قال مرة الزعيم الهندي الكبير جواهر لال نهرو " إن أخشى ما أخشاه أن تقع مصائر التنمية بين يدي بيروقراطية متعفنة وعاجزة "، تذكرت هذه المقولة لما تابعت ما حكى عنه رجل الأعمال يسعد ربراب، في سياق سرده لما لاقاه من صعوبات فرضتها عليه الإدارة الجزائرية، التي عرقلت سير مشاريعه واستثماراته. وافترض أنه لا حاجة لنا للتدليل على صحة مقولة الزعيم نهرو، فحالنا وحال الهند يغني عن كل بيان. نعم، إن ما قاله ربراب هو صحيح كله أو جلّه، وليس هذا دفاعا عنه فهو أقدر من غيره في ذلك، لكن الحقيقة التي يعرفها الجميع أن البيروقراطية في الجزائر قد قتلت مشاريع كثيرة ومازالت قادرة على وأد أخرى، أو على الأقل التضييق على المستثمرين الأجانب حتى يفروا بجلودهم وهم يلعنون الساعة التي فكروا فيها في الاستثمار بالجزائر، ليتلقاهم جارنا الغربي فاتحا ذراعيه مستقبلا ومهللا لقدومهم الميمون. لا يختلف اثنان أن البيروقراطية أزمة بالغة الخطورة، وأثرها هدام على الاقتصاد الوطني، في زمن تقاس فيه قوة الدول باقتصادياتها، كما لا يختلف اثنان أن تشجيع الاستثمار هو ضرورة ملحة ومسار حتمي لابد منه لأي بلد لخلق فرص عمل جديدة والحد من البطالة وتوفير عيش كريم للشعب. وجه آخر لأزمة البيروقراطية، ألا وهو حالة " التبرقط " الحادة التي تعرفها الجزائر، ويقصد بالتبرقط تلك الزيادة الهائلة في أعداد العاملين بالأجهزة الإدارية والبيروقراطية للدولة، وما ينتج عنها من تضخم في الإنفاق العام دون تحصيل مردود اقتصادي من جراء هذا الإنفاق، وهو ما يشكل عبئا كبيرا على التوازنات المالية للدولة، خاصة مع ما تعرفه أسعار النفط من تراجع. مرة أخرى، وجدت نفسي أستذكر ما قاله مؤسس الهند الحديثة " إن السيطرة لن تكون بالجيوش ولكن بالتقدم، لأنه وسيلة السيطرة الجديدة، والتقدم يكون بالعمل والتنمية، ودون ذلك سنبقى متخلفين مقهورين…"، ونحن في الجزائر هذا حالنا، قهر وتخلف وجوع في الأفق يتربص بشعب عاطل وسلطة متراخية وعديمة الحيلة…