نعم، التحدّيات كبيرة والمحاذير كثيرة، نبّه إليها الكثير من المفكرين العرب، وفي هذا الخصوص، أكّد الأستاذ حسني عايش في محاضرة بعنوان "الخشية أن يتحول الإنسان إلى آلة أو العكس"، حسب ماجاء في مقال لعبد الله الحضبي كاتب أردني، أكّد على التحولات الاجتماعية الواقعة، والإشكاليات والمشكلات الناجمة عنها مثل الانتقال من سحر الطبيعة إلى سحر التكنولوجيا، الانتقال من أسرة ممتدة إلى أسرة نووية (ذرية) فأسرة مخترقة، فأسرة طاردة أو نابذة، الانتقال من انحراف اجتماعي إلى إفراز تكنولوجي، ومن عالم ثابت ومعقول إلى عالم هارب ومجنون …، وفي مقال بعنوان العرب وتحدّيات العولمة للدّكتور حربي عريقات، ضمّنه الآثار السلبية لظاهرة العولمة التي ستعاني منها الدول النّامية وهي: ازدياد معدّلات البطالة، انخفاض الأجور، تدهور مستوى المعيشة، اتّساع الهوة بين الفقراء والأغنياء وتقلص دور الدولة في مجال الخدمات كالصّحّة والتعليم …، وفي مقال بعنوان" العولمة والذاتية الثقافية (رؤية تربوية)"بيّن أ.د رشدي أحمد طعيمة، الموقف الفكري والفلسفي للمفكّر محمد عابد الجابري من العولمة، الذي وضّح فيه ضرورة التّمييز بين العولمة والعالمية، وأكّد على أن الجابري يرى أن العولمة نظام أو نسق ذو أبعاد تتجاوز دائرة الاقتصاد، وفي معناها اللغوي تعميم الشيء وتوسيع دائرته، وهي تعني في المجال السياسي منظورا إليه من زاوية الجغرافيا، العمل على تعميم نمط حضاري لبلد بعينه، هو الولاياتالمتحدةالأمريكية على بلدان العالم أجمع، مبرزا إرادة الهيمنة واختراق الآخر لأجل إلغاء خصوصيته وتمييع هويّته، في مقابل العالمية التي هي طموح إلى الارتفاع بالخصوصية ورغبة في العطاء والتّعارف وإغناء للهوية الثقافية، وعلى الرغم من المحاذير التي تحملها العولمة بتوجّهاتها وأهدافها، إلاّ أن هذا لايبرّر الانغلاق على الذات بل من الضرورة بمكان التفتّح على الآخر تفتحا واعيا ومقصودا، يرتكز إلى الكفايات دون إقصاء أو تهميش، والتخلّص من عقدة المؤامرة، بالتوكّل على الله والسّعي بتوفير الأسباب، وعلى رأس الأسباب دفاع الحضارة عن نفسها، والتّعلّم من غيرها في إطار دينامية سريعة التّطوّر والنّمو والاّ فلا مكان لمنافسة غيرها من الحضارات. لذلك فإن الأنظمة التربوية، والنظام التربوي الجزائري أحدها، مطالبة بمواجهة التحدّيات التالية: * تشخيص الواقع بنجاحاته وإخفاقاته وهي كثيرة، لهزال في البناء الثّقافي عموما والمكتسبات المعرفية خاصة، بسبب نقص رعاية الكفايات في مختلف مناحي العلم والمعرفة، واضطراب الرؤية على المستوى الرسمي وعلى المستوى الشّعبي في تقييم التخصصات العلمية والأدبية. * مواجهة التحدّي المؤسّساتي انطلاقا من وضع وضبط المشروع أو المخطّط التربوي، استنادا إلى الامتدادات التاريخية كمقوّم لبناء مستقبل النّظام التربوي، وهذا يعني التفاعل بين تراث الأمة والحاجات المعاصرة، والتّفتّح على الأنظمة التربوية العالمية بطريقة هادئة وعلمية وواعية. * تطوير منهجية الاتّصال والتّواصل وأدواتهما، تنضيجا للتفتح على الآخر، والذي بدوره يساعد على تنسيق الجهود والمبادرات وزيادة الوعي، وهذا ما يضمن نقل التكنولوجيا بصورة وظيفية. * بناء الإنسان الحر، بتحقيق نضج المتعلم في الميادين: م/الجسمي م/العقلي م/العاطفي الاجتماعي. * رفع المستوى الأخلاقي والمستوى التقني للإدارة التعليمية لتوفير بيئة تربوية متكاملة الشروط الفيزيائية منها والأكاديمية والثقافية. * ضبط وتفعيل العلاقة بين مختلف الشركاء، الشريك العلمي بضبط اتفاقيات البحث العلمي التّطبيقي، والشريك الاجتماعي، بضبط العقود البيداغوجية مع الأولياء، وتحقيق تكاملية الدّور بالنسبة لمختلف المؤسسات التربوية " مسجد، دور الثقافة والنوادي الرياضية ووسائل الاعلام .." لتفادي تناقض مضامين البرامج التربوية الذي يصل حالة التّضاد أحيانا ولا يمكن للتربية أمام هذه التحدّيات إلاّ أن تأخذ أحد المواقف التالية: * ترسيخ الخصوصية الثقافية العربية الإسلامية وتحصين أبنائنا، من كافة أشكال الاتّصال الثقافي بالغرب. * الانسياق وراء العولمة بمفاهيمها، والسير في إجراءاتها بالشكل الذي يحقق طفرة الانتقال إلى مجتمع جديد، مستمتعا بإيجابيات العولمة دافعا ثمن ذلك كله من قيمه وأخلاقه. * تحقيق التّوازن بين، الأصالة والمعاصرة، فلا التقوقع في ماض عريق ولا التعولم المطلق غير المشروط، وإنّما التقدّم المحسوب الذي يحكمه منطق الانتقاء في ضوء الحاجة الى العصرنة مع التّمسّك بالهوية ولعلّ الموقف الثالث هو الأنسب، وهذا ما هو متكفّل به على مستوى القانون التوجيهي للتربية الوطنية القانون 08 /04 المؤرخ في 23/ 01/ 2008 ، يبقى تفعيل مضامينه بالتحكّم أحسن من الناحية المنهجية التقنية، عند بناء المناهج التعليمية وبناء مناهج التكوين ومشاريع البحث العلمي … كلّ ذلك في إطار عقيدة راسخة، منطقها ومبتغاها، قوله سبحانه وتعالى في الآيتين 63 و 64 من سورة الواقعة " أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون".