بقلم: قادة صافي راعني في الآونة الأخيرة عملية الاصطفاف الكبيرة وحرب التصريحات والتحالفات الخفية والضرب تحت الحزام بين منتخبين جثموا في كراسيهم لسنوات ظننت أنهم سيرحلون ليتركوا المجال مفسوحا لشباب ينتظر دوره، لكن لايبدو ذلك في الأفق، فهم الآن على قدم وساق يحضّرون للاستحقاقات القادمة، فهناك من المنتخبين من هاجر مدينته وحيّه وقريته منذ انتخابه لكنّه عاد فجأة حملا وديعا، يحمل بين دفتيه ابتسامة وتواضعا، فلا يترك جنازة إلاّ واصطف في الصفوف الأولى، ولا يترك وليمة ولا وضيمة إلاّ وكان له موضع قدم هناك يخطب ود الناس تحضيرا للموعد الهام. هكذا إذا بدأ موعد خروج المترشحين الموعودين للاستحقاقات القادمة، أخيرا نفضوا غبار النوم عن أنفسهم، ورموا"الزاورة" واستيقظوا من سباتهم العميق، أخيرا تذكروا أنّ هناك مواطنا لابد أن يكسبوا وده الآن قبل الموعد الانتخابي، الآن تذكروا أنّ أحياء تحتاج إلى تنمية، ودواوير تحتاج لشق طرقات، تذكروا أنّ هناك مواطنا يخنقه العطش وتلفحه حرارة "الزنك" و "الطولة"، الآن يبكون ويذرفون دموع التماسيح مع الغلابى و "الزواولة"، ويقيمون "المندبة" على مساحات زراعية تحولت إلى أحجار واسمنت، كانت بالأمس خضراء نضرة تغري الناظرين، وسبب كل هذا موعد انتخابي لم يبق له إلاّ شهور معدودات ولا بد أن "يقراو للزمان عقوبة" حسب عرفهم الأبدي. أين كان هؤلاء طيلة عهدتهم الانتخابية؟ فكم صرخة سمعناها من عامل مطرود من وظيفته ومواطن مطرود من سكنه، أو مريض يستيغث لنقله للخارج، لكنهم صمّوا وأُعميت أبصارهم عن قضايا منتخبيهم، بل تناسوا كل الوعود الوردية التي قدموها أثناء الحملة، وانقلبوا على أعقابهم، وهكذا دواليك، لكنّهم ظهروا فجأة ليقدموا دروسا في الوطنية وكأنّ الوطن بالنسبة لهم مجرد حملة انتخابية مسبقة ومطية لبلوغ هدف منشود وكرسي موعود. إذا كان الشّعب يصوم في السّنوات الأخيرة عن الانتخاب ويمسك عن الذهاب لمكاتب الاقتراع فيعود السّبب لهؤلاء مرشحي المناسبات، الذين لا يظهرون إلاّ باقتراب الموعد الانتخابي، وبينما يأفلون في باقي الأيام والشّهور متوارين عن الأنظار ومتناسين انشغالات وهموم المواطنين الذين انتخبوهم، بل ويصل الأمر بأحدهم ليغير شريحة هاتفه موصدا كل باب اتصال ويقطع بذلك حبل الود الذي يشتد وصاله كل موعد انتخابي، وينقطع بعده إلاّ من رحم ربي، فهل بمنتخبين عاهدوا الله على الكرسي وما بدلوا تبديلا، يمكن أن نقنع أن الانتخاب حق وواجب يجب أن نقوم به لأجل أمن واستقرار هذا البلد؟