عشق الأجنبي للعربية الفصحى.. أتيحت الفرصة لصاحب الأسطر، أن يدرس لدى الأستاذة الروسية مادة الرياضيات في المرحلة المتوسطة سنة 1978، ولدى الفرنسيين مادتي اللغة الفرنسية والرياضيات والفيزياء في المرحلة الثانوية سنة 1984، ويدرس اللغة الإنجليزية لدى أستاذ هندي بالمرحلة الثانوية. وجميعهم اشترك في السعي للتعلم من الجزائريين وتلامذتهم بعض الكلمات العربية الفصحى، ليستعملونها في حياتهم اليومية، ك.. صباح الخير، السلام عليكم، شكرا، وغير ذلك من الكلمات الخفيفة الرقيقة. وكم كانت سعادتهم كبيرة، حين يتدربون على نطق الكلمات العربية الفصحى، وكانوا أسعد حين يتلقون كل التشجيع والثناء من الجزائريين. إن تعلم اللغة العربية، يحتاج إلى سلوك مشجع، وكلمات رقيقة مشجعة، ك.. شكرا، واصل، أحسنت، أنت رائع، لا عليك، لاتيأس، حاول المرة الثانية. لغة جاب الله وديمقراطيته.. حين كنا طلبة نسكن بحي بن عكنون سنوات 1986-1990، كان القائمون على الحي يستدعون أساتذة حسب الميولات السياسية لكل جماعة متحكمة، ومن بين الأساتذة الذين ألقوا محاضرات باستمرار، هو الأستاذ عبد الله جاب الله. كانت محاضراته كلّها باللغة العربية الفصحى، ومحاضراته متسلسلة منتظمة، وكلها مرتجلة، لايقرأ من كتاب ولا من خطبت أعدت سلفا. ومازال الطالب يحتفظ بفصاحته وارتجاله وصوته الجهوري وتمكنه من الخطابة، إلى أن قال جاب الله ذات يوم.. الديمقراطية كفر، ورددها مرتين أو ثلات.. الديمقراطية كفر، الديمقراطية كفر. وصاحب الأسطر ينقل هذا الكلام لأول مرة في حياته، وهو المقبل على الخمسين من عمره، لايطمع في دنيا غيره، ولا يخاف على دنياه. إن العربية الفصحى تحتاج لمواقف صاحبها، فإن بدّل الفصيح موقفه بدّل المستمع له، وتنكّر لكل فصيح بليغ، واعتبرو اللغة العربية كصاحبها. عربية الفضائيات الأجنبية الناطقة بالعربية.. حين يتابع المرء الفضائيات الفرنسية، يجد اللغة سليمة والنطق الصحيح والأداء الجيد، وعدم التلعثم، والحرص على تبليغ اللغة الفرنسية بأسلوب سهل متجدد، وهذا عبر كافة الفئات دون استثناء وفي جميع مراحل الحياة والميادين المختلفة، لكنه في نفس الوقت، حين يتابع الفضائية الفرنسية الناطقة باللغة العربية، يجد.. ضعفا في الأداء، وأخطاء في النطق، وميوعة في الأداء، وتلعثما باستمرار، والاقتصار على تكرار نفس الكلمات طوال السنة، دون الإقدام على الجديد، والابتعاد كلية وعمدا عن استعمال ولو لبعض الكلمات التي ترفع من مستوى أذن المستمع واللسان العربي المبين. ونفس الملاحظة، تقال للفضائية BBC في نسختها العربية، فلم تعد بذلك الأداء اللغوي كما كانت من قبل، حين كان المراهق يعانق المذياع فجرا، ويتابع بشغف صوت هنا لندن. وما زال يتذكر حين كان طالبا بجامعة الجزائر، وهو يسمع لمذيع سوداني، عمل بهيئة الإذاعة البريطانية، وهو يلقي على مسامع الطلبة محاضرة في مخاطبة الجمهور، وكانت تحتوي على كل عناصر القوة والجذب، من.. صوت وفصاحة وأداء وحسن حركة، بل حتى الأناقة المميزة وجمال المظهر. سؤال يطرحه المتتبع للفضائيات العربية والأجنبية. لماذا الفضائيات الأجنبية الناطقة باللغة العربية ضعيفة المستوى باللغة العربية والنطق، مقارنة بالفضائيات الأجنبية الناطقة باللغة الأصلية، والمثال هنا هو الفضائيات الفرنسية، ويمكن للقارئ أن يستحضر اللغة الأجنبية التي يتقنها ويقوم بالمقارنة بنفسه؟. وربما تبدو الإجابة في تعمّد إظهار اللغة العربية الفصحى في ثوب سيّء صغير، مقارنة بحسن وجمال الناطقين باللغة الأجنبية الأصلية، حتى يفر المستمع إلى العامية. [email protected]