يصف مالك بن نبي رحمه الله شعوره يوم صدر له كتاب الظاهرة القرآنية بنوع من الاعتزاز وبكثير من الانتقام..خاصة من أولئك الذين سعوا إلى تحطيم إرادته وكسر طموحه خاصة منهم المستشرق ماسينيون الذي يمثل الإدارة الاستعمارية وبعض أبناء جلدتنا!!..فذكر بأن أول ناقد كتب عن الظاهرة القرآنية كان البروفيسور "مهداد" في جريدة la République Algérienne حيث كتب البروفيسور عن هذا الكتاب بأنه أول إنتاج للعبقرية الجزائرية..فعندما قرأ مالك رحمه الله هذا الكلام ذرف الدموع وشعر بنوع من الانتقام من المعاناة التي ألمت به منذ وقت طويل. ولست أدري ماذا سيكون قول بن نبي أو كيف سيكون شعوره لو يعلم بأن ما طرح من أفكار وما ترك من كتب قد انتفعت به دول كثيرة في شرق آسيا ومثقفون كثر في مشارق الأرض ومغاربها!؟. وماذا سيقول لنا لو يعلم بأن الكثير من المثقفين الجزائريين والطلبة وعامة الناس بدأوا في مصالحة شاملة مع فكره وفهم نظرته وأفكاره وقراءة كتبه وفهم من خلالها الاستعمار والحريّة..ومعنى أن يكون المواطن قابلا للاستعمار وترسيخ ذلك من حيث يدري أو لا يدري..وفهم معنى قيمة الإنسان والتراب والوقت ومعاني أخرى كثيرة كالتدين المغشوش وعالم الدين الذي قد يساهم بعلته في الفهم وسلبيته في الطرح في قابلية الاستعمار والدعوة لها من حيث لا يعلم. لقد ظُلم مالك بن نبي رحمه الله ظلما كبيرا من طرف الكثيرين..ظلم يوم فضلت الحركة الإسلامية في الجزائر تبني فكر آخر غير فكره وطرحه..فالأفكار الأخرى خاصة فكر الإخوان رغم ما جاءت به هذه الحركة الكبيرة من تجديد لمفهوم الدين والحياة إعادة الشعوب لمبادئ الدين الإسلامي خاصة بعد سقوط الخلافة الإسلامية إلاّ أن هذا الفكر أخفق من ناحية تعامله مع الثقافة والعقلية الجزائرية بل وكان عنيفا حتى مع التدين الجزائري الذي يتسم بالبساطة!! فمالك بن نبي فهم بعمق عقلية الشعب وعقلية المسؤول وعقلية المثقف وعقلية رجال الدين والسياسة فقدم ما تحتاجه من توجيه ونقد وإصلاح لأنه ابن الوطن عاش معه كل المراحل التاريخية..فقد كان شاهدا على الاستعمار والاستقلال وعاش المشاركة والتهميش والغربة وعانى مثل كل الجزائريين من الظلم والقهر. كم سيكون رائعا لو تُبَسَّط أفكار مالك بن نبي من طرف مختصين وتبرمج في مناهج الدارسة الجزائرية في الثانويات والجامعات.. وهذا لا يعني بأن أفكاره معقدة عصية على الفهم وإنما تتطلب المعرفة بكيفية التعاطي معاها وفهم المدة الزمنية التي كتبت فيها كتبه وطرحت فيها أفكاره. إن الذي يتعمق نوعا ما فيما كتب مالك بن نبي سيكتشف بأنه مثقف الجميع..خاطب العامل البسيط وسعى لتعليمه وتفهيمه ونُصْحه كما خاطب أصحاب الشهادات من كلا اللسانيين العربي والفرنسي بأفكار راقية ومفاهيم دقيقة. هنيئا لمالك بن نبي ونحن نرى كتبه تطبع في كل بلدان العالم..وهنيئا له بعودة المثقف الجزائري إليه والاهتمام بفكره والكتابة عليه والترويج لطرحه..كما أتمنى أن ينتفع رجال الدولة في الجزائر بطرحه وفكره السياسي حتى يمارسوا ال Politique وليس "البوليتيك" ونظراته الثاقبة في بناء دولة قوية سيادية لا تقبل وغير قابلة للاستعمار من أي جهة كانت.