إذا كان هناك نجم للكرة الأمريكية في التسعينيات فسيكون دون شك اللاعب جون هاركس، فهو أول لاعب من الولاياتالمتحدة التي تمكن من اللعب في البطولة الإنجليزية أين تقمص ألوان “شيفيلد يونايتد”، “داربي كاونتي” و”ويست هام” وعليه فقد شارك هذا اللاعب في نسختين من كأس العالم (1990 و1994)، وكان القائد في الدورة الثانية التي جرت في بلده الولاياتالمتحدةالأمريكية. وبما أنه اعتزل لعب الكرة، فإن وسط ميدان المنتخب الأمريكي سابقا موجود في جنوب إفريقيا ليحلل مباريات المونديال لحساب بعض الصحف الإنجليزية والأمريكية، وبما أنه أمريكي فمن الطبيعي أن يتابع المنتخب الوطني الجزائري الذي تحدث لنا عنه في هذا الحوار الشيق. في البداية، هل يمكن لنا أن نعرف رأيك في مستوى كأس العالم الحالية؟ حسب ما أرى، فإن المستوى مقبول إلى أبعد الحدود ومن غير المعقول أن نخفي أن هناك عديد المنتخبات التي تطورت مقارنة بالدورات الماضية، فهذه الدورة تجري لأول مرة في قارة أخرى وهي إفريقيا بالإضافة إلى إجراء الكثير من المباريات في المرتفعات دون أن ننسى المناخ المختلف في جنوب إفريقيا، وهذه الأمور التي تغيّرت منحت كلها طابعا خاصا للمونديال الحالي وصعّبت مأمورية العديد من المنتخبات التي لم تتعوّد عليها ولم تبرز بذلك بشكل لافت، وعليه فأنا أؤكد لك أن مستوى المباريات مقبول، فلقد شاهدنا بعض المنتخبات التي برزت جماعيا وهناك من برزت بفردياتها وهذه هي ميزة كأس العالم التي حضرت هذه المرة كذلك. وكيف ترى طريقة تنظيم كأس العالم في جنوب إفريقيا خاصة أن كلاما كثيرا قيل عنها قبل انطلاق الدورة هنا؟ كل شيء يجري على أحسن ما يرام وهذا ما يعني أن التنظيم في المستوى المطلوب، حيث يقوم المنظمون بمجهودات جبارة حتى يوفّروا للضيوف المتواجدين في جنوب إفريقيا أحسن الظروف سواء تعلق الأمر بالمنتخبات، الأنصار وحتى اللاعبين القدامى الذين حضروا بقوة هنا بالإضافة إلى رجال الإعلام الذين وجدوا راحة تامة في العمل، دون أن ننسى أن التخوفات التي كانت قبل انطلاق الدورة فيما يخص الأمن لم يعد لها أثر لأنه لم تحدث أي تجاوزات وكذلك الحضور الجماهيري الذي أعتبره مقبولا رغم أن كأس العالم تجري في أقصى إفريقيا. عرف هذا المونديال العديد من المفاجآت على غرار الإقصاء المبكر لحامل كأس العالم السابق إيطاليا ووصيفه فرنسا وبعده إنجلترا، الولاياتالمتحدةالأمريكية، البرازيل والأرجنتين، كيف ترى ذلك؟ بطبيعة الحال فهذه هي كأس العالم المعروفة بمفاجآتها، فلا مكان للمنطق في المونديال، خاصة أن جميع المنتخبات تطوّرت بتكثيف العمل الجاد والصارم من أجل رفع المستوى والظهور بوجه أحسن في كأس العالم. ففي دورة 2006 إيطاليا وفرنسا نشطا المباراة النهائية لأنهما كانا الأحسن، لكن الأوضاع تغيّرت كثيرا في 2010 وليس هذين المنتخبين الأحسن على المستوى العالمي لأنهما بكل بساطة لا يطبقان كرة القدم التي تسمح لهما الذهاب بعيدا في كأس العالم. وعن الكرة البرازيلية المعروفة فقد انتهت “السامبا” ولم تعد موجودة في عصرنا، فكرة القدم العصرية تعتمد بنسبة كبيرة على الاندفاع البدني والسرعة في اللعب بالإضافة إلى الفعالية أمام المرمى، فمن قبل كانت الأسماء اللامعة تصنع الفارق وكان هناك فارق سارع في المستوى بين المنتخبات المشاركة في كأس العالم، ولكننا في الوقت الراهن نحضر ل 32 منتخبا متقاربا في المستوى، وليست هناك نجوم كثيرة قادرة على صنع الفارق على غرار ميسي في الأرجنتين الذي شاهدناه لاعبا عاديا ولم يتمكن من فعل أي شيء. خلاصة القول أن الغلبة تكون للعب الجماعي والتنظيم التكتيكي بالإضافة إلى التركيز والإرادة القوية لتحقيق الفوز. هل يمكن لك أن تفسر لنا ماذا حدث بالضبط في لقاء البرازيل مع هولندا خاصة بعد العودة القوية للهولنديين الذين كانوا شبه غائبين في المرحلة الأولى؟ معك حق، فلم نشاهد إلا لاعبي المنتخب البرازيلي طيلة الشوط الأول يصولون ويجولون دون عناء مع غياب شبه كلي للاعبي المنتخب الهولندي، لكن في الوقت الذي كان الجميع يعتقد أن المباراة قد حسمت لصالح رفاق “كاكا” شاهدنا عودة قوية للاعبي هولندا الذين أبهروا الجميع بالوجه الذي كشفوا عنه في المرحلة الثانية. فبعد تلقي البرازيليين لهدف بعد خطأ دفاعي اكتسب المنافس الثقة أكثر فأكثر وهي الأخطاء التي يمكن أن تحدث في أي وقت من المباراة خاصة مع كرة جابولاني التي غالطت كثيرا الحراس في هذا المونديال، وفي بعض الأحيان نتائج المباريات تحسم على حيثيات صغيرة على غرار ما حدث مع منتخب الولاياتالمتحدةالأمريكية الذي كان في مجموعة صعبة في الدور الأول ولم يظفر بالتأهل إلا في الثواني الأخيرة. فبعدما كان الأمريكان خارج المونديال طيلة اللقاء وفي رمشة عين تصدروا المجموعة وظفروا بتأشيرة المرور إلى الدور الثاني. ما رأيك في المشاركة الجزائرية في هذا المونديال؟ إنه منتخب متماسك، ولاعبو الجزائر يطبقون كرة قدم جماعية تعتمد أكثر على تمرير الكرة بسرعة بين أكبر عدد ممكن من اللاعبين، ففي أول مباراة أمام سلوفينيا كان الجزائريون يسيطرون على مجريات اللقاء لكنهم تلقوا هدفا في وقت حساس من تلك المباراة ولم يتمكنوا من العودة في النتيجة، وحتى أمام إنجلتراوالولاياتالمتحدةالأمريكيةفالجزائريون لم يكتفوا بالدفاع بل لعبوا الهجوم لكنهم كانوا يفتقدون لبعض الحظ والجرأة في الخط الأمامي، وقد رأيت لاعبين يلعبون بإرادة فولاذية وهو ما يدل على تعلقهم الشديد ببلادهم، وأنا أعلم أنكم في الجزائر تعشقون كرة القدم. خلاصة القول، فإن المنتخب الجزائري فاجأ الجميع بالوجه الذي ظهر به لكنهم خيّبوا بالنتائج التي خانتهم. المباراة أمام المنتخب الأمريكي عرفت سيناريو دراماتيكي، أليس كذلك؟ نعم السيناريو كان دراماتيكيا، فالنتيجة النهائية للقاء حسمت في الثواني الأخيرة من الوقت بدل الضائع، فقد كانت المباراة في المستوى العالي وأوفت بكل وعودها حيث شاهدنا لعب مفتوح من الجهتين مع فرص عديدة سانحة للتهديف، وبكل صراحة كلا الفريقين كانا قادرين على تحقيق الفوز، وعليه فسيناريو اللقاء غير معقول، والأمريكيون كانوا محظوظين لأن الفرصة التي ضيعها جبور حين اصطدمت الكرة بالعارضة الأفقية للحارس “تيم هوارد” كانت فرصة حقيقية للجزائريين لافتتاح باب التسجيل، وأنا متأكد لو تمكن جبور من تسجيلها لما استطاع الأمريكان العودة في النتيجة. ما عدا غانا التي صنعت الاستثناء، كيف ترى إقصاء المنتخبات الإفريقية التي خرجت في الدور الأول؟ الأسباب عديدة ومختلفة، ففيما يخص منتخب جنوب إفريقيا فقد كان من الصعب على اللاعبين تحمّل كل ذلك الضغط الذي كان مفروضا عليهم من طرف الأنصار ووسائل الإعلام خاصة أنهم البلد مستضيف الدورة والآمال العريضة التي كانت معلقة عليهم من أجل الذهاب بعيدا في هذا المونديال فتأثروا بذلك الضغط وخرجوا من الدور الأول رغم أنهم لم يكونوا سيئين، والمنتخبات الأخرى سقطت في فخ توتر الأعصاب وعدم التركيز في عديد المناسبات وكانوا قادرين على تقديم نتائج أحسن مثل كوت ديفوار التي تواجدت في مجموعة صعبة، والجزائر التي خانتها الفعالية رغم الأداء الرائع للاعبين فوق الميدان، والسبب وراء تأهّل الغانيين إلى أدوار متقدمة في هذا المونديال هو أنهم لعبوا دون عقدة في كل مبارياتهم وبطريقتهم الخاصة دون الاكتراث لمنافسيهم. من هو المنتخب الذي ترشحه لنيل كأس العالم الحالية من بين الأربعة الذين تبقوا؟ أرشح إسبانيا، لأنه المنتخب الوحيد الذي تمكن من إبراز فردياته وحتى اللعب الجماعي في المستوى المطلوب، فمثلا “دافيد فيا” برز كثيرا في الهجوم وسجل أهدافا غالية ولا ننسى “ڤزافي” الذي يقوم بعمل رائع في وسط الميدان، وعليه فإن المنتخب الإسباني يتطور بشكل دائم وأعتقد أنه سيتأهل إلى النهائي ويتوّج بطلا للعالم لأنه يستحق ذلك.