- ''الغراف'' من إبداعي والبرازيليون قلّدوني - منحة مونديال إسبانيا لم تتعد 3 ملايين - الإصابة حرمتني من اللعب في أتلتيكو مدريد الإسباني - بعد الهزيمة أمام المغرب كان على المسؤولين أن يعتذروا للشعب الجزائري وينسحبوا - توجت كأحسن جناح أيسر في مونديال 82 لم يكن يريد الحديث للصحافة. لكن بعد إلحاحنا عليه، فتح ''صاحب الغراف''، صالح عصاد، قلبه ل''الخبر''، ليتحدث لنا عن أهم المحطات التي مرّ بها في مشواره الكروي، وأسباب اعتزاله المبكر، وأمور طريفة يكشفها في هذا الحوار. كيف هي أحوالك؟ - الحمد لله هي بخير. أنا منشغل بأعمالي الحرة منذ اعتزالي الكرة. كيف كانت بدايتك مع الكرة؟ - بدايتي كانت في الأصناف الصغرى لشبيبة الشرافة. وأتذكر أنني بدأت في موسم 1972 1973 ولم أتجاوز 12 سنة، وحصلت على فرصة المشاركة في مسابقة أحسن اللاعبين كل موسم. وكنت مطلوبا من عدة نواد جزائرية في تلك الفترة، قبل أن أختار رائد القبة في صنف الأشبال. وفي موسمي الثاني 1975 تمكنت من نيل الكأس. هل تتذكر أول لقاء مع الأكابر؟ - كان في نفس السنة، أي سنة 1975 وتحت الأضواء الكاشفة بملعب 20 أوت في الجزائر العاصمة، حيث واجهنا مولودية الجزائر الذي كان يملك تشكيلة غنية بالنجوم، يتقدمهم باشي، بوسري، بن شيخ وغيرهم، وكان يشرف علينا في رائد القبة المدرب واللاعب في نفس وقت عميروش الذي أقحمني في اللقاء رغم صغر سني. وقدمت مقابلة كبيرة بشهادة كل من تابعها، انتهت بالتعادل الإيجابي .1/1 رائد القبة انتظر سنوات عديدة بعد تأسيسه لينال أول لقب، لماذا هذا التأخر؟ - الكل يعرف بأن رائد القبة منذ نشأته كان مدرسة لتكوين اللاعبين، بفضل المسيّرين الذين كانوا يجتهدون لاكتشاف الطيور النادرة وصقل مواهبها. وكان جيلنا محظوظا بوجود رجال في صورة توتة. فرغم أننا كنا دائما مجموعة متجانسة، لكن الحظ كان دائما يخوننا، لذلك تأخر الفريق في نيل أول لقب في تاريخه. كيف تفسر تتويجكم بالبطولة في ظل وجود فرق قوية؟ - علينا أن نكون صرحاء. في 1981 كنا نملك تشكيلة قوية، يقودها الحارس المخضرم مهدي سرباح. قوتنا كانت في الروح الجماعية. ومنعرج البطولة آنذاك كان الفوز على أقوى فرق البطولة، منها مولودية وهران التي فزنا عليه بنتيجة 1/3 بزبانة، ثم شبيبة القبائل وشباب بلوزداد. وكان مستوى البطولة عال جدا، ومبارياتها جميعا تتسم بالإثارة والتنافس الكبيرين، وهو ما جعلنا نحقق بطولة نظيفة بعيدا عن الشبهات أو الكواليس، مثلما يحدث الآن، حيث أن كل شيء يجري على المكشوف ولا أحد تحرك لاتخاذ قرارات جريئة. بعد المونديال، اخترت الاحتراف في نادي ميلوز الفرنسي؟ - رغم أن القوانين في ذلك الوقت كانت تمنع اللاعب الذي لم يتجاوز 28 سنة من الاحتراف، إلا أن المستوى الذي أظهرناه في مونديال إسبانيا هو الذي جعل السلطات تتدخل للسماح لي وزميلي ماجر بالاحتراف. لكن هناك شيئا أريد أن أضيفه. تفضل؟ - قبل المباراة أمام ألمانيا في مونديال إسبانيا، صرح المدرب الوطني آنذاك، خالف محي الدين، في حوار لإحدى الصحف الإسبانية أن اللاعبين الجزائريين غير قابلين للتحويل إلى الخارج، وهو التصريح الذي جعل الوكلاء و''المناجيرة'' الذين كانوا يتابعوننا في كل المعسكرات في الخارج أو حتى في البطولة الجزائرية، يحولون وجهتهم نحو لاعبين آخرين. وأتذكر أنني استفسرت الناخب الوطني لماذا اختار ذلك الوقت بالذات ليقول ذلك الكلام حيث كان من المفروض أن يركّز على المواجهة أمام ألمانيا بدل أشياء أخرى. ماذا تقصد بكلامك؟ - أقصد أننا كنا مطلوبين بقوة في أكبر الفرق، حيث كنا نلتقي في التدريبات أو المباريات الودية عدة عروض. لكن كلام المدرب خالف أوقف كل شيء، حتى ولو كان دون قصد، فقد كان عليه أن يتجنب الحديث عن هذه النقطة بالذات. كنت أنتظر أن يتكفل بي مسؤولو كرة القدم لأجري عملية جراحية في ظروف لائقة، لكن وجدت نفسي وحيدا أجري في كل الاتجاهات، واضطررت إلى ترك الجرّاحين يفتحون ركبتي ثلاث مرات كيف تقيّم مشوارك مع ميلوز الفرنسي؟ - أتذكر جيدا أنني في الموسم الأول شاركت في 26 مقابلة وسجلت 13 هدفا، حيث تألقت وقدمت مباريات كبيرة. وبعد موسمين مع النادي ''الألزاسي''، تلقيت عرضا من باريس سان جرمان الكبير، ولم ألعب معه سوى 9 مباريات. وللأسف، تعرّضت لإصابات كثيرة أثرت على مردودي فوق الميدان، رغم مساندة زملائي والأنصار وحتى الإدارة. ألا ترى أنك تسرعت في قبول العرض خصوصا أنك كنت مرتاحا في ميلوز؟ - اللعب في نادي باريس سان جرمان كان حلما، بوجود نجوم يتقدمهم مصطفى دحلب. لكن الإصابات منعتني من البروز والتألق، حيث اضطررت للعودة إلى ميلوز ولعبت موسما وحوالي 29 مقابلة، سجلت فيها 15 هدفا. أنهيت مشوارك في القبة وحققت الصعود واعتزلت وعمرك 28 سنة؟ - بعد مونديال 86 اضطررت للبقاء سنة كاملة دون منافسة بسبب الإصابة. وبعد أن شفيت، كنت على وشك الانضمام إلى اتحاد الجزائر الذي كان يريدني. لكنني فضلت العودة إلى القبة التي كانت تحتاجني، بحكم أن الإدارة كانت تبحث عن العودة إلى القسم الأول وهو ما تحقق، قبل أن أتخذ قرار الاعتزال في سن مبكر. هل لنا أن نعرف أسباب اعتزالك في هذه السن؟ - بسبب إصابة تلقيتها في مونديال مكسيكو 86 في المواجهة الثانية أمام البرازيل، حيث أصبت على مستوى الركبة. وبعد عودتنا إلى الجزائر، كنت أنتظر أن يتكفل بي مسؤولو كرة القدم لأجري عملية جراحية في ظروف لائقة، لكن وجدت نفسي وحيدا أجري في كل الاتجاهات، واضطررت إلى ترك الجرّاحين يفتحون ركبتي ثلاث مرات. لقد أجريت ثلاث عمليات جراحية كلفتني سنة دون منافسة، بسبب مسؤولين لا يملكون الكفاءة. كانوا يحتاجوننا فقط في المباريات، لكن في أوقات الشدة، لا يحاولون حتى رفع سماعة الهاتف للسؤال عنا، وهو تصرف لا يشرفهم. أغلبية المتتبعين كانوا يقولون إن عصاد ضيّع فرصة الاحتراف في أكبر النوادي الأوروبية، هل هذا صحيح؟ - بالطبع، كنت سألعب إما في انتراخت فرنكفورت الألماني أو أتليتكو مدريد الإسباني، لكن الإصابة ولامبالاة المسيّرين أوقفت مشواري الاحترافي. الظاهر ''أن قلبك معمّر'' على بعض المسؤولين؟ - سأقولها بصوت عال، في 82 و86 كنا نملك منتخبا كان قادرا على الذهاب بعيدا في نهائيات كأس العالم. كل شيء كان متوفرا، لكن لم نكن نملك مسيّرين أهلا لتسيير الفريق. كان الاتصال غائبا. لم نكن نشعر معهم بأننا أبناؤهم، كانوا يحتقروننا رغم أننا كنا نحقق إنجازات ونسعد الشعب بأكمله، وحتى الدولة كانت معنا. لكن الذين كانوا يسيّرون المنتخب، لم يكونوا في مستوى المسؤولية، وأنا أعي ما أقول. وهناك أمثلة عديدة عن ذلك. هل من توضيح أكثر؟ -عادة، عندما يتأهل منتخب إلى المونديال توفر له ظروف الراحة، وكانت الرئاسة تصرّ على المسيّرين أن نعمل في أحسن الظروف. وأتذكر أننا قبل مواجهة ألمانيا ب24 ساعة، حضر مبعوث شخصي لرئيس الجمهورية في ذلك الوقت، الشاذلي بن جديد، ليطمئن على أحوالنا وتشجيعنا، وطلب أن نجتمع معه قبل أن يكشف لنا وبطريقة غريبة قائلا ''يا جماعة، تربحوا لالمان عندكم مليون للواحد''. هذا كلام جعل الحارس سرباح ينتفض ويتدخل قائلا له ''وإذا خسرنا، كيف سيكون مصيرنا؟''. وهو ما يؤكد كيفية التعامل والضغط الذي كان يزداد علينا مع اقتراب اللقاء. ونحن لا نلوم هذا المبعوث، بقدر ما نلوم المسيّر الذي كان عليه أن ينصحه بعدم الحديث في ظل التركيز النفسي الذي كنا عليه، قبل المواجهة أمام العملاق الألماني. لكن تمكنتم من تحقيق الفوز؟ - الحمد لله، تحقق بفضل إرادة وشجاعة اللاعبين وإصرارهم على الفوز، دون تحفيزات. كنا نلعب بالقلب ومن أجل ألوان ''البلاد''، وليس من أجل المسيّرين الذين لا يملكون ثقافة التعامل. في ذلك الوقت، كنا نحتاج إلى أشخاص يحسنون الحديث ويحفزوننا بكلام جميل وليس بطريقة ''عليكم، ويجب، والدولة، والشعب''، وكأننا في حرب، وهو شيء مؤسف. أتذكر أننا قبل مواجهة ألمانيا ب24 ساعة، حضر مبعوث شخصي لرئيس الجمهورية في ذلك الوقت، الشاذلي بن جديد، ليطمئن على أحوالنا وتشجيعنا، وطلب أن نجتمع معه قبل أن يكشف لنا وبطريقة غريبة قائلا ''يا جماعة، تربحوا لالمان عندكم مليون للواحد'' وهل كنتم تتلقون تحفيزات مادية في ذلك الوقت؟ -كنا نلعب ''باطل''، نمتع ونبدع، والجمهور كان يخرج ''زاهي'' ويبقى يتحدث عما شاهده طيلة أسبوع. الجميل في وقتنا هو أننا كنا نلعب الكرة للإمتاع. وأتذكر أن منحة مشوارنا في مونديال إسبانيا 82 كانت 3 ملايين سنتيم. وعندما حققنا التأهل إلى أولمبياد موسكو، تلقينا منحة 1500 دينار فقط. حتى عندما كنت ألعب في القبة، أجرتي لم تتجاوز 6500 دينار رغم أنني كنت لاعبا دوليا. ما هي قصة ''الغراف'' الذي كنت تبدعه في المستطيل الأخضر؟ - هذه اللقطة هي من إبداعي، استعملتها وأنا لم أتجاوز 7 سنوات في المباريات مع أبناء الحي، وبالوقت أصبحت أتقنها وكأنني أمرر الكرة أو أقوم بفتحة عرضية. ومخطئ من يظن أن تلك اللقطة من إبداع البرازيليين، بل إن البرازيليين هم من قلدوني في تلك اللقطة. كنت تعبث بخصومك، أليس كذلك؟ - أتذكر أنني في مباريات الأصناف الصغرى، تسببت، وأنا آسف عن ذلك، في إصابة لاعب من وداد بوفاريك على مستوى الكتف، اضطر للخروج بعد عشر دقائق. ولاعب آخر من اتحاد الجزائر في مباراة جرت في ملعب حيدرة الترابي، حاول لعب الخشونة، فاعتمدت على السرعة وأصيب هو على مستوى الركبة. ماذا حدث مع لاعب شباب بلوزداد دحماني؟ - دحماني محمد كان لاعبا كبيرا في بداية الثمانينيات. كنت ألعب من جهته. وفي إحدى اللقطات، قمت ب''الغراف'' مع اعتماد السرعة، واصطدم ب''بيدون ماء'' كان على حافة التماس وتسبب في طوارئ على كرسي البدلاء. (يضحك) كانت لقطة صفق لها حتى جمهور الشباب. الكرة في ذلك الوقت كانت جميلة، والجمهور كان رياضيا إلى أقصى درجة. حتى المدرب الحالي لمنتخب الغابون واللاعب السابق لنادي بوردو غرنت غوهر كان من ضحاياك؟ - كان ذلك قبل خوض مونديال إسبانيا، واجهنا نادي بوردو بنجومه في ملعب 5 جويلية. وأعتقد أنه لم تمر 20 دقيقة حتى تمكنت من ''العبث'' بأحد المدافعين الذي وجد صعوبة في إمساكي وسقط، وبعد دقائق طلب التعويض. وأتذكر أن زميلي قريشي الذي كان يلعب مع هذا الفريق، أسرّ لي أن جيراس وزملاءه كانوا يستفزون المدافع كلما يلمس الكرة، ويصرخون في وجهه ''حذار.. صالح أمامك''. كيف تقيّم مشوارك الكروي؟ - شاركت في 90 مقابلة مع المنتخب الجزائري. وفي مونديالي إسبانيا والمكسيك وفي أولمبياد موسكو، وتوجت كأحسن جناح أيسر في مونديال .82 كما اخترت كأفضل لاعب في استفتاء إفريقي سنة 82 وثاني أفضل لاعب إفريقي نفس السنة من قبل الكاف، ولولا الإصابة، لكنت قادرا على الذهاب بعيدا في الاحتراف. ما تعليقك على الهزيمة الأخيرة أمام المغرب؟ - قبل الحديث عن الهزيمة، أعتقد أننا لم نحضر المباراة بالشكل المناسب، لأنه من غير المعقول أن نتنقل إلى إسبانيا للتحضير بأربعة لاعبين، ليصل بقية عناصر التعداد يومين قبل التوجه إلى المغرب. أعتقد أنه كان من الأنسب أن نحضر اللقاء في الجزائر، حتى نحسس اللاعبين بالضغط، وهو ما يفسر في نظري الخسارة التي كانت منتظرة، لأننا اخترنا إسبانيا في الوقت الذي حضر فيه المنافس عن وعي في المغرب. ما تعليقك على استقالة بن شيخة؟ كنت أنتظر أن يتجرأ المسؤولون على تقديم استقالتهم، ولا يتحمل المدرب مسؤولية الخسارة. وأكثر من ذلك، كان على المسؤولين أن يعتذروا للشعب الجزائري وينسحبوا. لكن المدرب واللاعبين هم الذين دفعوا الفاتورة.