يتهافت الجزائريون، منذ أيام، على إعداد العدة لرمضان، ليس بالتحضير الروحي لأداء مناسك شهر الصيام بل بالتحضير لملء ثلاجات البيوت باللحوم والمؤونة قبل حلوله، ومن يتمعن في حالة الأسواق العاصمية منذ أيام، والإقبال الذي تشهده على مختلف السلع الاستهلاكية، يعتقد -لا محالة -بأن المواطنين مقبلون على الصيام..لكن هي لهفة المواطن الجزائري التي يظهرها في مثل هذه المناسبات كعادته، والتي يستغلها جشع التاجر أيضا كعادته. تشهد الأسواق الجزائرية، عشية رمضان، موجة غلاء فاحش ترجمته زيادات غير مبررة في الأسعار، تعودنا أن تسبق بعض المناسبات، خاصة شهر رمضان الذي يسجل أعلى معدلات في المضاربة من طرف التجار ليس بسبب ندرة السلع، لكن بسبب سلوكيات الجزائريين الذين يكثر استهلاكهم خلال هذا الشهر وحتى قبله كما يحدث هذه الأيام، وكأن المواطن يخشى أن ترتفع الأسعار أكثر خلال رمضان فيستبق التجار لاقتناء احتياجاته قبل أن تتدخل اليد الخفية لرفع الأسعار إذا ما شوهد هلال رمضان، أوهكذا يعتقد على الأقل،هذه الصورة النمطية للهفة الجزائريين والتهاب الأسعار أضحت مألوفة ومعروفة مسبقا كلما اقترب شهر الصيام، لذا فمن قلة الوعي أن يفكر المواطنون الذين اكتظت بهم الأسواق منذ أيام أنهم يسابقون التجار في جشعهم. * التهاب غير مبرر للمواد الاستهلاكية قبيل رمضان رغم أن شهر رمضان الكريم هو شهر الرحمة والغفران، غير أنه في الجزائر ارتبط للأسف بجشع التجار ممن شحذوا سكاكينهم منذ قرابة أسبوع تأهبا لحلول شهر الصيام برفع أسعار الخضر والفواكه وقبلها أسعار اللحوم الحمراء والبيضاء بنوعيها. ومن خلال جولة قادتنا إلى بعض أسواق العاصمة، وقفنا على التهاب الأسعار، حيث يتكرر السيناريو كل مرة ليبقى المواطن البسيط يتخبط في مشاكل جيبه حتى قبل أن يحل رمضان، حيث ارتفعت أسعار اللحوم الحمراء بين ليلة وضحاها من 900 دج إلى 1400دج لكيلوغرام اللحم البقري، ومن 1400دج إلى 1700دج للحم الغنم، حسب جزء الماشية، فسعر لحم الفخذ مثلا أغلى من الأجزاء الأخرى، أما اللحوم البيضاء التي يعتمد عليها المواطن الجزائري بكثرة في هذا الشهر الفضيل، فقد يجد فيها المواطن ضالته إذا استقرت في سعرها الحالي الذي لا يتجاوز ال250 دج للكيلوغرام، وكأن التجار لم يعولوا هذا العام كثيرا على أسعار اللحوم البيضاء لإدراكهم بأن جل الأسر الجزائرية تعتمد على اللحوم الحمراء في شوربة رمضان، أما أسعار الخضر فشهدت تحولا طفيفا هي الأخرى، حيث انتقل سعر الطماطم الذي كان لا يتجاوز60 دج للكيلوغرام هاهي اليوم تباع ب110 دج، أما سعر الكوسة الذي كان قبل أيام قليلة يتراوح ما بين 40 و50 دج ارتفع اليوم وبلا سابق إنذار إلى 70 دج، تمهيدا لشهر رمضان، فيما ارتفع سعر الفاصوليا الخضراء إلى 100دج والحمراء إلى 170 دج ، ولعل المادة الوحيدة المرشحة للارتفاع هذا الموسم حسب الأخصائيين هي السلطة الخضراء، لأنها ليست في موسمها من جهة ولأنها تتأثر كثيرا بحرارة الشمس، وقد بلغ سعر الكيلوغرام عشية رمضان 100دج لكنها مرشحة للارتفاع إلى ما بين 130 إلى 150دج كما حدث العام الماضي، فهي مطلوبة كثيرا خلال رمضان منذ أن صار يحل علينا خلال عز الصيف، حتى أن الليمون الذي لم يحدث وأن بلغت أسعاره 300 دينار يؤشر لوحده أن الأسعار ستكون "قارصة" جدا خلال شهر رمضان. * سياسة الطلب تؤثر على الأسعار وتشجع المضاربة بمجرد ظهور هلال شهر رمضان التهبت أسعار مختلف المواد الاستهلاكية دون سبب اقتصادي، معلنة دخول أسواق الوطن في حرب جبهاتها مفتوحة على جيوب الجزائريين، ولم يمر على الشهر الكريم سوى أيام معدودات. الملاحظ أن المواطن الجزائري تحول إلى رهينة تتقاذفها أيدي بارونات المضاربة الذين تحولوا إلى أشباح عجزت الحكومات المتعاقبة عن مواجهتها، فرغم ما تروج له مصالح قمع الغش ومراقبة الأسعار عن تجنيدها ل6000 عون رقابة للسيطرة على الوضع، إلا أن جنود الخفاء المؤهلين لا تأثير لهم على أرض الواقع، بل على العكس تسابق التجار في رفع "بارومتر" الأسعار حتى قبل حلول الشهر الكريم كعادتهم لتحضير العائلات" نفسيا" لسيناريو النهب المنظم الذي يمارس على جيوبهم في كل موسم بنفس الإصرار والجشع. * السماسرة والمضاربين يفرضون سطوتهم هناك رأي آخر يرجع موجة الغلاء والزيادة في الأسعار إلى سلوكيات الجزائريين أنفسهم الذين لا يحسنون تنظيم استهلاكهم خصوصا في شهر رمضان الذي يصل فيه البذخ والتبذير إلى أقصى حدوده، وهو ما زاد في تمكين السماسرة والمضاربين من فرض جبروتهم وإخضاع الأسعار لمنطقهم، وهو ما يتسبب في ارتفاع الطلب بشكل كبير مما ينجم عنه التهاب الأسعار. هذه الصورة النمطية للأسعار والغلاء التي أضحت مألوفة ومعروفة مسبقا كلما جاء شهر رمضان، تفتح باب التساؤل على مصراعيه، فهل حقا تخضع السوق الجزائرية لقانون العرض والطلب في تحديد الأسعار، أم أن الجشع والمضاربة هما اللذان يتحكمان في توجيه الأسواق الوطنية في ظل انسحاب الجهات المسؤولة التي يقال إنها تتدخل لتنظيم السوق؟. الأكيد أن مثل هذا التأزم الذي آل إليه حال الأسعار في شهر كريم، لا يستدعي فقط تدخل وزارة بختي بن عايب للضبط والربط، بل ويتطلب معاقبة المخالفين والكشف عن القوى الاحتكارية ومن يتحالفون في عملية ترويع"الزوالية" كل رمضان وإلهائهم ببطونهم وغير ذلك، فأي محاولة لتنظيم السوق تبقى ضربا من الأوهام أو في أحسن الأحوال تبقى مجرد حلول ترقيعية، ولعل طرح قضية ارتفاع الأسعار مع حلول رمضان من كل عام هو دليل على ذلك. ح/سامية