توصف تجربة الإعلامي المتميز فيصل مطاوي التي فاقت ال 20 سنة ، بالثرية بسبب تنوع الوقائع والأحداث التي عايشها والتي كان لها دور في صقل موهبته الإعلامية وفي إحرازه التميز. ويكشف صحفي " الوطن " في هذا اللقاء مع جريدة "الحوار"، الكثير من المعطيات التي صاحبت مسيرته التي عرف فيها التهديد والتضييق وأيضا الأمل. – تجربتك الإعلامية فاقت ال20 سنة، تنقلت فيها بين عدة مناصب في جريدة "الوطن" ما بين صحفي إلى رئيس تحرير إلى رئيس القسم الثقافي، كيف تصف هذه التجربة اليوم؟
-إنها تجربة جميلة، كنت دوما أكتب في القسم الثقافي، حتى عندما كنت رئيس القسم السياسي في جريدة الوطن، لأنني أرى أن أفضل الصحافة هي أولا وقبل شيء ثقافة. أنا مهتم بالميادين الثقافية مثل المسرح ، السينما والأدب ، وفي كل مرة أتعلم فيها أشياء جديدة. العمل في المجال الثقافي يسمح بملاقاة شخصيات ثرية ومتنوعة تجلب الاهتمام، لديها أفكار ومبادئ تدافع عنها ورؤية بشأن ما يجري في العالم، وأعتقد أن الصحف والتلفزيونات الخاصة لا تعطي مساحة كافية للأحداث الثقافية في الجزائر. التلفزيونات الخاصة لاتهتم سوى بشيئين، الرياضة والحوادث !.
– كانت دراستك الجامعية بعيدا عن الإعلام، ما الذي شدّك إلى الصحافة، وهل ترى أن الصحافة ربحت مطاوي في حين خسرك تخصصك الجامعي ؟
– منذ البداية كنت أريد مزاولة الصحافة المكتوبة وأيضا الراديو، وكنت متفوقا في مجال كتابة النصوص سواء بالعربية أوالفرنسية والانجليزية، ومن بين التلاميذ النجباء في المدرسة، وفي أحد الأيام، قالت لي مدرستي في اللغة الفرنسية أمام التلاميذ في متوسطة بن شرشالي في ولاية البليدة " أنت، ستكون صحفيا "، لقد أسرني ذلك ، وبمجرد أن أكملت دراستي الجامعية في الاقتصاد والتجارة، اقتنعت بأن قدري لن يكون سوى في مجال الصحافة. لقد أرسلت بعض المقالات للقسم الثقافي في جريدة المساء، هذه الأخيرة قامت بنشرها كلها، وهو ما شجعني لمواصلة المشوار. اشتغلت بعدها لمدة 6 أشهر في أسبوعية "وسط غرب " مع علي العايب وعلي حاج طاهر قبل الالتحاق بيومية "الوطن " كمراسل من ولاية البليدة، ثم التحقت بأسرة تحريرها في المقر المركزي.
– تعرضت للتهديد والضغط خلال سنوات الإرهاب، ورغم ذلك لم يستسلم قلمك قط، كيف تتذكر هذه المرحلة اليوم، وهل كان هناك تغيير بين توقيع كمال نجاري وبين مطاوي فيصل؟
-فعلا، لقد تعرضت للعديد من الضغوط من قبل السلطة والجماعات المسلحة في تلك الفترة، لقد عانت عائلتي كثيرا. في سنوات 1990، كنت أوقع مقالاتي باسمي الحقيقي، كنت أكتب عن مواضيع تزعج البعض على غرار التعذيب، المفقودين، الاختفاءات القسرية، خرق حقوق الإنسان، غياب التحقيقات حول بعض القضايا، الفساد… واضطررت مرغما لتوقيع مقالاتي باسم مستعار مؤقتا " كمال نجاري"، لأن والدي – الله يرحمه -وكذا شقيقي قد تعرضا إلى تهديدات بالقتل، ولذلك ولتجنيبهم أي أذى قمت بتغيير اسمي، لقد أقنعني رئيس التحرير آنذاك في يومية الوطن محمد الطاهر مسعودي بالقيام بذلك، لقد كانت فترة مليئة بالرعب، بالمقاومة بالشجاعة وبالجنون أيضا.
– كيف ترى وضعية الصحفيين اليوم، هل مازالت نضالاتهم متواصلة، أم هناك من استسلم للأمر الواقع ؟ وضعية الصحفيين الجزائريين سيئة، يجب قول ذلك وتكراره، أجور متدنية ، تجاهل ونقص احترام، رقابة.. الصحافيون يتعرضون لكل ذلك في صمت، إنهم لا يقاومون ولا يصرخون عاليا ولا يحتلون الشارع ولا يثورون… ماذا يحدث ؟ لست أدري، إن شعلة الرفض والتمرد تبدو بشكل غريب، لقد انطفأت وسط الأسرة الإعلامية. الصحفي ليس موظف، إنه موجود هنا للتنديد، كشف الحقائق المخفية، القيام بالبحث والتحري، الكشف … بعض الزملاء للأسف تناسوا ذلك. صحفيو القطاع الحكومي ( الصحافة العمومية لا وجود لها في الجزائر ) يتعرضون للرقابة والرقابة الذاتية دون قول لا، ليس لي تفسير لهذا السلوك … الصحفيون هجروا ميدان المعركة .. إنها مأساة .
– أسست تنظيما نقابيا للصحفيين لكنه لم يصمد طويلا، هل من الصعب على الصحفيين تنظيم أنفسهم ؟ وهل ما زال هناك فرق بين المعرّب والمفرّنس ؟
– لقد حاولنا كمجموعة صحفيين إنشاء نقابة للدفاع عن المصالح المعنوية والمهنية للصحفيين بعيدا عن السياسة، وكانت النقابة الوطنية للصحفيين الجزائريين التي حاولنا من خلالها تجاوز تلك الانشقاقات بين معرّب مفرّنس أو قطاع عام وخاص، تلفزيون وإذاعة وصحف، كنا نريد الدفاع أيضا عن المصورين والكاميرامان والصحفيين المتعاونين والمراسلين… لكن للأسف تلك النقابة تم احتواؤها بسرعة من قبل السلطة، لقد تم اختراق النقابة لمنعها من القيام بعملها في الميدان، النظام كان يعمل دوما ويعمل دائما على "التقسيم " بين المعرّب والمفرّنس، ويجب على الصحفيين أن لا يقعوا في هذا الفخ، يجب عليهم دائما الانفتاح على الآخرين والدفاع عن العيش سويا.
– هل تعرض فيصل مطاوي إلى مضايقات فوقية بسبب قلمه، سواء في "الوطن" أو من خارجه؟ نعم ، ولكن بصيغة رسائل قصيرة، بعضها ودي، لكني أعترف بأني لم أتلق أبدا تهديدات أو ضغوط من قبل السلطات السياسية أوالأمنية حول كتاباتي أوآرائي المعبر عنها في الجزائر أوفي الخارج. أرائي أتحملها ولا تلزم أحد غيري.
– لك تدخلات في وسائل الإعلام الأجنبية ومداخلات، هل يعني ذلك أن الخط الافتتاحي لوسائل الإعلام المحلية ضاق ولم يعد يتسع لمواقف الصحفيين؟
– أعتقد نعم ، بدليل أنا ممنوع من التدخل في التلفزيون العمومي ( التلفزيون الجزائري ) وفي الإذاعة، وبم أنني غير مرغوب فيه بالعديد من القنوات الخاصة الجزائرية التي تزعم أنها حرة، لأسباب أجهلها ، فإنني أعبر غالبا في القنوات العربية وأيضا الغربية والإفريقية حول جميع المواضيع في حدود الإمكان. إن مساحة التعبير الحر في الجزائر محدودة، أنظروا كيف كان مصير قناة "الأطلس تي في" عشية الانتخابات الرئاسية لأفريل 2014، لقد أغلقت القناة والصحفيون لم يفعلوا أي شيء لمساندة "أطلس تي في" للأسف.
– ما رأيك في الكم الهائل من القنوات الفضائية اليوم، وهل أضافت شيئا إلى التجربة الإعلامية الجزائرية؟
– ناضلنا دوما لأجل فتح المجال السمعي البصري في الجزائر، حرية الأمواج، لكن بالرغم من قانون السمعي البصري، لا يوجد إذاعة حرة في الجزائر والتلفزيونات الجديدة حملت شيئا إضافيا للنقاش حول مختلف القضايا التي تهم الجزائريين، غير أنه يبدو جليا أن لهجة هذه القنوات لم تتحرر بعد وهي محدودة بشكل كبير، بعض المواضيع الحساسة يتم تفاديها، الخطوط الحمراء موجودة، وهي دليل على تعرضها إلى ضغوط، لأن هذه القنوات مازالت تعتبر كقنوات أجنبية، وهو أمر غير موجود في أي بلد في العالم !. للأسف بعض هذه القنوات تحولت إلى قنوات للرياضة، وأخرى تميل إلى المواضيع الاجتماعية المنحطة، مثل التحدث عن الجن والشعوذة … وآخرون يشتغلون في نوع رديء من "اليوتوب " أوفي الإثارة بالثمن البخس.
– تقلدت جائزة عمر أورتيلان في 2010، ماذا غيّرت في مسيرتك؟ جائزة عمر أو رتيلان هي فخر لي، إنها فخر مزدوج، لأني تقاسمته مع صديقي وأخي سليمان حميش، لقد عرفت عمر أورتيلان رجل لا يحب الظهور، قليل الكلام وصحفي محترف، اغتياله صدمنا جميعا وألم فراقه حي فينا دوما. مع سليمان حميش تقاسمت الكثير من الأشياء، ولم يكن يمر يوم دون أن أمر لرؤيته في مقر الخبر عندما كان في دار الصحافة طاهر جاووت، أو دون أن يقوم هو بزيارتي في الوطن، وكنا نتحدث ونحلل كل شيء. سليمان مدرسة إعلامية لوحده، إنه رجل مستقيم وجدي، موضوعي وسليم.
– تحظى بمكانة مميزة بين الإعلاميين في الصحافة المعرّبة قبل الفرنكوفونية، إلى ماذا يعود ذلك برأيك؟ إنني أحب اللغة العربية، وأعتقد أنها أحسن لغة في العالم، لغة مرنة، رنانة، خفيفة، غنية، حية، ولذلك أعبر وأعمل بها دوما، ولدي من بين الصحفيين الجزائريين الذين يكتبون بالعربية الكثير من الأصدقاء، نفس الشيء بالنسبة للصحف بالفرنسية، زملائي في الصحف المعربة يحترمونني لأنني كسرت كل حدود أو حواجز اللغة، لا فرق بين الصحفي الذي يكتب العربية أو الذي يعمل بالفرنسية.
– يتراجع بعض الصحفيين عن العمل الميداني بمجرد مرور بضع سنوات. هل كانت ثورة الأنترنت وصحافة كوبي كولي وبالا على المهنة الصحفية في الجزائر ؟
هو كذلك بالفعل .إن طريقة القص واللصق ( كوبي كولي) فعلت فعلتها الشنيعة في الصحافة. الصحافة "الجالسة " عوضت صحافة الميدان ، وتحول "الفيسبوك " إلى مصدر المعلومة. أعطيك مثلا وقع مؤخرا، أحد الفيسبوكيين أطلق إشاعة بأن "الأونساج" تمنح قروضا للزواج لفائدة الشباب، هذه الإشاعة تحولت إلى خبر منشور في إحدى الصحف !، الأنترنت يستعمل بشكل خاطئ في بعض الأحيان من طرف الصحفيين، وأن عملية التحقق من المعلومة لم يعد معمول بها للأسف الشديد، وهو أمر خطير ودليل على وجود مشكلة في التكوين بالجامعة، الدروس النظرية التي تدرس لا تتماشى مع الحقائق الموجودة في الميدان. أنا مقتنع بأن الصحافة هي قبل كل شىء موهبة وفن.
– تجربتك لم توثق في إصدار كتاب أو كتب، هل لعامل الوقت سبب في ذلك ؟ بالفعل ليس لي الوقت اللازم لذلك، إنني أشتغل حول العديد من المواضيع وأتعاون مع العديد من وسائل الإعلام، وأعمل لفائدة عدة مهرجانات (مسرح ، سينما)، وعليه لم أفكر بعد في كتابة كتاب حاليا ولكنه سيأتي. أعتقد بأنه على الصحفيين أن يكتبوا كتبا خصوصا حول المواضيع التي يتابعونها، فهو أمر يساعد على توضيح بعض الأشياء وتعميق النقاش. حاورته: سامية حميش