من الخوارج إلى داعش… (دعاة لا قضاة) ومحاولة تصحيح المسار الحلقة 12: اضطر الأستاذ (حسن الهضيبي )(1891 -1973) للردّ بكتابه (دعاة لا قضاة ) من أجل التّذكير بأصالة منهج جماعة (الإخوان المسلمين ) القائم على مرجعيّة أهل السنّة والجماعة ورسالة التّعاليم وفكر الإمام المؤسّس الشهيد (حسن البنّا)(1906-1949). "فقد كتب المرشد العام حسن الهضيبي رحمه الله كتابه (دعاة لا قضاة ) ردّا على كتاب (معالم في الطريق ) و ما حمله (في ظلا ل القرآن )من أفكارالمواجهة والصدام مع الجاهليّة" (المقاومة الإسلامية العالمية /أبو مصعب السّوري 692). "وشكّل (الكتاب) كما يدلّ عنوانه المعبّر منهج الإخوان الجديد وبداية مسار التّراجع" (المصدر السابق 643). وهكذا تشكّل اتّجاهان بارزان اتجاه (دعاة لا قضاة) يمثّل منهج (الإخوان ) القائم على منهج أهل السنّة والجماعة والسّلمية والهدوء والتّدرّج وتجنّب أحكام التّكفير والخروج المسلّح على الحاكم والاكتفاء بالنّصح والصّبر والمشاركة. وقد قال الأستاذ (الهضيبي ) في وضوح لمن اعتنق أفكار التشدّد والعنف: "إذا أصررتم فابحثوا لكم عن لافتة أخرى غير لافتة (الإخوان ) لتعملوا تحتها فليس هذا فكر( الإخوان ) وليس من الإسلام" (من فقه الدّعوة مصطفى مشهور ج 1/316). واتّجاه (معالم في الطّريق) يؤمن بالمفاصلة والمناجزة مع الجاهليّة ويحكم بكفر الحكّام الذين يحكمون بغير شرع الله وردّتهم، ويعتبرهم طواغيت يجب إزالتهم بالجهاد واستعمال القوة وعدم مهادنتهم والبراء منهم كما فعل (إبراهيم الخليل) مع قومه عندما قال "إنا بُرآء منكم وممّا تعبدون من دون اللّه " (الممتحنة 4). واعتبروا كتاب (دعاة لا قضاة) "أحد أهم مرتكزات الإرجاء السّياسيّ المعاصر في الحركة الإسلامية " (المقاومة الإسلاميّة العالمية 693). "ووقفت القيادة التّقليدية للإخوان في مصر من (سيّد) وأفكاره موقفا رافضا مناوئا". (المصدر السابق 692) فهذان الكتابان يمكن اعتبارهما لافتتين لمدرستين جديدتين. مدرسة (الإخوان ) القديمة التي أعادت تجديد فكرها والتّأكيد على أصالته ومرجعيته وفكر (القطبية) الذي سيكون مادّة الفكر الجهاديّ الذي انطلق من مصر مع (الظّواهري )وغيره من الرّموز، وأصبح كتاب (دعاة لا قضاة ) ماركة عند الجهاديّين للتّعبير به عن الخذلان والتّراجعات كما فعل (أبو قتادة )وهو ينتقد مراجعات (الجماعة الليبية المقاتلة ):"قد اهترأت أذهانهم بعبارات بعض المعاصرين كقولهم نحن دعاة لا قضاة". وتكمن أهمية كتاب (دعاة لا قضاة) أنّه صدر من مرشد (جماعة الإخوان) وفي مرحلة شديدة الحساسيّة من تاريخ (الإخوان )، وبعد إلغاء اعتماد الجماعة وبعد اعتقال عشرات الآلاف وتعذيب عشرات الآلاف وبعد ظهور نواة جماعة 1965 وأمام كلّ الضّغوطات التي مارسها الشّباب و في أجواء الانفعال والتّهيّج والغضب، لكن الكتاب رسم الطّريق ودلّ عليه بعيدا عن فكر التّكفير ومنهجيّة التّغيير بالعنف وإعلان الحرب ضدّ الأرض والسّماء، وكان لهذا الكتاب في توقيت ظهوره وبالجرأة التي تحلّى بها الدّور في حماية أصالة منهج (الإخوان ) من أيّ اختراق تحت تأثير الظّروف والمُتغيّرات وموجة العواطف الهوجاء يقول (مصطفى مشهور): "حينما ظهر فكر التّكفير بين أفراد الجماعة خلال المحن ونتيجة للتّعذيب الشّديد لم تقرّهم الجماعة عليه ووقف الأستاذ (حسن الهضيبي ) المرشد العام في ذلك الوقت رحمه الله من هذه القضية موقفا حكيما وحاسما حرص على توضيح وجه الحقّ في هذه القضيّة وتفنيد الأدلّة التي يستندون إليها وضمّن ذلك بحثا طُبع فيما بعد تحت عنوان (دعاة لا قضاة )(من فقه الدعوة ج1/316) وهكذا استمرّت (جماعة الإخوان )على أصالة منهجها على رغم عظم التّحديّات، ولكن يبدو من خلال تتبّع تاريخ الجماعة وإلى الآن أنّ أقوى المرشدين الذين ثبتوا في وجه العواصف يأتي أولهم (الهضيبي) ثم (التّلمساني) فمثل هذه القامات حفظت أصالة المنهج على رغم فضاضة النّظام وأخطائه الكارثيّة. يتبع…..