السلسلة الأولى فاروق أبي سراج الذهب طيفور باحث في الدراسات الآسيوية/جامعة الجزائر
1. الاتجاه إسلاميا لا شك في أن الاتجاه نحو الإسلام، كما سنرى، قد أسهم بفعالية في إنجاح سياسة الاتجاه شرقا، في بلد يدين فيه أكثر من 60 بالمئة من السكان بالإسلام، ونسبة أخرى تدين بتعاليم البوذية والكونفوشيوسية، التي تلتقي مع الإسلام في أمور فرعية من مجالات الحياة. لم يكن الاتجاه نحو الإسلام عملا استراتجيا مخططا له من قبل حكومة ماليزيا، مثلما كان الأمر متعلقا بالاتجاه شرقا، ولكن باعتبار أن الملايو يدينون بالإسلام، وهؤلاء يشكلون مصدر اهتمام الحكومة ورعايتها، ومع وجود معارضة إسلامية في الداخل تختلف مع التوجهات الإنمائية للحكومة، فمن الضروري، في ظل هذه التحديات التي تواجه الحكومة الماليزية، أن يكون للإسلام دور أساسي في تشكيل ملامح التنمية الاقتصادية. وقد بدأت تتضح معالم هذا التشكل الإسلامي للتنمية الاقتصادية إثر افتتاح مهاتير محمد لشركة التكافل الماليزية سنة 1985، وهي شركة تابعة للبنك الإسلامي الذي أسس سنة 1983. وقد شكل هذا المشروع الإنمائي بديلا إسلاميا للمسلمين وغير المسلمين الذين يرغبون في المشاركة في التأمين الإسلامي، كما حقق البنك الأهلي التعاوني، الذي تأسس سنة 1954، نجاحا في توسيع دائرة المعاملات الشرعية في جمع فروعه الموزعة على الأراضي الماليزية؛ ففي كوالالمبور، بلغت أرباح البنك 36،15 مليون رنغيت منذ بدأ البنك إتباع الشريعة الإسلامية في معاملاته مع المواطنين وجهات الاستثمار في أربع ولايات ماليزية، هذا إلى جانب مؤسسة صندوق الحج أو " تابونغ حاجي" (tabung haji) في ماليزيا، وهي مؤسسة إسلامية مصرفية كبرى ومتخصصة أقيمت لمساعدة المسلمين على الإدخار، ومن ثم تسهيل أداء فريضة الحج. كما أن مؤسسة الزكاة والأوقاف الماليزية وغيرها تسهم في التنمية الاقتصادية؛ فالمصاريف الإسلامية في ماليزيا تستند إلى تشريعات تنظم عملها وتكفل تطويرها. وتشير البيانات الرسمية الماليزية إلى إن إجمالي ودائع المصاريف الإسلامية بلغت في نهاية سنة 2002 حوالي 13 مليار دولار أمريكي، كما بلغ إجمالي الأصول نحو 17 مليار دولار. أما البنك المركزي الماليزي (Bank Negara Malaysia )، فيسعى إلى استقدام العلماء من حول العالم إلى كوالالمبور من أجل تحسين المعرفة العلمية الدينية، وإقامة حوارات فكرية حول قطاع المالية الإسلامية. وقد استضافت ماليزيا بنكين من أكبر البنوك الإسلامية في العالم، هما الراجحي وبيت التمويل الكويتي، للعمل في ماليزيا. إن الزكاة التي تنطوي على " دعوة عالمية" لحل مشكلة الفقر، غالبا ما تؤدي دورا بارزا في تلبية تطلعات المحتاجين والذين فقدوا القدرة على النشاط بسبب الفقر. فمؤسسة الزكاة في ماليزيا أسهمت في القضاء على الفقر إلى حد ما، وفي تحفيز الطلبة المحتاجين، ونشر الثقافة الإسلامية، ومساعدة المنكوبين، وتمويل المدارس الدينية الداخلية. وفي السنوات 1998 -2003، ارتفع توزيع أموال الزكاة، التي جمعت بواسطة البنك الإسلامي الماليزي، من سنة إلى أخرى، وساعد على إزاحة الفقر، وتسوية الأوضاع الاجتماعية الحرجة للمحتاجين، فالزكاة في ماليزيا تضاعفت سبع مرات، من 61 مليون رنغيت سنة 1991 إلى 473 مليون رنغيت سنة 2004. تشكل ماليزيا قاعدة غنية بالمفاهيم الإسلامية للتنمية، وهي مفاهيم تختلف في تصوراتها للحياة عن المفاهيم الإسلامية كما هي مبسوطة في دول العالم الإسلامي الأخرى. فالأنموذج الماليزي يتميز بأنه عملي، وفلسفته تقوم على منطق الأخذ والعطاء. وهذا ما يؤدي إلى إغناء هذه التجربة بالممارسة اليومية للتنمية في إطارها الإسلامي، ويستدعي منها الاستفادة من الأخطاء والفشل والتعثر، ومن ثم البحث عن كل ما هو إيجابي ومفيد وصالح للمجتمع الماليزي. أما التنمية في أطهارها الإسلامي، كما هو عليه الأمر في دول العالم الإسلامي الأخرى، فقد ظلت حبيسة النظريات والرؤى الضيقة، وهو ما حدا بمهاتير محمد إلى الاعتراف بأن البلدان العربية التي حلت فيها الأفكار الاشتراكية والشيوعية محل الإسلام والقيم الروحية، تم فيها تخفيض عدد المساجد والمدارس الدينية ولم يعد اسم الله يذكر، ولم يؤد بهم هناك إلى رفض التنمية في إطارها الإسلامي فحسب، بل إلى رفض الإسلام صراحة، وينادونا بأفكار مناقضة وفوضوية، في الوقت الذي نلفي فيه أن القيم الروحية يمنكن أن تساعد المسلمين على الصمود أمام الماديين، والحصول على السعادة أيضا . يعد التفسير الخاطئ للتنمية داخل الدوائر الإسلامية سببا وراء فشل حكومات العالم العربي والإسلامي في ربط الإسلام بالتنمية. وكما قد يتجه بعض التفسيرات في اتجاهها الصحيح، فإن حرفية المذهب الاقتصادي للدولة تتعارض مع طروحات هذه التأويلات، وهذا يرجع أيضا إلى ضعف الإدارة السياسية، وانتشار القابلية للاستعمار لدى النخبة والطبقة شبه المتعلمة، الأمر الذي حدا بمهاتير، مرة أخرى، إلى القول أنه كلما سعى مجتمع إسلامي إلى إحداث التنمية يثور الجدل الديني حولها، الأمر الذي يؤدي إلى صرف العقول وتبديد طاقات المجتمع . يتبع