في هذا الاستقصاء، يتحدث الصحفيون عن أنفسهم، عن مواطن ضعفهم ووهنهم في تشكيل إطار قانوني قوي يحميهم من مختلف التجاذبات والمساومات والضغوطات الذاتية والموضوعية. يتحدث الزملاء من منطلق «جلد الذات» عن الواقع غير المريح الذي يعمل فيه أهل مهنة المتاعب. هو الواقع الذي يبعث على الدهشة والحيرة، فالصحفي يتحدث عن انشغالات الناس وهموم الجمهور الذي يتوجه به الخطاب الإعلامي يوميا... لكنه لا يخصص وقتا للحديث عن نفسه ووضعه الذي أقل ما يقال عنه أنه «كارثي».. الزملاء تحدثوا وأخرجوا جانبا من الغسيل لعلهم يتخلصوا من «النرجسية» التي قد تخالط شخصياتهم وتمنعهم ربما من الالتقاء على كلمة سواء لاستحداث «محضن نقابي» قوي لا تمتد إليه أيدي الضاغطين والمساومين، خاصة من طرف من يريدون أن يجروا الصحفيين بأموالهم وجاههم ونفوذهم - إلى معتركات هم في غنى عنها. الصحفي زين الدين شرفاوي يومية «الوطن»: هناك ثلاثة أسباب لفشل الصحفيين أرجع الصحفي زين الدين شرفاوي من يومية الوطن صعوبة تكوين نقابات تمثيلية للصحفيين إلى عدة عوامل، أولها عدم اهتمام الصحفيين بالنضال النقابي، رغم المشاكل التي يواجهونها مثل تدني الأجور، وتردي أوضاع العمل، التسريح التعسفي، مشيرا إلى أن الصحفيين لا يرغبون في تنظيم أنفسهم للدفاع عن حقوقهم، وهي وضعية مثيرة للدهشة؟! وأن السبب الآخر «ربما يرجع إلى مناخ العمل في قاعات التحرير الذي لا يبعث على ممارسة العمل النقابي، خاصة أن العديد من أصحاب وسائل الإعلام يظهرون العداء لأي مشروع لإنشاء نقابة أو فروع نقابية. فقانون العمل والممارسة النقابية في كل وقت منتهكان، دون أن يتحدث عنهما أحد، بما في ذلك القطاع العمومي، وإنه لأمر مخزٍ أن نجد الصحفيين الذين لم يترددوا في الدفاع عن أصحاب وسائل الإعلام عندما كانوا يواجهون صعوبات، يتقاعسون في تنظيم أنفسهم للمطالبة بالحد الأدنى من الممارسة النقابية والحقوق المهنية والاجتماعية، حيث يتم جرّهم بكل سهولة للخوض في المعارك السياسية العقيمة التي لا تخدم بأي حال من الأحوال مصالحهم، بل بالعكس فإن هذه المعارك تساهم في تفريقهم وتشتيت صفوفهم. جلال مناد صحفي يومية «المِحْور»: الصحفيون تائهون وعاجزون عن إنشاء فضاء يجمعهم يرى صحفي يومية «المِحْور»، جلال مناد، أن الصحفيين في الجزائر لا يزالون تائهين غير قادرين على المبادرة لإنشاء فضاء يجمعهم ويعيد الاعتبار للمهنة وحقوق المهنيين، لم يواكبوا الإرادة المعبَّر عنها من لدن الرسميين في السنوات الأخيرة لترقية المنظومة الإعلامية التي لا تزال «مأزومة» بفعل سيطرة الأنانيات الضيقة على التوجهات، داعيا المهنيين للتحرك قصد استرداد حقوقهم على الصعيدين الاجتماعي والمهني، لأنهما مرتبطان ببعض. ثمّ على صعيد العلاقات العامة مع الإدارات والهيئات التي يرفض كثير منها مد قنوات الاتصال مع الإعلام لاعتباره خصمًا لهم وفق النظرة البالية - لا شريكًا لهم في مجالات التنمية والاقتصاد والحريات. المؤكد يقول الزميل مناد - أنه يلزَم مهنيي قطاع الإعلام في بلادنا الكثيرُ من الجهد والوقت والعزيمة للانتقال من الوضع الحالي - على سلبياته - إلى وضع يستجيب لتطلعات الطبقة الشغيلة في الصحافة ويقترب شيئًا فشيئا من الشروط والظروف المتعارف عليها في العالم، و»أنه أيضا يلزمنا إطلاق مشاريع تكوين لفائدة الصحفيين وفقما ينص عليه القانون العضوي للإعلام ووفق ما التزم به الناشرون أمام السلطات. التكوين هو أساس ترقية الممارسة الإعلامية في البلاد، ودونه لا يمكن بتاتًا تعليق الأمل على مستقبل أفضل لإعلام مهني وفعّال ومتطور، خصوصًا في ظل الأداء الهزيل للجامعات في تكوين طلاب الإعلام». بلقاسم عجاج صحفي يومية «البلاد»: الصحفيون اتكاليون وكل «محاولاتهم» باءت بالفشل يؤكد صحفي يومية «البلاد»، بلقاسم عجاج، أن السبب الأول في عجز الصحفيين عن تشكيل نقابة قوية ذاتي ويتعلق بصعوبة عمل الصحفي والانشغال الدائم وكذا الاتكالية الموجودة عند الكثيرين منهم، فهم ينتظرون النتائج من غيرهم ولا يبادرون للعمل من أجل تحسين مستواهم المعيشي والاجتماعي. مضيفا أن غالبيتهم ضعاف في التكوين النقابي والنضالي وحتى العمل الجمعوي. كما يوجد نوع من الغيرة الزائدة التي تتغلب على الذاتية وتمنع روح الجماعة. أما العامل الثاني فيتعلق بعراقيل موضوعية أولها وجود نقابة سابقة استولت على المشهد ولم تطور نفسها وتركت حالة من الإحباط لدى غالبية الصحفيين. ثم فكرة تأسيس نقابة مستقلة ثانية باءت بالفشل، والعمل على صعيد نقابة منضوية تحت لواء المركزية النقابية المنظمة الحكومية هو الآخر باء بالفشل نظرا لمحاولة احتواء السلطات الوعاء الصحفي. ويبقى مجال تهميش الصحفي قائما في ظل التخوف من التحرر الزائد، مما يجعل - في نظر بعض السلطات - الوضع السائد يساعد، غير أنه لا يساعد على ترقية القطاع باعتبار أن الصحفي هو ضمير المجتمع وبالتالي لا يتم ترقية المجتمع والارتقاء به إلى المستوى المطلوب. حمزة محصول صحفي يومية «الشعب»: كل القطاعات أنشأت نقابات إلا الصحفيين كل القطاعات استطاعت تشكيل نقابات، إلا الصحفيين وبالتالي المشكل يكمن فيهم ومنهم وأعتقد أن السبب يعود إلى «التيارات» التي تقسم الصحافة. فهناك معربون وفرانكفونيون، ليبراليون ويساريون وغيرها، مما يخلق جوا من عدم الانسجام، إلى جانب ضعف الأوضاع الاجتماعية للصحفيين، التي جعلتهم يركزون اهتمامهم على هذا الجانب، ولم يتوفر لهم الوقت الكافي واللازم لبناء تكتل نقابي جامع، مضيفا بالقول: «لا يهم أن يكون للصحافيين عدة نقابات تمثلهم، المهم وجود «فعالية» في أدائها وتشترك في الدفاع عن المبادئ الأساسية. فقطاع التربية فيه عدة نقابات وأظهرت تجانسا كبيرا في أكثر من مناسبة». نائلة برحال صحفية يومية «أوريزون»: الصراعات والأنانية حالت دون توحيد صفوفنا أعطت الزميلة نائلة برحال صحفية يومية «أوريزون» مثالا حيا عن مدى استعداد والتزام الصحفيين بتشكيل نقابة قوية، حيث كشفت أنها رفقة بعض الصحفيات أطلقن مؤخرا مشروعا لإنشاء شبكة للصحفيات الجزائريات، قائلة: «رغم اعتقادنا أن المهنة لا تعترف بالجنس ولا تفرق بين الرجل والمرأة لكننا حاولنا إطلاق مبادرة للم شمل الصحفيات وأطلقنا حملة للتعريف والتحسيس. كان هناك تجاوب، إلا أن الالتزام في الميدان كان محتشما، اليوم هناك تضارب في المصالح: أنانية، صراعات ضيقة بين الصحافة المعربة والفرنكفونية والخاصة والعمومية وبين الصحافة المكتوبة والسمعي البصري. لم نتوصل إلى تحديد رؤية مشتركة في ظل اختلاف أهدافنا، رغم أن المعاناة واحدة ولذلك فشلت كل المحاولات ولم ننجح في توحيد صفوفنا، عفوا تحديد رؤية، مضيفة بالقول: «لم نتمكن حتى من الالتقاء على موقف ما.. مثلا عند تعرض زميل أو زميلة للإهانة في تغطية ما أو عندما نتعرض جماعيا»، لكن دعني أقول أنه غالبا من يتخذ فقط موقفا جماعيا هم صحفيو القطاع العمومي. والتكتل وحده يضمن بتأطير المنتسبين للمهنة وتطهيرها من الدخلاء وترقية المهنة وقد يكون ذلك من أسباب إفشال هذا المشروع. عبد الوهاب بوكروح، مدير الموقع الإخباري «الجزائر اليوم»: الصحفيون «مستغَلّون» وتشتّتهم لا يخدم أحدا يعتقد الصحفي عبد الوهاب بوكروح أن الفشل في تكوين تنظيمات نقابية قوية في القطاع يعود إلى مجموعة من العوامل ذات الصلة بالعامِلين في القطاع من جهة، والسلطات العمومية من ناحية أخرى، ويرى من جهة العامِلين في قطاع الإعلام وعلى رأسهم رجال الإعلام والناشرين بعد حوالي 27 عاما من تحرير القطاع في الجزائر لم يتمكنوا من تجاوز الاستقطاب التقليدي المفبرك المتمثل في مشكلة الإعلام والإعلامي المعرب ونظيره الإعلام والإعلامي المفرنس وأضاف يقول: عندما أقول المفرنس فأنا لا أقصد الإعلام الذي يصدر بالفرنسية فقط بل أقصد الإعلام الذي يفكر «فرانكوفيلي» وهذه مشكلة على عكس الإعلام الذي يصدر بالفرنسية ويخدم المصلحة الوطنية، الذي لم يكن ولن يكون أبدا مشكلا في الجزائر، ينضاف إلى ما سبق، ضعف التكوين النقابي لدى الجيل الجديد من الصحفيين، الذي طغى عليه الكم لا الكيف، حيث أصبح الهم الوحيد للصحفي أو رجل الإعلام هو البحث عن «لقمة عيش» بأي ثمن وبتنازلات غاية في الخطورة في أغلب الأحيان. هناك أيضا مسؤولية الدولة في عدم الحرص على تطبيق التشريعات الخاصة بقانون العمل والحق في التمثيل النقابي، وهذا لجملة من الأهداف أرى أنها تخدم السلطة وليست الدولة، لأن الصحافة المشتتة والضعيفة والتي لم تتمكن من تنظيم نفسها تسمح بحماية السلطة من «وجع رأس» هي في غنى عنه، ورابعا وأخير اعتقد أن تدخل المال في القطاع أفسده وانعكس أيضا على طبيعة علاقات العمل وخلق توترا حادا واستقطابا من نوع آخر حتى بين العاملين في القطاع وجعل من التوافق بينهم مسألة مستحيلة، لأنهم أصبحوا من حيث لا يدرون يدافعون عن مصالح اللوبيات التي تتصارع اليوم في العديد من «الساحات» ومنها ساحات الإعلام وبالإعلام والإعلاميين. حمزة بكاي صحفي قناة «الشروق تي في»:الزعامات وصراع المصالح أفقد الإعلاميين القوة قال صحفي قناة «الشروق تي في» بشأن إشكالية عجز الصحفيين عن تكوين إطار قوي يحميهم، إن وجهات النظر تعددت، وإن أبرزها ذاتي يتعلق بالبحث عن الزعامات والقيادة، يضاف إلى ذلك حالة الصراع بين الإعلاميين حول المصالح الضيقة ووجهات النظر المتباعدة بينهم والتي أدت إلى عدم الاجتماع واللقاء تحت هيكل واضح، يضاف لكل هذا وذاك الوضعية الاجتماعية المؤسفة التي يعيشها الصحفي وهو ما خلق نوعا ما استقالة جماعية للإعلاميين من مثل هذه المبادرات، كما أن هناك أطرافا خارجية تسعى بكل قوة إلى عدم تشكيل نقابة قوية للصحفيين كونها تزعجهم. عمار شكار صحفي يومية «شيفر دافير»:الصحفي ضحية توجهه وضغط عمله مهنة الصحافة تخدم الصالح العام، كي أجيب عن سؤالك بطريقة مباشرة، أقول إن العاملين كلاهما متوفر، الصحفيون فشلوا في مشروع استحداث تنظيم لعدة أسباب: خنقت الأقلام والأصوات التي تدافع عن المصلحة العامة، كالأنانية المادية، وتشتت هيئات التحرير في نوادي الصحافة التي تعمل لصالح لوبيات، على أساس أن هناك قطاعات اقتصادية لا تمس لسبب بسيط وهو الخوف من فقدان الإشهار. هو ما يعد أمرا طبيعيا بالمنطق الاقتصادي. لكن لا يمكن أن ننسى أن مهنة الصحفي، هي أكبر من اللوبيات والتكتلات، لأن الإعلام بمختلف أنواعه يعمل قبل كل شيء للمصلحة الوطنية. ثانيا يعد عامل الوقت مهما جدا، كون الصحفيين لا يستفيدون إلا من يوم واحد في الأسبوع، فوقتهم يكرس لأشياء أخرى، عوض الاهتمام بتنظيم أنفسهم. هشام همال صحفي مكتب تيبازة لوكالة الأنباء الجزائرية: النرجسية تفقد المهنيين قوتهم يعتقد الصحفي هشام همال (مكتب وكالة الأنباء الجزائرية لولاية تيبازة) أن المشكل ذاتي يتعلق أساسا بشخصية ونفسية الصحفي، بطبعه يميل للصراعات. ربما بحكم المهنة التي أصبحت مهنة «التخلاط» أكثر منها مهنة صناعة الرأي والتنوير والإعلام.. الذي يعد كما يقول: مزاجيا وعاطفيا ونرجسيا ومولعا بحب الظهور ومنساقا وراء الأحكام العاطفية، يتحدث من منطلق العارف لكل خفية والمحلل والقاضي وغيرها، «الصحفيون لا يستطيعون تجاوز الصراعات الشخصية، بل يبحثون عنها ويفتعلونها. جمال فنينش صحفي يومية «الخبر»: «الاختراق» أفشل تكتل الصحفيين ويرى صحفي يومية «الخبر» جمال فنينش أن السبب الرئيس هو مشكل وعي. فصحفيونا يعانون عجزا في مجال الوعي، أي الوعي بحقوقهم المهنية، عجيب والله ..!! زيادة عن الانقسامات اللغوية بين مفرنسين ومعربين. ثم إن عمليات «الاختراق» التي تمت من أطراف سياسية وسلطوية أدت إلى إفشال أغلب مشاريع النقابات، مضيفا بالقول: «أعتقد أن عملية البناء تبدأ بإنشاء الصحفيين لفروع نقابية على مستوى قاعات التحرير، ثم التخطيط لإنشاء نقابات وطنية». الصحفية سارة بوسنة من يومية «الشعب»: لمشكل ذاتي وموضوعي في آن واحد المشكل ذاتي، وفي نفس الوقت المشكل الموضوعي، لأن الصحفيين يعانون على مستوى مؤسساتهم من أوضاعهم الاجتماعية والمهنية: منها التعسف والتمييز في المعاملات بسبب غياب المهنية. أما المشاكل الذاتية فهي مرتبطة بالمشكل المهني والاجتماعي مادام الصحفي يفتقد لأدنى حقوقه كالسكن والأجر المحترم والوضعية المهنية المستقرة من خلال عقود دائمة، مما انعكس سلبا وحال دون التوصل إلى إنشاء نقابة قوية تنقل انشغالات الصحفيين، مهما كانت طبيعتهم اجتماعية أو مهنية على غرار الدول الأخرى، كمصر مثلا التي تعد نقابة الصحفيين بها مثالا ناجحا يقتدى به.