التكوين هو الشعار الذي يرفعه كل المسؤولين عن الكرة في بلادنا، لكن الحقيقة والواقع أبعد بكثير وها هو المدرب السابق للمنتخب الوطني في فئتي أقل من 17 وأقل من 20 سنة والذي قاد “الخضر“ لأول مونديال في فئة الأشبال يكشف عن الوجه الآخر لمسؤولي “الفاف“ في هذا الحوار المثير. نبدأ من السؤال حول الكيفية التي غادرت بها منصبك مدربا لمنتخب أقل من عشرين سنة، هل كانت إقالة أم استقالة؟ كانت إقالة، دون أي مقدمات أو تبريرات، لم يتم حتى شكري على العمل الذي أنجزته لأكثر من ثلاث سنوات مع الاتحادية. قبل ستة أشهر كان الجميع يشيد بي بعد التأهل مع منتخب أقل من 17 سنة لنهائيات كأس العالم لهذه الفئة لأول مرة في تاريخ الكرة الجزائرية وبعدها بستة أشهر صرت عند المسؤولين مدربا من أدنى مستوى، كل هذا بعد خروجي مع منتخب أقل من عشرين سنة من تصفيات أمم إفريقيا أمام منتخب الغابون دون أن يراعوا الظروف الصعبة التي أشرفت فيها على هذا المنتخب. تمت محاسبتك على منتخب عملت معه بصفة مؤقتة؟ صحيح وهذا ما أعتبره ظلما حقيقيا، فأنا كما قلت كنت مدربا لمنتخب أقل من 17 سنة (مواليد 1996) وأمضيت عقدا مع “الفاف“ لمدة ثلاث سنوات مباشرة بعد عودتي من نهائيات كأس العالم. بعدها استنجد بي المسؤولون وطلبوا مني الإشراف على منتخب أقل من 20 سنة الذي كان مدرب لأكثر من عام ونصف بحجة أنني أعرف جيدا الدوليين من مواليد 1992 الذين عملت معهم في السابق. عام ونصف وهذا المنتخب منسي ومهمل قبل أن يتذكروه قبل شهرين من موعد المنافسة الرسمية، قبلت المهمة وتقديم يد العون رغم أن الوضعية كانت كارثية. أغلب اللاعبين الذين يشكلون المنتخب والذين كانوا معي في منتخب أقل من 17 سنة والذين طُلب مني دمجهم في منتخب أقل من 20 كانوا دون فريق ودون تدريبات، منسيين تماما كانوا في الشارع منذ العودة من نهائيات كأس العالم، وهي مسؤولية النوادي التي جاؤوا منها والتي تخلت عنهم، فركوس، بزاز، شحيمة والبقية لم يلعبوا ولم يتدربوا قرابة خمسة أشهر. عملت ما بوسعي لكن الوقت لم يكن كافيا وللأسف لم يحالفنا الحظ وأقصينا بعد خسارتنا في سيراليون بهدفين وفوزنا في الجزائر بهدف، ولم يجد المسؤولون في “الفاف“ سوى إبرير حتى يجعلوه كبش فداء لتتم إقالتي. ومن أبلغك بقرار الإقالة؟ أسبوع بعد الإقصاء، اتصل بي فضيل تيكانوين الذي أبلغني أن رئيس “الفاف” روراوة قرر إبعادي، رغم أنه يزعم أنه حاول الدفاع عني، لكني لا أصدقه تماما فيما قاله... تأسفت كثيرا لهذا التنكر لكل ما قدمته طيلة السنوات الماضية وتأسفت لأنهم حاسبوني على منتخب عملت معه على شكل مساعدة لأني كنت مسؤولا على منتخب أقل من 17 سنة كما قلت. روراوة أراد أن يجعل مني مثلا على صرامته، المنتخب الأول بكل الإمكانات التي وفرت له ورغم أنه لم يحصد سوى نقطة واحدة ودون أن يحرز أي هدف قالوا عنه أنه قدم دورة مشرفة، ونحن الذين كونّا جيلا من اللاعبين وأهلنا “الخضر“ لأول مرة لمونديال أقل من 17 سنة تم إبعادنا... ما أتأسف عليه أكثر أنني كوّنت تشكيلة لديها مستقبلا واعدا وعناصر سيكون لها شأن لكن للأسف المسؤولين عندنا لا يهتمون سوى بالنتائج الفورية. رغم أنهم يرفعون شعار التكوين، هل يمكن لك أن تصف لنا الوضعية في مختلف الفئات في المنتخب الوطني، هل صحيح أن “الفاف“ تتبنى فعلا التكوين وتدعمه من خلال هذه الفئات؟ سأكون صريحا وأقول إنه وللأسف الشديد منذ عودتي إلى أرض الوطن قبل أربع سنوات لم ألتق إلى حد الآن أي مسؤول يؤمن فعلا بالتكوين، وفي مقدمة هؤلاء المسؤولين في “الفاف“، لا حداج ولا روراوة ولا غيرهم يؤمنون بالتكوين، هؤلاء لا يؤمنون سوى باختصار الوقت وربحه من خلال الحصول على المنتوج الجاهز والنتائج الفورية من خلال اعتمادهم اللاعبين المغتربين القادمين والمتكونين في فرنسا. أنا أضعهم في الكفة نفسها مع رؤساء الأندية، إنهم كما نقول بالفرنسية DES RECRUTEURS، وإذا كان رؤساء الأندية عندنا يبحثون عن اللاعبين البارزين في كل جهة فإن مسؤولي “الفاف“ عندنا ينقبون على اللاعبين في فرنسا، “هاو كاين بودبوز روحو جيبوه، هاو كاين فغولي نروحو نشوفوه“، ربما لا يمكنني أن نلوم كثيرا بعض رؤساء الأندية “الكبيرة” عندنا والتي تعمل مثلما تقوم به الأندية الكبيرة في أوروبا، الريال مثلا لا يكوّن اللاعبين، لكن الأمر ليس مقبولا لدى الاتحادية التي من المفترض هي التي تحرص وتسعى للتخطيط وضمان التكوين عندنا. ترى أنه من غير المعقول أن نبقى نعتمد على ما تنتجه لنا مدارس التكوين الفرنسية؟ أكيد، بالنسبة لي من غير المعقول أن 99 من المائة من عناصر المنتخب الوطني الأول قادمون من مدارس التكوين الفرنسية. أنا لست ضد المغتربين فهم جزائريون مثلنا، لكن أحببنا أم كرهنا، تواجد اللاعب المحلي للدفاع عن المنتخب الأول يعطي نكهة، يعطي روح لا يمكنني وصفها، على الأقل نضمن تواجد خمسة أو ستة لاعبين لكن للأسف هذا يبقى مستبعدا في ظل اعتماد مسؤولي “الفاف“ على الحلول السريعة والجاهزة، لماذا يؤمن بالتكوين وهو يضمن لاعبين جاهزين من فرنسا. لكن أنت بدورك لم تتردد في جلب لاعبين تكوّنوا في فرنسا ولم تتردد في ضم لاعب لا يملك حتى لقبا جزائريا، وهو ما أثار حفيظة كثيرين؟ تقصد اللاعب بايلا، إنه لاعب جيد، والدته جزائرية أصيلة وأذكر يوم تحدثت معه أول مرة على هامش مباراة له مع ناديه مونبيلييه كان يتحدث معي والدموع تملأ عينيه لما أخبرته عن رغبتي في ضمه للمنتخب الجزائري. أعرف أن كثيرين لم يعجبه ضمي لهذا اللاعب، لكن أرى أن الأمر لم يحدث مع مبولحي الذي يوجد في الظروف نفسها ما دام أن والده هو الآخر ليس جزائريا بل من الكونغو، وبالعودة إلى سؤالك أقول إني لست ضد المغتربين بل ضد الاعتماد الأعمى عليهم وعلى حساب تكوين المواهب الشابة الكثيرة الموجودة في بلادنا. كيف ترى وضعية لاعبيك الذين حققوا المرتبة الثانية في نهائيات أمم إفريقيا الأخيرة وخضت بهم نهائيات كأس العالم بنيجيريا؟ هي وضعية مؤسفة للغاية، الكل تجاهلهم بعد نهائيات المونديال وذهبوا إلى الشارع، ربما البعض منهم وقع لأندية في الفترة الأخيرة لكنهم لا يحصلون على فرصتهم، قلت لك منذ قليل لا أحد يؤمن بالتكوين في الجزائر من “الفاف“ إلى أبسط رئيس نادي، الكل يريد الجاهز والنتائج الفورية، لما توجت فرنسا بكأس العالم 1998 صرح إيمي جاكي والدموع تملأ عينيه أنه يجني ثمار عمل ثلاثين سنة متواصلة... عندنا بمجرد أي إقصاء نراجع سياساتنا وها هي الأكاديميات التي قمنا ببعثها بمجهودنا الخاص أنا ومدان وبدرجة أقل تيكانوين وضعيتها غامضة، منتخب أقل من 20 سنة لا يملك حتى مدربا ولا برنامجا رغم المواهب التي يعج بها، والأكيد أن لا أحد سيتذكرهم إلى غاية أن تصل أول منافسة قارية. على ذكر لاعبيك، كيف تعلق على توقيع لياس شرشار على عقد احترافي مع “نانسي“ الفرنسي؟ ربما لمته لما كذب عليّ بعد عودتنا من مشاركتنا في دورة بالإمارات كنا فزنا فيها باللقب، يومها قال لي أنه سيذهب إلى فرنسا مدة أسبوع فقط ليعود بعدها لكنه بقي هناك، لكني الآن أقول إنه قام بالاختيار الصائب، فما كان سيستفيد من شيء وكان ربما مصيره الشارع لو كان بقي في الجزائر، هو، شحيمة، بلقاضي، بزاز وغيرهم تم تجاهلهم تماما بعد كأس العالم الأخيرة لا أحد تذكرهم سواء “الفاف“ أو الأندية، وأنا واثق أن شرشار سينال الاهتمام الذي فقده في بلاده بعد أن صار محترفا في فرنسا ووقع على عقد لمدة ثلاث سنوات، لا تستبعدوا أن تروه مع الفريق الأول لنانسي وهو في سن 18 لأنه موهوب فعلا، عندها سيعرف الجميع قيمته، وبعد أن كان “مرمي”، كما لا تستبعدوا أيضا أن تروا سعدان يتنقل لإقناعه باللعب مجددا للجزائر ويسافر مساعده ليحاول معه كما حدث مع لاعبين آخرين... شرشار فعل عين الصواب، أقول هذا خاصة لما أرى ما حدث مع زميله بلقاضي. وماذا حدث مع بلقاضي؟ بلقاضي ابن سطيف جلبناه للأكاديمية في العاصمة وعمره لا يتعدى 14 سنة، أذكر أنه كان يبكي في غرفته من شدة شوقه لعائلته وأصدقائه، أقنعناه بالصبر وصبر معنا وثابر وعمل جاهدا حتى يحقق حلمه بالدفاع عن الألوان الوطنية وتشريفها وهو ما قام به بكل جدارة، لكن التضحيات التي قام بها حبا في بلده قابلها تنكر فظيع من المسؤولين. لقد تعرض إلى إصابة معقدة بعد مباراة العودة أمام الغابون وبقي مرميا في وقت كان فيها بحاجة مستعجلة لإجراء عملية جراحية، “الفاف“ تخلت عنه في الوقت الذي كانت مسؤولة عن علاجه، “الفاف“ لم تعامله مثلما عاملت مغني وبقية اللاعبين الذين أقامت الدنيا من أجلهم، مستشفيات وعيادات على أعلى مستوى في قطر وفرنسا، دفعوا إلى غاية 4 آلاف أورو عن اليوم لعلاج أحد اللاعبين في مصحة خاصة وبلقاضي الذي لم يكن يحلم سوى بإعلاء راية الجزائر بقي ينتظر من يتكفّل به لإجراء العملية الجراحية. خلال فترة عملك عرفت مشاكل مع اللاعب بن دحمان، ما كان سببها؟ بن دحمان مهاجم جيد وكان مفيدا لنا كثيرا لكني لم أقبل أبدا أن يفرض علينا منطقه بأن يختار التربص الذي يريده وعلى هواه، أبعدته عن كأس العالم عقابا له وحتى يراجع نفسه... بعدها طلبت دعمه لمنتخب أقل من 20 سنة في مواجهة سيراليون، لكنه رفض وراح يطل على الصحافة ويقول إنني أريد تحطيمه وهذا غير صحيح بالمرة. هل هناك لاعبون مغتربون دعوتهم ورفضوا دعوتك؟ لم يرفضوا بشكل مباشر لكنهم اعتذروا، لاعب مثل بلفوضيل كنا اتصلنا وأنا شخصيا تحادثت معه حتى يدعم صفوفنا في نهائيات مونديال نيجيريا الماضي، حتى أني وضعته في قائمة 40 ورغم أنه قال لي في المرة الأولى أنه يريد الدفاع عن ألوان الجزائر إلا أنه فضّل في الأخير اللعب لفرنسا... لا ألومه كثيرا فلربما كان تحت ضغط الامتيازات التي يوفّرها اختياره للمنتخب الفرنسي. تحدثت أيضا مع رشيد غزال لاعب ليون وشقيق اللاعب الدولي عبد القادر، لكنه لم يعطنا ردا شافيا وطلبت من عبد القادر التدخل لإقناعه شقيقه. وماذا كان رده؟ هو لم يعارض، لكنه طلب مني أن لا أضغط عليه وأتركه يهتم بتسيير مسيرته الكروية في الوقت الحالي وأمنحه الوقت ليقرر بعدها. هل تعتقد أن سعدان يساهم في العراقيل التي يواجهه التكوين في بلادنا بما أنه يعتمد بشكل تام على اللاعبين القادمين من فرنسا؟ لا أعتقد ذلك، سعدان مطالب بالنتائج وهو يرى أن اللاعبين المغتربين أكثر جاهزية... أتصوّر أنه مع التكوين، لكن هو يرى أن “الفاف“ لا تقوم بالمجهودات اللازمة لوضع أسس صحيحة لذلك. تبدو الصورة قاتمة على مستوى التكوين في الفيدرالية؟ أكيد هناك الكثير من الأمور المغلوطة والغريبة التي تحدث. خلال تواجدنا في كندا سمعنا الكثير عن العمل الكبير الذي قمت به هناك، وعلى أنك وضعت الأسس الأولى لكرة القدم في هذا البلد؟ صحيح، قمت بالكثير هناك، كنت مدربا لمنتخب كندا لفئة أقل من 17 سنة في سن 33 فقط، شغلت منصبا هاما في المديرية الفنية هناك، كوّنت المئات من اللاعبين ومن المدربين أيضا.. في كندا كوّنت 200 مدرب لأني أملك كل الشهادات اللازمة، في الجزائر لم يتسن لي أن أكوّن مدربا واحدا لم يتركونا نوظف خبرتنا ومعرفتنا، في الجزائر لا زلنا لا نعرف كيف نقيّم الكفاءات للأسف. سؤال أخير، هل كان زهير جلول من بين المدربين الذين أشرفت على تكوينهم؟ في كندا لم أكن أعرف جلول المدرب ولا أذكر إن كان قد مرّ عليّ هناك، أعرف جلول الشخص وأقول إنه إنسان محترم وخلوق، هذا ما يمكنني أن أقوله عنه