بقلم محمد مرواني لم يعد مفهوما على الإطلاق بقاء هذه الحالة الغريبة من التراشق الإعلامي بين أحزاب الموالاة والمعارضة تتبادل تهم التقصير والتخوين، والمعروف أن خطاب الأحزاب السياسية لاينطلق من الشخصنة، بل هو خطاب عام موجه للرأي العام وللدولة بشكل عام. هل ما نراه الآن من رسائل وشفرات سياسية تبعث من هنا وهناك من أي تشكيل سياسي في الساحة الوطنية يعبر بالفعل عن ممارسة سياسية ترتقي بالتعددية والديمقراطية وثقافة الدولة؟، لا أعتقد ذلك، فالكثير مما نراه من ممارسات اليوم في ساحة السياسة لا يعبر إلا عن شخصنه الشأن العام وتقزيم شأن الدولة تحت مسميات عدة، وإن كانت غاية السياسيين الممارسين الآن لخطاب الشخصنة الوصول إلى السلطة، طارحين مشاريع سياسية تحاول بها أحزاب على لسان قادتها استمالة الجمهور الذي واجه الممارسات الحالية بعزوف كامل عن إبداء الرأي أو التفاعل على الأقل مع الموجود من خطاب سياسي لأحزاب مازالت تصفي حساباتها على حساب ثقافة الدولة. ألا يكف هؤلاء الساسة عن إغراقنا في الشخصنة والأنانية السياسية، وكأن هذا الجمهور لا رأي له ولا تصورله في بناء طموحه السياسي، لقد أضعف خطاب الشخصنة الذي تمارسة اليوم أحزاب عديدة العمل السياسي بالبلاد الذي أضحى يعاني من الروتين والفراغ القاتل، ولا يمكن أن يستعيد العمل السياسي نفسه إلا بتغير هذه الأحزاب من سلوكها ورؤيتها الضيقة لقضايا الشأن العام، وما يتصل بالعمل السياسي وغاياته. كيف يمكن أن تبقى ثقافة شخصنة العمل السياسي الممارسة الآن لصيقة العمل السياسي بالبلاد، ونحن قاب قوسين أو أدنى من استحقاقات سياسية محلية وتشريعية تنظم في كنف دستور جديد حمل آفاقا لتعميق الممارسة الديمقراطية وبناء المعارضة القوية والسلطة قوية بها، هذا ما أنتجته تجارب تاريخية في الحياة السياسية للشعوب التي بنت دولا على الديمقراطية وثقافة الدولة الراسخة في أذهان وممارسات الأحزاب وقوى المجتمع المدني. إذا أردنا أن نبني أحزابا سياسية ونؤسس لفعل المعارضة السياسي ونجسد مفهوم الموالاة السياسية كثقافة سياسية لدى أحزاب تدعم برامج ورؤى السلطة في إدارتها للشأن العام، فعلى كافة التشكيلات السياسية، ألن تعي دورها وتبني خطابا عاما يعبر عن المشاريع والبرامج والأفكار التي تبني وتثري ماهو موجود في كيان الدولة المؤسساتي. أما خطاب التقصير والتهويل وتبادل التهم ورسائل التقصير، فلن يجدي نفعا ولن يبني إلا فوضى سياسية لا يمكن أن ننتظر منها شيئا في المنظور القريب، وقد عاد من الضروري أن تراجع الأحزاب خطابها في هذا الوقت الذي ملّ فيه الشعب من الحديث باسمه وكأنه العاجز عن الاختيار والانتقاء والانخراط في العمل السياسي البناء. لقد أصبح العمل السياسي بالبلاد في حاجة لكوادر سياسية بالفعل تنطلق من الممارسة العامة لا من الشخصنة التي أضعفت كل سياسي وجعلت الشأن العام مطية لمن هب ودب، والدولة التي تنشد الأحزاب بناءها وتطويرها يجب أن تؤمن بشيء واحد وهو أن سياسة الدولة لا يبنيها مزاج البشر، بل يؤسس لها الفكر المحين، فما للدولة للدولة، ولا مجال لتقزيم وشخصنة كيانها في كلام لا يحمل إلا طموحا شخصيا أو غاية خاصة.