ورشة تكوينية حول الإنابات القضائية الدولية والتعاون الدولي بالجزائر العاصمة    النعامة : إصابة 10 أشخاص بجروح في حادث انقلاب حافلة    رابطة الصحفيين والكتاب الصحراويين بأوروبا تدعو إلى تقوية الجبهة الإعلامية لإيصال صوت الشعب الصحراوي الى بقاع العالم    الخارجية الفلسطينية تطالب باتخاذ تدابير فورية لوقف حرب الإبادة وجرائم قوات الاحتلال الصهيوني    غزة: ارتفاع عدد الصحفيين الشهداء إلى 210 منذ السابع من أكتوبر 2023    تصفيات مونديال سيدات 2026 (أقل من 20 عاما): المنتخب الجزائري يجري تربصا تحضيريا بسيدي موسى    اتفاقية تعاون بين جامعة "عبد الحميد بن باديس" لمستغانم وجامعة "فريديروكو 2" لنابولي الإيطالية    الجيش..عيون ساهرة على صون السيادة الوطنية    أكثر من 70 دولة تدعم "مشروع الجزائر" حول الألغام    صفحة جديدة في العلاقات الجزائرية الفرنسية    الجزائر/فرنسا: "إعادة بناء شراكة متكافئة"    رئيس البنك الاسلامي للتنمية: الجزائر من كبار الداعمين للبنك و سنساهم في دعم تنميتها الاقتصادية    الخط الجوي الجزائر العاصمة-أبوجا سيعطي دفعا جديدا للعلاقات الاقتصادية والانسانية بين البلدين    رفح.. المدينة التي محاها الاحتلال من الخارطة    المغاربة ينتفضون ضد التطبيع ويندّدون بمحرقة غزة    أيام سيرتا للفيلم القصير بقسنطينة: تنظيم الطبعة الأولى من 12 إلى 15 أبريل    استئناف رحلات قطار الجزائر- تونس    445 مشاركا في التصفيات الوطنية    صالون جازاغرو يفتتح غداً بالعاصمة    جمعية العلماء المسلمين تدعو إلى وحدة الصف لنصرة فلسطين    ما يحدث في غزّة إبادة جماعية    المستفيدون من منحة أو معاش التقاعد المولودين في شهر أبريل مدعوون إلى تجديد وثائقهم الثبوتية    الشبيبة تقفز إلى الوصافة    سعداوي يستقبل رؤساء وممثلي النقابات    تراجع كميات الخبز المرميّ بعلي منجلي    رحلات بحرية إضافية نحو مرسيليا    اتهلاو في الجزائر    اليوم العربي للمخطوط: وزير الثقافة والفنون يثمن سير عملية ترميم ورقمنة المخطوطات في الجزائر    الجزائر ومنظمة الصحة تتفقان    هذه أهم أسباب الطلاق في الجزائر    هكذا يكون الرجوع إلى النظام الغذائي العاديّ    ميلة.. إطلاق أشغال إعادة الاعتبار لملعب شلغوم العبد قريبا    بن يحيى: قادرون على قلب الموازين وسنقاتل أمام أورلاندو    عرض أوروبي مغرٍ لقندوسي وسيراميكا متردد    47 مؤسسة تربوية و51 مطعما تسلَّم قريبا    متحف خاص يؤرخ للفن والتراث بتندوف    نجم بن عكنون يقترب من الصعود و"الصفراء" في الصدارة    الجزائر تقدّم 11 ملفا حول التراث المادي لليونسكو    الطبعة الأولى من 12 إلى 15 أفريل    من 17 إلى 20 أفريل الجاري.. تيبازة تحتضن المهرجان الدولي للتراث الشعبي    ارتفاع قيمته السوقية إلى حدود 32 مليون يورو..عمورة يهدد رقم رياض محرز التاريخي بصفقة غامضة    محرز ضد عوار.. ماذا حدث بينهما في ديربي جدة؟    بللو يشدد على ضرورة الجودة العالمية والالتزام بالآجال ويؤكد: فيلم عن الأمير عبد القادر يجب أن يجسد تطلعات الشعب الجزائري    الترجمة بالذكاء الاصطناعي… موت الرقيب وازدهار اللغات المقموعة    بأرقام مذهلة.. هشام بوداوي ينافس نجوم فرنسا    حوادث المرور : مصرع 3 أشخاص وإصابة 246 آخرين خلال ال24 ساعة الأخيرة    زعلاني: فرنسا ملزمة بتنفيذ قرار مجلس حقوق الإنسان حول الألغام التي زرعتها في الجزائر    العياشي: الشرعية الدولية أساس أي حل عادل للقضية الصحراوية    مستغانم: التحضير لموسم الاصطياف على قدم وساق    بحثنا سبل تنفيذ القرارات الخاصة بتطوير المنظومات الصحية    تعاون متزايد بين الجزائر ومنظمة الصحة العالمية لتعزيز القطاع الصحي    وزارة الصناعة الصيدلانية تقرّ اجراءات تفادياً لأي تذبذب أو انقطاع دوائي    برمجة فتح الرحلات عبر "بوابة الحج" و تطبيق "ركب الحجيج"    فتاوى : الجمع بين نية القضاء وصيام ست من شوال    اللهم نسألك الثبات بعد رمضان    لقد كان وما زال لكل زمان عادُها..    أعيادنا بين العادة والعبادة    عيد الفطر: ليلة ترقب هلال شهر شوال غدا السبت (وزارة)    









العلاقة بين الشيعة العرب وإيران
نشر في المواطن يوم 24 - 06 - 2009

لئن بدت الجمهورية الإسلامية أكبر دولة تضم أكبر عدد من أتباع المذهب الاثني عشري إذ قد يشكل أتباع هذا المذهب ثلثي سكانها (الستين مليونا)، فإن هذا العدد لا يمثل غير الجزء الأقل من شيعة العالم. ومع ذلك فإن الجمهورية الإسلامية -رغم أنها تضم أقواما متعددين فرسا وأذريين وكردا وعربا، ومذاهب إسلامية غير التشيع الاثني عشري أهمها أتباع المذاهب السنية (بين 20 و30%)- تظل على نحو أو آخر الحاضن الأكبر لأتباع هذا المذهب الاثني عشري على نحو من احتضان السعودية لما يسمى بالوهابية. وهو ما يطرح السؤال عن طبيعة العلاقة بين الشيعة العرب وبين الجمهورية الإسلامية بالتحديد؟ وعن التمدد المذهبي؟1- هذه العلاقة ملتبسة ولا تأخذ سمتا واحدا، إذ تتراوح -كما ظهرت خاصة في العراق- بين الولاء المطلق دينيا وسياسيا، وبين التحالف مع أعدائها الأميركان، مرورا بعلاقة الصداقة والاستقلالية. فمن ناحية النظرية المؤسسة للدولة، فليس للشيعة العرب موقف واحد من المبدأ الذي تقوم عليه جمهورية إيران، مبدأ ولاية الفقيه، فمنهم من يؤمن به ومنهم من يرفضه ويقابله بولاية الأمة على نفسها، وهو ما نادى به صديقنا المرحوم العلامة مهدي شمس الدين وطوره الرئيس خاتمي إذ نادى بالديمقراطية الإسلامية، بما يفسح المجال أمام أتباع المذهب للاندماج في أوطانهم وتمحيض الولاء لها، ولا يجعلهم ملزمين دينيا بقيادة الولي الفقيه صاحب السلطة العليا في "الجمهورية الإسلامية"، فهم لم يختاروه وإنما كان اختياره وفقا لدستور دولة قومية، فلا يحمل إلزاما لغير مواطنيها على اختلاف دياناتهم، وهو ما يحصر العلاقة في المجال الديني، بمعنى مرجعية الفتوى داخل المذهب، وهي ليست مرجعية واحدة بل متعددة. أتباع المذاهب الشيعية مثل غيرهم موزعون على أوطان شتى، هم جزء منها، يتأثرون بأوضاعها، وقد تبلغ خلافاتهم حد هدر الدماء، كما كان قد حصل في لبنان بين حزب الله وأمل، وفي العراق بين الصدريين وجماعات أخرى وبين سلطة حزب الدعوة والمجلس، فمن التبسيط بمكان اعتبار التشيع السياسي أو الديني شيئا واحدا وكذا الأمر نفسه يصدق على التسنن، فهو متعدد دينا وسياسة، تعددا يصل إلى استباحة الدماء، ففي الجزائر تقاتلت الفصائل المسلحة وانحاز إسلاميون إلى العسكر في القتال ضد جماعات إسلامية أخرى. وفي العراق لا يزال دم غزير يسفك بين قوى المقاومة والقوى المنخرطة في العلمية السياسية. ومثله في الصومال وأفغانستان.. فمن الخطل حصر التناقضات في الاختلافات المذهبية لتفسير كل صراع في المنطقة، في انصراف عن الأسباب السياسية المصلحية التي كثيرا ما كانت الوقود الحقيقي.2- ورغم أن التشيع أوسع من أي دولة، فإنه لأسباب واقعية كاد يتحول عنوانا من عناوين الجمهورية الإسلامية، بما جعل كل شيعي مظنة شبهة ولاء لإيران المتهمة بالتدخل في الشؤون الداخلية للمجتمعات السنية عبر إحداث اختراقات في بنائها المذهبي من طريق ما ينسب لبعثاتها الثقافية من نشر لمطبوعات تنال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتثير خلافات عفا عليها الزمن، وهو ما حدا بالشيخ البوطي –حسبما نقل عنه بعض العارفين- أن يتقدم بملف موثق بنشاطات شيعية في سوريا تسهر عليها السفارة الإيرانية، مما أفضى إلى تغيير السفير. ولقد كان صديقنا الشيخ محمد علي التسخيري قد نبه إلى الضرر الذي ينال مصالح الجمهورية الإسلامية من نشر بعض المطبوعات التي تنال من عقائد أهل البلد مثلما حصل في السودان وأدى إلى إغلاق المكتب الثقافي الإيراني. ولا يزال الشيخ القرضاوي ينبه إلى خطر هذه الاختراقات. 3- أما دول المغرب العربي فهي المنطقة التي عرفت أول دولة شيعية إسماعيلية انطلق داعيها من المغرب الأقصى وجمّع من الأنصار والدعاة ما أمكنه من الزحف بهم على عاصمة المنطقة يومئذ مدينة القيروان مقترفا حرب تطهير ديني ضد المذهب السني، ولم يطمئن إلى إخلاص السكان له، فغادرها ليؤسس غير بعيد عاصمة له في مدينة دعاها المهدية، وانطلق منها في فتوحات في اتجاه المشرق العربي فاستولى على مصر وأسس فيها القاهرة عاصمة له والأزهر ليكون منطلقا لدعوته، ولم تلبث المنطقة أن تمردت على واليه، عائدة إلى مذهب مالك. وبزوال دولته زال التشيع نهائيا من المنطقة، كما انقطع من مصر نفسها بعد سقوط دولته على يد صلاح الدين. وظلت المنطقة أزيد من ألف سنة خالصة للمذهب السني عدا قلة من الإباضيين تأقلموا مع الأغلبية وتعايشوا معها في أمان، وظل الأمر كذلك حتى أواخر القرن الرابع عشر الهجري حيث بدأت خيوط رفيعة جدا من التشيع الديني تدخل المنطقة على متن التشيع السياسي، مناصرة للثورة الإسلامية ولبطولات حزب الله.هل هو أمر مخطط؟ أم انسياب عفوي لعالم الأفكار والتوجهات لا يملك أحد أن يصده وليس وراءه جهد منظم كما يؤكده الشيخ حسن عز الدين مسؤول العلاقات الخارجية في حزب الله جوابا عن سؤاله من قبل "الشروق الجزائرية" في 13/6/2009: "ما يقال عن التشييع غير صحيح وغير دقيق، وهو جزء من الفتن التي يثيرها العدو والإدارة الأميركية وضعاف النفوس الذين ينزلقون من حيث يعلمون أو لا يعلمون وراء هذه الفتن. لا يوجد مشروع لنشر التشيع في المنطقة سواء لدى حزب الله أو لدى إيران، بل بالعكس حزب الله هو أداة وحركة إستراتيجيتها وأولويتها تكمن في مواجهة العدو الصهيوني وفي كيفية أن تبقى المقاومة متجذرة في المنطقة كخيار تتبناه الشعوب والأنظمة. كما أن حزب الله يعمل لأجل بناء علاقات إيجابية مع جميع الدول العربية والحفاظ على الوحدة بين المسلمين".4- إلا أن كثيرا من علماء الإسلام ومن المسؤولين السياسيين في أكثر من بلد عربي ما يفتؤون يشجبون جهودا منظمة للتشييع:- ففي الجزائر تناولت الصحافة النشاط الشيعي، بما شغل الرأي العام وانتقل الأمر إلى المؤسسات التشريعية والتنفيذية لاتخاذ إجراءات للتصدي.- وفي المغرب تعالت أصوات التحذير من أخطار الاختراقات السلفية والشيعية على حد سواء لبنيته المذهبية المالكية فتم التبني الرسمي للمذهب المالكي، على نحو من التبني الإيراني للمذهب الجعفري وبلغ الأمر حد قطع العلاقة مع الجمهورية الإسلامية بشكل مفاجئ حامت حوله الظنون لا سيما وقد اقترن بمسالك أمنية لمطاردة بعض معتنقي التشيع ومطبوعاتهم بما يستدعي للذاكرة قصص التفتيش.- وشبيه به حصل في مصر في نوع من الخلط المريب والتوظيف السياسي لما سمي بخلية حزب الله للقيام بحملة ضد التشيع وضد إيران وحزب الله، حملة لم تخف أهدافها السياسية سواء في التغطية على فضيحة الموقف المصري تجاه خنق غزة وحرمانها حتى من المساعدات الغذائية القادمة، فتركت ملقاة على امتداد أميال حتى تعفنت فعرّضت المنطقة للأوبئة، فلزم تحريقها، أو فيما استهدفته تلك الحملة من سوق للمياه إلى مجاري السياسة الأميركية والصهيونية في التعبئة ضد إيران وتأليب الرأي العام اللبناني ضد حزب الله على مشارف انتخابات فاصلة.5- يبقى السلوك التونسي الرسمي خارجا عن هذا السياق، فهو منشغل بغير ذلك، فإن ولاءه للسياسات الغربية لم يمنع تنمية العلاقة مع الجمهورية الإسلامية، ولا أدى إلى أي ضرب من الإعاقة للنشاط الشيعي القائم في البلاد، فجمعيته الحديثة التكوين "آل البيت" ومكتباته العمومية تنشط بحرية يتمنى مثلها أهل البلاد الأصليون الذين لا يزال دعاتهم محظورين وكتبهم في معارض الكتاب محرّمة حتى التراثي منها، بما حمل الناشرين المشارقة المشاركين في المعرض الدولي للكتاب في تونس أن يقرروا ألا يعودوا البتة إلى تونس بسبب ما تعرضت له كتبهم من مصادرة، حتى إن الشيخ القرضاوي الذي دعي إلى تونس لشهود حفل افتتاح مهرجان اعتماد القيروان عاصمة للثقافة الإسلامية واستقبله وزير الثقافة، لاحظ الشيخ المفارقة العجيبة بين حسن استقبال الوزير له وبين حظره لكل كتبه (170كتابا لم يمنع واحدا منها أو اثنين بل منعها جميعها).والحقيقة أن تونس الرسمية لا يزال شغلها الشاغل التصدي لحركة النهضة بوسائل كثيرة منها خطة تجفيف الينابيع التي قد تطورت إلى تلويث الينابيع، بما أفسح المجال أمام المطبوعات السلفية والشيعية لا حبا فيها وإنما للتشويش بها على التيار الرئيسي، والانتهاء بالساحة إلى إغراقها في أتون صراعات داخلية تشغلها عن التصدي للدكتاتورية ولنهب الأرزاق.. كيف لا و"جمعية آل البيت" دائبة على تزكية سياسات السلطة وإعلان الولاء للولي الفقيه.واضح من كل ذلك أن الموقف الرسمي من التشيع رفضا أو تشجيعا ليس له علاقة بالمذهب السني، في دول لا تتردد في الحرب على الإسلام وجماعاته إن قدّرت ذلك مصلحة لها.6- ومع أن الجامع المذهبي على أهميته في تكوين الشخصية الوطنية القومية لكل بلد ومنه إيران، تبقى مصالح الدولة العليا تلتقي به ما دام في خدمتها –وهو ما يحصل غالبا- إلا أنها قد تتباين معه إلى حد كبير أم صغير . وما يحصل هذه الأيام من صراع بين محافظين وإصلاحيين بلغ حد إزهاق أرواح، هو بصراع المصالح والسياسات ألصق منه بالمسألة المذهبية.إلا أن ذلك لا يقلل من أهمية الوحدة المذهبية في بنية الدولة، بشرط أن لا يكون سبيل ضمانها العنف والإقصاء بله التطهير.7- إن ضرر الدعاية المذهبية داخل الأمة بما تفرزه من تباغض بين مكوناتها، جليّ. وكان أحرى أن يعترف الجميع بالجميع، فيتجه كل بدعايته إلى أربعة أخماس البشرية الواقعين خارج الإسلام جملة. لدعوتهم إليه بدل المناكفات الداخلية وإضاعة وهدر الطاقات لنقل آحاد من إحدى الغرف الواقعة داخل دار الإسلام لدفعهم إلى غرفة أخرى مجاورة، بدل الالتفات إلى من هم خارج الدار جملة. على أن الجدير بالملاحظة أن مسؤولين إيرانيين سألناهم خلال بعض المؤتمرات عما يتهمون به من استهداف المجتمعات السنية بالاختراق عن طريق نشر التشيع، قد نفوا صدور ذلك عن الجمهورية "فهي أعقل من أن تستبدل ولاء الشعوب الإسلامية بولاء مجموعات صغيرة معزولة"، ناسبين تلك الأعمال إلى جهات ومؤسسات ومرجعيات شيعية عربية ذكروا منها الشيرازيين، الباثين لعدد من القنوات التلفزية المغرقة في الطائفية والأغنوص والخرافة، وهو أمر مسيء لعموم الشيعة حتى وإن أتاه القليل منهم، مسيء مثلا لصورة الإسلام ولتاريخه وحضارته، فهؤلاء واضح أنهم مصرون على وضع أنفسهم خارج وحدة الأمة الإسلامية والحضارة الإسلامية التي لا يمكن أن تتأسس بعيدا عن "محمد رسول الله والذين معه" 28/48، بعيدا عن الفتوحات الإسلامية وملاحم الأمة في التصدي لحروب الفرنجة بزعامة البطل صلاح الدين، أو بعيدا عن بطولات العثمانيين بكسرهم للسيف البيزنطي الذي ظل مشهرا على الأمة لقرون طويلة.. فأن يضع قوم من المنتسبين للإسلام أنفسهم خارج كل ذلك بل في حرب معه -وليس يعم ذلك كل التشيع- فذلك مشكل حقيقي وخرق شديد لإجماع الأمة وتبديد لوحدتها التي طالما تحدثوا عنها، مسيء كذلك لصورة التشيع ولإنجازاته الكبرى في الدفاع عن فلسطين وتقديم الدعم سخيا إلى مشروع تحريرها. وكانت إسهامات الجمهورية الإسلامية في ذلك معتبرة بل مشرفة وبالخصوص بالقياس لتخاذل معظم دول العرب.8- لقد ظلت الأمة على مر التاريخ يشدها الإسلام إليه ويوحدها بقوة حول الولاء له ولأتباعه، وخصوصا عندما تتعرض رموزه للانتهاك أو يتعرض تابعون له للعدوان فينتفض شعور الوحدة الإسلامية والولاء والغيرة، مخترقا كل الحواجز الطائفية، مصطفا وراء كل من يرفع راية الدفاع عن الإسلام ويتصدى لرد الصائل، بصرف النظر عن مذهبه، ولذلك ظل حزب الله يتمتع بشعبية واسعة في الأمة بأثر بلائه العظيم في كسر هيبة الجيش الذي لا يقهر!! وفشلت كل ماكينة الإعلام الظلامي التي دأبت متحالفة مع الإسرائيلي على تشويه صورته وعزله عن الأمة، وذلك –رغم المآخذ على بعض سياساته في الداخل اللبناني– كما أساء له أيما إساءة تفنن عرض قناة المنار لمشاهد إعدام الرئيس صدام حسين رحمه الله يوم العيد، فمهما بلغت فعال الرجل، فقد كان صدور الحكم عليه في ظل الاحتلال واختيار زمن التنفيذ وأسلوبه عاريا من كل حكمة ومشبعا بانفعالات التشفي التي ما ينبغي أن يكون لها مكان في السياسة والدين.وبالجملة فإن الارتباط مهما بدا قويا بين دولة ومذهب يظل نسبيا، إذ للدولة في إيران كأي دولة مصالحها التي قد تتوافق مع المذهب فتشجعه وقد لا تتوافق فتخذل أهله كما حصل في الصراع بين أذريبجان الشيعية وأرمينية النصرانية فانحازت تركيا إلى الأولى بسبب
العرق والمصلحة وانحازت الثانية إلى الثانية بدافع مصلحة الدولة، بما يجعل المذهب مجرد عامل من عوامل أخرى موجهة للسياسة الإيرانية وليس الأوحد.ومن ذلك ما تلقاه حركات المقاومة الفلسطينية وهي سنية من دعم إيراني غير مجذوذ، وما لقيته كذلك قضية البوسنة، مقابل خذلان دول منسوبة للسنة لها، الأمر الذي يفرض استبعاد نهج التبسيط في الحكم على المسائل المعقدة مثل مسائل السياسة. "اعدلوا هو أقرب للتقوى".والخلاصة أن الأمة الفارسية أكبر جيران العرب إلى جانب الترك، ولثلاثتها منزلة عظيمة في حضارة الإسلام، ومصير الأمة متعلّق بتعاونها والبحث عن أسباب الوفاق بينها. كانت إيران الشاه مقبولة بل صديقة لكثير من العرب مع أنها قاعدة عسكرية أميركية صهيونية مرعبة للعرب مبتزة لهم. أما وقد تولى الإسلام نقل هذا الموقع الهام من دور الكيد للأمة وخدمة عدوها الإستراتيجي الذي لا يشك في عداوته إلا هالك، إلى دور الشريك المتقدم في الحرب ضد هذا العدو، فما يبقى غير بذل الوسع لاستيعاب كل التناقضات للتفرغ للعدو الإستراتيجي المشترك، ففي مواجهة المشروع الصهيوني وما يمثله من خطر وجودي على الأمة، يتم الفرز بين الصديق والعدو وتسوّى خصومة مذهبية هنا وعلى أراض هناك.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.