آمنة/ب حذرت هيئات وطنية أخصائيين ورؤساء جمعيات على غرار الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، جمعية رعاية الشباب، وجمعيات أولياء التلاميذ من تعريض المقبلين على شهادتي التعليم المتوسط و البكالوريا للضغط النفسي، خوفا من لجوء بعضهم إلى الانتحار كرد فعل على تهديد أولياء الأمور الذين لا يقوون على مواجهة استيائهم في حالة الفشل. مع اقتراب موعد امتحانات نهاية السنة التي لا تفصلنا عنها سوى أسابيع معدودة، يعيش طلاب الأقسام النهائية حالة من الطوارئ بين الترقب والاستعداد، يشوبهما القلق والخوف من النتائج، هذا الخوف الذي يتحول إلى فوبيا لدى البعض، تعصف بحصانتهم النفسية وترمي بهم في براثن الاضطرابات النفسية وقد تصل بهم في نهاية المطاف إلى الانتحار، خاصة إذا كانت ردة الأولياء اتجاه فشلهم قاسية. هذه الحقيقة قادت هواري قدور الأمين الوطني المكلف بالملفات المختصة، إلى الخوض في أسباب تفاقم ظاهرة الرسوب المدرسي وعجز المسئولين التربويين عن إيجاد حلول جذرية لهذه المعضلة، خصوصا مع ارتفاع وتيرة القلق لدى التلاميذ و الطلاب وانعكاساتها السلبية على المستويات التربوية والاجتماعية.
أولياء لايهمهم سوى النجاح .. وآخرون على النقيض يعول أولياء التلاميذ اليوم على نجاح أبنائهم أكثر من الأمس، كما يدققون في العلامات والمعدلات التي تؤهلهم لأكبر الجامعات لمواصلة دراساتهم العليا، وغالبا ما يبذلون الكثير من أجل الحصول على نتائج مرضية، خاصة مع تكبدهم الكثير من مصاريف الدروس الخصوصية التي تزلزل ميزانية أغلبية أسر المقبلين على الامتحانات المصيرية، لكن إذا ما حدث عكس ما يتوقعون يفقدون غالبا السيطرة على أنفسهم ويقسون على أبنائهم بشكل مبالغ فيه، مما يعرض التلاميذ إلى مأساتين، مأساة الفشل وعقاب الأولياء وعدم تفهمهم. يقول مصطفى أب لطفلين، أحدهما في المستوى المتوسط والآخر في المستوى الثانوي النهائي، يقول:"تكبدت الكثير من أجل نجاح أبنائي، وفرت لهم كل الظروف من أجل النجاح، ولن أقبل بفشلهما وهما يدركان ذلك جيدا، أنا أؤمن بأن من جدَّ وجد، وإذا لم ينجحا فهذا يعني أنهما مقصران ولن أقبل بذلك، طالما أنني لم أقصر معهما في شيء". استنتجنا من حديث مصطفى نوعا من البراغماتية بعيدة كل البعد عن التفهم النفسي والبسيكولوجي، ومثل هذا التصرف يرفضه أولياء آخرون خاصة من الأمهات، بحيث تقول نوارة التي تجتاز ابنتها البكالوريا للسنة الثانية على التوالي "أنا أتابع ابنتي جيدا في دراستها طيلة السنة، وأعرف أنها تبذل كل ما في وسعها لتحقيق النجاح، وإذا حدث وفشلت مثلما حدث العام الماضي، فهذا يعني أنها لم توفق وهذا أمر وارد وليس بالضرورة تقصيرا منها، فالتوفيق من عند الله ولا أحد يحب الفشل، وفي النهاية "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها" وأنا ضد الضغط لأنه يولد الأمراض النفسية والعصبية لدى أبنائنا، ولن نجني من وراءه شيئا، أحيانا يفشلون ونخسرهم وهذا برأيي أقسى ما يمكن أن يحدث".
3 ملايين عائلة جزائرية تسلط الضرب على أبنائها أكد باحثون في علم الاجتماع بأن أزيد من ثلاثة ملايين عائلة جزائرية تعتمد في تأديبها للطفل على العقاب الجسدي على غرار الضرب بشيء يلقى على الطفل كالحجر أو الحذاء، والضرب على الرأس والوجه والأذنين، والذراع وشد الشعر، كما تبيّن من التحقيق بأن الأم هي الأكثر ضربا للأطفال من الأب وذلك بنسبة 36 بالمئة مقابل 27 بالمئة عند الأب، بينما يمارس العقاب البدني من طرف الوالدين معا بنسبة 23 بالمئة، أما الأشخاص الآخرون الذين يضربون الأطفال في الوسط الأسري كالجدين والإخوة والأخوات فلم يتعد نسبة 14 بالمئة، ولعلّ الاحتكاك المستمر للطفل بالأم هو الذي يؤدي إلى تعرضه للضرب أكثر على يديها. وفي هذا الإطار أكد السيد هواري قدور الأمين الوطني المكلف بالملفات المختصة للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان بأن النتائج السلبية للتلاميذ تنجم عنها عدة ظواهر على غرار الانتحار وسط التلاميذ و التسيب المدرسي والتي لا يتحمل مسؤوليتها الطفل وحده، حيث تقع بشكل كبير على عاتق المدرسة والأسرة والمجتمع والدولة ككل. وتأسف المتحدث ذاتها عن سلسلة الإضرابات التي شهدها العام الدراسي، معتبرا التلميذ الحلقة الأضعف في هذا الصراع المتجدد كل سنة، و يتحمل وحده الآثار السلبية و يحل في موقع "الرهينة" التي تتضرر في كل الأحوال، الأمر الذي لا ينتج عنه سوى فشل التلاميذ في مواكبة تمدرسهم والتأخر في الدروس سيجعل من عملية استدراكها عبئا ثقيلا عليهم يتطلب مجهودا إضافيا و ضغطا نفسيا خصوصا بالنسبة لتلاميذ الأقسام النهائية الذين تنتظرهم امتحانات مصيرية. ولهذا تطالب الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان من وزارة التربية إعادة النظر وأن ترفع نوعية التعليم في الجزائر وأن تجد صيغة توافقية بين الوزارة والنقابات لتجنب الإضرابات بتغليب مصلحة التلميذ وجعلها الهدف الأسمى في القطاع، كما يدعو السيد هواري قدور الأمين الوطني المكلف بالملفات المختصة للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان الأولياء إلى عدم الضغط على أبنائهم وعدم تهديدهم بالعقاب حتى لا يدفعوا بهم للانتحار أو تبني خيار آخر وهو الهروب من المنزل، بل يجب عليهم تفهم أبنائهم ومحاولة معالجة الأسباب الكامنة وراء فشلهم ورسوبهم و يمكن أن يكون العلاج النفسي أحد المفاتيح لكشف أسباب رسوب التلميذ و السعي لإيجاد الحلول الكفيلة باستعادة ثقته بنفسه و بقدراته مع الاعتماد على أسلوب التشجيع لا التهديد. 10حالات انتحار تسجلها الجزائر عقب الإفراج عن نتائج الامتحانات كشف خالد أحمد رئيس جمعية أولياء التلاميذ أن ظاهرة الانتحار وسط التلاميذ عقب الإفراج عن نتائج الامتحانات النهائية على غرار شهادتي البكالوريا والتعليم المتوسط تفاقمت، حيث تم تسجيل 10 حالات انتحار سنويا خلال الثلاث سنوات الأخيرة وسط التلاميذ ليس بسبب الرسوب المدرسي فحسب بل تخوفا من ردة فعل الأولياء الذين عادة ما ينتهجون أسلوب التهديد والوعيد مع أبنائهم حتى قبل نشر نتائج الامتحانات أو التحصل على كشوف النقاط وهو ما يجعل التلاميذ يقدمون على الانتحار، أو توليده لطاقة العنف المتفجر كنتيجة للإحساس بالغضب، و دليل على ذلك ما قام به التلاميذ من أعمال العنف والتخريب والحرق التي طالت ثانويتين بالعاصمة والبليدة، فالواقع النفسي للتلاميذ يؤكد على ضرورة الالتزام بتقديم كمية دعم كبيرة لأداء المهام الدراسية، وهو ما يتطلب قدرة وجهدا كبيرين من جميع الفاعلين لفهم الواقع الذي تعيشه المدرسة الجزائرية، مما ترى الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان بأن الظاهرة تستحق الدراسة لمعالجة أسباب هذه التصرفات، و ليس فقط الوعيد و العقاب. عبد الكريم عبيدات رئيس جمعيات رعاية الشباب: "الضغط العائلي يسوق التلاميذ إلى طريق المخدرات والانحراف" أكد عبد الكريم عبيدات رئيس جمعية رعاية الشباب والطفولة في تصريح للحوار أن الضغط العائلي واقع ممارس لدى الكثير من الأسر الجزائرية التي تنتهج أسلوب التهديد والوعيد مع أبنائها المقبلين على اجتياز امتحانات آخر السنة، فتجد الأب مثلا يحذر ابنه ويصر عليه بضرورة تحقيق النجاح والحصول على نتائج مرضية، كما يقارن الشخص المقبل على اجتياز الامتحان بباقي إخوته وأقاربه، وهذه التصرفات من شأنها أن تسوق التلاميذ إلى طرق مظلمة على غرار الانحراف واللجوء إلى المخدرات وحتى أذية النفس باللجوء إلى الانتحار في بعض الحالات، كما أوضح المتحدث ذاته أن تخويف التلاميذ مسبقا سيؤثر سلبا على أدائهم ومردودهم الدراسي. وفي السياق ذاته أشار عبد الكريم عبيدات أن 5000 شاب مقبل على اجتياز شهادتي الباكالوريا والتعليم الأساسي سيستفيدون من جلسات التحضير النفسي الذي في طبعته الثالثة والذي سيقام بالقرية الإفريقية بسيدي فرج يوم السبت القادم. عبد الرحمن عرعار يؤكد: الفشل ليس نهاية العالم أوضح عبد الرحمن عرعار رئيس الشبكة الجزائرية للدفاع عن حقوق الطفل في تصريح للحوار أن العلاقة بين الأولياء والأطفال يجب أن تحمل قدرا كبيرا من الانتباه والرعاية، وعليه يتعين على الكثير من الأولياء تغيير أسلوب التعامل مع الأبناء المبني على التهديد والوعيد، حتى يظن التلميذ الذي فشل في حصوله على شهادة الباكالوريا أن الأمر يتعلق بنهاية العالم، وبالتالي يقدم على تصرفات خطرة وغير متوقعة كما كان الحال مع الطفل الذي أقدم على شنق نفسه ببرج بوعريريج. وقد دعا عبد الرحمن عرعار الأولياء إلى انتهاج أسلوب المرافقة بدلا عن أسلوب التهديد والعقاب، مشيرا إلى أن كل العائلات الجزائرية ترغب في رؤية أبنائها ناجحين وبالغين أعلى المستويات العلمية وهذا غير ممكن، وعليه يجب على الأولياء التماشي مع قدرات أبنائهم ومرافقتهم لبلوغ النجاح المرجو، فضلا عن التخلص من ثقافة الأحكام المسبقة. الشيخ بلعيد زرقون: "قتل النفس من أكبر الكبائر" أشار الإمام بلعيد زرقون من لاية تيزي وزو في تصريح للحوار أن الإسلام منح النفس البشرية قيمة كبيرة وأوجب المحافظة عليها، لقول الله تعالى: "ومَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً"، والله سبحانه وتعالى أعطى الروح للجسد وهو الذي له الحق في استردادها متى شاء، وقد حرم الله إلحاق الضرر البدني بالنفس فما بالك بقتلها، حيث قال الله تعالى في كتابه العزيز "وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ"، وبالتالي فإن قتل النفس من أكبر الكبائر وتأتي مباشرة بعد الشرك بالله. وأضاف الشيخ بلعيد أن قتل النفس محرم بأي شكل من الأشكال، والبعض يعتقد أن قتل الغير هو الممنوع، إلا أن القتل هو القتل سواء كان في حق النفس أو في حق الغير، وقاتل النفس يكتب على جبينه يوم القيامة آيس من رحمة الله، والدنيا هي دار المتاعب والهموم والراحة تكون في الآخرة، كما أن الصابر مأجور على صبره، وعلى المؤمن أن يستعين بالصبر في حال تعرضه للابتلاء، ولو كل من فشل قتل نفسه لفنيت البشرية، فالبعض يلجأ للانتحار في حال الفشل الدراسي والآخر يقدم على هذا الفعل في حال عدم حصوله على سكن وغيرها من الأسباب. أما بالنسبة لدور الأولياء، فقد أكد الإمام بلعيد زرقون أن للأولياء دورا كبيرا في بعض حالات الانتحار، حيث يتوعدون الأبناء بالعقاب في حال الفشل وبالتالي يشكل لديهم الأمر أزمة نفسية، وعليه يتوجب على الأولياء الحرص على نجاح أبنائهم ومتابعتهم طوال السنة وليس فقط وقت النتائج، وإذا كانت النتائج غير مرضية فلا بأس من تكرار التجربة حتى يتحقق النجاح بعيدا عن أسلوب التعنيف والترهيب.