الحلقة 02 ففي عام 2000 نشر الدكتور محمود عبد الفضيل دراسة عن (العرب والتجربة الآسيوية: الدروس المستفادة) في محاولة لإجراء تقويم موضوعي لخبرة البلدان الآسيوية الناهضة في مجال التنمية والتطوير الاقتصادي والثقافي؛ وذلك بهدف استخلاص الدروس لإنارة الطريق أمام راسمي السياسة في الأقطار العربية في مجال التنمية والنهوض الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي. وقد انقسمت الدراسة إلى ثلاثة أقسام، قسم يركز على التجارب التنموية في هذه البلدان الآسيوية الخمسة؛ سنغافورة كنموذج منصة التصدير، وماليزيا كتجربة للنمو السريع، وكوريا الجنوبية أنضج النمور الآسيوية، وتايلاند نمر آسيا المريض، والصين تجربة السير على ساقين، وقدم القسم الثاني نظرة تحليلية تقويمية لأهم السياسات الإنمائية في هذه البلدان، وقدم القسم الثالث نظرة تقويمية جامعة لماهية وأساسيات نموذج التنمية والنهضة. وقد استغرقت الدراسة في إلقاء الضوء على الأبعاد الاقتصادية والتكنولوجية على نحو واضح، سواء بالنسبة للتجربة الآسيوية ككل، أو بالنسبة للتجربة الماليزية، والاهتمام بتحليل الأخيرة بالمقارنة بمجموعة البلدان الآسيوية الأخرى المشار إليها، لكن الدراسة لم تبرز الخلل في النماذج الإنمائية العربية كما أنها لم تبوب الدروس المستفادة، بل اكتفت بفحص تجارب الدول الآسيوية فقط . وفي صيف سنة 2002 صدرت دراسة للكاتب والباحث اللبناني الفضل "شلق بعنوان "الدولة السياسية والدولة الاقتصادية: كيف نستفيد من تجربة دول آسيا الشرقية مجلة الاجتهاد، حيث حاول شلق في هذه الأطروحة تقديم إطار فكري لتجربة دول آسيا الشرقية، التي يرى أنها استطاعت إثبات ذاتها وبناء شرعيتها داخليا، من خلال تقديم الأولوية لمشروع النمو والتقدم الاقتصادي، والانفتاح على العالم وعلى الخبرات وعلى الحضارات، وفي ذات الوقت تضع أمام أعينها هدفا واضحا، وهو النمو والازدهار الاقتصادي والعمل على ردم الفجوة الاقتصادية بينها وبين العالم الغربي. وفي المقابل لم يتعرض الكاتب إلى نموذج التنمية المختار في الدول العربية، والمجالات التي يمكن أن تركز عليها التنمية الاقتصادية التي يعتبرها الكاتب أهم درس يجب الاستفادة منه في نموذج البلدن الآسيوية التي أقلعت تنمويا . وفي سنة 2010 صدرت دراسة للدكتور ناصر يوسف تحت عنوان "دينامية التجربة اليابانية في التنمية المركبة: دراسة مقارنة بين الجزائروماليزيا "، حيث طرحت إشكالية قامت على سبر غور التنمية عبر أبعاد ثلاثة: حيث كان البعد المركزي فيها هو الأنموذج الياباني الذي أبهر العالم بوثبته السريعة والعملاقة بعد نكسة كادت تقصم ظهره. وقد جاءت هذه الدراسة في ثمانية فصول، خلص فيها الباحث إلى أن "الأنموذج الياباني الإنمائي المتميز، المتولِّد من دينامية فاعلة تقوم على أساس الاعتماد على الذات، حيث تركز على الفاعل الإنساني، وتستثمره في عملية التنمية المركّبة، وتنتهج في الآن نفسه آليات تكفل استمرارية وتجدِّد تجربة التنمية الاقتصادية في اليابان المعاصرة"، كما أشار إلى أن قيام عملية التنمية الاقتصادية الإسلامية على أساس الدور المركزي للإنسان، بما يحمله من قيم ومبادئ فاعلة استلهمها من الوحي، وفعَّلها ونزَّلها في حياته؛ حيث يضفي هذا المنظور طابعًا خاصًا ومتميزًا للتنمية، لا نلحظه في الرؤى والاتجاهات الأخرى التي أهملت القيم الإنسانية وغيَّبتها في عملية التنمية وعرض الباحث الدروس المستخلصة من المقارنة بين تجربة اليابان وتجربة العالم العربي والإسلامي (ماليزياوالجزائر)، فخلص إلى أن تجربة ماليزيا كانت ناجحة بإتباعها لاتّجاهين في التنمية الاقتصادية، هما: الاتّجاه شرقًا بالتّتلمذ على الأنموذج الياباني بذكاء؛ والاتجاه إسلاميًا بالحفاظ على مرجعيتها والانفتاح على العالم الإسلامي،لكن المقارنة التي اجراها الباحث كانت جد قاصية عندما تعرض للتنمية في الجزائر واغفل البعد الفكري في الاختيارات التنموية في الجزائر ولاسيما بعد الاستقلال، وراح يسترشد بمعلومات إعلامية تحتاج إلى إثبات بالرغم من أن الباحث نجح منهجيا في المقارنة. ومن خلال هذه الدراسات صار الاستمرار في تسليط الضوء على الجوانب التي لم تحظ باهتمام الدراسات السابقة، واستخلاص دروس أخرى يمكن أن تضاف إلى مجموعة الدروس التي سبق وإن كشفت عنها دراسات التراث، ويمكن الاستفادة منها في صياغة تجارب التنمية في عالمنا العربي والإسلامي، وإعادة صياغة هذه الدروس في شكل مقاربة فكرية وسياسية واقتصادية واجتماعية عملية.