عراقيل الإدارة والبنوك أثرت كثيرا على البرنامج يُعد برنامج السكن الريفي واحدا من البرامج الطموحة التي تبنتها الجزائر خلال السنوات الأخيرة مع عودة السلم والاستقرار الأمني؛ رغبة منها في تثبيت ما تبقّى من السكان الذين أُجبروا خلال العشرية السوداء على ترك قراهم ومناطقهم الريفية والنزوح نحو المدن والمناطق العمرانية الحضرية، إلا أن المشروع الذي دخل خماسيته الثانية لازالت تعترضه العديد من العراقيل الإدارية والتقنية، وهو ما قد يرهن آمال الدولة في النهوض بالريف. »أخبار اليوم« رصدت لكم واقع المشروع في عدد من الولايات تابعوا... نقص العقار وعراقيل البنوك يهددان المشروع في بجاية استفادت ولاية بجاية في إطار البرنامج الخماسي الجديد 2010 2014 من برنامج سكني واسع، يتمثل في حصص كبيرة من السكن الاجتماعي التي تتعدى 2000 مسكن من الصنف المذكور، فيما أعلى الحصص السكنية الأخرى تخص السكن التساهمي والريفي، وهذا مقارنة بما استفادت منه الولاية خلال البرنامج الخماسي السابق، والذي لم يغط حاجيات سكان الولاية، الذين لازالوا إلى غاية اليوم ينتظرون التفاتة السلطات العليا في البلاد من أجل التدعيم بحصص كبيرة من السكن الريفي. وحسب ما كشف عنه والي ولاية بجاية في العديد من الزيارات إلى مختلف بلديات الولاية، فإنه سيقوم بتدعيم العديد من البلديات المحرومة من السكن الاجتماعي أو التساهمي بالسكن الريفي المتمثلة في الإعانات المالية المقدرة ب 70 مليون سنيتم، تُمنح لكل مستفيد قبل ملفه بالموافقة من طرف اللجان المشكَّلة على مستوى الدوائر. ورغم استفادة مجموع بلديات الولاية من حصص معتبرة من هذا الصنف السكني إلا أن الإشكال يبقى قائما في عملية الحصول على هذه الأموال والتي تشترط المصالح التقنية على كل مستفيد البدء في إنجاز الشطر الأول من المشروع مقابل حصول صاحبه على الشطر الأول من الإعانة المالية. هذه العملية رفضها عدد كبير من المستفيدين الذين تحدثت معهم »أخبار اليوم«، حيث لم يعجبهم هذا الإجراء الذي يعرقل في كل مرة تحقيق مبتغاهم، لا سيما بالنسبة للمستفيدين من الفئة الفقيرة الذين لا يمكلون الإمكانات المالية حتى بشراء قوت العيش لأبنائهم. هذا الانشغال سبق وأن طرحة مختلف المستفيدين على المسؤول الأول بالولاية، الذي وعد بالعمل على إيجاد حل عاجل ومناسب لهذا الإشكال الذي دخل حيز التنفيذ في بعض البلديات، فيما يبقى مطروحا في بلديات أخرى، خاصة إذا علمنا أن مختلف البنوك ترفض في كل مرة دفع مستحقات المستفيدين رغم تقديم مقررات الاستفادة. وقد سبق وأن طُرح هذا الإشكال في العديد من البلديات، وبالخصوص بلدية ذراع القائد، التي وجد سكانها مشاكل كبيرة مع مصالح البنوك. وعلى ذكر مشاكل أخرى فإن بلدية درقينة تعاني من مشكل العقار وخطوط الضغط العالي، وهو الأمر الذي أثر سلبا على هذه البلدية ذات الطابع الفلاحي بنسبة 85 بالمائة وعدم استفادتها من أي مشروع خاص بالتنمية الريف، وذلك بالنظر للعقبة الكبيرة المذكورة، والتي ظلبت تقبح قاطرة التنمية بالمنطقة، التي يُعد بإمكانها استقبال مشاريع ذات منفعة عامة بعد استنفاد كل الجيوب العقارية بها. أكثر من 15 بالمائة من البقع الريفية لازالت مهجورة بالشلف حققت ولاية الشلف نسبة 90 % من نسبة توزيع السكنات الريفية التي استفادت منها الولاية خلال العشرية الماضية، والتي قُدرت حصتها بمجموع 12 ألف وحدة سكنية تضاف إليها 3 آلاف وحدة سكنية تدعمت بها الولاية مؤخرا، حسب ما كشف عنه والي الولاية في تصريحاته الأخيرة بشأن برنامج السكن الريفي. وقد عملت المصالح المشتركة للولاية على إنجاح هذا المشروع؛ حيث تم توزيع 90 % من أصل 12 ألف وحدة سكنية ريفية؛ أي استفاد أكثر من 9 آلاف نازح أو ثابت من هذه السكنات، فيما لم يتم توزيع أكثر من ألف وحدة سكنية من برنامج المخطط الخماسي تضاف لها 3 آلاف وحدة أخرى التي تدعمت بها الولاية مؤخرا، وهو ما يجعل أكثر من 4 آلاف وحدة سكنية تنتظر الإفراج عنها قبل نهاية السنة. إلا أن مشكل إتمام الملفات يبقى الحاجز الأول لكثير من المواطنين، ويحول دون استفادتهم من السكن الريفي، ويعرقل مسار إعادة السكان النازحين إلى قراهم بالأرياف. وحسب بعض ضحايا الوثائق الإدارية أو الوثائق التي تثبت ملكية الأرض تبقى غير متوفرة، كون أغلب مالكي الأراضي بالأرياف لا يملكون وثائق رسمية، وكل ما يملكون من وثائق ثبوته هو أوراق تثبت ملكية الأرض ممضاة من طرف كاتبها أو الشهود. كما أن مشكل الورث له دور كبير في عدم تسوية وثائق ملكية الأرض. أما المشكل الثاني فيتعلق بالتمويل الذي يعرقل كثيرا نجاح تطبيق البرنامج الخماسي المتعلق بالسكن الريفي. الواقع المر والذي يُعد حقيقيا هو غياب منهجية حقيقية مدروسة تعالج طريقة توزيع الحصص السكنية على 35 بلدية بالولاية، ومنها على المداشر والقرى المهجورة، وهذا رغم الحصة الكبيرة التي تدعمت بها الولاية، إذ أن أكثر من 50 % من السكنات الريفية وُزعت على أصحابها من الذين يسكنون بالمجمعات السكنية القريبة من المدن والمحيط العمراني، وهو ما يجعل التوزيع بهذه الطريقة يلغي تشجيع سكان الأرياف على العودة إلى قراهم النائية. وتوجد بولاية الشلف أكثر من 15 بالمائة بقعة مهجورة عن آخرها منذ العشرية السوداء، حيث رفض سكان هذه البقع والدواوير العودة إلى قراهم متحججين بعدة أسباب، منها غياب التحفيز المادي والمعنوي للعودة، وإعادة تعمير المنطقة من جديد. كما تغيب سياسة واضحة ترغّب السكان في العودة مجددا؛ كخلق مشاريع استثمارية تفتح مناصب شغل، وغياب بعض الضروريات بالقرى النائية كالماء الشروب، وغياب ماء السقي الذي يُعد السبيل الوحيد لإنجاح التنمية الفلاحية بالريف، سواء بفلاحة الأرض وغرس الأشجار المختلفة أو تربية الماشية. صعوبة في الحصول على الدفتر العقاري بالمدية يمثل برنامج السكن الريفي العمود الفقري لتشجيع عودة النازحين من المناطق الريفية خلال سنين الجمر، بالإضافة إلى كبح جماح الأقلية المتبقية الراغبة هي الأخرى في مغادرة الديار نحو المناطق الحضرية وبطرق مختلفة، يتصدرها البحث عن سكن اجتماعي- إيجاري وبشتى السبل، بسبب العجز الملاحَظ في التغطية الكافية لهذه الصيغة من السكن بالنسبة لسكان البلديات التي مرت عليها فرق مسح الأراضي على وجه الخصوص. ولاية المدية سبق لها وأن استفادت من 15420 إعانة مالية لبناء سكن مريح منذ 2002، ولغاية2004، بينها ثمانية آلاف 8000 وحدة في إطار المخطط الخماسي 2005-2009، والتي اعتبرها أعضاء المجلس الشعبي الولائي غير كافية في دورتهم الأخيرة عند مناقشة الملف، كما تم تسجيل ألفي سكن ريفي في إطار برنامج دعم تنمية مناطق الهضاب العليا التي تضم 20 بلدية بجنوب الولاية، بينها 3.500 حصة بمبلغ 50 مليون سنتيم للحصة الواحدة للبناء، و2000 حصة أخرى لترميم السكنات الهشة بقيمة 25مليون سنتيم. لكن الملاحَظ في هذا الصدد هو عدم تلبية حاجات الراغبين في الحصول على سكن ريفي لشساعة الولاية، حيث تراوحت حصص هذه البلديات بين 50 حصة كحال بلدية البواعيش التابعة لدائرة الشهبونية، و250 وحدة ببلدية قصر البخاري مقر الدائرة، وأن ثماني بلديات تحصل الواحدة منها على 80 حصة، وهذا في ظل تزايد الطلبات على هذه الصيغة، والتي تفوق 60 ألف ملف على وجه التقريب. أما في ما يخص برنامج المخطط الخماسي فقد استفادت المدية من 8000 إعانة لتشييد مساكن ريفية عبر 64 بلدية. تراوحت حصة البلدية الواحدة ما بين********************* 00 ببلدية بعطة بالأطلس البليدي، ونحو 700 ببلدية أولاد إبراهيم التابعة لنفس دائرة العمارية. وتبقى دائرة سيدي نعمان ببلدياتها الثلاث تتصدر القائمة على مستوى الولاية ب 1222 حصة لتسهيل الحصول على شهادة الحيازة قبل توقيف العمل بها. أما رقم صيغة السكن الريفي، حسب لجنة التجهيز والتهيئة العمرانية بالمجلس الشعبي الولائي في دورته نهاية مارس الفارط، فإن البرنامج المسجل في إطار المخطط الخماسي إضافة إلى برنامج الهضاب العليا والاستدراكي والتكميلي لعامي 2008-2009، فقد ارتفع إلى 19.148 وحدة منذ تطبيق هذا النمط عام 2002، انتهت الأشغال ب 11.804 بنسبة 61.50، و3.930 وحدة لم تشهد عمليات الانطلاق بعد لمشاكل تقف حجر عثرة في طريقها، ومن بينها على سبيل المثال، لا الحصر، عدم الحصول على الدفتر العقاري بالنسبة للبلديات التي تم مسح أراضيها، وكذا على شهادة الحيازة بعد توقيف العمل بها. وحسب كل الذين تحدثنا إليهم في شأن عراقيل السكن الريفي فإنهم حصروها في هذين السببين بالدرجة الأولى. المشروع جُمد في بعض بلديات بومرداس شهدت مختلف قرى بلديات ولاية بومرداس خلال العشرية السوداء، حركة نزوح ريفي كبيرة لمختلف المناطق الأخرى المجاورة. وأمام هذا الوضع قررت السلطات الولائية ضرورة دعم كل البلديات النائية منها وكذا الريفية، ببرنامج استعجالي يضم على الأقل 5000 وحدة سكنية لتدارك الوضع وتطويق الأزمة تدريجيا، خاصة وأن أغلب طالبي السكن شباب ممن تجاوز سنهم الثلاثين سنة. إضافة إلى هذا، أحصت الولاية حوالي 08 آلاف سكن هش، الكثير منها مهددة بالانهيار في أي لحظة على غرار السكنات القديمة المبنية بالقرميد، والتي تعود إلى الحقبة الاستعمارية أو تلك التي اضطرت عائلات لبنائها بطريقة عشوائية خلال العشرية السوداء. وفي إطار التنمية الفلاحية ومن أجل ضمان مكانة بنك الفلاحة والتنمية الريفية بصفة دائمة ببومرداس، تم الاعتماد على صيغة جديدة انطلق في التجسيد فيها منذ قرابة سنة؛ بمنح قروض سكنية لتمويل السكن الريفي بنسبة 50 بالمائة لفائدة الراغبين في بناء سكن ريفي، على أن يتم تسديدها في 15 سنة دون أن يقدم المستفيد أي ضمانات أو رهون، في حين على المستفيد أن يدفع تأمينا على القرض لدى وكلات التأمين كشرط أساس ليقبض القرض. وكشفت إحصائيات مصالح مديرية السكن والتجهيزات بولاية بومرداس، أن هذه الأخيرة قد أحصت أكثر من 34790 إعانة مالية للسكنات الريفية في الفترة الممتدة من 1997 إلى 2009، بنسبة إنجاز تجاوزت 80 بالمائة، وهو ما ولّد رغبة جامحة لدى سكان الأرياف بمغادرة الأوساط الحضرية، حيث تهدف الجهات المعنية لتحقيق أهدافها المرجوة، والمتمثلة في تثبيت السكان ودعم تنمية الفضاءات الريفية. وأدى الغياب شبه الكلي للتنسيق بين الإدارات المختلفة المسؤولة عن تنفيذ مختلف البرامج السكنية المتواجدة ببلدية الناصرية شرق ولاية بومرداس، إلى تعطيل استفادة 250 أسرة من إعانات السكن الريفي على مدى أكثر من 03 سنوات. وحسب مصادرنا فإن المشروع يعود إلى نهاية 2007 عندما تقرر بيع 250 قطعة أرضية للمستفيدين من سكنات ريفية بالبلدية.. من جهة أخرى، هدد ما يزيد عن ألفي شخص من بلدية بغلية بالانتقال جماعيا إلى مقر الولاية والاعتصام أمام مدخلها احتجاجا منهم على العراقيل البيروقراطية التي يواجهونها منذ سنوات، والتي حالت دون استفادتهم من إعانات الدولة الخاصة بالبناء الريفي. وقال هؤلاء إنه رغم مرور 04 سنوات على وضع ملفاتهم التي تجاوزت 18900 طلب، إلا أنه لم يُفصل بعد في قائمة المستفيدين، ولم يستفد إلى حد الآن سوى شخص واحد. وحسب نائب رئيس البلدية المكلف بهذا الملف بلقصية الوناس، فإن السبيل الوحيد لرفع التجميد عن ملفات هؤلاء هو تدخّل السلطات الولائية وقبول شهادة الملكية الخاصة المتحصل عليها عن طريق الشهود فقط عوض تقديم عقد الملكية لتسهيل العملية، مؤكدا بأن 1200 ملف من أصل 1800 ملف مودعة تتوفر في أصحابها شروط الاستفادة من إعانة الدولة، لا سيما وأن بلدية بغلية منطقة ريفية، والبناء الريفي فيها يُعتبر الصيغة الأكثر طلبا من قبل سكان هذه المنطقة. تراجع كبير في الإقبال على هذا النمط في الجلفة تعرف وتيرة إنجاز السكنات الريفية بولاية الجلفة بطئا كبيرا رغم استفادتها من حصص هامة قُدرت، حسب إحصائيات رسمية، ب 20152 وحدة سكنية موزعة على برنامج التنمية الريفية ب 2850 سكن، أُنجز منها لحد الآن 2402 وحدة سكنية بنسبة 84.88 بالمائة، وكذا البرنامج الخماسي ب 11650 وحدة سكنية، أُنجز منها 3002، وعدد آخر قليل هو في طور الإنجاز لتصل نسبة ما أُنجز من هذا البرنامج 25.77 بالمائة، في حين أن العدد الباقي من مجموع السكنات المسجلة موزع ما بين البرنامج الاستدراكي ب 652 وحدة سكنية لم ينطلق العمل بها، بالإضافة إلى برنامج الهضاب العليا بإجمالي 5000 سكن غير منطلق العمل به أيضا. وحسب بعض المصادر فإنه من المتوقع إنجاز وتسليم 6100 وحدة سكنية مع نهاية السنة الحالية موزعة على برنامج التنمية الريفية ب 499 سكن و4851 سكن آخر في إطار البرنامج الخماسي، في حين تسجل 750 وحدة سكنية في إطار برنامج الهضاب العليا. وتبقى بعض الملفات على مستوى الدوائر 12 الممثلة لولاية الجلفة، في انتظار الدراسة من طرف اللجان التقنية، والمقدر عددها، حسب الإحصائيات الأخيرة التي تحصلت عليها جريدة »أخبار اليوم«، ب 1527 ملف، موزعة على برنامج الهضاب العليا والبرنامج الاستدراكي، وهو ما وقفت عليه لجنة الفلاحة البرلمانية، التي حلت مؤخرا وطافت بعدد معتبر من البلديات والدوائر. وقد أرجع الكثيرون التأخر الكبير في إنجاز السكنات الريفية التي تشجع أصحابها على إعمار الريف، إلى بطء عملية الدراسة التقنية التي تقوم بها اللجان التقنية على مستوى الدوائر، وكذا بطء تسديد الفواتير التي جعلت أصحاب السكنات يتوقفون عند المرحلة الأولى، لتُطرح قضية أخرى في غاية الأهمية، وهي غلاء مواد البناء خاصة الإسمنت الذي يتراوح سعره بين 700 و850 دينار للكيس الواحد، وهو ما ينعكس سلبا على الأغلفة المالية للمشاريع. وحسب بعض المقاولين، فإن تذبذب أسعار مواد البناء وغلاء البعض منها وبشكل غير مقبول، كان له أثره السلبي وراء تأخر إنجاز مشاريع البناء الريفي، حيث يطالبون في هذا الإطار الجهات الوصية بالتدخل لإعادة مراجعة الأغلفة المالية للمشاريع بما يتماشى والأسعار المطبقة على مواد البناء في الأسواق، خصوصا وأن العديد منهم تكبدوا خسائر فادحة جراء الزيادات التي عرفها سوق البناء مقارنة بالأسعار المتعاقد عليها، والتي باتت غير مناسبة. إعداد: ز. طاوس / المراسلون