مع اقتراب موعد انعقاد "مؤتمر مزفران 2 " الذي تحضّر له "تنسيقية الانتقال الديمقراطي"، والمرتقب نهاية الشهر الجاري، صعّدت رموز الموالاة من لهجتها تجاه أحزاب المعارضة، وكان لافتا في بعض التصريحات كتلك التي صدرت عن كل من أمين عام التجمع الوطني الديمقراطي بالنيابة، أحمد أويحيى، وغريمه في الحزب العتيد، عمار سعداني، التقاؤها عند اتهام المعارضة بالتواطؤ مع أطراف خارجية، لضرب استقرار البلاد.. اتهام خطير وغير معهود.. فما جدية هذه الاتهامات؟ وهل الأمر يتعلق بمجرد تراشق سياسي وإعلامي، هدفه تحريك بركة المشهد السياسي الراكد؟ ولماذا جاءت في هذا الوقت بالذات؟ هذه الأسئلة وأخرى سيجيب عنها "الملف السياسي" لهذا العدد. أحزاب السلطة تستبق "مزفران 2 " بانتقاد رموز المعارضة "خطاب التخوين" يلوّث الممارسة السياسية عاد التراشق الإعلامي و"خطاب التخوين" بين أحزاب الموالاة والمعارضة، وجسّد هذا، آخر تصريح للأمين العام بالنيابة للتجمع الوطني الديمقراطي، أحمد أويحيى، ملتحقا بذلك، بالأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، عمار سعداني.. فيما تبقى المعارضة ممثلة في "تنسيقية الانتقال الديمقراطي"، تحضّر مؤتمرها الموعود في صمت . أويحيى وفي الرسالة التي وجهها لمناضلات حزبه بمناسبة عيد المرأة، قال: "لقد تناسى أولئك من داخل البلاد، الذين غرقوا في حماقاتهم الهدامة، أن شعبهم الذي لا يزال يضمد جراحه، يتابع اليوم الحصيلة الدموية لما يسمى الربيع العربي.."، واتهم المعارضة بالعمالة للخارج: "لقد بدأت امتداداتهم في الخارج تتحرك قصد ترويج وهم مفاده أن الجزائر أصبحت تشكل خطرا على محيطها ". ويلتقي تصريح مدير الديوان برئاسة الجمهورية، مع تصريحات سابقة للأمين العام ل "الأفلان" قال فيه إن "الجزائر محاصرة من كل الجهات، وهي الدولة التي يراد لها أن تلتحق بدول الربيع العربي"، واتهم أطرافا لم يسمها، بأنها "تردد عبارات يتغنى بها العملاء والانتهازيون"، في إشارة فهمت على أنها موجهة للأحزاب الرافضة لتوجهات السلطة. وقد وضعت هذه التصريحات رموز المعارضة في موقع المدافع بعد أن كانت هي المبادرة بالهجوم، وهي ربما استراتيجية تكون قد أحاكتها أحزاب السلطة بإحكام، ويبدو أنها نجحت فيها.. أقوى رد على هذه الاتهامات جاء على لسان رئيس حركة مجتمع السلم، عبد الرزاق مقري، الذي قال إن تقوية الجبهة الداخلية لمواجهة التحديات الخارجية، لا يمكن أن يتحقق بالطعن في الجبهة الداخلية والتشكيك في وطنية رموزها، على حد تعبيره. وبات واضحا من خلال الهجوم المنسق الذي يقوده كل من عمار سعداني وأحمد أويحيى، أن المستهدف هو الطعن في وطنية ومن ثم مصداقية رموز المعارضة، الذين سيلتقون نهاية الشهر الجاري في ما بات يعرف ب "مزفران 2"، ومن ثم استباق إفشاله. ولم تجد أحزاب الموالاة من مؤاخذات لاتهام أحزاب المعارضة، غير توظيف "الوجه القبيح" لما يعرف ب"الربيع العربي"، الذي اجتاح بعض الدول العربية وأدخلها في جحيم الاقتتال والدمار، مثل سوريا وليبيا واليمن، وهي تهمة ترفضها المعارضة جملة وتفصيلا، كونها لم تلجأ لتوظيف الشارع في صراعها السياسي مع السلطة، كما تقول، وتفضل خيار التغيير السلمي والهادئ. وبالمقابل، يمكن القول إن صدور اتهامات بهذه الخطورة عن مسؤول بحجم أويحيى، الذي يتقلد منصبا ساميا في رئاسة الجمهورية، يخفي احتمالين، إما أن الرجل توصّل إلى معلومات لا يرقى إليها الشك، تدين من وُجّهت إليهم تلك الاتهامات، وفي هذه الحالة، يتعيّن متابعة الجهات المعنية بتلك التصريحات قضائيا، لأن حماية أمن البلاد مسؤولية تتعدى أويحيى وسعداني، ويجب أن تبقى بعيدا عن التوظيف السياسي. أما الاحتمال الثاني، فهو ذلك الذي يدرج تلك التصريحات في سياق التراشق السياسي الموجه للاستهلاك، وهو توجه إن كان مقصودا، فإنه يؤشر على المستوى السحيق الذي آلت إليه الممارسة السياسية في البلاد. ما هو مؤكد في الوقت الراهن، هو أن الأزمة المتعددة الأبعاد التي تعيشها البلاد، لا تتحمل المزيد من التراشقات وتبادل الاتهامات وخطابات التخوين، بقدر ما هي بحاجة إلى خطاب بناء يستهدف البحث عن الحلول التوافقية للمشاكل العالقة، خطاب ينأى عن الاستقطاب وينزع نحو التجميع، وهي معاني غابت للأسف عن الممارسة السياسية في السنوات الأخيرة. ومن شأن استمرار هذا المشهد بسلبياته الكثيرة، أن يزيد من تكالب المتربصين باستقرار البلاد وبوحدتها الترابية، التي باتت مستهدفة أكثر من ذي قبل، من قبل القوى الاستعمارية التقليدية، التي لا يهدأ لها بال وهي ترى الجزائر بمساحتها الشاسعة (أكبر دولة في إفريقيا من حيث المساحة)، وثرواتها الكثيرة والمتنوعة، تنعم بالاستقرار، بالرغم من المؤامرات التي حيكت ضدها على مدار أزيد من عقدين من الزمن.
الناطق الرسمي للتجمع الوطني الديمقراطي صديق شهاب "المعارضة سلبية عدمية ترفض كل ما يأتي من السلطة" صعدت أحزاب السلطة مؤخرا ومنها التجمع الوطني الديمقراطي هجومها على المعارضة، لماذا في هذا الوقت بالذات؟ نحن لا نتهم الأحزاب والمعارضة بقدر ما نتهم أطراف داخل المعارضة. إذن ليس كل المعارضة، وهذه الأطراف متهمة باغتنام ظروف صعبة تواجهها البلاد لمحاولة تأليب الرأي العام الوطني واستغلال الأزمة وتأجيج الوضع السياسي والاجتماعي. وفي منظورنا نحن دائما نطالب بحد أدنى من الوطنية والتماسك الوطني، باعتبار العمل السياسي يضع مصلحة واستقرار البلد فوق كل اعتبار. ولذلك فمواقف الحزب من بعض أطراف المعارضة تأتي من باب لفت الانتباه، وهي نداء لكل هذه الأحزاب والأطراف المغرضة حتى تكفّ عن مناوراتها ومحاولاتها اليائسة لاستغلال الوضع الراهن. ما هي المؤاخذات التي سجلتموها على المعارضة؟ وما الذي لم يعجبكم في مواقفها؟ كل ما تقوم به المعارضة من ممارسات وأنشطة في ظل القوانين السارية المفعول فهو تكريس للديمقراطية، أما ما نعيبه نحن في "الأرندي" على المعارضة، فهو رفضها لكل شيء، بل رفضها المطلق لأي شيء يقدم لها وعدم قبول الرأي الآخر، ورفض كل ما هو قادم من السلطة، وكما يقال بالعامية "كلش ماشي مليح". وما نعيبه أيضا على هذه المعارضة هو أنها لم تقدم المقترحات اللازمة لتنوير الرأي العام، فهي معارضة رافضة لكل شيء بل هي معارضة تتسم بالعدمية وبالسلبية. وأضيف هنا أن المقترحات التي قدمتها المعارضة في "أرضية زرالدة" تكفلت الدولة بجلها من خلال التعديل الدستوري الأخير، ولذلك فالمعارضة تسعى للوصول إلى السلطة بأي طريقة كانت ولو حتى على أنقاض الدولة وهذا أمر مرفوض. وهل يقدم هذا الجدل شيئا لحل الأزمة برأيكم؟ هذا ما أراده الأمين العام للحزب، احمد أويحيى، من خلال رسالته الأخيرة بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، حيث أراد لفت انتباه المعارضة للتحديات والرهانات الحالية وضرورة إيجاد حد أدنى من التوافق والانسجام، حتى نتمكن من المجابهة وبشكل ايجابي وفعال للتحديات التي تواجه البلد سواء امنيا واقتصاديا. هناك من يقول إن هذا الجدل مفتعل للتغطية على الأزمة الحقيقية للبلاد؟ الأزمة والمشاكل التي تعاني منها البلاد معروفة. وليست الجزائر ولا الدولة الجزائرية المتسبب فيها، فمنها ما هو أمني فرضه الوضع الدولي والإقليمي وهي امتداد لصراع عصف بالكثير من الدول. إذن هذا الصراع الإقليمي مفروض علينا ونحن واجهناه منذ أكثر من 20 سنة، وهو ما يستوجب منا يقظة أكبر، خصوصا أن ما يسمى "داعش" انتقل من المشرق إلى المغرب، وهذه مؤامرة كبيرة بعد أن تم تحطيم المشرق جاء الدور على المغرب العربي الآن. وحتى اقتصاديا فالأزمة موجودة، وهي أيضا مفروضة علينا جراء سياسات كبرى الدول المنتجة للنفط والغاز الصخري وعودة إيران وغيرها من المستجدات. وأعتقد أن هذا الجدل والحراك هو لمواجهة أزمة حقيقية ونحن من ضمن ضحاياها، لأن الجزائر فعلا ضحية الصراعات والرهانات الجيوسياسية العالمية. هناك من يلومكم لعدم توجيه سهامكم لسعداني رغم هجماته المتكررة على الأرندي، وتكتفون بانتقاد المعارضة خصوصا أن التمسك بخطر الربيع العربي صار اسطوانة قديمة ولى عهدها؟ نحن نرفض هذه الجدلية. جبهة التحرير حليف للتجمع الوطني الديمقراطي، ونحن نعمل على دعم برنامج رئيس الجمهورية وتنفيذه وتعميق الإصلاحات في مختلف المجالات، ولذلك نحن لا ننتقد من أجل الانتقاد، ولكن نحاول دائما أن نلفت انتباه الرأي العام والطبقة السياسية إلى ضرورة الالتفاف على الأهداف التي سطرها رئيس الجمهورية، لتحقيق توافق وطني وتثمين الجبهة الداخلية، وبناء ديمقراطية هادئة. وأؤكد أن هذا هو خطابنا في "الأرندي" وهو يصب في هذه الأهداف التي سبق وان ذكرتها.
القيادي في جبهة العدالة والتنمية حسن عريبي: خطابات التخوين لا تصدر إلاّ عن رجل مجنون..! كيف تقرأ اتهامات أحمد أويحي للمعارضة بالعمالة للخارج...؟ معروف عن هذا الرجل أنه صاحب "المهمات القذرة"، سواء في أقواله أو أفعاله، وذلك منذ توليه منصب رئيس ديوان ليامين زروال، حيث أفشل مشروع المصالحة الوطنية التي كانت على وشك التتويج وقتها، وهو الآن يواصل في ذات المهمة، حين يتهم المعارضة الشريفة التي تريد أن تنقذ الدولة الجزائرية من المستنقع الذي تغرق فيه، ومن تلك السياسات التي هو بطلها بلا منازع، ويرمي المعارضة المتخندقة مع الشعب ظلما وعدوانا، بعدما تيقّن بأنها جادة في معارضتها لسلوكيات السلطة، وتتطلع نحو تحقيق آماله وآفاقه المستقبلية، دون طلل ولا ملل، فأحمد أويحيى وجد هذه المعارضة مصطفة في صف واحد، تعمل على فكرة واحدة، من أجل الوصول إلى أرضية حقيقية، تعترف بها السلطة وتشارك فيها، لإيجاد ميكانيزمات الخروج من الأزمة التي تتخبط فيها، مثل هذا النشاط هو الذي أقلق أمثال أويحيى، لذا عمد إلى تخوينها، كأقصر طريق لتشويهها واستهدافها. هل للتوقيت علاقة بخرجة أحمد أويحي في رأيك..؟ أعتقد أن هذه الخرجة تأتي في أعقاب تمرير الدستور بتلك المسرحية التي شارك فيها "سي أويحيى"، والآن يريد لفت أنظار الشعب إلى الضفة الأخرى، من أجل المزيد من التمريرات التي تقوم بها السلطة في البلاد. أليست محاولة من أويحي للتخلص من ملاحقة غريمه سعداني، عبر تحويل المعركة في الاتجاه الآخر..؟ هذا شيء مؤكد، كما نعلم جميعا فإن الأحزاب التقليدية للسلطة، هي الآن في خصومة سياسية، لذا يجتهد أويحيى في أن ينزعها من على نفسه ويرمي بها الآخرين، كالمثل العربي "رمتني بدائها وانسلّت"، فهذا الأمين العام للأفلان غير راض على أويحيى، لكي يكون في موقع "وزير أول" في الحكومة المرتقبة كما يعتقد سعداني، بينما يسرع أويحيى إلى الأمام، وكأنه يقول للشعب: أنا أكبر من الصراع وأكبر من الأفلان وأمينه العام، أي أنه منشغل ومتفرّغ في إطار الوصول إلى الحلم الذي يسكنه، ألا و هو التربع على عرش الجزائر. هل ترى في تصريحات "التخوين" موقفًا يخصّ الأرندي أم السلطة السياسية؟ هذا التصريح ليس بالضرورة معبّرا عن وجهة نظر الأرندي بصفة عامة، ولا النظام بكل أطيافه، بل هو مظهر من شطحات أويحي، ومن يوافقه من رجالات السلطة لا أكثر. ما هي ردود المعارضة على هذه الاتهامات الجارحة في وقت عصيب تمرّ به البلاد؟ أعتقد أن هذا الكلام الساقط لا يخرج إلا من رجل مجنون، فاقد لوعيه، ومثل هذا الخطاب المنحطّ قد تجاوزه الزمن، لقد عشناه في سنة 1994، حينما اجتمعت أطراف المعارضة في روما، بسبب منعهم من الالتقاء في الجزائر، سمعنا حينها خطاب التخوين لعظماء من أبطال الثورة التحريرية، من الذين أخرجوا "سي أويحيى من القماطة، فهذه الثقافة قد ولّت وانتهى عهدها، زيادة على ذلك، فإنّ العام والخاص من أبناء الشعب الجزائري لا تؤمن بتلك الشطحات والتقلبات غير الأخلاقية لأويحي، فهو يدور مع الرياح حيث تدور، وأنا أقول له "إنّ الرأي العام لن يصدقك يا سي أويحيى"، لأنك لا تستطيع أن تعيش ليوم واحد خارج السلطة، وليتك كنت من العبقريين، أصحاب المشاريع الكبرى التي يتطلع إليها الشعب الجزائري، وعلى ضوء ما سبق، يجب على السلطة، أن توقن بأنّ المعارضة موحدة وماضية في تحقيق أهدافها، وعلى أويحي، ومن معه، أن ينزلوا من على رأس الشجرة، لنلتقي على كلمة سواء، بما أنكم تعترفون في تصريحاتكم أن وضع البلاد ليس على ما يرام.