بقلم: فاروق أبي سراج الذهب من عرف الشيخ محفوظ نحناح واقترب منه وتابع مقارباته للوضع العام الذي عاشه العالم الإسلامي في نهاية القرن الماضي وبداية القرن الحالي يدرك بجلاء مدى قدرة هذا الشيخ على استيعاب الماضي بكل ماتضمنه من نجاحات وإخفاقات وما حدث فيه من ملاحم وهزائم، وإلمام بالحاضر ومافيه من تحديات وتهديدات واستشراف للمستقبل وما يحمله من فرص واستراتيجيات، هكذا هو الشيخ نحناح سابق لزمانه، يعيش المستقبل بروحه وجسده وفكره لذلك خاصمه الحرفيون والماضويون وحاصره العلمانويون ولم يفهمه بعض من أنصاره وتنكبوا الطريق بعده، وبدل الانكباب على فهم مقاربته السياسية- التي استفاد منها الآخرون – ومراجعتها ومعرفة ثغراتها وتحسين شروط تجسيدها وتوفير فرص استيعابها لدى الأجيال وقعوا فيما وقع فيه الأبناء بعد وفاة الأب. والدارس لفكر الشيخ نحناح وفكره يدرك عمق التصور الذي كان يحمله ولاسيما في التمييز الواضح بين ماهو تكتيكي واسترتيجي وبين ماهو ثابت ومتغير وبين ماهو عام وخاص في رؤية مقاصدية متوازنة حاز بها الشيخ محفوظ نحناح قصب السبق في معالجة قضايا الأمة، التي شكلت محورا آساسيا في فلسفته للإصلاح والتغيير. فنظرة الشيخ محفوظ نحناح ومقاربته لم تكن حزبية ولا قطرية ولا جزئية، بل كان رحمه الله ينظر بمنظار أوسع لحل أزمة الأمة، حيث تجاوز فيها منطق الحل القطري و استطاع بفكر استباقي معالجة أزمة الأمة على مستوى الأقطار، حيث أدرك بعمق طبيعة الصراع على المستوى الداخلي القطري بدعوته إلى تصحيح الأخطاء التاريخية في مسار الدول التي حازت استقلالها بعد صراع مرير مع الاستعمار، وراح رحمه الله يجدد العلاقة بين الأنظمة الحاكمة التي عجزت على تحقيق التنمية وفشلت في رعاية ثوابت الأمة وتقاعست عن تحرير فلسطين، وعمل رحمه الله بطريقة مبدعة على ردم الهوة بين التيارات الثلاثة الرئيسة في الأقطار العربية وهي والتيار الإسلامي والتيار العلماني والتيار الوطني، باحثا عن الحلقة المفقودة موجها الجهد كل الجهد إلى جمع القواسم المشتركة بين هذه التيارات والعمل توافقيا في مساحة التوافق من أجل إخراج الأمة من الأزمة، وهي رؤية عارضة في حينها الكثير من مفكري الحركة الإسلامية وعادوا إليها بعد حدوث تحولات في بلدانهم. إن اهتمام الشيخ محفوظ نحناح بحل العقدة الداخلية كان في إطار رؤية أوسع من القطر الجزائري، فهو الذي جعل فلسطين قضية مركزية ومحورية في النضال السياسي، فكانت الثابت الذي لايتغير في خطابه، كما أنه رحمه الله كانت له صولات وجولات في العالم الإسلامي ابتداء من الجهاد الأفغاني إلى الوساطة في وفد العلماء إلى العراق في حرب الخليج الأولى إلى عضوية العديد من المؤسسات العربية والإسلامية ابتداء من رابطة العالم الإسلامي إلى القيادة الشعبية العالمية إلى تأسيس لفكرة المؤتمر العام للأحزاب العربية، وعمله مشهود في التقريب بين التيار الإسلامي والتيار القومي العربي كما أنه رحمه الله فتح خطا جديدا بعد أن ترشح إلى الانتخابات الرئاسية وهو الترشح الأول من نوعه في تاريخ الحركة الإسلامية المعاصرة، حيث شكل نقطة انعطاف كبيرة في مسيرة الشيخ محفوظ نحناح نحو العالم مشتركا في مناقشة قضاياه الأساسية ومنها قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان والبيئة وحرب المياة ومكافحة الإرهاب، كما أن القارئ لرسائل الشيخ نحناح إلى الملوك والرؤساء ولاسيما الرسائل التي كان يرسلها باستمرار إلى اجتماعات الجامعة العربية ومنظمة العالم الإسلامي يعرف عمق النظر والاهتمام البالغ بقضايا الأمة كلها، فكان مشاركا غير رسمي في كل هذه الاجتماعات والقمم برأيه ورسائله ومواقفه التي لم يكن يغفل عنها أبدا، كما أن تحليل مضمون تلك الرسائل يعبر عن عمق وإلمام بقضايا الأمة الأساسية التي من النادر أن تجدها عند زعيم من زعماء الحركة الإسلامية في عصره رحمه الله. فالنسبة للشيخ محفوظ نحناح الذي كان حريصا على قراءة والتهام كل ماهو جديد ومستجد، سواء كان فكرا أو تقارير أو خططا ومشاريع، ليست القضية قضية قطرية يمكن معها الانعزال والحرص على التغيير الموضعي فقط، بل كان رحمه الله يدرك إدراكا واعيا أم امتدادات الأزموية في الأمة طرفها الأساسي في الأمة بل هو خارجها وينبغي معرفة مخططاته ومشاريعه التي تستهدف إبقاء الأمة متخلفة في ركب الأمم الناهضة. ولذلك فاهتمام الشيخ محفوظ نحناح كان اهتماما عالميا يعتبر العمل والإصلاح والتغيير في بلاده جزءا لايتجزأ من مشروع التغيير في الأمة ككل، ومن هنا يمكننا قراءة الاهتمام الكبير للشيخ محفوظ نحناح بالتحولات الدولية وانعكاساتهاعلى الأمة لأنه رحمه الله كان يدرك بأن مشروع العولمة الاقتصادية والثقافية والأمنية والسياسية هو مشروع مصمم تصميما احترافيا مبني على أسس غاية في الدقة والتركيز، لذلك كانت زاوية نظره واسعة وملمة بما يحدث من تطورات على المستوى الداخلي والخارجي.