بعد أخذ وردّ اتخذ المسؤولون على مستوى الكرة الجزائرية بمعية الناخب الوطني الجديد عبد الحق بن شيخة قرارا يقضي بأن يجري “الخضر” تربصهم التحضيري للجولة الثانية من تصفيات كأس إفريقيا للأمم أمام إفريقيا الوسطى بأرض الوطن، وهذا بعدما كان من المزمع القيام به في أحد مراكز فرنسا، إيطاليا أو ألمانيا، وهو قرار صائب في الحقيقة بما أنّ الجزائر فيها من الملاعب ما يسمح لرفاق بوڤرة بإجراء تربص تحضيري في المستوى، عوض التربص خارج الوطن في أماكن قد تكلّف خزينة المنتخب غاليا، فضلا على أن التربص هذه المرة لن يكون طويلا مثلما جرت العادة في مختلف التربصات الماضية، بحيث لن يستغرق أكثر من خمسة أيام فقط، قبيل شدّ الرحال إلى إفريقيا الوسطى لخوض المباراة. النتائج السلبية الأخيرة تخفض الضغط على اللاعبين عوامل عدّة جعلتنا نقرّ بأنّ خيار التربص بأرض الوطن كان خيارا صائبا، لأنه وبغض النظر عن أن “الفاف” ستوفر على خزينتها أموالا بعد أن أحجمت عن التربص خارج الوطن، فإنّها لن تخاف شيئا من وراء برمجتها التربص في الجزائر مثلما كان سعدان والمسؤولين يتخوّفون من ضغط الجماهير الجزائرية في السابق، لأن تراجع النتائج في الأشهر الأخيرة بشكل رهيب، جعل الضغط ينخفض كثيرا بمجرد هبوط مستوى منتخبنا ولاعبيه، وبالتالي فإنّ التربص في أي فندق من فنادق أرض الوطن هذه المرة، لن يشعر اللاعبين بذلك الضغط الذي كانوا يشعرون به من قبل، وهو الضغط الذي دفع بسعدان إلى نقل تربص الجزائر ومباراة الإمارات العربية الشقيقة في جوان الماضي إلى مدينة “نورمبرغ” الألمانية. الأنصار لن يقلقوا اللاعبين لا في المطار ولا في الفندق ولن يتخوّف المسؤولون من المضايقات التي قال اللاعبون والطاقم الفني السابق أن الأنصار صاروا يتسبّبون فيها لهم سواء في المطار لدى وصولهم أو في الفندق أين يعسكرون، على غرار الانتقادات التي وجهها سعدان للذين أفقدوا اللاعبين تركيزهم في فندق بني مسوس سابقا، لأن الجماهير الممتعضة من نتائج المنتخب الأخيرة، لاسيما بعد تعثر لقاء تانزانيا، لن تكلّف نفسها هذه المرة عناء التنقل إلى مطار “هواري بومدين” ولا إلى فندق “بني مسوس” أو أي فندق يتقرر التعسكر به من أجل الاقتراب من اللاعبين مثلما كانوا يفعلون من قبل، وبالتالي فإن التركيز سيكون مضمونا، وأي عذر بفقدان هذا التركيز، والتأثر للأجواء داخل الفندق والازدحام الذي يصنعه محبو “الخضر” لن يكون مقبولا. تفادي ضغط أنصار المهجر أيضًا مهم جدًا وبتراجعها عن فكرة التربص مثلا في “ليس” الفرنسية أو لوكاستولي بذات البلد، أو ألمانيا أو مركز “كوفيرشيانو” بإيطاليا، تكون “الفاف” قد وفرت التركيز الذي بحثت عنه لمنتخبها قبيل مباراة هامة وحاسمة للغاية في مشوار المنتخب التصفوي، لأنها بذلك تكون تفادت الضغط الكبير الذي كان سيفرضه أنصار المنتخب في المهجر مثلما تعوّدوا في كل التربصات التي أجراها أشبال المدرب السابق في أوروبا سابقا، فهم من درجة الحنين والشوق إلى البلد وكل ما هو جزائري، كانوا يتنقلون بالمئات، بل لنقل بالآلاف مثلما حدث في سويسرا قبيل المونديال، لكي يحتكوا باللاعبين ويحققوا رغباتهم في التقاط صور معهم، والحصول على “أوتوغرافات”، وكانوا بذلك يؤثرون على تركيز اللاعبين للتحديات التي كانت تنتظرهم، لكن التربص المقبل في أرض الوطن قد يعرف الهدوء بما أن الاهتمام باللاعبين لم يعد مثلما كان عليه الحال في السابق حاليا بعد “المونديال” وتراجع نتائج المنتخب بشكل رهيب. ماذا جنينا من التربص في سويسرا وألمانيا، إيطاليا وفرنسا؟؟ وقد يعتقد البعض أن التربص في أرض الوطن قد يكون مضرا بنتيجة المباراة المقبلة، وأن التربص بأوروبا قد يكون مفيدا له وقد تكون له انعكاسات إيجابية حول النتيجة، وهو تقدير خاطئ، لأننا وعدا الوجه الطيب الذي ظهرنا به خلال “الكان” لم نجن الشيء الكثير من تربصات سويسرا، ألمانيا وإيطاليا، والدليل على ذلك الوجه الشاحب الذي ظهر به منتخبنا في المونديال مثلا، ما يزيل كل الخوف من خوض تربص تحضيري للمباراة المقبلة بأرض الوطن. ليست إفريقيا الوسطى من نتربص لها في أكبر المراكز ورغم أننا نقرّ أن الهياكل الموجودة في أوروبا ليست نفسها الموجودة في الجزائر، إلا أن منتخبا مغمورا من قيمة منتخب إفريقيا الوسطى ليس بذلك المنتخب الذي لا بد من التربص والتحضير له في أكبر مراكز التحضير بفرنسا، أو إيطاليا أو النمسا أو ألمانيا وسويسرا وغيرها، فلو تعلق الأمر بالتحضير لمحفل كروي عالمي وكبير لسلّمنا أمرنا لله وقلنا أن الرحيل إلى المناطق المعزولة في جبال أوروبا أو مراكزها الأخرى أمر معقول ومقبول، لكن أن نصر على التحضير لمنتخب لا باع ولا شيء له من هذا القبيل في كرة القدم، فذلك ما لا معنى له. مهم جدًا السفر لأول مرة من أرض الوطن نقطة هامة تحسب لصالح بن شيخة والمسؤولين وكل من فكر في برمجة التربص بأرض الوطن، وهي أن لاعبينا ولأول مرة منذ فترة طويلة قد يشعرون بالوطنية أكثر من أي وقت مضى، وقد يشعرون بأنهم سيذهبون للدفاع حقا عن وطنهم الجزائر، كيف لا والسفرية من هنا من الجزائر إلى إفريقيا الوسطى ستكون الأولى خارجيا منذ فترة طويلة، لأنهم وفي مختلف سفرياتهم السابقة سواء إلى أدغال إفريقيا أو إلى أوروبا كانوا يسافرون من أوروبا، والأمثلة كثيرة، سواء خلال تنقل زامبيا عندما تربصوا في جنوب إفريقيا، أو خلال لقاء مصر التي سافروا إليها من إيطاليا، أو كأس إفريقيا بأنغولا التي سافروا لها من فرنسا، أو كأس العالم بجنوب إفريقيا التي سافروا لها من ألمانيا وغيرها من السفريات التي كانت تنطلق من مختلف أرجاء أوروبا، لكنهم هذه المرة سيشدون الرحال من أرض الوطن في مهمة ستشعرهم حقا أنهم من هذا الوطن جسدا وروحا، وأبا عن جدّ.
