…. اغتيال الدولة بقلم: الأستاذ لخضر رابحي الحلقة 04 ومن قبل استنكر (المقدسي) مبالغات (أبي مصعب الزّرقاوي)، وكتب عنه (الزّرقاوي مناصرة ومناصحة)، وردّ عليه تنظيم (الزّرقاوي) باتّهامه بالتّراجع والضّعف والخور، وكتب بعض رفاق (الزّرقاوي) ردّا على الشّيخ (المقدسيّ): (المقدسيّ يتراجع إلى الوراء)و(الاجتهاد في حكم الفرار من ساحة الجهاد) وتلك طبيعة مرصودة تاريخيّا في جماعات العنف، فالغريب كيف يتصوّر أمثال (المقدسيّ) ضبطها، والغالب كما يُلاحظ الدّارسون والباحثون، حالات النّقد هذه مع أهميّتها، إلا أنّها ترجمة للصّراع حول القيادة "إذ تحوّلت الإمارة من المقدسيّ إلى الزّرقاوي في غضون فترة وجيزة " (الحلّ الإسلاميّ د /أبو رمان وحسن أبو هنية 312) ولمع اسم (الزّرقاوي) حتى وضعت (أمريكا) جائزة ب 10 ملايين دولار لمن يدلّ بمعلومة تؤدّي إلى تصفيته أو القبض عليه، وأصبح يُذكر اسمه على لسان كبار المسؤولين (كولن باول ) و(بوش) و(كاميرون) وغيرهم. فلماذا التّنديد واستنكار ما يصنع (داعش)، فالانحراف لا يُمكن أن يُضبط أبدا، ذلك أنّ "مصير التّطرّف الانقسام والاقتتال والاضمحلال "، ولذلك " لم يحدث قطّ أن نجحت أيّة طائفة متطرّفة في صنع التّاريخ، لقد ظلّ المتطرّفون على هامش التّاريخ " (الجابري /المسألة الثقافية 146)، و(الخوارج )الذين قاموا من أجل العدل، ظلّوا يختلفون وينقسمون إلى أن أُبيدوا بحروبهم الدّاخلية وما تلقّوه من ضربات الدّولة والمجتمع بفعل تطرّفهم. فالهدف الاستراتيجي لتيّار العنف بمختلف مكوّناته يستهدف إسقاط الدّولة للبناء على أنقاض الحرب دولة جديدة لا تقوم على الانتخابات والدّيمقراطية التي هي كفر وشرك ليس عند (داعش) فقط بل عندهم جميعا، وقد ذكر هذه السّياسة (المقدسيّ) في كتابه (الدّيمقراطية دين)، وذكر(أبو مصعب السّوري )في كتابه (مختصر شهادتي على الجهادالجزائري)، أنّ سبب قبولهم بدخول (الفيس )في الانتخابات أنّه أقنعهم بأنّ الشّعب معه، وعندما يصل يستفتي الشّعب في إلغاء الانتخابات والحكم بالشّريعة فقط، وإلا لما قبلوا بهم كما يصرّح (أبو مصعب السّوري) هذا المنطق يحتاج من الباحثين والفقهاء والمفكّرين والسّياسيّين النّظر والاهتمام حتّى تتمكّن الأمّة من إنتاج صيغ صحيحة وعادلة في صناعة التّغيير دون فكر إسقاط الدّولة وصناعة (الفوضوية) وإدارة التّوحّش تمهيدا للدّولة الموعودة، وقد لاحظ النّظّار والحكماء خطورة هذه المسالك الهالكة التي لا يستفيد منها إلا العدوّ. قراءة فكر الجهاد المعاصر في مختلف مراحل تطوّره من وقت ظهور (الفريضة الغائبة)ل(محمّد عبد السلام فرج ) إلى وقت ظهور (القاعدة) ثم (داعش)، يستهدف هدم الدّول القائمة ليس هو ثورة ضدّ حاكم ظالم كما يتوهّم غير المُطّلعين على المنظومة الفكريّة لحركة الجهاد بل اتّجاه للهدم الجذريّ لبُنى الدّولة القائمة بالقوّة والسّلاح حتّى يستمرّ منطق القوّة في حكم مرحلة ما بعد انهيار الدّولة، فلا مكان للدّيمقراطية والانتخابات، فهي كفر صريح وشرك لا خلاف فيه بين عموم الجهاديين. ففكر الجهاد يعتقد أنّ دولة الإسلام لا تقوم إلاّ بالحديد والنّار، جاء في (إدارة التّوحّش ص 77) "وتتحطّم (الدعوات) إذا لم تجد من يغذّيها بالدّماء ويبنيها بالجماجم والأشلاء"، ولذلك طبيعي أن تظهر الخلافات بين مختلف التّيارات المستعملة للعنف من منطق اختلافها في بعض التّفاصيل وفي بعض الأولويات والاستراتيجيات وفي الولاءات، وبسبب الإمارة والقيادة وتنفجر بينهم الصّراعات الدّموية التي لا تنتهي وتأتي على جميع المقدّرات، وغالبا ما تنتهي هذه الأعمال إلى فشل ذريع وخسارة مدوّية لكن دون أن تدفع تيار الجهاد والعنف إلى مراجعات أساسيّة إلا حالات قليلة سُجّلت مع (الجماعة الإسلامية ) في مصر و(الجماعة المقاتلة) في ليبيا، وجوبهت جميع تجارب المراجعة بردود عنيفة وشرسة واتّهامات بالعمالة والخيانة كما فعل (الظّواهري ) في كتابه (التّبرئة) ردّا على (الجماعة الإسلامية )، وما فعله (أبو قتادة ) في كتابه (النّصيحة)، ردّا على مراجعات (الجماعة المقاتلة) بليبيا. يتبع…