شهادة الأستاذ إبراهيم منير والأستاذ أحمد كنزي (من شعبة عابدين بالقاهرة)؛ حيث إنهما وهما في السجن عام 1963م وصل إليهم من بعض الإخوان أن الأستاذ سيد يقوم بوضع كتاب عليه اتفاق من الجماعة هو (معالم في الطريق) وأن على الإخوان جميعًا خارج السجون قراءته.. وعندما اشتد المرض على الشهيد سيد قطب تم نقله إلى مستشفى قصر العيني، فتحايلنا على زيارته كل يوم جمعة- أسبوعيًّا تقريبًا- لنسمع منه ونستفسر، ولم نسمع منه على الإطلاق أنه يعنى بالجاهلية تكفير الناس، ولم نسمع منه قولاً بكفر الحكام، ولم نسمع منه أن العزلة الشعورية عن الناس تعني مقاطعتهم والعيش في الكهوف والجبال وتجنب العمل في وظائف المجتمع، ولكنه كان يركز على إحياء معانى الإيمان في قلوب الأمة، ويعنى بالجاهلية جاهلية السلوك وليست جاهلية الاعتقاد.. وهذه شهادة بما علمت ألقى بها الله عز وجل: أني لم أسمع منه خلاف ما قلت. اه. (ص7 كتاب العبقري العملاق للأستاذ إبراهيم منير) ويقول أيضًا الأستاذ إبراهيم منير: "صرح الشهيد أكثر من مرة وفي أكثر من موضع أن من رغب في معرفة.. إننا دعوة مهمتها بيان الحقائق للناس لا إصدار الأحكام عليهم". (ص 81 العبقري العملاق). ع) بل إن شقيقه الأستاذ محمد قطب يؤكد أنه سمعه أكثر من مرة يقول: ".. نحن لا نتعرض لقضية الحكم على الناس، فضلاً عن كوننا دعوة ولسنا دولة، دعوة مهمتها بيان الحقائق للناس لا إصدار الأحكام عليهم". (ص80 كتاب العبقري العملاق) ل) أشاعوا عنه أنه يدعو إلى المرحلية في الأخذ بالأحكام الشرعية، وأننا في المرحلة المكية، فنأخذ حكمها الشرعي من حيث وجوب الهجرة وعدم إلزامية الأحكام التي وردت بعد ذلك.. إلخ وهذا لم يذهب إليه الشهيد من قريب أو بعيد، فهو لم يكن يتكلم عن المرحلية في الأحكام الشرعية، وعندما سُئل: هل نحن في المجتمع المكي أم المجتمع المدني؟ أجاب: "نحن في سنة كذا وقد كمل الإسلام ولن ينقص. اه. وأما حديثه عن المرحلية فكان متعلقًا بالحركة الجهادية ووسائل الدعوة. (من شهادة أ. صبرى عرفة أحد قيادات 65) وقد يسأل البعض: هل نحن بحاجة إلى مثل كتابات الشهيد سيد قطب في هذه المرحلة الآن؟ الإجابة القاطعة تكون بنعم؛ حيث ما زالت الأمة تواجه حملة شرسة ضد قيم الإسلام، وتواجه محاولات من قوى عالمية للسيطرة عليها واحتوائها، وفي ظل عولمة الإعلام ووصوله بكل الأفكار والشبهات إلى الجميع تقريبًا يصبح التحصين ضدها والقوة في الدفاع عن قيم وأحكام الإسلام والتميز بها أمرًا لازمًا، وهو ما تقدمه كتابات الشهيد وغيره من العلماء المجاهدين، وبالتالي يجب الاستفادة من كتابات الشهيد في ظل الضوابط التي أشرنا إليها.
هل تولى سيد قطب القيادة والتوجيه لمجموعة 1965؟ هل كان قيام سيد قطب رحمه الله بالإشراف على تربية وتنظيم وتوجيه شباب الدعوة في 1965م يعتبر خطأً حركيًّا وخارجًا عن سياسة الجماعة، أو سبب ضرر لها وانتكاسة؟ إن من يقول هذا الكلام لم يفهم دعوة الإخوان، ولم يعرف قواعد الإسلام ومبادءه، فمقياس الخطأ والصواب أو الضرر والفائدة لا يكون بالهوى الشخصي، وإنما بالرجوع لأحكام الشرع ومبادئ الدعوة إلى الله. إن العمل والدعوة للإسلام في مناخ مناوئ له فريضة لازمة، وسيكون له تضحيات كالقابض على الجمر، وإن هذا هو واجب الدعاة وورثة الأنبياء مهما لاقوا من أذى. فما قام به الشهيد ومن معه من شباب هو أداءٌ لواجب الدعوة وللأهداف التي آمنوا بها وبايعوا عليها. إن قبوله قيادة الشباب في هذه الفترة وهو حديث الخروج من السجن يعاني من سوء الحالة الصحية وضيق المورد المالي، وذلك كي يربيهم على الإسلام، ويبعد بهم عن طريق العنف والانتقام، وقد أفادوا جميعًا بذلك، كان هذا يمثل قمة الثبات والتضحية وكسرًا لحاجز الخوف. كما أن حركتهم هذه، وإن لم تشمل جميع الإخوان، حيث كانت في بدايتها؛ إلا أنها كانت في إطار المؤسسية، وتحت علم قيادة الجماعة وموافقتها، وما شهادة بعض أفراد الجماعة بعكس ذلك، إما لعدم علمه أو لخلطه في الأمر بين منع القيادة أي تجمعات للشباب تنتهج منهج العنف أو تسعى لرفع السلاح، وبين تأييدها للقيام بالتربية وحمل الدعوة. كما أن قيام هذه الفئة المؤمنة وإقدامها على الحركة بالدعوة والتجميع والتربية وأمامهم مناخ السجون والاعتقالات والتعذيب من نظام طاغٍ لا يعرف قانونًا؛ كان في ذاته يشكل انتصارًا معنويًّا للإيمان والعقيدة التي ارتفعت وتسامت فوق كل ذلك، وتجاوزت الخوف مما سيحدث لها من بطش. كما أن هذه الحركة المباركة لشباب 65 كانت ردًّا عمليًّا على بطش النظام، وأنه لم يستطع أن يُخضع الجماعة أو يُرعب أبناءها أو يوقف مسير دعوتها، وكانت صوتًا معارضًا قويًّا لهذا النظام في حين سكت الجميع وخضعوا له مما أحرق كبد النظام غيظًا، فكان بحق مفخرة في تاريخ دعوة الإخوان المسلمين، ونذكر عندما ذهب أحد الإخوان للأستاذ الهضيبي وقتها يشتكي من حركة هؤلاء الشباب بالدعوة والتجمع قال له: أو ليس قعودك عن الدعوة والعمل لها إضرارًا لها؟ (من شهادة الدكتور محمد بديع).