يُعد برنامج السكن الريفي واحدا من البرامج الطموحة التي تبنتها ولاية بومرداس خلال السنوات الأخيرة مع عودة السلم والاستقرار الأمني؛ رغبة منها في تثبيت ما تبقّى من السكان الذين أُجبروا خلال العشرية السوداء على ترك قراهم ومناطقهم الريفية والنزوح نحو المدن والمناطق العمرانية الحضرية، إلا أن المشروع الذي دخل خماسيته الثانية لازالت تعترضه العديد من العراقيل الإدارية والتقنية، وهو ما قد يرهن آمال الدولة في النهوض بالريف وما يرهن في الوقت نفسه عودة النازحين من هذه القرى الذين أجبرتهم ظروف العشرية السوداء و زلزال 2003 على هجر ديارهم، وما قد يخرج البقية من السكان عن صمتهم، سيما بعدما كشفوا ل"الحوار"، نية الالتحاق بمن سبقوهم والنزوح للمناطق المتوفر فيها كل شروط الحياة الكريمة. عانت الولاية أكثر من غيرها من مخلفات الأزمة الأمنية التي عصفت بها لمدة أكثر من عقدين، أثر بشكل واضح على برامج التنمية المحلية المخصصة للسكان، وذلك لمساعدتهم على خلق التوازن بين المناطق الحضرية والريفية والتقليل من ظاهرة النزوح الريفي على المدن نتيجة غياب متطلبات الحياة الكريمة، وبالتالي جاءت الأزمة الأمنية ثم زلزال ماي 2003 لتزيد الطين بلة وتنسف كل المشاريع التنموية التي أطلقتها السلطات المحلية وتخلق متاعب جديدة أثرت بشكل واضح على وتيرة التنمية خاصة في مجال السكن، الذي أجبر نسبة سكانية كبيرة على هجر منطقتها وهو الهجران الذي لم يلق طريقه نحو الزوال، والذي يهدد بفتح الباب أمام نزوح جديد أمام غياب أدنى متطلبات الحياة التي تشجعهم على العودة إلى ديارهم، لتبقى هذه المناطق مهجورة على غرار " أولاد علي " بالثنية و" المرايل " بتيجلابين و" مندورة " بلقاطة و" عين الحمراء " ببرج منايل، ولتبقى مطالبهم مرفوعة للجهات المسؤولة بإعادة الاعتبار لهذه المناطق بتوفير التهيئة الريفية وإيصالهم بالإنارة العمومية والكهرباء وتوفير الماء الشروب وتقديم الدعم الريفي للعائلات وغيرها من المشاريع المهمة لتحسين الإطار المعيشي للسكان. وحسب بقية السكان القابعين في نفس المنطقة والمهددين باللحاق بمواطنيهم وهجر المكان، فإن السلطات المعنية مطالبة بتوجيه الدعم المادي قصد إيقاف عجلة النزوح الريفي نحو المدن وتثبيت العائلات بمحيط أراضيهم، خصوصا وأن الدعم الريفي في مجال السكن تضاعف من سنة إلى أخرى، وحتى قيمة الإعانات للبناء الريفي ارتفعت من 50 إلى 70 مليون سنتيم، إلى جانب فتح مسالك جديدة عبر المناطق الجبلية لفك العزلة وتوفير الكهرباء والماء، خاصة عبر المناطق الشمالية الغربية للولاية، هذه الأخيرة شهدت إنجازا ثانيا لأكبر سد في الجزائر، المتمثل في سد يسر. * عراقيل ترهن المشاريع التنموية حسب مصادر من دار الولاية، فإنه ثمة مشاريع تنموية مدرجة لترقية حياة القرى ببومرداس و تثبيت السكان في مناطقهم الريفية الأصلية، سيما وأن نورية زرهوني والية بومرداس أكدت خلال زيارتها الأخيرة لسكان تاوقة، وهي منطقة نائية الاستجابة لمطالبهم والمضي قدما في التنمية المحلية، وأعلنت عن رفع حصة السكن الريفي إلى 400 بعدما كانت ب100 حصة.
* إعادة تثبيت السكان في المناطق النائية …معادلة صعبة تحاول السلطات الولائية والمحلية بعد استتباب الأمن في ربوع الولاية، بناء على البرامج الحكومية الموجهة للتنمية المحلية بكل أشكالها، لإعادة بعث مظاهر الحياة في هذه المناطق التي شهدت نزوحا كبيرا خلال العشرية السوداء و زلزال 2003، بعدما هجرها معظم أبنائها، غير أن تجسيد هذه المشاريع التنموية، حسب مصادر عليمة قابلتها جملة من العقبات والعراقيل في العديد من البلديات التي لاتزال إلى يومنا هذا تتعارك في كيفية تمرير ملفات السكن الريفي منها مشكل عقود الملكية، وشهادة الحيازة وكيفية إيصال مياه الشرب والغاز الطبيعي، وكذا فتح الطرقات والمسالك الجبلية وتوفير المرافق الأساسية للسكان وخاصة الشبانية.
* قرية بن فنيسة بقدارة نموذج حي عن نزوح ريفي كبير شهدت قرية بن فنيسة، الواقعة بأعالي جبال قدارة نزوحا ريفيا كبيرا في فترة التسعينيات أدى إلى إفراغ المنطقة من سكانها، بحيث قام أهالي المنطقة بالتوجه صوب مركز البلدية وعاصمة الولاية بحثا عن الظروف المعيشية الحسنة. وحسب هؤلاء السكان الذين تحدثت معهم" الحوار"، فإن أغلبيتهم يريدون العودة إلى منطقتهم والاستقرار فيها بعدما تحسنت الأوضاع الأمنية، لكن يشترطون في الوقت نفسه على الجهات المعنية ضرورة توفير لهم كافة ضروريات، لافتين إلى أنهم في التسعينات أجبرتهم الظروف الأمنية المنعدمة على هجر ديارهم واليوم لا يريدون أن يكون غياب التنمية وشروط الحياة سبب يعرقل ويحرمهم من العودة إلى هذه الديار.
* بلدية بودواو ….. مسؤولون يعدون النازحين بحياة أفضل كشف نائب المجلس الشعبي الوطني لبودواو، مداني مداغ، أن مصالح البلدية سطرت جملة من الإجراءات التي اتخذتها السلطات المحلية لتثبيت سكان المناطق النائية لاسيما منها قرى بن شطاح، بن توشنت، أحياء سدي سالم النشيط وغيرها من التجمعات السكانية، وذلك من خلال تفعيل برامج السكن الريفي وتوفير التهيئة الحضرية وأساسيات الحياة منها الغاز الطبيعي، المياه الصالحة للشرب. واستفيد من نفس المسؤول، أنه تم فتح وتهيئة الطريق البلدي الرابط بالطريق الوطني رقم 29 الذي يصل بودواو بقورصو مرورا بمنطقة توشنت، بقيمة مالية وصلت إلى 1.6 مليار سنتيم، لفك العزلة على هذه المنطقة وتشجيع السكان على الاستقرار.
* أولاد هداج … مراقبة الأحواش مهمة صعبة صرح عضو بالمجلس الشعبي البلدي لبلدية أولاد هداج، بيدة صالح، أن المشكل يكمن في صعوبة مراقبة الأحواش الثلاثة المتواجدة بالبلدية، وذلك لما تشهده من توسع عشوائي للبناءات الفوضوية، ولكن العملية -حسب المتحدث – متحكم فيها حاليا بفضل الرقابة الدائمة من قبل السلطات المحلية، على الرغم من أن عدد سكان الأحواش يقدر كآخر إحصائيات لسنة 2011 ب 200 عائلة، في انتظار التسوية القانونية للأراضي والعقار بهذه المنطقة، كما أضاف المتحدث ذاته أن بلدية أولاد هداج تقريبا لاتوجد بها مناطق ريفية كثيرة ماعدا الأحواش منها الإخوة بوزيد 1 و2 ، وحوش بانتو، وبالتالي -حسبه- فإن المنطقة حضرية وشبه حضرية مع وجود بعض الساكنات الهشة التي تم إحصائها وتسجيل مشروع سكني من 200 سكن لم تنطلق به الأشغال، في حين أحصت البلدية حاليا أكثر من ألف طلب إعانة للسكن الريفي، خاصة في ظل التعليمة الولائية التي تسمح لسكان المناطق الحضرية بالبناء بشرط أن تكون بعيدة عن المركز أو عاصمة الولاية.
* إنجاز 2000 سكن ريفي من أصل 8000 عرف برنامج دعم السكن الريفي الذي أقرته وزارة السكن في إطار سياسة تثبيت سكان الأرياف في مواطنهم الأصلية منذ أكثر من عشرية كاملة على مستوى ولاية بومرداس تأخرا كبيرا في الإنجاز، فبالرغم من التسهيلات والحلول البديلة الخاصة في إثبات ملكية العقار للأشخاص الراغبين في الاستفادة من الإعانات المالية الممنوحة في هذا الإطار والمقدرة ب70 مليونا، وهي استخراج شهادة الحيازة بدل عقد الملكية للعقار المراد إنجاز عليه السكن، إلا أن تسوية الملفات الإدارية المودعة لدى مصالح الدوائر تسير بوتيرة جد بطيئة ما تسبب في تسجيل تأخر كبير في تجسيد الحصة التي استفادت منها الولاية منذ سنة 2002 إلى غاية يومنا هذا، بالرغم من كون هذا الملف يعتبر من الملفات الهامة والإستراتيجية التي تهدف إلى بعث التنمية في المناطق الريفية وخلق الاستقرار وفرص العمل لشباب المناطق الريفية. وفي ذات الإطار، كشفت الإحصائيات المقدمة من طرف مديرية السكن والتجهيزات العمومية حول تجسيد برنامج السكن الريفي بولاية بومرداس، أن الحصة التي استفادت منها منذ انطلاق البرنامج قدرت ب8750 سكن لم ينجز منها إلى غاية الآن سوى 2073 سكن، أي النسبة المنجزة لا تتعدى 23٪ في مدة زمنية تقدر بعشرية كاملة، في حين قدرت الحصة المتبقية ب4470 وحدة سكنية، أي بنسبة 51٪ وهو ما أدى بأعضاء لجنة الفلاحة والتنمية الريفية بالمجلس الشعبي الولائي إلى طرح عدة تساؤلات خلال مناقشتهم لملف السكن الريفي في عدة دورات للمجلس عمن تقع مسؤولية العجز والتأخر في تنمية المناطق الريفية وتحسين الإطار المعيشي لسكان القرى والمداشر الذين مازالوا يجهلون مصيرهم من هذا البرنامج الذي يهدف إلى تثبيت سكان الأرياف في مواطنهم الأصلية والحد من ظاهرة النزوح الريفي نحو المدن بحثا عن حياة أفضل تتوفر فيها كل وسائل الرفاهية والعيش الكريم، مشيرين إلى أنه خلال خرجاتهم وزياراتهم الميدانية لمختلف البلديات والدوائر ورؤساء تقسيمات للسكن والتجهيزات العمومية لاحظوا عدة عراقيل وصعوبات حالت دون تحقيق النتائج المرجوة منها غياب المعلومة لدى المواطن حول هذا البرنامج في بعض البلديات ونقصها في أخرى. كما سجلت اللجنة غياب اللجان المشتركة الخاصة بملف السكن الريفي لدراسة طلبات المواطنين في جل الدوائر والاكتفاء بموظف أو اثنين يقوم بجمع الملفات ومراقبة الوثائق المطلوبة فيها فقط، ناهيك عن عدم وجود مكاتب خاصة على مستوى الدوائر أوالبلديات للتكفل بالمواطنين وإعطائهم المعلومات الخاصة بالملف وتوجيههم. إلى جانب ذلك، لاحظ أعضاء اللجنة خلال المعاينة الميدانية تجميد العديد من الملفات المقبولة بسبب استفادة المعنيين من مساعدات مالية في إطار زلزال 2003 مع تسجيل استعداد المواطنين المعنيين لإرجاع المبلغ المستفاد منه دون تمكنهم من ذلك، وكذا الملفات التي قبلت، والتي أدخلت الأرضية المخصصة لها ضمن المخطط العمراني، إضافة إلى عدم تسجيل استفادة أعضاء المستثمرات الفلاحية من هذا البرنامج دون إعطاء تفسيرات واضحة للأسباب التي تقف وراء هذا الرفض ومشكلة شهادة الملكية، حيث تم تسجيل أن أغلب المواطنين لا يملكون عقود الملكية لأن الأراضي ليست مقسمة، ورغم اقتراح تعويضها بشهادة الحيازة كبديل، إلا أن المشكل بقي مطروحا بسبب الأراضي التي دخلت ضمن مخطط مسح الأراضي، وفي هذه الحالة لا تسلم شهادة، كما أن هناك مواطنين لم يبلغوا برفض ملفاتهم في المدة القانونية.
* بلدية الثنية ..غياب التنسيق يجمد مشاريع السكن الناصرية بلدية الثنية من البلديات التي يقطن أغلب سكانها في الريف، ولم تشهد تغيرا منذ زمن طويل، لاسيما فيما يخص البرامج السكانية، وأمام هذا الوضع قررت السلطات الولائية ضرورة دعم كل البلديات النائية منها وكذا الريفية ببرنامج استعجالي يضم على الأقل 5000 وحدة سكنية لتدارك الوضع وتطويق الأزمة تدريجيا، خاصة وأن أغلب طالبي السكن من الشباب ممن تجاوز سنهم الثلاثين سنة، إضافة إلى هذا أحصت الولاية حوالي 08 آلاف سكن هش الكثير منها مهددة بالانهيار في أي لحظة على غرار السكنات القديمة المبنية بالقرميد والتي تعود إلى الحقبة الاستعمارية أو تلك التي اضطرت عائلات لبنائها بطريقة عشوائية خلال العشرية السوداء، كما يعتبر الصيغة الأكثر طلبا من قبل السكان بدائرة الثنية التي حسب مصدر من الدائرة فإنها تحصلت على أكبر حصة ب1332 وحدة سكنية، أُنجز منها 440 وحدة؛ 280 أخرى في طور الإنجاز، و612 لم تنطلق الأشغال بها بعد، تليها دائرة برج منايل بحصة 1061 وحدة سكنية، أنجز منها 215 وحدة، 285 أخرى في طور الإنجاز، فيما عرف البرنامج تأخرا كبيرا بدائرة بغلية بنسبة 67,14 بالمائة، حيث استفادت من 334 وحدة أُنجز منها 49 وحدة، ولم تنطلق الأشغال في 176وحدةو كما استفادت على وجه الخصوص كل من قرية عمر، بشالة، عومار السخونة في إطار تثبيت السكان بمناطقهم وإيقاف ظاهرة النزوح الريفي، حيث قررت السلطات المحلية لبلدية برح منايل تهديم 50 بيتا هشا وإقامة سكانها سكنات لائقة انتهت الأشغال بها، ومن المنتظر أن يتم ربطها بالماء الشروب وشبكة مياه التطهير والكهرباء والغاز الطبيعي..لاحقا. كما تم مؤخرا، تخصيص حوالي 700 وحدة سكنية في مختلف الصيغ ضمن البرامج التنموية لبلدية بني عمران جنوب شرق ولاية بومرداس. وحسب مديرية السكن والتجهيزات العمومية، فإن أكبر حصة من البرامج السكنية الممنوحة في هذا الإطار بالبلدية تمت في إطار صيغة السكن الريفي حيث استفادت مدينة بني عمران من 30 وحدة سكنية بتكلفة مالية فاقت 20 مليار سنتيم، حيث ولحد اليوم تم توزيع 100 سكن ريفي منها في حين تظل ال200 الأخرى المتبقية قيد الإنجاز، كما أدى غياب الشبة كلي للتنسيق بين الإدارات المختلفة المسؤولة عن تنفيذ مختلف البرامج السكنية المتواجدة ببلدية الناصرية شرق ولاية بومرداس إلى تعطيل استفادة 250 أسرة من إعانات السكن الريفي على مدى أكثر من 03 سنوات، حيث وحسب مصادرنا، فإن المشروع يعود إلى نهاية 2007 عندما تقرر بيع 250 قطعة أرضية للمستفيدين من سكنات ريفية بالبلدية. من جهة أخرى، هدد ما يزيد عن ألفي شخص من بلدية بغلية بالانتقال جماعيا إلى مقر الولاية والاعتصام أمام مدخلها احتجاجا منهم على العراقيل البيروقراطية التي يواجهونها منذ سنوات، والتي حالت دون استفادتهم من إعانات الدولة الخاصة بالبناء الريفي. وقال هؤلاء إنه رغم مرور 04 سنوات على وضع ملفاتهم التي تجاوزت ال 18900 طلب إلا أنه لم يفصل بعد في قائمة المستفيدين ولم يستفد إلى حد الآن منها. وحسب نائب رئيس البلدية المكلف بهذا الملف " فإن السبيل الوحيد لرفع التجميد عن ملفات هؤلاء هو تدخل السلطات الولائية وقبول شهادة الملكية الخاصة المتحصل عليها عن طريق الشهود فقط عوض تقديم عقد الملكية لتسهيل العملية، مؤكدا بأن 1200 ملف من أصل 1800 ملف مودعة تتوفر في أصحابها شروط الاستفادة من إعانة الدولة، لاسيما وأن بلدية بغلية منطقة ريفية والبناء الريفي فيها يعتبر الصيغة الأكثر طلبا من قبل السكان هذه المنطقة، فيما تبقى بعض البلديات رهينة عدم التنسيق بين الجهات المعنية في قطاع السكن على غرار بلدية الناصرية التي لم يحظ سكانها بإنجاز مثل هذه السكنات التي يحلم سكان المناطق النائية في تجسيدها على أرضية الواقع.
* كلمة مراسل كفى من "البوتيكات" الإعلامية بقلم محمد مرواني صار فعلا المستوى الإعلامي الرديء الظاهر في تناول وجوه الإعلام الجديد لقضايا الشأن العام يعبر عن السطحية في الطرح، والمعالجة الإعلامية لقضايا الدولة والمجتمع سطحية غذتها قنوات تعددية السمعي البصري التي جاءت على عجل وأنتجت لنا الآن مضمونا لا يعبر لا عن الجزائر التعدد ولا عن التعددية الإعلامية التي ترتكز على خط إعلامي ناظم للمؤسسة الإعلامية في تعاطيها مع الشأن العام بإسقطاته المتعددة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. بصراحة، ولو كانت مرة، نحن أمام مشهد إعلامي تتكاثر فيه القنوات ..تتبادل فيه صور الأرشيف ..تتزايد السطحية والتمييع والتقليد في تقديم مضمون إعلامي للجمهور، سيفيق إن عاجلا أو آجلا ،أن الميكرفون الممنوح له لنقد الموجود لم يمنح له عن رؤية وإيمان بإعلام تعددي تصب فيه جميع القناعات، بل هو الميكرفون الذي يتجول لالتقاط صور وآراء من الشعبوية والسطحية والتلقائية ليجعلها مادة إعلام صانعة للرأي العام. أي عبث هذا الذي يحدث في ساحة إعلامنا الذي يعج بأشباه الصحفيين والمبتدئين الذين يقدمون الآن أمام الجمهور والنخب الإعلامية وقبل ذلك المثقفة، أنهم مراجع نخبوية إعلامية تستطيع نيل إعجاب المعجبين بالاعتناء بالشكل والاهتمام به أكثر من المضمون، أي إعلامي هذا الذي لا يستطيع أن يتحدث خارج الورق والنص لدقائق ليرتجل أمام الجمهور طارحا وعاءه اللغوي والمعرفي والثقافي ليثري به مضمون حصته التلفزيونية. لقد تحولت بالفعل القنوات التي تشغّل هؤلاء ولا أسميهم بالإعلاميين إلى "بوتيك" يدخله من هب ودب، والمصيبة أن نرى جرائد تتناقل على صفحاتها استقالة هؤلاء من.. ليلتحقوا ب …وكان لهؤلاء مسارا مهنيا يتعدى العشرين سنة من العمل الصحفي، أليس هذا تقزيم للإعلام كقطاع بيني قبل حرية التعبير نخبا تتحدث من مواقعها الوظيفية والاجتماعية الرمزية لتصنع في الآخير رأيا عاما قد يصوب سياسات عامة. إن استفحال "البوتيك الإعلامي" وأرجو أن لا أكون قاسيا في توصيف ما أراه على منابر قنوات تلفزيونية من ضعف في الآداء الإعلامي يشكل خطرا حقيقيا على نجاح تجربة التعددية الإعلامية في السمعي البصري في البلاد، فإما أن نبني إعلاما متعددا تؤسس له نخب تقنع إعلاميا ومهنيا، وإما أن هذا الإعلام لن ينتج إلا روتينا آخر وفراغا أكثر لدى الجمهور، ثم أي تعددية هذه التي نحيل فيها الناس إلى الكم لا الكيف، أليس الإعلام منبرا لتنافس الأفكار والرؤى وفضاء لتكريس ثقافة التعدد وبناء المعرفة؟. مؤسف هذا الذي نراه اليوم على منابر قنوات التعددية من غياب لإعلام المعرفة والمهنية، وقد لايكون غريبا أو صادما أن نصل بعد تجربة سنوات من إطلاق تعددية في السمعي البصري إلى هذا الوضع الإعلامي الصعب بعد أن أصبحت سلطة المال توظف من تشاء وتتيح لظاهرة "البوتيكات الإعلامية" الظهور على الساحة. وإن الكثير لايرى أن الجمهور الآن قد عاد إلى مدرسة الإعلام العمومي الذي بنته كوادر صحفية تعلم عن يقين وعن تكوين دورها وتصنع بخبرتها المهنية آداءً مهنيا محترفا قد يكون سلاحا أنسب للقضاء على "بوتيكات إعلامية" قد تثير إعجاب البعض ولكنها لا تستطيع هذه القنوات أن تصنع لنفسها مكانة أمام صناع المهنة والغيورين عليها، فلا يصح في الأخير إلا الصحيح. ربورتاج: أمال. ح