الحديث عن صالح عصاد حديث ذو شجون، كلام عن ماضٍ جميل صنع فيه هذا اللاعب أمجاد المستديرة الوطنية وأفراح الملايين من الشعب الجزائري، حين كان المنتخب الوطني يحسب له ألف حساب وشكّل على مدار عشرية كاملة من الزمن تاريخا مليئا بالألقاب والإنجازات، ولأن هذا اللاعب يبقى معادلة أساسية في تاريخ هذه الإنجازات، سعت يومية "الشباك" أن تقف وقفة إجلال عرفان نظرا لِمَا صنعه هذا القدم العال، والذي تبقى الأجيال الحالية تتغنى به وتتفاخر، كيف لا؟ وهو اللاعب الذي قال عنه وزير الشببية والرياضة السابق جمال حوحو بأنه ساحر. ولد صالح عصاد يوم 13 مارس 1958بالأربعاء نايث إيراثن ولاية تيزي وزو، عرف بالحركة الشهيرة من ابتكاره، وهي حركة الغُراف مراوغة بباطن وظاهر القدم على التوالي، وبسرعة كبيرة تربك المنافس وتجعل ردة فعله سلبية لعب عصاد أو أسد الملاعب الجزائرية كما لقب أيضا 98 مباراة بألوان المنتخب الوطني، لعب مع عدة أندية أبرزها رائد القبة، ونادي ميلوز الفرنسي. هكذا كانت البداية... توتة من اكتشفه والتألق مع الأشبال ترعرع عصاد في عائلة بسيطة بالشراڤة شرق العاصمة، داعب الساحرة في الأحياء وتعلم أبجدياتها هناك قبل أن يمضي أول عقد له في جمعية الشراڤة صنف الأصاغر، وبالرغم من أن كل شيء بدأ بالنسبة لصالح عصاد في أحد الدورات بالعاصمة التي شارك فيها والتي كان فيها مدرب الأشبال لرائد القبة محمد توتة حاضرا، لفت انتباهه صالح عصاد بعد اللقطات التي كان يقوم بها، وهو ما جعل توتة وبحكم حنكته ومعرفته أن هذا اللاعب ليس بالعادي لأن يسارع بالاقتراح عليه أن يمضي أول عقد مع رائد القبة، وبالفعل وافق عصاد والتحق بعدها برائد القبة صنف أشبال للسنة الأولى. قال عنه إنه خليفة عميروش فصدق مباشرة بعد العقد الذي أمضاه "الأشقر" كما كان يحلو لأنصار الخضر مناداته، أجزم توتة بأن هذا اللاعب سيكون خلفا ندا للأسطورة بوعلام عميروش اللاعب السابق للمنتخب الوطني ولرائد القبة، الذي كان يعتبره القبيين أحد أحسن اللاعبين في العالم وليس في الوطن فحسب، نظرا لِمَا كان يفعله هذا الأخير بالكرة، وبالرغم من تواضع عصاد الذي اعتبر بوعلام عميروش مثالا أعلى له وأن مكانته مرموقة، إلا أن مع مرور الأيام اتضح حقا أنّ عصاد أهل ليكون خلفا لبرازيلي القبة بوعلام عميروش الذي كان يكن له كل الاحترام والتقدير. هدف أسطوري أمام غانا وأحسن هدف أمام الألمان يبقى الهدف الذي وقعه عصاد في مرمى منتخب غانا من الدور نصف النهائي لكأس إفريقيا من سنة 1982، أحد أجمل الأهداف التي لا يزال يتغنى بها محبي المنتخب الوطني، ذلك لطريقة الهدف بحد ذاته، حيث جاء عصاد مسرعا من الخلف ارتقى على مرتين وأسكن الكرة برأسيته في شباك المنافس بطريقة أذهل بها المتتبعين وعكست مدى قوة هذا اللاعب، غير أنّ هذا الهدف لم يكن الأجمل لدى عصاد الذي صرح وفاجأ الجميع لمّا قال بأن الهدف الثاني الذي سجل أمام ألمانيا هو الأجمل بالنسبة له. لعب أول لقاء مع الأكابر أمام المولودية عن 16 سنة وسجل هدفا بعد كل الذي أبان عنه صالح عصاد في البطولة رفقة الأواسط، تمت ترقيته مباشرة إلى صنف الأكابر وكانت هذه المباراة أمام بطل إفريقيا مولودية الجزائر بملعب 20 أوت وبدوره ترك عصاد طابعا خاصا، أين سجل الهدف الثاني لرائد القبة بعد تمريرة محكمة من بوعلام عميروش، وهو الهدف الذي أهدى به الفوز للرائد. مخلوفي يستدعيه للقاء الأكابر والموعد أمام السنغال بعد أن أثبت جدارته في الأصناف الصغرى للمنتخب الوطني، وجه المدرب الوطني للأكابر الدعوة لصالح عصاد إلى منتخب الأكابر وبالضبط في اللقاء الذي جمع الخضر بالمنتخب السنغالي، لعب عصاد اللقاء وعمره 19 سنة مخلفا وراءه انطباعا حسنا لدى مدربه وأنصار المنتخب الذين تابعوا اللقاء. حلم في صباه أن يكون محاميا أو صحافيا والقدر ساقه بساقه إلى عالم الشهرة حلم صالح عصاد وهو في مقتبل العمر أن يصبح ذات يوما محاميا أو صحافيا في الإذاعة الوطنية، اجتهد في الإبتدائية والمتوسطة وكان من بين أنجب التلاميذ، غير أنّ القضاء والقدر وبسبب عشقه الكبير للكرة ساقه إلى ما لم يكن يحسب له بساقه اليسرى إلى عالم الشهرة وكانت الموهبة الأكبر في ساقه وليس في يده الرافعة لقلمه. الأشقر في عالم الإحتراف بعد كل الذي صنعه في بلاد الأندلس سنة 1982، تلقى صالح عصاد عرضا احترافيا من نادي "ميلوز" الفرنسي، وبالفعل انتقل إلى هناك لعب فيه موسمين وأصبح النجم بدون منازع في النادي الالزاسي آنذاك، وهو النادي الذي كان يشرف عليه المدرب السابق للمنتخب الفرنسي ليمون دومينيك، قبل أن ينتقل إلى نادي باريس سان جيرمان أين لعب موسم واحد فقط ليعود مرة أخرى إلى نادي "ميلوز" بعد الإصابة التي تعرض لها، غير أنّ لعنة الإصابة التي تعرض لها جعلته يفكر بالجدية اللازمة في العودة إلى أرض الوطن وإلى فريقه الأول رائد القبة مجددا، ومن تم اعتزال الكرة هناك. ماجر أبى إلا أن يتدخل ويوضح بأن تقنية الغُراف لصالح عصاد وبالرغم من أن تقنية الغُراف عرفت منذ أزيد من 30 سنة، إلا أنّ البعض راح يغالط الرأي العام ونسب هذه التقنية للاعب البرازيلي رونالدينيو، غير أنّ رابح ماجر وعقب تدخله عبر قناة "الجزيرة الرياضية" بمناسبة تحدث بعض الإعلاميين عن الأمر قبل ثلاث سنوات من الآن تقريبا، أنّ لاعب بارشلونة الإسباني هو صاحب هذه التقنية بل إنها لزميله السابق في المنتخب الوطني صالح عصاد الذي تفنن فيها منذ سنة 1978 وهو لاعبا في صنف الأشبال. عصاد يضع حدا لمسيرته كلاعب لم يتجه للتدريب... رفض التحليل والحديث عن الكرة إعتزل صالح عصاد لعب الكرة وعمره 33 سنة، وهذا جراء العملية غير الناجحة التي أجراها على مستوى ركبته، فقرر بعد صعوده مع رائد القبة أن يضع حدا لمسيرته نهائيا، المسيرة التي كانت كافية لتصنف هذا اللاعب في خانة الكبار وتضعه كشخصية بارزة بأرض الوطن لما منحه للوطن، ولكي يبقى دائما رمزا من رموز الكرة الجزائرية، ويبقى لاعبا تتباهى به الأجيال وتتفاخر به، ورغم تواريه عن الأنظار إلا أنّ ذلك لم يزده إلا مقاما ورفعه منزلة في أرض الوطن. ولم يتجه عصاد إلى عالم التدريب وللحديث أيضا عن شؤون الكرة الوطنية إلا نادرا، لسبب واحد أن محيط الساحرة المستديرة أصبح متعفنا ودخله بعض الدخلاء. لبى أول نداء عام 1987 لم تغره الأموال... فضّل العودة إلى القبة وحقق الصعود معه عقب النداء الذي وجهه القائمين على شؤون رائد القبة في حادثة بوسعادة الأليمة التي لحقت برائد القبة، يوم كان الفريق متجها إلى تڤرة للتباري مع النادي المحلي، وهي الحادثة التي أودت بحياة أربعة لاعبين ومسيّر، كان أول العائدين إلى الرائد هو صالح عصاد رغم أن ناديه الفرنسي "ميلوز" أصر على الاحتفاظ به، ورغم أن العروض التي تهاطلت عليه من أبرز النوادي العاصمية على غرار إتحاد الجزائر، مولودية الجزائر وشبيبة القبائل الذين منحوه أموال طائلة، إلا أنّ عصاد لم تغريه كل هذه الأموال، وأبى إلا أن يلعب من دون مقابل في رائد القبة يوم عاد أيضا قاسي سعيد محمد ومحمد شعيب من عنابة هما أيضا، وحققا الصعود في عامه مع رائد القبة إلى القسم الأول، وكل ذلك يعكس عن الشخصية الحقيقة لهذا اللاعب الذي عرف بمواقفه النبيلة. عاد إلى رائد القبة كمناجر عام طالته ألسنة السوء فاعتزل كليا الكرة أول مهمة وآخر ما تولاه صالح عصاد في عالم الكرة، هي مهمة مناجر في رائد القبة لسنة 2001، أي في أول موسم صعد فيه رائد القبة إلى القسم الأول، وهذا بعد الدعوات التي جاءته من أنصار الفريق ومن الرئيس مصطفى لمالي يطلبون فيه يد العون، والتي لم يتخلف عنها يوم لرائد القبة، إنتدب للفريق ممول الخليفة، وهو الممول الذي منحته شهرية مقدرة، وهي الأجرة التي كان يضعها مباشرة في خزينة النادي، غير أنّ البعض راح يتكلم في عصاد ويستفسر عن الدور الذي يقوم به، فانسحب كليا وكان هذا المنصب آخر منصب تولاه في كرة القدم، بالرغم من مساعي الكثير الذين اقترحوا عليه عدة مناصب، إلا أنّ عصاد أبى إلا أن يعتزل الكرة ويبقى بعيدا عنها. أهم الألقاب التي تحصل عليها مع النوادي: كأس الجمهورية للأشبال 1975 مع رائد القبة بطل الجزائر 1981 مع رائد القبة مع منتخب الوطني: الميدالية الذهبية في دورة الألعاب الإفريقية سنة 1978 بالجزائر العاصمة الميدالية البرونزية في دورة ألعاب البحر المتوسط بسبليت 1979 وصيف بطل كأس أمم إفريقيا 1980 بنيجيريا مشاركة في دورة الألعاب الأولمبية بموسكو 1980 (الدور ربع النهائي) مشاركة في كأس العالم مرتين في 1982 بإسبانيا و1986 بالمكسيك أحسن جناح أيسر في كأس العالم 1982 بإسبانيا رقم 1 في إستفتاء أحسن رياضي إفريقي عام 1982 ثاني أفضل لاعب إفريقي عام 1982 ثالث أفضل رياضي جزائري عام 1983 قالوا عن الأسطورة صالح عصاد بن شيخ: "عصاد لاعب متكامل" علي بن شيخ، اللاعب السابق للمنتخب الوطني ولمودية الجزائر في هذا الصدد يقول في اللاعب السابق لرائد القبة "هو لاعب متكامل يحمل مواصفات المهاجم الحقيقي يمتاز بالسرعة الدقة في التنسيق، واللعب الجماعي يعتمد على فنياته العالية وقوته البدنية في اللعب، لديه الحس ويتوغل بشراسة داخل منطقة الجزاء، فضلا عن كل هذا هو لاعب ذو أخلاق عالية". قاسي سعيد محمد: "عصاد رمز من رموز الكرة الوطنية" قاسي سعيد محمد وبحكم المعرفة القديمة وصلة التي تجمعه بصاحب الغُراف العجيب يقول عن الأخير "عصاد هو رمز من رموز الكرة الوطنية منح الكثير للكرة الوطنية وللوطن ككل، وليس في مقامنا هذا أن نعرف بهذا اللاعب الذي يبقى غنيٌ عن كل تعريف، لعب لقاءات كبيرة صنع الفارق في عدة مباريات، وأتذكر المواجهة الكبيرة التي لعبها في المغرب أمام المنتخب المغربي أين كان له الفضل الكبير في الفوز الباهر الذي حققه الخضر في تلك المباراة التي ستبقى التاريخ يحفظها جيدا". حمزة عصاد نجل صالح عصاد: "والدي مفخرة لنا... أفضل لقاء أمام الشيلي" يقول حمزة عصاد نجل صالح عصاد عن أبيه "أبي مفخرة لنا، عندما أمشي في الطرقات ويدرك الناس الذين يعلمون بأنّي ابن صالح عصاد الكل يقول لي بلغ التحية لوالد وأقرِئه السلام، سيما عندما أتنقل مع رائد القبة خارج العاصمة ويدرك الذين التقيتهم الكل يلتف حولي وصدقوني فإن بدني يقشعر ويبلغ بي المقام إلى أن أذرف الدموع وعندها أدرك قيمة والدي. أمّا أجمل لقاء أعجب بوالده قال حمزة عصاد هو الذي لعبه أمام منتخب الشيلي في مونديال إسبانيا، فهو أجمل لقاء بالنسبة له نظرا للهدفين الذين سجلهما بعدما راح يتحدى الجميع في تلك المواجهة". عصاد: "بمجرد النظرة الأولى كان بلومي، فرڤاني وماجر يدركون ما أقصده" وعن السر في كل ما كان يصنعه فوق المستطيل الأخضر قال عصاد: "كنت بمجرد النظرة الأولى مع لخضر بلومي، ماجر فرڤاني يدركون ما أقصده وما يجب عليهم فعله بالكرة وكل واحد يفهم ما الذي يقوم به اتجاه الآخر" أي أنّ التفاهم كان كبيرا بينهم، أين أرجع ذلك إلى المدة الطويلة التي قضاه معا وإلى الفنيات والمؤهلات التي يمتاز بها كل لاعب "لعبت مع ماجر، لخضر وآخرون لعدة سنوات تربينا معا في المنتخب الوطني، وفضلا عن هذا فإن هؤلاء لاعبين ليسو كأي لاعب فهم لاعبون ممتازون ويسهل عليك التفاهم معهم". ... لعبت مع لاعبين كبار ويصعب تفضيل أحدهم عن الآخر وعن أحسن لاعب عرفه عصاد ولعب إلى جانبه قال صاحب الغُراف: "لعبت مع لاعبين كبار ويصعب عليّ أن أفضل لاعب عن آخر، في زماننا كان جل اللاعبين الذين ينشطون في البطولة ممتازين، ويصعب على أي مدرب كان في المنتخب الوطني أن يختار اللاعبين المثاليين لتمثيل المنتخب". لهذا قلت أن أجمل هدف لي في مشواري كان أمام الألمان أوضح عصاد عن السبب الذي دعا به للتصرح، بأن أجمل هدف له كان أمام منتخب ألمانيا، رغم أنّ الهدف أمضاه اللاعب المتألق الآخر لخضر بلومي، أنه خادع دفاع الألمان بعدما توغل بسرعة على الجهة اليسرى أوهمه بأنه سيسدد لكنه مرر الكرة بذكاء ناحية بلومي الذي وضع قدمه فقط وكان متأكدا من أن الكرة ستزور الشباك، بعد 90 بالمائة من العمل الذي قام به.