدمى »يشبحو« القعدة برك بالثرثرة دون تحضير أو إعداد وكأن الأمر مقصود حتى يكره الضيوف حياتهم من التلفزيون ومهمة الاستنارة و... حاول صديقه أن يعثر على فرصة ولو بنصف كلمة يحشرها في الحديث قائلا: - حبّس نقول لك..التلفز... ردّ هو بصوت جهوري وصرخ في وجهه: - أستنّى..أستنّى ما يسمعولك ما والو..تحضر كأنك ضيف ولا تقدّم شيئا في غالب الأحيان..وقال صديقه بإصرار هذه المرّة: - كيما أنت.. واصل هو كأن لم يسمع شيئا بينما راح صديقه يصرّ على إعادة كلامه: - ياااااااو ..كيما أنت..كيف كيف ما تسمع والو .. خمد بركان حديثه كأنه لقي الثلج والبرد، واستغل صديقه الفرصة وقال : - ترمي الآخرين بالطوب وبيتك من زجاج..أنت صحفي ولا تجيد الإنصات..تكلّم نفسك أمام الآخرين..عيب عليك..الذي يجيد الإنصات في الغالب هو محدّث جيد أيضا..يكفي من الانتقاد وهل تقوم أنت بالاستماع الجيد لصوت الأغلبية من الشعب؟ إنك تتهم التلفزيون والحكومة بأنها لا تجيد الاستماع ولا تقومون بأي شيء بديل..كلكم رهائن المال والإشهار والنفوذ وتدعون المهنية والموضوعية..! مرّ وقت صامت وغير قصير، لم يجد فيه الصحفي ما يقول، فختم صديقه الحديث مستطردا: - المؤسف أننا كأفراد ومجتمع لمّا نصل إلى مرتبة الاستماع فما بالك بمرتبة الإنصات التي تعني الوعي والتأمل، ألم تنتبه لقول الوحي: »وإذا قُرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون«. جرّبوا الاستماع الجيد للآخر حتى تصلوا إلى مرتبة الإنصات..!