في أكثر من مناسبة يرفض صالح عصاد التصريح، أو الحديث مؤكدا أنه يريد أن يبقى بعيدا عن الأنظار والأضواء، اعتذر منا أكثر من مرة، ولكن إلحاحنا عليه منتصف نهار أمس لمعرفة رأيه في أمور عديدة متعلقة بالشأن الكروي، المنتخب الجزائري وأشياء أخرى جعله يتنازل ويتحدث بصراحة، حيث يرى صاحب لقطة "الغراف" الشهيرة وأحد أبرز لاعبي الجيل الذهبي للكرة الجزائرية أن المنتخب الوطني تم تضخيمه كثيرا، قائلا إن التحاق بعض الركائز بالخليج ليس مفاجأة له بقدر ما هو واقع رفضنا أن نتقبّله ولم يهضمه من لا يعرفون كرة القدم. =لماذا يرفض صالح عصاد الظهور إعلاميا؟ لأنني أصلا أحب البقاء بعيدا، ثم إنه ليس لدي ما أقوله. =تبقى بعيدا كليا عن الميادين، لماذا هذه العزلة الاختيارية؟ الوقت هو الذي فرض أن أكون على الهامش، لم أجد أهل الرياضة الذين يمكن لي أن أشتغل معهم فقررت أن أبقى بعيدا. لا يوجد استقرار تماما، كما أن النوادي أصبحت بين أيدي أشخاص هم أنفسهم يدورون في محيطها منذ سنوات، ما جعل كرتنا كلها مشاكل في مشاكل. لو تلاحظون لم نعد نتكلم عن الكرة، بقدر ما أصبحنا نهتم بمشاكلها وما يحيط بها من أمور جعلتها "قصايص"، لهذا السبب لن أكون مرتاحا في محيط الكرة لو أعود إليه، وراحتي الآن هي بعيدا عن هذا الميدان، هذا هو جوابي. هل يمكن أن نراك مسيرا، أو مسؤولا أو ربما أحد أعضاء الطاقم الفني لفريق ما أم أنك اتخذت قرارا نهائيا بعدم الاقتراب من الكرة الجزائرية؟ كيف يمكنني أن أعمل في محيط مثل هذا؟ مستحيل، خاصة أن البيع والاشتراء في البطولة الجزائرية يبدأ من الجولات الأولى، الرؤساء ليسوا في المستوى، الأنصار أيضا، هناك انهيار من ناحية المستوى الأخلاقي، حوّل كرة القدم الجزائرية إلى ريع وفائدة شخصية لكل المسؤولين الذين يبقون هم المستفيدون الوحيدون، فالكل لا يعرف إلا قاعدة "اضرب على جيبك". =مع كل هذا تتابع ما يحصل للمنتخب أكيد أن وضعه الحالي لا يعجبك؟ كيف يعجبني؟ ونحن نعيش فوضى عارمة، لا انضباط ولا تنظيم، قبل مباراة المغرب برمجوا تربصا في إسبانيا، كيف يحصل هذا ونحن نعلم أن اللاعبين لن يكونوا حاضرين؟ فكل يوم كان يلتحق عنصرا، وآخر وصل ساعات قبل التنقل في الطائرة للعب، ثم سمعنا أيضا أن عائلات اللاعبين كانت حاضرة هناك، هل هذه ظروف تحضير لمباراة هامة؟ أين هم مسؤولو الإتحادية من كل هذا؟ فضلا عن هذا لا يوجد ضغط على اللاعبين، عندما ينهزم المنتخب يعود اللاعبون المحترفون إلى فرقهم حتى دون المرور على الجزائر وكأن شيئا لم يكن وفي التربص القادم تجدهم حاضرون. هناك بعض اللاعبين لا يخافون لا من المدرب ولا من مسؤوليهم ولا الجمهور، لهذا فمع هؤلاء اللاعبين صرف أموال مثل التي أنفقت في تربص إسبانيا الفاشل ليس إلا تبذيرا للمال العام، رغم أن الأمور لم تكن هكذا في وقتنا وسأشرح لك. =تفضّل... في وقتنا لم تكن لنا هذه التسهيلات، فالمسيرون لم يكونوا في مستوانا لأننا بلغنا خلال سنوات الثمانينيات مستوى عالمي، هل تتصوّر أنهم وعدونا قبل لقاء ألمانيا بطلة أوروبا بمليون سنتيم في حال الفوز؟ وفي كأس العالم نلعبها للمرة الأولى، هذا أمر لا يدخل العقل، ولكنه كان واقعا وتعاملنا معه وحققنا ما حققناه... اليوم للأسف الأمور انقلبت فالأموال موجودة ب "الشكاير" وترمى هكذا. = إذن المشكل تنظيمي في رأيك؟ نعم، المشكل في مسؤولي كرة القدم الذين ليسوا أهلا للتسيير، وكذلك في الانضباط فهؤلاء اللاعبون لا يملكون غيرة على الألوان، نأخذهم إلى إسبانيا وبعد المباراة يغادرون من المغرب مباشرة، ليس هكذا تكون الأمور. =كيف يجب أن تكون؟ كان يفترض أن يكون التربص في الجزائر حتى يعيش اللاعبون الضغط مع المناصرين مثلما حصل في عنابة، على الأقل حتى يشعروا بمسؤولية ما ينتظرهم، لكن أن يعيشوا في إسبانيا في معسكر يصل فيه كل يوم لاعب، أكيد أنه كان سيحصل ما وقع، وقد قلت لأصدقائي قبل اللقاء إننا سننهزم وهو ما حصل. هناك أمر آخر في هذا المنتخب حيّرني، وهو أننا لما نتلقى الهدف الأول ننهار، فيأتي الثاني والثالث والرابع كما وقع أمام المغرب وكان يمكن حتى في بعض اللقاءات أن تصل الحصيلة إلى 8 أهداف. لماذا يحصل هذا؟ لأنه لا يوجد ضغط على اللاعبين، الخسارة خسارة بالنسبة لهم ب 1 أو 7. =لا يمكن أن نحصر المشكل حسب قولك في سوء التنظيم والإنضباط فحتى مستوى اللاعبين انهار كليا، ما قولك؟ دعنا نقول دائما وهذه فكرتني أن لدينا لاعبين في المنتخب لا يخافون أحدا، لا من المدربين ولا المسؤولين ولا الجمهور، هؤلاء اللاعبون كلهم يشكلون منتخبا متوسطا من حيث المستوى، هذا المنتخب وهذا خطأ تسبب فيه كثيرون "كبّرناه بزاف" أكثر من حجمه الطبيعي، وقامت الجماهير بتغليط أنفسها، حيث تتصوّر أن هؤلاء اللاعبون يمكنهم الفوز بكأس العالم وقد سمعنا هذا الكلام قبل المونديال. اللاعب في هذه المعطيات التي أتحدث عنها، عندما توفر له ما لا يتوفر حتى لمنتخبات عالمية، فكيف تريد أن يحقق ما نريده؟ =البعض يرى أن طريقة المعاملة في المطارات والإستقبالات الشعبية التي تخصص لهؤلاء رفعت من شأنهم كثيرا، وكان هذا "التفشاش" أحد أسباب ما يحصل من تراجع؟ لا يوجد مشكل في هذه الاستقبالات، نحن من شيمنا الكرم، لكن على الأقل يكونوا في مستوى هذا الاهتمام. أنا عشت المرحلتين ويمكنني أن أقول أن الشعبية و الاهتمام الذي يُخص به هؤلاء اللاعبين رغم مستواهم المتوسط لم نعامل به نحن، مع أن مستوانا كان عالميا، حيث كنا مصنفين دائما في المراتب الأولى قاريا وفي بعض الأحيان في قائمة ال 11 على مستوى العالم، أين هم منا هؤلاء اللاعبون؟. = اختيار بعض اللاعبين اللعب تحسبا للموسم المقبل في الخليج، هل كان مبررا بتراجع مستواهم أم ماذا، نريد قراءتك أنت؟ من صدموا أو اندهشوا لاختيار هؤلاء اللاعبين فرقا في قطر والسعودية لا يعرفون كرة القدم، لأن هؤلاء اللاعبين لو كانت لهم مكانة في أندية أوروبية لما فضلوا بطولة يذهب إليها من يريد أن يحصل على الأموال فقط، المعروف دائما أن اللاعبين يبحثون عن مصلحتهم أينما كانت واللاعب الذي يطلبه بايرن ميونيخ أو الإنتير لا يلعب في قطر، الخيارات لم تكن موجودة وكانت إجبارية ومفروضة. = قرار هؤلاء تحصيل حاصل إذن؟ هم بحثوا عن مصلحتهم ووجدوها في هذه الفرق، لو عثروا على فرق أفضل وعروض أحسن لاختاروها. =نريد أن تحدثنا بصراحة، كيف كان موقفك عندما سمعت أن قائد المنتخب عنتر يحيى التحق بنادي النصر السعودي؟ عادي جدا، ما "تخلعتش" لأن هذا اللاعب منذ عامين أو أكثر وهو يدور في مستوى واحد لم يتطوّر، لماذا أصدم أو أتفاجأ وأنا أعرف مستواه وأعرف أيضا أنه لم يجد إلا هذا الفريق. = وبالنسبة لزياني، الأمر نفسه أم يختلف؟ زياني يدور في "بلاصتو" منذ 3 سنوات، صحيح أن له إمكانات ومهارات لكنه لم يقدم شيئا خلال كل هذه المدة، ومنذ انتقل إلى البطولة الألمانية لم نره يلعب، ثم غاب عن المستوى الأوروبي العالي إلى أن اختار ناد في تركيا، وهكذا من خلال الهبوط التدريجي من الطبيعي أن نراه في بطولة أقل، وها هو يمضي في قطر، ومن يتابع كرة القدم جيدا يعتبر قراره عاديا جدا. = هناك لاعبون آخرون مثل يبدة وعبدون يقال إنهم... (يقاطع)... عبدون له مستوى جيد، ومع بودبوز أرى أنهما يمثلان الجيل القادم من شباب الكرة الجزائرية، يجب المحافظة عليهما، فطريقة لعبهما فيها شيء من الطريقة الجزائرية. هذان اللاعبان يجب أن نستفيد منهما. =بودبوز وعبدون فقط؟ أعطيتك مثالا فقط، هذين اللاعبين حان الوقت ليكونا ركيزتين في المنتخب، إلى متى لا نستفيد منهما؟ هما شابان الآن ومن الأفضل أن يكونا من الأطر ويكون إلى جانبهما عناصر صغيرة أخرى وهكذا نشرع في هيكلة منتخب المستقبل. =إذن أنت مع تجديد التعداد وتغيير القطع القديمة؟ هذه أمور من صلاحيات المدرب، إن كانت له الخيارات للتجديد وتغيير التعداد فلم لا يفعل؟ وإن كان مضطرا للمحافظة على اللاعبين الأساسيين سيفعل، خاصة أنه لا مؤشرات أن مستوى البطولة الوطنية سيرتفع أو على الأقل يتحسن. = هل لنا أن نعرف رأي صالح في المدرب الجديد للمنتخب وحيد حليلوزيتش؟ حقيقة الكلام الذي قاله منطقي وجميل من النوع الذي يحبه الرياضيون، لكن علينا انتظار الميدان، وإن كان سيطبق تلك الأفكار التي تحدث عنها أم أنها تبقى مجرد حبر على ورق، حتى الآن لا أعرف اللاعبين الذين سيعتمد عليهم ولا كيف ستكون الأمور مستقبلا، لهذا علينا أن نمنحه مهلة من الوقت قبل الحكم عليه. =بالمعطيات الحالية، هل ترى أنه قادر على النجاح؟ هذا ما لا أعرفه، أنت تريدني أن أخوض في الغيب. على كل ما يمكن أن أحكم عليه الآن فقط هو خطابه لقد استعمل كلمات أعجبتني وحتى طريقة تفكيره بدت لي جيدة، ولكن كل هذا سابق لأوانه فهو لم يبدأ العمل بشكل فعلي مع اللاعبين حتى الآن. وبخصوص سؤالك فحليلوزيتش من جلبه هو من يتحمّل مسؤولية هذا القرار، فهو نفسه من أبعد رابح سعدان وأقال بن شيخة، لهذا السبب نجاحه بصورة أكبر مرتبط بخيارات أشخاص، ولو أنني آمل أن أراه يحقق الانتصارات حتى تعود البسمة إلى شفاه الجمهور الجزائري. = وماذا يجب أن يفعله حتى ينجح، على الأقل حتى لا يكون سؤالنا مرة أخرى استباقا للأحداث؟ هو رجل ميدان وسبق أن كان مهاجما مميزا في وقتي مع نانت الفرنسي، ولو أنه أكبر مني بسنوات، بقي فقط أن عليه أن يعرف كيف يتعامل مع بعض الأمور الداخلية، فهناك مثلا "عش" داخل المنتخب الوطني، نعم عش، هذه هي الكلمة المناسبة، أتساءل إن كان سيقدر على من يسكنونه أم لا. = ماذا تقصد بكلمة "عش"، هل هذا لغز أم ماذا؟ هذا سؤال تطرحه عليّ وكأنك لا تعرف كرة القدم أو ما يدور داخل المنتخب الوطني، هناك أمور تحصل في الخفاء، تحرك من داخل هذا العش، هذا ما يمكنني قوله. = لم نفهم قصدك ونريد توضيحا إن أردت؟ من يسكنون هذا العش هم من يتحكمون في سير الأمور، يبعدون اللاعبين، و"هذا يجي والآخر لا"... وحتى أذهب معك بعيدا، فهؤلاء هم الذين لم يسمحوا لبودبوز باللعب، وأقصوا عبدون، و، و.. أمور كثيرة. = هل لنا أن نعرف عمن تتكلم؟ يكفي ما قلته. = زميلك السابق في المنتخب محمود ڤندوز قال إن مكانته وأنت وبلومي وغيركم محجوزة لصالح مدربي شوارع على حد قوله، ما تعليقك؟ لم أسمع هذه التصريحات، ولا أريد أن أتكلم في هذا الموضوع لو تسمحون، هل لكم أسئلة أخرى؟ =لا، ولكننا نشكرك على رحابة صدرك. لقد تكلمت كثيرا على غير العادة، يومكم سعيد.