اعتدنا في بلداننا العربية أن نفرش السجاد الأحمر للسياسيين والحكام والفنانيين والرياضيين ولم نعتد أن نحتفل بحملة الأقلام من كتّاب وباحثين وروائيين وشعراء، غير أن ما سمعناه من خبر استقبال الدكتور واسيني لعرج في مطار " هواري بومدين " استقبال الأبطال بعد فوز روايته " مملكة الفراشة " بجائزة " كتارا " لأفضل رواية قابلة للتحويل إلى عمل درامي، أعاد لنا بصيص أمل افتقدناه منذ زمن بعيد .. الصديق عياش يحياوي أيضا فاز بجائزة "العويس " عن مجمل إصداراته المتعلقة بالتراث الثقافي الإماراتي وغمره جمهور " الفايسبوك" باحتفالية استثنائية، اتصل به وزير الثقافة عز الدين ميهوبي مهنئا، وأردف سفيرالجزائر بدولة الإمارات العربية المتحدة صالح عطية باتصال هاتفي آخر مباركا .. ثَمَّنَ لعرج هذا السلوك غير الاعتيادي واعتبر يحياوي ما أقدم عليه ميهوبي سلوكا غريبا ولكنه ضروري . لا أعرف واسيني إلا معرفة عابرة حيث جمعتني به بعض اللقاءات القصيرة ولكني أدعي معرفة عياش معرفة الصديق لصديقه .. فهو اسم لامع في سماء الشعر العربي وباحث متميز.. تنكرت له الأجهزة الثقافية في بلادنا ولم يحظ بوظيفة تليق بمقامه، فأجبرته الظروف على بيع أثاث بيته ليؤمن لقمة العيش في آخر سنة له بالجزائر، يمم شطر الامارات عام 1998 مجبرا.. بهذا البلد الشقيق تدرج يحياوي في مختلف المسؤوليات الثقافية واعتلى منصات التتويج ونال تكريمات مختلفة، تخصص في التراث الثقافي الإماراتي، فأصدر عشرة كتب وله تحت التنفيذ تسعة كتب أخرى، فأنتج للإمارات ما لم ينتجه أي كاتب إماراتي أوعربي آخر. ماذا لو لم يغادر يحياوي الجزائر؟ ماذا لو أن بلاده خصصت له ربع ما تخصصه له الإمارات ؟ ماذا لو أن هذه الكتب التي أصدرها كانت خاصة بالتراث الثقافي الجزائري، ماذا وماذا ؟ أسئلة تتزاحم وراء بعضها لاتترك مجالا لالتقاط الأنفاس، فأمثال صاحبنا لاعدّ لهم ولا حصر ..فكم غادر الجزائر من مفكرين وأدباء وأطباء ومهندسين وصحفيين .. وكم كانت ستساهم أعمالهم في تقدم الوطن، وهم يتوجون اليوم في مختلف بقاع العالم. يحياوي ممن لا يعتبرون الوطن غنيمة، خصص من ماله الخاص مبلغا معتبرا لجائزة " لقبش " للشعر والتي تنظم سنويا في الجزائر.. ومن أمثاله من المهاجرين كثيرون يخدمون الجزائر دون مزايدة ودون مطامع شخصية، فهل تستكثر عليهم مؤسسات الدولة الجزائرية كلمة شكر بسيطة في معناها كبيرة في مغزاها، لقد كان شاعرنا وباحثنا الكبير عياش يحياوي سعيد بالمكالمتين "الغريبتين " الشاذتين عن القاعدة الرسمية التي عومل على أساسها سابقا كما قال، وسنكون نحن سعداء أيضا بهذا المنجز الجديد في التعامل مع المبدعين، نضيفه إلى خصال الوزيرعزالدين ميهوبي الشخصية ونتمنى أن يرتقي هذا السلوك من مجرد تعامل فردي إلى ممارسة مؤسسة قائمة على تثمين المبدعين والجادين.