عرفت منطقة تيكجدة، خلال اليومين الأخيرين، تزامنا وارتفاع درجة الحرارة، توافدا كبيرا للعائلات، فهي من بين المناطق المفضلة لقضاء الساعات الأخيرة قبل موعد الإفطار هناك، بالنظر إلى المناظر الطبيعية الخلابة بتلك المرتفعات، لا سيما مع نسمة الهواء النقي والمعتدل بعيدا عن زحمة المدينة وضوضائها بحيث لم تعد حكرا على سكان ولاية البويرة لوحدهم، والتي يتوافد إليها الزائرون من مختلف الولايات، على غرار بلديات بجاية وتيزي وزو وحتى المجاورة للولاية وغيرها، بالنظر إلى توفر الأجواء والظروف المناسبة لاستقبال الوافدين، بالإضافة لتوفرها على أماكن وفضاءات خاصة للأطفال الذين يستمتعون بقضاء أوقاتهم في جو ممتع في السباحة بمياه الوديان الباردة المتفرقة بالموقع، على غرار "واد بربر" الذي يستقطب أعدادا هائلة بعد الظهيرة مباشرة. وانتهزت العائلات تلك الأجواء المميزة من أجل أخذ صور تذكارية للأطفال والاستمتاع بدورها ببرودة تلك المياه، بحيث لا تزال موجة الحر الأخيرة التي مست الولاية تجلب عددا كبيرا من الزوار، وازدادت تلك النواحي إقبالا بأمس أكثر تزامنا ويوم عطلة نهاية الأسبوع.
* فج "ثيزي نكويلال" .. موقع راحة العائلات قبل موعد الإفطار لكن زيارة تيكجدة تحثنا على اكتشاف عدة أماكن أخرى بجبال جرجرة الساحرة، اذن فكلما صعدنا إلى أعالي جبال جرجرة، كانت درجة الحرارة تنخفض أكثر، وبعدما اقتربنا من فج تيزي نكويلال الذي يقع على ارتفاع 1560 متر اصطدمنا بالطبيعة الخلابة لهذا المكان ولطف هوائه البارد الذي ينسيك معاناة اليوم. وحسب ما أكده أحد أعوان الحظيرة الوطنية جرجرة، فإن هذا الطريق الذي يربط بين البويرة وتيزي وزو تقطعه الثلوج لمدة تزيد عن شهر، مشيرا إلى أن في شهر فيفري يصل سمك الثلوج إلى المترين، ويضيف محدثنا أن المكان يعج بالحركة على مدار أيام السنة، خاصة في شهر رمضان حيث تتوافد بعد الظهيرة أعداد هائلة من العائلات لقضاء فترات من المتعة والترويح عن النفس في أجواء من الفرحة والسعادة، هروبا من جحيم الحرارة ومن ضوضاء المدينة. تيزي نكويلال إذن يمثل مفترقا للطرق التي تؤدي إلى منطقة أمشدالة (شرق عاصمة الولاية) عبر الطريق الوطني رقم 30، وإلى تيكجدة عبر الطريق الوطني رقم 33، وإلى إفرحونان عبر الطريق الذي يفصل غابات أث وعبان. ويشد الانتباه أكثر في فج تيزي نكويلال هو ذلك الجمال الطبيعي الذي يتوفر على كل مؤهلات الطبيعية لجعله موقعا سياحيا جد هام، وهي صورة تطل على غابة جبال أيت وعبان وجبال قمة "الباب البيضاء" (تابورث ثاملالث) إلى غاية جبال جرجرة الممتدة إلى ولاية البويرة، وأفضل ما يميز موقع تيزي نوكلايل هو توفره على جبال عالية سهلة الصعود، حيث غامر العديد من الزوار بالصعود إليها مستمتعين بالمناظر الطبيعية الفريدة من نوعها.
* مسجد ذو طابع مغاربي بقلب تيكجدة
جولة في اليوم الثاني من الشهر العظيم هو إتمام مشروع إنجاز مسجد بقلب تيكجدة يتربع على مساحة تتعدى 400 متر، ذو طابع مغربي سيضفي طابعا خاصا ومتميزا لمنطقة تزخر بهذه المفاتن، يقصدها السياح والزوار من كل حدب وصوب. وفكرة إنجاز بيت اللّه بتيكجدة لم تكن من باب الصدفة، وإنما كانت حلما يراود السواد الأعظم من السياح أيام الجمعة لأداء صلواتهم بمساجد البلديات المجاورة على غرار بشلول وحيزر، وهي فكرة تجسدت على أرض الواقع في وقت قياسي فاجأ كل من سمع النبأ، والهدف منها إعادة التوازن لهذه المنطقة السياحية المتميزة. هذه هي تيكجدة.. إبداع الخالق في سحرها تخونك العبارات وأنت تصف شموخ جبالها وندرة مكنوزاتها، وزائرها وحده من يكشف سر جمالها الخلاب، وأنها دعوة ملحة للسياح لزيارتها لمعرفة صواب ما لم نستطع التعبير عنه بحبرنا.
* الوجهة والمتعة على مدار فصول السنة .. ولرمضان نكهة اخرى تزخر ولاية البويرة بمواقع سياحية هامة، جبلية وحموية وأثرية، ترشحها أن تكون قطبا سياحيا بشمال وو سط الجزائر، منها منطقة حمام كسانة بالهاشمية الواقعة على بعد 34 كلم جنوب الولاية وبأقصى الشرق، نجد موقع "تالا رانا" ببلدية الصحاريج التي تعد مكانا للتسلية والترفيه، وهمزة وصل بين ثلاث ولايات هي: بجاية، تيزي وزو، والبويرة، ولكن تبقى "تيكجدة" أهم موقع سياحي بالولاية، حيث قيل من لم يزر تيكجدة لم يزر البويرة. تيكجدة لمن لا يعرفها، تابعة إقليميا لبلدية الأسنام التي تقع على بعد 33 كلم عن عاصمة الولاية في قلب الحظيرة، الوطنية لجرجرة، بارتفاع يقارب 1700م وبمساحة قدرت ب 18550 هكتارا تابعة لولاية البويرة. فالراغب في زيارة الموقع السياحي "تيكجدة" يسلك الطريق الوطني رقم 33 حيث تحتضنك تضاريس متميزة وجبال شامخة ومناظر طبيعية خلابة نادرة حتى في بلدان العالم، كما يميزها مناخ ملائم للاستجمام، بعيدا عن أشعة الشمس الحارقة صيفا وممارسة الرياضة الشتوية عندما تكسوها حلة بيضاء من الثلوج وقردة تستقبلك على حواف الطريق وزقزقة العصافير ومجاري المياه الدافئة والتي تنافس في زرقتها السماء، وتتوفر هذه اللوحة الطبيعية "تيكجدة" على أنواع نادرة من الطيور والحيوانات، نذكر منها النسر الملكي، طير جبايات، وقرد الماغو البربري والذئب الأحمر، وغطاء نباتي كثيف من أشجار الأرز والفلين والصنوبر الحلبي الأسود النادر التي تتراوح أعمارها ما بين 600 وألف سنة، وهو ما رشحها لأن تكون موقعا عالميا وضمن المحميات الطبيعية لحظيرة جرجرة منذ عام 1935 وعام 1988 بعد إدراجها ضمن قائمة التراث العالمي البيئي.
* مغارات تروي أساطير الأولين
تتوفر تيكجدة على كم هائل من المغارات والكهوف والهوات التي لا تزال إلى الوقت الحالي غير مستكشفة بشكل كامل، وتعلق الأمر بكل من هوة أسول بعمق 900 م غير بعيد عن الملعب الأولمبي "أسول" الذي يستقطب أعدادا هائلة من الزوار والعائلات شهر رمضان الكريم للاستمتاع بالهواء البارد والنقي بعيدا عن زحمة المدينة وضجيجها وهوة النمر بعمق 1007 أمتار ومغارة الجليد بعمق 230 متر، ومصاعد ميكانيكية بمسلك التزلج الثاني الواقع برأس تيمدوين الذي يبلغ علو ارتفاعه عن سطح البحر 2035 أمتار شرق المنطقة والتي تعتبر من أحسن المسالك على المستوى الإفريقي.
ناهيك عن وجود "شالي" لممارسة الرياضة الجبلية بطاقة إيواء تتراوح ما بين 60 و70 سريرا به مطعم ومقهى وفندق جرجرة الواقع على علو 1440 متر، والذي فتح أبوابه لاستقبال السياح والزائرين داخل وخارج الوطن بتاريخ 22 ديسمبر 1976 بطاقة إيواء 200 سرير موجهة لاستقبال الرياضيين من مختلف بلدان العالم المعزز بمراكز التدخل السريع والإسعاف للحماية المدنية، ومتحف للطبيعة به كل المنتجات الموجودة على مستوى المنطقة لحظيرة جرجرة كالنباتات والطيور والحيوانات، إضافة إلى استفادة المنطقة من مشروعين تابعين لوزارة الشباب والرياضة أحدهما يتعلق بمشروع إنجاز خاصة بالنشاطات الرياضية، وأخر بمشروع إنجاز مسبح كما فيه برمجة واقتراح مشروع إنجاز مصعد هوائي تليفريك، إنطلاقا من تيكجدة إلى مدخل بلدية حيزر ولحد الساعة لم يري النور ولا يزال قيد الدراسة.
* مهرجان تيكجدة على خطى تيمقاد وجميلة
هذه المؤهلات حفزت السلطات الولائية على التشهير بجمال تيكجدة وجعلها على مدار أيام السنة قبلة لعشاق ومحبي خبايا الطبيعة ما دفع بها إلى تنظيم كل سنة مهرجان فني الذي انضمت به تيكجدة إلى رزمانة الولايات المنظمة لمثل هذه المهرجانات كتيمقاد وجميلة، ومن أهدافه التعرف على المنتوج الثقافي وكذا الصناعات التقليدية والحرفية للرابط بين التاريخ والسياحة والرياضة الجبلية باعتبارها من أكبر المواقع على المستوى الوطني، خاصة بعد إستتباب الأمن والسكينة في وربوعها.
* ثابورث العنصر … الينبوع الذي ينافس المواقع الطبيعية الخلابة * تتوفر أيضا جبال جرجرة على منابع معدنية هائلة، ويعتبر ينبوع المسمى "ثابورث العنصر" بمعنى بوابة المنبع من أشهرها، أصبح ينافس بقوة المواقع السياحية الخلابة بجبال جرجرة ويستقبل عددا هائلا من الزوار ساعات قليلة قبل موعد الإفطار الذين يقصدونه للحصول على مياهه الطبيعية التي تتميز بذوقها المميز وكذا إلى استخدامها لتداوي بعض الأمراض، وهذا المنبع يتواجد من الناحية الغربية لجبال جرجرة بأعالي منطقة ثالة غيلاف التابعة للحظيرة الوطنية جرجرة، وأشار أحد السكان أن هذه البوابة تشكلت نتيجة انفجار الصخور في القرن السابع عشر بالتحديد في سنة 1667. وحسب الروايات التي استقيناها في المنطقة فهذا الانفجار، حدث بسبب ضغط المياه وقوته مخلفا في ذلك الوقت عدة أضرار جسيمة بمنطقة أسي يوسف التابعة لبوغني، ومن هذه الظاهرة تشكلت البوابة أمام المنبع المائي فأطلق عليها تسمية "ثابورث العنصر" وأكد محدثنا في نفس الوقت أن هذا المنبع أصبح يكون حاليا كل القرى التابعة لبلدية أسي يوسف بماء الشرب، وأصبح مقصد الزوار، لا سيما في شهر رمضان الذين يكتنفهم فضول كبير لمعرفة هذا الموقع خصوصا بعد انتشار معلومات تفيد بأن مياهها ليست فقط حيوية بل صحية أيضا، وأنها تداوي العديد من الأمراض على غرار النفخ.
* عائلات تقضي الساعات الأخيرة قبل الإفطار في أحضان طبيعة "تيكجدة" * وتتسارع الكثير من العائلات أمام هذه القدرات الطبيعية الساحرة للعقول إلى الاستمتاع بالمناظر الخلابة لجبال وغابات تيكجدة، بحيث أن هذه المناظر الساحرة والنسمات التي تدفئ الروح بالراحة والطمأنينة جعلت العائلات ومنذ اليوم الأولى من حلول الشهر الكريم تركض إلى تلك المرتفعات من أجل التنزه والاستمتاع بتلك اللوحات الرائعة التي رسمتها قدرة الخالق في خلقه وتتنفس الهواء البارد والنقي من الطبيعة العذراء لترويح عن النفس.
وعرفت أيضا مع حلول شهر رمضان العظيم، الطرقات المؤدية إلى الموقع السياحي تيكجدة، لا سيما الطريق الولائي رقم 98 الرابط ازدحاما مروريا بسبب إقبال الزوار على شراء الفواكه والخضروات الطازجة من عند أصحاب البساتين والمزارع الذين يعرضون كل شهر رمضان مختلف منتجاتهم الطازجة المسقية من مياه ثلوج جبال جرجرة على قارعة الطريق، وبأسعار معقولة، ما جعل الكثير من مختلف بلديات الولاية يحبذ اقتناءها من عندهم بدل أسواق مدن إقامتهم، وهو الشيء الذي أعطى نكهة أخرى لشهر الرحمة والغفران بالمنطقة الخلابة. وحسب عمي احمد، احد التجار الموسميين المنحدر من المنطقة الذي وجدناه جالسا بالقرب من طويلته لبيع المشمش والطماطم بقارعة الطريق المؤدي إلى الموقع السياحي تيكجدة وبالغير بعيد من فستانه بقريته الفلاحية اقبوب التابعة إداريا لبلدية بشلول، أكد لنا انه يغتنم فرصة الساعات الأخيرة قبل الإفطار للذهاب إلى بستانه الصغير البهي بالاخضرار لقطف منتجاته الطازجة وعرضها بحافة الطريق بطرقته الإبداعية الخاصة به التي تجلب الأنظار من بعيد، وتفتح شهية شرائها دون أي مقاومة للنفس على حد قول محدثنا الذي أجزم على أن الطلب عليه يزداد من يوم إلى آخر، وهو ما دفع به بالتوجه إلى اقتناء المزيد من صناديق المشمش الطازج ذي الطعم الحلو من عند أصحاب الحقول المجاورة للحفاظ على وفائه الدائم لزبائنه، فهو سر نجاح عمي احمد وباقي التجار الآخرين في الترويج بتجارتهم البسيطة كبساطة جمال طبيعة "تيكجدة". مناس جمال