السلسة الأولى: التجربة الماليزية في التنمية الإنسان والرؤية المستقبلية فاروق أبو سراج الذهب ومن جهة أخرى، فإن اختيار الجزائر كنموذج يمثل الوطن العربي، في هذه الدراسة يعود إلى كون الجزائر تتمتع بقدرات اقتصادية وسياسية وجغرافية وطبيعية وبشرية كبيرة مما يسمح لها إذا ما حددت رؤيتها الاقتصادية والسياسية بدقة أن تكون في مصاف الدول الصاعدة مثل ماليزيا، من خلال الاستفادة من تجربة ماليزيا في شقها المتعلق بربط مفهوم التنمية بالإطار الإسلامي الذي ينسجم كليا مع البنية الاجتماعية للمجتمع الجزائري، والاعتماد على الرؤية المستقبلية الواضحة والدقيقة، وكذا فهم آليات ومحركات النهضة على الطريقة الآسيوية، وفي ظروف تاريخية مغايرة؛ الأمر الذي يدفع إلى دراسة تجارب بلد مثل ماليزيا بعناية وجدية. حيث يكتسب النموذج الماليزي للتنمية تميزه على المستويين الإقليمي والعالمي من خلال أهمية إدراك سمات "دليل التنمية البشرية" في ماليزيا، باعتباره مؤشرا مركبا يعكس بصورة أكثر شمولا للأبعاد الأساسية للتنمية، ويتكون من ثلاث أدلة فرعية: (أ) دليل توقع الحياة كمؤشر للصحة، (ب) دليل التعليم كمؤشر على المعرفة، (ج) دليل الناتج المحلي الإجمالي كمؤشر على الوضع الاقتصادي. ومحاولة تدقيق النظر في الدور المهم الذي قامت به الدولة الماليزية في تخطيط وتنفيذ عملية التنمية بهدف التصدي لمشكلاتها العرقية والاجتماعية، وذلك دون التفريط في قيمها الثقافية والاجتماعية الخاصة. فلقد استطاعت ماليزيا أن تقدم نموذجا تنمويا فريدا يجمع بين أصالة التراث الماليزي، وحداثة التكنولوجيا المعاصرة. إذن هناك مجموعة من العوامل والأسباب تؤكد أهمية دراسة التجربة الماليزية، والاستمرار في تسليط الضوء على جوانبها التي لم تحظ باهتمام الدراسات السابقة، واستخلاص الدروس مع إمكانية الاستفادة منها في صياغة تجارب التنمية في عالمنا العربي والإسلامي، وتأسيسا على ذلك، يمكن بلورة نموذج تنموي جزائري فريد يؤهلنا لمباشرة مشروع الإقلاع التنموي الذكي. تعد التجربة الماليزية في التنمية من أهم التجارب العالمية التي نجحت في تحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي والنمو الاقتصادي في وقت عرفت بعض من الدول الآسيوية تراجعا، والكثير من الدول العربية تقهقرا تنمويا مريعا . وعلى اعتبار النجاح الباهر للنموذج الماليزي في التنمية، صار من الضروري دراسة هذه التجربة من خلال مبحثين، يختص المبحث الأول في العرض التاريخي لأهم المحطات التي مرت بها ماليزيا من جهة، وجغرافيا ماليزيا الطبيعية، وتركيبة المجتمع الماليزي المتعدد الأعراق، ودور الدين في التنمية الاقتصادية، كما سنتعرض إلى أهم ملامح التجربة التنموية في ماليزيا والأسباب التي تقف وراء نجاحها، أما في المبحث الثاني فإننا سنتعرف على رائد النهضة الماليزية مهاتير محمد بدراسة سيرته ومسيرته في حكم ماليزيا ونبحث عن محددات الفكر المهاتيري وتطلعاته من خلال مشروع ماليزيا سنة 2012 وتطور مشروع الإسلام الحضاري في عهد عبد الله بدوي الرئيس الحالي لماليزيا.
الإسلام وتجربة التنمية في ماليزيا إن الحديث عن الاسلام وتجربة التنمية في ماليزيا يقودنا إلى بحث تاريخ ومسيرة ماليزيا من دخول الإسلام إلى الاستقلال على اعتبار أهمية المعرفة التاريخية والاجتماعية والدينية للبلد الذي نريد دراسة مسار التنمية فيه، حيث سنتناول في هذا المبحث ماليزيا من حيث السكان والموقع والمساحة وكذا تركيبة المجتمع الماليزي المتعددة، كما سنستعرض مرحلة الاستعمار والمخططات التي نفذها في المجتمع الماليزي، كمطلب أول، ثم نتعرف على موقع الإسلام في ماليزيا المعاصرة كقيمة اجتماعية وعنصر نمو أساسي في النمو الاقتصادي كمطلب ثاني، كما سنفحص ملامح واتجاهات التجربة الماليزية في التنمية ومخططاتها كمطلب ثالث، والمنظور الإسلامي للتنمية الاقتصادية في فترة ما بعد مهاتير محمد، ومظاهر النجاح في التجربة الماليزية كمطلب رابع.
تاريخ ماليزيا من دخول الإسلام إلى الاستقلال ماليزيا.. الموقع.. المساحة وعدد السكان تبلغ مساحة اتحاد ماليزيا (329.758) كيلو مترًا مربعًا، في منطقتين يفصل بينهما البحر الصيني الجنوبي لمسافة (531.1) كيلو متر، وتحدُّ ماليزيا الشرقية من الشمال جزر الفليبين، ومن الجنوب ولاية (كاليمنتان) الإندونيسية، أما ماليزيا الغربية فيحدُّها من الشرق البحر الصيني الجنوبي، ومن الغرب مضيق (مالاقا) ثم جزيرة (سومطرة) الإندونيسية، أما من الشمال ف(تايلاند)، ومن الجنوب جزيرة (سنغافورة)(). ويبلغ عدد سكان ماليزيا(28,334,135 ) نسمةً حسب إحصائيات عام 2010 م، ويتألفون من مجموعات متعددة، فالمسلمون يشكِّلون 60% منهم، والصينيون البوذيون 22.6%، والهندوس6.3%، والنصارى ومجموعات محلية 10.5%، وأغلب المسلمين من الملايويين، أما الصينيون فبوذيون والهنود هندوس، وقليل من الصينيين والهنود مسلمون. اللغة : اللغة الأصلية هي المالاوية مع تواجد قوي للغة الإنجليزية كلغة ثانية نظام الحكم: لماليزيا حكم ملكي مستقل عن الحكومة الشعبية، والتي لها رئيس مجلس وزراء يتغير كل خمس سنوات، استقلت ماليزيا عن الاستعمار البريطاني بتاريخ 31 أوت 1957م . الدين: الدين الإسلامي هو الدين الرسمي للبلد والذي عليه أغلب الماليزيين، مع وجود حرية دينية وتكثر فيها المعابد لمختلف الأديان. العملة:عملة ماليزيا هي الرنجيت ورمزه MYR وهي أعلى بقليل من الريال السعودي، وسعر صرف الدولار للرنقت يبلغ 3.40 رنقت تقريباً، وسعر صرف 1000 ريال سعودي يبلغ 899 رنجيت ماليزي. المناخ: تقع ماليزيا على خط الاستواء، مما يمنحها أجواء دافئة رطبة ممطرة طوال العام، تتراوح درجة الحرارة غالباً بين 22 و32 درجة، مع وجود مرتفعات باردة مثل مرتفعات الكاميرون وجنتنق.
تركيبة المجتمع الماليزي المتعددة يُعتبر المجتمع الماليزي خليطٌ من الثقافة الملايوية وهم السكان الأصليون، والثقافة الهندية والعربية منذ القرن الثالث والرابع، والثقافة الصينية منذ القرن الرابع عشر، وثقافات المستعمرين من الإنجليز والهولنديين والبرتغاليين، إضافة إلى بعض المهاجرين إليها والمغتربين فيها، كل هذه الثقافات أضافت على المجتمع الماليزي مزيجاً من الثقافات العالمية والذي كان المحفز الرئيسي لاستقرار ونمو الدولة. وتجذرت الحضارة الأولى للشعب الملايوي من القبائل البحارة القادمة من إندونوسيا والفلبين وبرونيو، إضافة إلى السكان الأصليين لشبه الجزيرة الملايوية. وبعد استقلال البلاد عام 1957 أعلن رئيس وزرائها الأول تونكو عبد الرحمن من ضمن دستور الدولة إمتيازات خاصة للشعب الملايوي أصحاب السلطة السياسية منذ استقلال البلاد ويسمون ب بومي بوتر. فالثقافة الملايوية مربوطة جوهريا بحب الأرض والوطن، وذلك مشاهد في الروابط العائلية التي تجمعهم في القرى خاصة، حتى مع انخراطهم في الحياة المعاصرة فإن الشعب لايزال محافظاً على تقاليده وعاداته ولباسه لاسيما في المناسبات الدينية أو العائلية. أما الصينيون، فهم من أقدم الحضارات في العالم، وقد استوطنوا ماليزيا بعدما أُرسلت أميرةٌ من سلالةٍ صينية إلى مملكة ملاكا لتتم مراسم عرسها على سلطان ملاكا في القرن الرابع عشر، بعدها استمرت العلاقات التجارية بين مملكة ملاكا وإمبراطورية الصين. وفي أثناء الاستعمار البريطاني لماليزيا استقطب المستعمرون أعداداً كبيرة من العمال الصينيين لأعمال البناء والنقل والصناعة. ومع مر السنين وجدت الجالية الصينية الطريق للتكيّف والانسجام مع الملايويين والهنود مع ارتباطهم القوي بثقافتهم الأصلية حتى أصبحوا تجاراً يشملون أغلبية الأغنياء في ماليزيا. وكذا الهنود، فهم من أقدم الحضارات في العالم، وقد دخلوا ماليزيا عن طريق التجارة في القرن الثالث والرابع، وقد تأثر الملايويون بديانتهم الهندوسية وثقافاتهم وعاداتهم قبل دخول الإسلام إليها عن طريق التجار العرب. وفي أثناء الإستعمار البريطاني جُلب بعض الهنود للعمل في المزارع والأراضي والبعض جلبوا كجنود للمحافظة على السلام وقمع التمردات. عموماً يعتبر الهنود الأكثر انفتاحاً من حيث التكيّف الثقافي مع الأجناس الأخرى في ماليزيا، الأمر الذي ساعد في تحسين أوضاعهم وجهودهم التجارية في البلاد. وماليزيا تعتبر ملتقى للثقافات المختلفة: لقد كان يسكنها الملايو والذين يعرفون باسم البوميبترا (Bumiputera) والتي تعني الأبناء (sons) أو أمراء الأرض (Princes of the soil). منذ أكثر من خمسة عشر قرنا، رحب الملايو، أصحاب الأرض الأصليين بالتجار القادمين من الصين والهند … ومع قدومهم جيء بالحرير والذهب، كما جيء بالديانتين البوذية والهندوسية إضافة إلى ثقافة الشعبين الصيني والهندي. وبعد ألف عام من ذلك التاريخ وصل التجار العرب إلى مدينة مالاكا الساحلية (وهي العاصمة التاريخية لماليزيا) ودخلت معهم القيم والمباديء الإسلامية والأعراف والتقاليد العربية، تلا ذلك بثلاثمائة عام قدوم الأوربيون واحتلالهم لماليزيا وإدخالهم لثقافة جديدة، فيها الكثير من الحداثة، مما أسهم في إضفاء المزيد من التنوع والإنفتاح… يتألف الشعب الماليزي من الملايو (58%) … والصينيين (26%) … والهنود (7%) … وقوميات أخرى متفرقة (9%) … ويعتبر الإسلام الدين الرسمي للدولة، حيث يدين به أكثر من (60%) من السكان البالغ عددهم حوالي خمسة وعشرين مليون نسمة، فيما يتوزع الباقون بين الديانات البوذية والهندوسية والمسيحية وديانات أخرى.
سعيد إبراهيم كردية ، ماليزيا للقارئ العربي، ط1، دار الرشاد، بيروت، 1997، ص3 . سعيد إبراهيم كردية، ماليزيا للقارئ العربي، المرجع السابق،ص 7-8. سعيد إبراهيم كردية، ماليزيا للقارئ العربي، المرجع السابق، ص 8-9.