الدكتور عزوز علي إسماعيل محاضرة في الجامعة الأمريكيةبالقاهرة 28/ 2/ 2016 من أراد أن يقرأ جلَّ أعمال الكبار من الكتاب والمبدعين من الشرق كان أم الغرب، فعليه بقراءة المجموعة القصصية للكاتب يسري أبو القاسم حملت عنوان " 3 حارة الأدباء "، حيث لخص فيها تلك الأعمال العظيمة للكتاب والمبدعين في شكل قصص قصيرة تعطينا خلاصة الرواية الأم بأسلوب لا يقل أهمية عن الأسلوب الذي كتبت به الرواية الأصلية، ومن أراد أيضاً أن يتعرف على كيفية كتابة القصة القصيرة وعن أعمال إبداعية كبرى فليقرأ هذه المجموعة؛ حيث حوت بعض الطرائق الفنية في عرض الحدث وصياغته في القصة القصيرة وهذا نوع من الإبداع يحسب للكاتب. * بين القصة القصيرة والرواية إنه نوع جديد من الكتابة المتفردة قادها قلم يسري أبو القاسم، بمعنى أنه قد سأل نفسه ماذا لو أن هذه الرواية أو تلك كانت قصة قصيرة؟ فكيف يكون شكلها وحجمها؟ ومما هو معروف أن القصة القصيرة فن وإبداع يختلف في بعض الجزئيات عن الرواية، فالقصة القصيرة كما قال أحد مبدعيها يوسف إدريس، طلقة رصاص تصيب الهدف أسرع من الرواية، وتتميز القصة القصيرة عن الرواية بأشياء عديدة يأتي في مقدمتها التكثيف الشديد، والتكثيف لا يتأتي إلا لمن ملك لغة سليمة وهو ما لاحظته في كتابة هذه المجموعة، فنرى الكاتب يقول" يبدو أن بيت أحمد عبد الجواد ليس وحده الذي ثار، بل مصر كلها ثارت خلف سعد زغلول ورفاقه حينما طلبوا رفع الحماية البريطانية عن مصر"، وقد لخص صفحات طويلة من الرواية الأم تتناول ثورة 1919 وما حدث لسعد زغلول ورفاقه من أحكام ونفي ثم الإفراج عنهم تحت ضغط الجماهير، وفي الوقت نفسه أشار الكاتب إلى ما كان في بيت السيد أحمد عبدالجواد من أزمة خروج أمينة دون سابق معرفته بذلك وهنا تكون الثورة أيضاً، فالقصة القصيرة هي عبارة عن فكرة واحدة يقدمها الكاتب في أسلوب سلس، ولكن وفي هذا العمل قد نجد تعدد الفكر في قصص الكاتب لأننا نعلم جميعاً أن تلك الروايات عبرت عن أفكار عظيمة وبعض القيم النبيلة التي زج بها الكاتب في العمل. * الثلاثية وروايات الأنهار من المعروف أن ثلاثية نجيب محفوظ من روايات الأنهار أوالأجيال والتي كانت معروفة في الآداب الغربية، ويرجع الفضل فيها لنجيب محفوظ حين أدخلها إلى عالمنا العربي متأثراً في ذلك بروايات عمالقة الأدب والكتابة العالمية مثل بلزاك الروسي وإميل زولا وسارتر، وهذا الفن يقوم على تتبع تاريخ أسرة والنمو بها من رواية إلى رواية، وما يتبع ذلك من رصد للتطور الحادث في المجتمع نفسه، سواء أكان اجتماعياً أم أخلاقياً أم فكرياً، وانعكاس ذلك على الأفراد في جيلين أو ثلاثة، ونرى الكاتب قد لخص كل ذلك في ثلاث قصص قصيرة عن ذلك العمل الخاص بنجيب محفوظ، فها هو فهمي الوطني الثوري يموت في نهاية بين القصرين، وفي نهاية قصر الشوق يضيع كمال مع فكره الفلسفي البعيد وهو نفسه نجيب محفوظ، وينفلت اللجام من يد السيد أحمد عبد الجواد، لماذا لأنه كبر في السن وبدأ الوهن عليه والضعف وفي السكرية لم يبق له إلا أصدقاءه وكأساً واحداً يكفي .. ويبقى في النهاية كمال وياسين يخرجان في الشارع وهنا رمزية رائعة، يشترى ياسين ملابس جديدة لحفيدة ابن عبدالمنعم وكريمة، كما يشترى رابطة عنق سوداء ليعلن بها الحداد وكأن الكاتب يريد أن يقول ومن الموت تولد الحياة.. عبر القاص والكاتب عن كل هذه المشاعر ببراعة وبتلخيص محكم. * المكان في العمل الأدبي المكان من تقنيات السرد في أي عمل وكذلك الزمان والربط بين الاثنين في متلازمة هو ما يعرف بالزمكانية، ذلك المصطلح الذي أطلقه ميخائيل باختين عام 1938، وقد استند الكاتب إلى المكان نفسه، ولم يبعد كثيراً عن مكان العمل الرئيسي أي لم يجعل شخوصه تبتعد عن الحارة التي ألزم نفسه بها منذ البدء بل وجعل الإهداء إلى شيخ حارة الأدباء الأستاذ نجيب محفوظ وبالفعل نجيب محفوظ هو شيخ حارة الأدباء، حيث أخرج الحارة المصرية إلى العالمية في أعماله الأدبية وهو ما يرجع إلى حبه للمكان، وعبقرية المكان تكمن في أنه أرخ للمكان بمعنى أن أسماء الأماكن لديه لم تكن معروفة للكثيرين من الناس، فبين القصرين وقصر الشوق والسكرية، هي أماكن في قلب القاهرة القديمة وبجوار الحسين عليه السلام، ولكن عامة الشعب لم يكن يعرفها، ومن ثم فقد أرخ للمكان وجعل له حساً ورونقاً وبهاً. وهناك مكان يؤرخ للرواية كما في متون الأهرام للغيطاني، ورأيت كيف أن الكاتب قد احتفى هو الآخر بالمكان، فقد ذكر المقهى أكثر من مرة في القصة يقول عن ياسين " جلس على المقهى المقابل لبيت زبيدة ليترقب زنوبة "، ويكرر استخدام المقهى " كرر ياسين الجلوس على المقهى فلاحظته ووصلته "ص.7
* التقنية السردية للقصة القصيرة بناء الحدث لا بد أن نفرق بين شيئين هما بناء الحدث في القصة القصيرة وبين صياغة الحدث، دائما أشبه بناء الحدث ببناء العمارة، فلم نختلف كثيراً في البناء لأنه يكمن قي ثلاث طرق، الأولى الطريقة التقليدية وهي الطريقة التي كانت متبعة سابقاً وهو ما رأيناه في قصصه المأخوذة عن الثلاثية، حيث بدأ بداية عادية ثم صعد مع المشكلة وفي النهاية كان الحل والانفراج في القصص الثلاث، وهي الطريقة التي يبدأ فيها الكاتب من أول الأحداث ثم يصعد -كما قلت -مع الحدث والثورة في الحدث، هنا تكمن في حكي العمل ككل، و نجد قمة الإثارة في" بين القصرين " في موت فهمي حين خرج في المظاهرة، ونلاحظ أن الكاتب يأتي بهذه الحادثة ليجعلها هي المشكلة، وهي الحدث الأكبر مع الإشارة إلى الثورة المصرية 1919 والتي استشهد على إثرها فهمي المناضل، والذي أراد والده منه ألا يخرج في مظاهرات مرة أخرى وهم بأن يحلِّفه على المصحف الشريف إلا إن فهمي رفض ذلك، وما كانت إلا أيام وجاءه خبر استشهاده، ومن هنا نعلم أن الكاتب استخدم تقنية بناء الحدث كما كان في السابق عند الكتاب الكبار متماشياً مع روح الرواية والكتابة الروائية. ثم الطريقة الحديثة، وهي الطريقة الثانية في بناء الحدث التي يبدأ فيها الحدث من لحظة التأزيم، وهو ما رأيناه في قصته عن " دعاء الكروان "، حيث بدأ بومضة صغيرة عن العمل ككل في قوله " ما كان أبوهما صالحاً.. لذا شقيتا، وتاهت بهما الدروب.. آمنة وهنادي وأمهما زهرة، وخالهما جابر، وجملان وفضاء واسع وصوت كروان وحقول يعلوهما ندى كالدمع أو قل هو الدمع بعينه"ص31، ثم ينتقل إلى لحظة التأزيم وهي قتل جابر ابنة أخته هنادي بعد أن أفقدها المهندس أعز ما تملك يقول، ومن هنا لم يرحمها المجتمع " وبلهجة بدوية تتسق وبيئتهم، أمر جابر أخته وابنتيها بالنزول، انصاع ثلاثتهن لأوامره الصارمة، وما هي إلا لحظات، وكان سكينه ملطخاً ومخضباً بدم هنادي لم تنبس آمنة بكلمة واحدة، وخرت صريعة، أما الأم فقالت: في أسى ليش يا جابر؟! دارت الدنيا بآمنة"ص32، وهو الأمر كذلك في قصته المأخوذة عن رواية " الحرام " ليوسف إدريس، حيث بدأها بلحظة التأزيم، وهو بالتالي على وعي تام ببناء الحدث، فهذا هو اللقيط موجود على كومة القش هكذا ذكر عبده " يا نهار مش فايت يا ولاد ابن حرام واستغرب عطية هو الآخر وقال لازم فكري أفندي ياخد خبر، جاء فكري أفندي وخلفه الفلاحون مهرولين، أخذ فكري أفندي يقلب في عقله من هي فقال، في النهاية هم الغرابوة مفيش غيرهم ولاد الكلب.. والغرابوة هم عمال التراحيل"، فأصبحت القرية بلا شك في حالة ذعر وهلع من هول المصيبة، ونلاحظ القلق والحيرة التي عايشنا فيها المبدعان؛ حيث إن الآباء أصبحوا يشكون في بناتهم ويخشون أن تكون إحداهن هي من فعلت ذلك، ولكن الأمر قد وضح وبان حين مرَّ فكري أفندي وسمع أنين امرأة تتوجع فعلم أنها عزيزة من أولئك عمال التراحيل، وعلم أن ابن صاحب الأرض هو من فعل فعلته، حيث كانت تبحث عن بطاطا لزوجها المريض في الأرض فساعدها في خلعها من الأرض فوقعت في الحفرة وكان ما كان، تركت المكان لتبحث عن مكان ولادتها عند كومة القش وجلست تبكي وتصرخ، وتقول " جدر البطاطا هو السبب يا ضنايا"، إشارة إلى ابنها الذي ولدته، زادت الحمى عليها فماتت وهي تكرر جدر البطاطا هو السبب يا ضنايا. أما الطريقة الثالثة والأخيرة، فهي طريقة الخطف خلفاً أو البداية من النهاية، وهو المتبع أحياناً في دور السينما. * كيفية صياغة الحدث طريقة الترجمة الذاتية: يلجأ القاص فيها بسرد الأحداث بلسان شخصية من شخصيات قصته، مستخدماً ضمير المتكلم، ويقدم الشخصيات من خلال وجهة نظره الخاصة، فيحللها تحليلاً نفسياً، متقمصاً شخصية البطل، كما في قصة " نظرة " للكاتب يوسف إدريس، وقصة " الريحانة" التي في الركن للدكتور محمد المخزنجي، وفي حالتنا هذه نرى هذه الصياغة في قصة "صح النوم" المأخوذة عن رواية الأستاذ يحيى حقي، فنراه يقول " على صوت الشخير كنا نقوم ونقعد.. لأن بلدنا نائم على طول الخط.. حتى شريط السكة الحديد تجاهلنا هو الآخر وذهب عنا بعيداً، كنت أتوجه كل ليلة إلى تلك الحانة القميئة"ص27. طريقة السرد المباشر : وفيها يقدم الكاتب الأحداث في صيغة ضمير الغائب، وتتيح هذه الطريقة الحرية للكاتب، لكي يحلل شخصياته، وأفعالها تحليلاً دقيقاً، ثم إنها لاتوهم القارئ بأن أحداثها تجارب ذاتية وحياتية، وإنما هي من صميم الإنشاء الفني الخالص، وهو ما كان في عدد كبير من قصص الكاتب كما في الثلاثية وما نتج عنها من قصص قصيرة صاغها الكاتب بأسلوب أدبي راق، وأيضاً قصة "دعاء الكروان " فقد استخدم فيها طريقة السرد المباشر، يقول فيها واصفاً حال شخصية من الشخصيات، وهذا الأمر خاص بطريقة السرد الذاتي" في بيت العمدة كانت زنوبة تلك الغمازة اللمازة المرابية القوادة التي تقدم بها السن فلم يعد فيها إلا رمق وبقية مسحة من جمال لا تغري شباباً، ولكنها كانت تقدم من أصغر منها"ص33. ودعاء الكروان لها هدفان رئيسان هما 1- هدف تعليمي حين تستأذن آمنة الكروان لتحكي قصتها 2- هدف أخلاقي حين نرى الشرف يغتال فيأتي الثأر لنجدته فيحدث القتل الذي يرفضه العقل بل ويحتج عليه فيما كان من أمره. وهناك طريقة الوثائق والرسائل والمذكرات: يعتمد القاص في هذه الطريقة الوثائق والرسائل والمذكرات في أثناء معالجته الموضوع الذي يدير قصته حوله، والشخصية القصصية هي أحد الأفراد الخياليين، أو الواقعيين الذين تدور حولهم أحداث القصة ولا يجوز الفصل بينها وبين الحدث؛ لأن الشخصية هي التي تقوم بهذه الأحداث. وقد ألف النقاد أن يطلقوا على هذه الشخصية مصطلح( البطل )، ويعنون به الشخصية الفنية التي يسند القاص إليها الدور الرئيس في عمله القصصي. * الذهن أو العقل والجمال في قصة " الرباط المقدس " [ راهب الفكر ] توفيق الحكيم السرد في هذه القصة القصيرة أخذ تسلسلا طبيعياً، وقد ارتبط بالتفكير والاعتماد على الذهن فهذا هو راهب الفكر في غرفة مكتبه وفي صباح جميل فتح إحدى الرسائل التي كانت تأتيه، وجدها من فتاة في نهاية العقد الثاني ترجو مقابلته ولم تترك عنواناً بل تركت ميعاداً للاتصال تليفونياً بعد أن حددت موعداً لذلك، أرادت أن تتعلم كيفية الكتابة الأدبية والروايات والنثر بل تريد أن تحترف مهنة الأدب على يد راهب الفكر . جاءته وقد سبقتها رائحة البارفان الفرنسي وجلست في مكتبه وأشعلت السيجارة وكان ما زال يعتقد أن المدخنات ساقطات ولا بد أن يخرج تلك اللعوب من مكتبه الطاهر. نظرت إلى النافذة المغلقة كما هو أيضاً ولكنه قال يكفينا نور الحقيقة الذي بداخلنا . سألها عن سر قدومها فقالت إنها تحب التينس ولكن خطيبها يحب القراءة وتود أن تكون جديرة باحترامه، ثم أخرجت أحمر الشفاه لتلون شفتيها المتوردتين. واستغرب راهب الفكر أن تفعل ذلك في مكتبه لأن ذلك ليس مكانه هنا، فهذا مكان وصومعة للفكر. أعطاها كتاب " راهب تاييس " للفرنسي أناتول فرانس، ومن هو راهب تاييس، فقد كانت تاييس غانية تمارس البغاء أينما حلت والرذيلة هي طريقها الوحيد، وسمع عنها ذلك الراهب فأراد أن يهديها طريق الرشاد يذهب إليها وبالفعل نزل من صومعته وقابلها فما كان منه إلا أن ترك الدين وانصرف إلى اللهو والرذيلة، والعجيب أنها تابت إلى رشدها بينما راهبنا تاه في الطرقات وأصبح في أسفل سافلين. جاءته بعد أسبوع لتقول إنها لم تقرأ الكتاب بعد، وقد مازحته فاقشعر بدنه وضبط قلنسوته ثم نهض وأمسك بعصاه وقال في نفسه: لن أكون راهب تاييس. غضب بسبب عدم قراءتها للكتاب وطلبت إعطاءها فرصة فكان للجميلة ألف فرصة.. ليتفاجأ بعد ذلك بأنها قد قرأته في يومين حين أعلمه زوجها بذلك فغضب راهب الفكر، وفي مرة أخرى أعطاه زوجها كراسة حمراء فيها اعترافات زوجته بكل ما كانت تفعله من بغاء ورذيلة، إنها اعترافات بالحب والعشق والجنس وقد اغتاظ راهب الفكر من ذلك ولا يدري لماذا هذا الغيظ هل لأنها خانت زوجها؟! أم لأنها خانته هو؟! رغب الزوج فيم بعد أن يطلق زوجته بعدما علم بكل ما في تلك الكراسة الحمراء من اعترافات لدرجة أن زوجة صديقه قد جاء ذكرها فيها فانتحر صديقه فأراد أن يطلق هو الآخر زوجته بشرط أن تبقى ابنته معه، وكان راهبنا هو الحكم وأراد أن يثنيه عن ذلك إلا أنه صمم على الطلاق، وجاءته تلك الزوجة لتقص عليه القصة بأنها لا ترغب في الطلاق وأن ما كتبته جميعه من محض الخيال وهو بداية لعمل أدبي طويل ولتكن الفصول الأولى لرواية.. حاول أن يشرح للزوج الأمر لكن الزوج لم يستمع .. جاءته الزوجة ووقعت على ورقة طلاقها وضحكت وقالت لراهب الفكر أن الليلة لديها سهرة حمراء مع شخص أحبه فتذمر الكاتب من هذا الكلام وجلست على مكتبه وقالت هذا الشخص هو أنت فخارت قواه. ولكنها قالت: يا سيدي أنا امرأة شريفة أردت تحريك همة زوجي الذي يعاقبها الآن.. * عذراً أيها الراهب لقد ارتقت تاييس درجة بينما انحدرت أنت درجات فتركته.. في الوقت نفسه وجد رسالة من فتاة تريد أن تقابله وهي معجبه به فمزقها وكأنها مس شيطاني. الاعتماد في هذا العمل من أوله إلى آخره على الذهن أو العقل، وهو ما كان يتميز به راهب الفكر توفيق الحكيم. نلاحظ نقطتين مهمتين هنا برع فيهما الكاتب: وقد مازحته فاقشعر بدنه وضبط قلنسوته ثم نهض وأمسك بعصاه، وقال في نفسه: لن أكون راهب تاييس. – وقالت هذا الشخص هو أنت فخارت قواه. * الغِلاف ومدارسه الغلاف لا بد وأن يكون مدرسة من مدارس ثلاث، الأولى أن يكون الغلاف ترجمة للعمل بمعنى أن هناك من قرأ العمل وحاول أن يصنع له ترجمة بصرية، وهنا يلعب دور الصورة في وضع تصور بصري للعمل، وغالباً ما تكون قريبة الشبه بالعمل، وهناك المدرسة الثانية وهي أن يكون الغلاف نصاً موازياً للعمل الأدبي أي يكون ممثلاً للعمل بكل ما فيه على اعتبار أنه نص آخر ولكنه نص معبر تعبيراً دقيقاً عن العمل، وفي هذه الحالة نرى غلاف مجموعة " 3 حارة الأدباء" نصاً موازياً للعمل فهو يقرب المسافات من ناحية الأشخاص أو الكتاب وعلى رأسهم شيخ حارة الأدباء نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم ويوسف إدريس وإحسان عبدالقدوس وغيرهم.. فالغلاف معبر من ناحية الحارة المصرية، أي أن الغلاف عبر عن الحارة وهي منطقة الحسين، وإذا نظرنا إلى خلفية الغلاف نجد أنه شارع المعز لدين الله الفاطمي في منطقة الحسين، وإذا دققنا أكثر نتأكد أن الخلفية لجزء تاريخي مهم يرتبط بأعمال شيخ الأدباء نجيب محفوظ وبيت السحيمي التاريخي وبين القصرين والسكرية وقصر الشوق.. ونلاحظ من بعيد مئذنة الحسين، ذلك المكان التاريخي حيث مقهى الفيشاوى وحارة الطبلاوي، وهناك مدرسة ثالثة للغلاف وهي مدرسة المباغتة، أي أن يأتي الغلاف غير مطابق نهائياً للعمل بمعنى ليس له علاقة بالعمل من قريب أو بعيد، ومن ثم أصبح للغلاف من حيث أنه صورة بصرية تلك المدارس الثلاث. وقد كانت رسمة الغلاف معبرة عن العمل، لذلك كانت من المدرسة الثانية للغلاف، والعمل نفسه يستحق القراءة .