جاءت عاصفة الحزم الخليجية انطلاقًا من شبه الجزيرة العربية لتكشف اللثام عن الكثير من القضايا المهمة التي تلتف بالمنطقتين العربية والإسلامية.. كان أبرزها الحالة المذهبية الصاعدة بقوة ومدى تموضع "الشيعة العرب" داخلها، فضلا عن وجودهم في الفضاء الإسلامي وفعاليتهم بالمنطقة بأكملها، خاصة أن الهدف الأسمى والغاية الكبرى التي وضعتها قوات التحالف العربية والإسلامية من عاصفتها تلك يكمن في الحيلولة دون تحقيق "أنصار الله" أو "الحوثيين"- وهى ميليشيا شيعية قريبة من إيران وتعتبر إحدى أذرعها المذهبية في المنطقة- من السيطرة الكاملة على الجمهورية اليمنية. الأمر الذي اعتبره البعض بداية لنذر حرب طائفية بين مذهبي السنة والشيعة دون اعتبار للتعدد والتنوع داخل المذهب الواحد أو بمعنى أدق عدم التفرقة بين مايمكن وصفه ب"التشيع العربي" من جهة والآخر الفارسي من جهة أخرى. المكون الشيعي العربي يسقط الكثيرون من المتابعين للمشهد الإثنى والعرقي في المنطقتين العربية والإسلامية من جدولها طبيعة التنوع الفكري والثقافي والمعرفي داخل المذهب الواحد.. ولا يقف الأمر عن هذا الحد، بل يتم الدفع بالجميع في سلة واحدة، ما يجعل من الصعب التمييز والمفارقة بين التشيع العربي الخالص، والآخر الفارسي، الذي نجحت الجمهورية الإسلامية الإيرانية منذ انطلاق ثورتها 1979م لحد كبير في صهر الشيعة في العالم العربي وغيره في بوتقتها المذهبية صبغها بإطارها الفارسي، الذي حافظت عليه ولم تقفز عليه وجعلته جزءا أصيلا من أدبياتها.. واتشحت به "ولاية الفقيه" التي ابتدعتها على يد الإمام الخميني صاحب الثورة الإسلامية ضد الشاه محمد رضا بهلوي والتي كانت لها واقع الأثر على العالم السني أيضا، كما هو الحال لدى الشيعة العرب. يذكر الشيخ راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة الإسلامية في تونس، أنه ليس للشيعة العرب موقف واحد من المبدأ الذي قامت – ولازالت – عليه جمهورية إيران الكامن في "ولاية الفقيه".. فمنهم من يؤمن به ومنهم من يرفضه ويقابله بولاية الأمة على نفسها، وهو ما نادى به العلامة الشيعي الراحل "مهدي شمس الدين" وطوره الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي إذ نادى بالديمقراطية الإسلامية، بما يفسح المجال أمام أتباع المذهب للاندماج في أوطانهم وتمحيض الولاء لها، ولا يجعلهم ملزمين دينيا بقيادة الولي الفقيه، صاحب السلطة العليا في "الجمهورية الإسلامية"، فهم لم يختاروه وإنما كان اختياره وفقا لدستور دولة قومية، فلا يحمل إلزامًا لغير مواطنيها على اختلاف دياناتهم، وهو ما يحصر العلاقة في المجال الديني، بمعنى مرجعية الفتوى داخل المذهب، وهي ليست مرجعية واحدة، بل متعددة. ويضيف الغنوشي قائلا: إن أتباع المذاهب الشيعية مثل غيرهم موزعون على أوطان شتى، هم جزء منها، يتأثرون بأوضاعها، وقد تبلغ خلافاتهم حد هدر الدماء، كما كان قد حصل في لبنان بين حزب الله وأمل، وفي العراق بين الصدريين وجماعات أخرى وبين سلطة حزب الدعوة والمجلس، فمن التبسيط بمكان اعتبار التشيع السياسي أو الديني شيئا واحدا؟ استيضاحًا لما سبق يصبح من اليسير فهم مواقف عدة لرموز شيعية من بيروت مناهضة للدولة الإيرانية ومراجعها، فضلا عن عدم القبول كلية ب"ولاية الفقيه" تلك.
ولعل انتباهة الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الأخيرة عبر نشرها لمقالة "محمد بن صالح العلي"، والتي عنونت ب"القومية الشيعية العربية"، والتي تزامنت مع عاصفة الحزم الخليجية العربية عكست بقدر كبير أن العالم السني ورموزه بدآ يفيقان لضرورة الانتباه لطبيعة التحول والتنوع داخل إطار المذهب الشيعي، الذي كانوا يتعاملون معه على أنه شكل واحد يتأرجح بين التفسيق والتبديع وفي بعض الأحيان إخراجه من الملة. قدم صالح العلي في مقالته الدور المقاوم للشيعة العرب إزاء مايصفونه بالغزو الإيراني الفارسي في بادرة لها الكثير من الدلالات على المستويين العربي والإسلامي.. من خلال الحديث عن مضمون مقاطع تسجيلية مصورة لشاب عراقي يدعى محمد الزيدي يتحدث عن استراتيجيات الغزو الإيراني للعراقيين، والتي أفردها على النحو التالي (1)تغيير فكري(2)تغيير ديمغرافي (3)احتلال اقتصادي (4) سيطرة أمنية. ثم يسهب العلي في استيضاحه لهذه المكونات الاستراتيجية ناقلا عن الزيدي قوله إن التغيير الفكري يأتي من خلال تحويل عشرة ملايين عراقي إلى خلفية فكرية إيرانية عن طريقين: عن طريق رجال الدين المحسوبين على ولاية الفقيه، الذين يريدون تغيير الخلفية الذهنية للعراقيين وإحلال الخلفية الإيرانية الفارسية في جنوبالعراق. فيما يتبدى الطريق الثاني من خلال فتح حوزات لصغار السن تحمل الثقافة الفارسية الإيرانية لنشر الثقافة الفارسية.. أما التغيير الديموغرافي فيتمثل في تصفية جميع العشائر العربية وتغيير ثقافتها العربية إلى ثقافة إيرانية أو تهجير تلك العشائر، وخصوصًا العشائر السنية والاحتلال الاقتصادي من خلال الاقتصار على استيراد السلع الاستهلاكية الإيرانية وحسب.. منهيا بتناول السيطرة الأمنية عبر انتشار العناصر الأمنية الفارسية الإيرانية في أنحاء العراق.
دلالات هذه المقالة الصادرة من الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يكمن في بدايات قوية وجادة لإعادة النظر في المكون العربي في الإطار المذهبي الشيعى من خلال قراءته ضمن سياقه الإقليمي والتاريخي دون وضعه في قولبة واحدة مع نظيره الفارسي أو الإيراني.. وهو ضرورة مهمة وملحة حتى يمكن التعامل الإيجابي مع هذا المكون والمساهمة في رفع الظلم الواقع عليه، سواء أكان ذلك من قبل الدولة الإيرانية عبر محاولات فرض الهوية الإيرانية عليه أو دول العالم السني، التي لاتأبه به أو تعامله بذات المنطق القديم القائم على التخوين والعمالة لصالح دول أخرى.. والذي يقصد به دوما إيران ومذهبها الاثنى عشري الجعفري. ويُنهي صالح العلي مقالته بخلاصة المشهد القائم في دوائرنا المذهبية عربيا وإسلاميا، وهذه المقاومة الشيعية العربية تنفرد الآن في العراق بمقاومة المد الصفوي الفارسي، تقف وحدها من غير أن تمد لها يد الإعانة العربية، إننا نكاد نذوب خجلا، ونحن نستمع إلى هذا المقطع التسجيلي المصور، حيث يقف إخواننا الشيعة العرب وحدهم ضد غزو فارسي وحشي يهدف إلى تغيير هويتنا القومية، فإلى الله المشتكى. عاصفة الحزم بين السياسي والمذهبي تزامن مع انطلاقة "عاصفة الحزم" الخليجية العربية دعوات من رموز سلفية عدة تدعو إلى قتال الشيعة، كان أبرزها سلفيو الساحة المصرية التقلديون مثل "الدعوة السلفية"، فضلا عن الساحة الخليجية أيضا.. واللافت في المشهد هو الخلط الشديد بين الديني والسياسي إلى حد اعتبار "عاصفة الحزم"، جهادًا في سبيل الله ضد الشيعة. حيث جاءت تحذيرات الشيخ ياسر برهامي، مما أسماه ب"المخططات الشيعية الإيرانية" واضحة الدلالة على هذا المزج وإلى اعتبار العاصفة – عاصفة سنية – تحاول العصف بالآخر الشيعي.. محتجا بأن لدى إيران فضلا عن الشيعة استراتيجية يعملون عليها منذ 1200 سنة للسيطرة على مصر واسترجاع هذه الولاية، ولا أظن أن هذه المخططات بعيدة المدى ستقف عند حد معين". وعلى اللحن ذاته دعا الشيخ عبدالرحمن السديس أمام الحرم المكي إلى قتال الشيعة الروافض، أينما كانوا معتبرا التحالف الخليجى وعاصفة الحزم حربًا ضد الشيعة، وجهادا في سبيل الله. إن مثل هذه الدعوات التحريضية لا تخدم الغاية الكبرى، التي سعت إليها عاصفة الحزم ولا تدفع نحو التحام عربي إسلامي لمواجهة التمدد الإيراني الصاعد في المنطقة، إنما تدفع نحو مزيد من الاحتقان المذهبي، الذي من شأنه لايخدم إلا الأجندة الطائفية، والسعي من قبل إيران لاحتواء الشيعة العرب باعتبارهم منبوذين من مجتمعاتهم العربية والإسلامية، وهو ما يتحقق بالفعل في أرض الواقع. إذًا إن الدعوات التحريصية من قبل بعض الرموز السلفية ضد الشيعة لا تختلف بشكل أو بآخر عن نظرائهم من الرموز الشيعية الأخرى وأدواتهم على الأرض مثل آل الحوثي ودعاتهم المذهبيين، فضلا عن قوات الحشد الشعبي الطائفية، التي تجرم في حق السنة بالعراق.