حاورتها: سامية حميش نائلة بن رحال اسم إعلامي رنان لصحفية خاضت غمار المهنة في سنوات الجمر، تعلمت خلالها معنى الصمود، و التحري والمهنية والاحترافية، حيث تنقلت بين مختلف الوسائل الإعلامية من الصحافة الناطقة بالعربية إلى الفرنسية، ومن القطاع الخاص إلى العام، لينتهي بها المطاف كرئيسة تحرير متخصصة بجريدة "لوريزون". _ولجت عالم الصحافة في سنوات الانفتاح الإعلامي التي تزامنت مع العشرية السوداء، كيف عايشت تجربة التسعينات؟ كانت تجربة صعبة لكنها ممتعة ومفيدة جدا … صعبة على الصعيد الأمني نظرا للظروف الأمنية المتدهورة آنذاك لكنها كانت ممتعة جدا لأنها منحت لنا ونحن شباب فرصة التكوين والتعلم …مثلا أنا بدأت أولى خطواتي في عالم الصحافة وأنا لا أزال طالبة، عملت في أسبوعية العالم السياسي والحرية و كل الدنيا، كما كنت أشارك بمقالات أدبية في جريدة المساء والشروق العربي..أتيحت لي الفرصة والعديد من الزملاء أن نكتشف أسرار وخبابا المهنة قبل التخرج وكان ذلك أشبه بتربص ميداني ساهم في تقوية كفاءاتنا ومعارفنا ووضعنا على السكة الصحيحة للممارسة المهنية خاصة في ظل وجود تأطير من طرف أساتذة أكفاء والحمد لله كان لي الحظ أن أتكون من طرف أساتذة أكفاء أبرزهم الدكتور المرحوم زايدي سقية الذي أدين لي بحب المهنة والإخلاص لها والالتزام بمبادئها وأخلاقياتها، أما غير ذلك فأنا كنت أقيم في حي بن طلحة جنوب العاصمة وكان علي أن اتنقل يوميا إلى العاصمة على بعد 15 كم لألتحق بعملي عبر الحافلة . الخروج آنذاك لم يكن مضمونا وحتى العودة إلى منطقة كانت تحت السلطة الكاملة لما يسمى تنظيم الجيا أوالجماعة الإسلامية المسلحة، لم تكن أخبار الموت والذبح و التفجيرات أخبارا تتناقلها الصحف بل كنت أعيشها يوميا على المباشر، وكان كل جامعي أوموظف مضطر لإخفاء حقيقة عمله من أجل الحفاظ على حياته قبل أن يستهدف الرصاص أي شخص ودون سبب .. هذه بعض الظروف التي كنا نعيش فيها وكثير من الصحفيين أيضا الذين كانوا لا يجرؤون على حمل محفظة أو أوراق ولم تكن لنا بطاقات مهنية أوبالأحرى لم نكن نحملها أبدا حتى الأمر بالمهمة كنا نخفيه في ملابسنا الداخلية أو داخل الجوارب ويجب أن نتأكد جيدا من صحة انتماء الجنود للجيش لإطلاعهم عليه خلال تنقلاتنا التي لم نحددها بسبب الوضع الأمني ولم نكن نرضى بالكتابة من المكاتب رغم المخاطر والتهديدات .. ومع ذلك لم يغادر أغلبنا الحي مثل المرحومة خديجة دحماني، عبد القادر لحرش، زينو وآخرون.
_ما هو الدرس الذي خرج به الصحفيون الجزائريون برأيك من هذه السنوات؟ أعتقد أن تلك الفترة رغم صعوبتها علمتنا الصمود والتحري والمهنية والاحترافية …كان يمكن للعديد من الصحفيين أن يهجروا المهنة لأنها كانت مهنة الموت لكنهم تشبتوا بها وظلوا صامدين …لم نكن نبحث عن الشهرة بل لم يكن ذلك متاحا لنا آنذاك، كان إعلام المواطن بالحقيقة على الأقل بعض حقيقة ما يجري الهدف الوحيد إضافة إلى النضال بالقلم من أجل إيصال هذه الحقيقة رغم المخاطر …كانت صحافة مسؤولة أيضا لأن الوضع لم يكن يتيح الخطأ، وعلمتنا الظروف التحري في نقل المعلومات ..ولم يكن هناك مثلا ركض وراء السبق بل محاولة نقل الوضع وتفسيره وإعلام المواطن، وهو الدور الحقيقي للصحفي في كل المجالات، ولذلك أقول أن تلك السنوات كانت مدرسة حقيقة لنا، حيث كنا نتمتع فيها بسقف حرية أكبر من الآن وبمهنية عالية رغم الرصاص والضغوطات المتعددة من كل الجهات. _عشرون سنة في الصحافة المكتوبة، هل صنعت لنائلة اسما إعلاميا، أم أنك قدمت للصحافة أكثر مما أخذت؟ أقول إنها صنعت لي وجودا.. عملت في جريدة "اليوم" منذ تأسيسها وصنعت لي وجودا قبل أن التحق بجريدة "الجزائر نيوز" ثم "المستقبل" وبعدها الشروق اليومي، النهار الجديد، الجزائر وجريدة ليبرتي قبل أن أستقر في "لويزون" العمومية، حيث شغلت عدة مناصب من صحفية إلى رئيسة قسم إلى رئيسة تحرير إلى رئيسة تحرير متخصصة، تعاملت مع الصحفيين المبتدئين ومع المتمرسين ومع المراسلين، لم أغير الجريدة لسبب مادي بل بحثا عن مساحة حرية أكبر وأيضا عن راحة البال خاصة. الصحافة مهنة أحببتها وأردتها رسالة أكثر من وظيفة منحتني أشياء جميلة جدا مثل أن أكون أقرب للآخرين، إلى انشغالاتهم وهمومهم، أن أفهم الأمور أكثر من خلال البحث والتحري والعمل الميداني، أسست علاقات اجتماعية …الصحافة مهنة نبيلة جدا، أنا أرى فيها إيجابيات أكثر من سلبيات، وأعتقد أنها أخذت مني أشياء لكنها منحتني الكثير، وأعتقد أني لا أزال قادرة على العطاء لهذه المهنة. _ تنقلت في مشوارك الإعلامي الذي يناهز ال20 سنة في الميدان بين عديد العناوين..كيف تقيمين تجربتك اليوم؟ صعب أن يقيم الإنسان تجربته الخاصة لكن مشواري كان طويلا وتجربتي كانت غنية، عملت في عدة عناوين باللغتين العربية والفرنسية، وفي القطاعين العمومي والخاص، وكنت في كل محطة أكتسب خبرة جديدة ومعارف جديدة ..مررت بعدة صعوبات وكبوات وسقطات وبخيبات أمل وبنجاحات ، لكني أستطيع أن أقول أني أؤدي عملي بضمير .. _بعد الانفتاح الذي عاشه قطاع السمعي البصري الذي أثمر عن ميلاد قنوات خاصة، ماذا أضافت هذه الأخيرة للمشهد الإعلامي بالجزائر؟
رغم الفوضى وبعض السقطات، إلا أنها تجربة إيجابية منحت للمشاهد مجالات الاختيار، لكن للأسف وهذا رأيي، لا أجد مثلا إبداعا في هذه القنوات التي تقدم نفس البرامج بنفس الأفكار وأحيانا بنفس الديكور.. هناك أشبه ب"كوبي كولي" بين هذه القنوات خاصة في مجال الحصص، ولم تخرج عن البرامج الكلاسيكية والتقليدية المتوفرة…لم نحسن استغلال هدا الانفتاح برأيي، كما أرى أن الصحفيين العاملين بهده القنوات بحاجة إلى تأطير وتكوين لأنه لا يكفي أن تحمل ميكروفون وتتنقل به .. المذيع والصحفي في القنوات التلفزيونية أكبر من ذلك. _ هل تؤثر الظروف الاجتماعية للصحفيين على آدائهم المهني برأيك، ولماذا صعب على الصحفيين تنظيم أنفسهم للدفاع عن المهنة؟ الظروف الاجتماعية كانت دائما إشكالا يطرحه بعض الزملاء، لكني أعتقد أنها مهنة المتاعب والظروف الاجتماعية هي جزء من هذه المتاعب التي لا يمكن أن تكون أبدا حاجزا أمام الأداء أوالمردود ..مثلا سأعود إلى سؤالك الأول عن الدرس الذي تعلمناه من خلال الممارسة خلال سنوات التسعينات …كانت الظروف قاسية وصعبة …كان هناك صحفيون ينامون في الحمامات والمراقد وداخل مقرات الجرائد ..يتنقلون عبر الحافلات وأجورهم زهيدة ومع ذلك كانوا يقدمون أفضل خدمة إعلامية وهذا دليل برأيي أن الظروف الاجتماعية ليست أبدا مبررا وإن كان من الظروف تحسين الظروف المهنية لتحقيق مردود أفضل، وهناك يأتي سؤالك…فمن الضروري أن يتوحد الصحفيين ويتكتلوا للدفاع عن حقوقهم المهنية خاصة ..هناك استغلال فظيع ويعمل صحفيون دون تأمين ويتنقلون بمصاريفهم الخاصة ويتم استعبادهم دون مقابل، لكننا لم ننجح في لم الشمل لتضارب المصالح واختلاف الرؤى وأنانية بعض الزملاء حتى أننا لن نتمكن من إنشاء نقابة وهذا أمر رهيب في ظل وجود أكثر من 4 آلاف صحفي، بينما نجد مثلا تكتل أفراد الحرس البلدي والبطالين وفئات اجتماعية عديدة … _هل تعرضت نائلة خلال مسيرتها الإعلامية إلى ضغوطات الرقابة؟ أصدقك القول رقابة مباشرة لا أبدا، وهذا طيلة مسيرتي المهنية خاصة في جريدة "اليوم"، حيث كنت أمارس مهنتي بكل حرية ومهنية مع مسؤول النشر آنذاك نصر الدين علوي، كنت أكتب عن ظروف اعتقال علي بن حاج شيخ الفيس المحل، عن حساب حطاب الأمير السابق للجماعة السلفية للدعوة والقتال، وأجريت حوارات مع أمراء إرهابيين سابقين وتم نشرها ولم تتعرض للمقص رغم أن نصر الدين علوي كان محسوبا كما نقول على التيار الإستئصالي آنذاك بالعكس كان يساندني عند وقوع مشاكل لي مع الأمن و يطلب مني توخي الحذر فقط من أجل سلامتي وعملت براحة تامة مع أنيس رحماني عندما كان رئيس التحرير ثم مدير التحرير في الشروق اليومي وبعدها مدير النهار الجديد التي أسسها، بينما مارس بعدها ما يسمى الرقابة الذاتية على مواضيعي حتى تجد طريقها إلى النشر، لأنني ككل صحفي أريد أن أرى توقيعي في الجريدة، ولذلك يمكن أن أقول أني كنت أحتال في كتاباتي لتنشر خاصة المواضيع الأمنية وبالتحديد بعد صدور قانوني الوئام المدني والمصالحة الوطنية، حيث أصبحت الجماعة الإرهابية جماعة مسلحة وهكذا … _هل بمقدور السلطة التضييق على حرية الصحافة في عهد الجيل الثالث والرابع للهاتف النقال والأنترنت؟ السلطة اليوم عاجزة حتى عن ممارسة الرقابة ولا يمكنها بأي حال ممارسة التضييق على حرية الصحافة في ظل وجود فضاءات مفتوحة لا يمكنها تسييرها أو ضبطها، الإشكال اليوم ليس في السلطة بل فينا كإعلاميين نواجه التشتت و الانشقاق والضعف، هذا ما يفرض علينا اليوم أكثر من أي وقت مضى أن نوحد صفوفنا ونشكل قوة لإنقاذ المهنة التي تواجه التردي والصعلكة والانهيار …الصحافة في الجزائر فقدت أسسها ومبادئها ومصداقيتها ولم نعد أبدا سلطة لا رابعة و لا ثالثة …لدينا أمر إيجابي وهو أننا نتمتع بسقف حرية أكبر مقارنة ببعض زملائنا في الدول الأخرى، لكننا لم نحسن استغلالها أو بالأحرى أسأنا استغلالها في التجريح والقدف ورفض الرأي المخالف.