معمر حبار كتب الزميل Azzi Sam.. على صفحته.. " معظم كتابات مالك بن نبي بالفرنسية…!!! لماذا لم يناد بمحاربة الفرنسية وتدريس الإنجليزية مكانها كلغة أجنبية … هل قال بن نبي يوما ما حاربوا الفرنسية كلغة ؟؟؟".
وبعد قراءة المقطع وإعادة نقله، يقول على إثرها صاحب الأسطر.. كتب مالك بن نبي باللغة الفرنسية، كما كتب من كان في جيله وظروفه باللغة الفرنسية، فهو درس في فرنسا، وعاش ردحا من الزمن في فرنسا، وتزوج من فرنسية. والمجتمع الجزائري القابع تحت الاستدمار الفرنسي يومها كان يتحدث اللغة الفرنسية التي فرضت على الجزائريين فرضا، بل منع تدريس اللغة العربية بكل الوسائل، وهذه العناصر يشترك فيها مالك بن نبي مع أقرانه، ومجتمعه، وكل من عاش ظروفه، فهي بالتالي ليست ميزة انفرد بها بن نبي، ولا مذمة ألحقت به.
مالك بن نبي لم يطالب يوما بمحاربة اللغة الفرنسية، ولم يطالب يوما بتدريس اللغة الإنجليزية، لأنه وفي ظل الظروف المرسومة سلفا، لم يكن مثل هذا الموضوع يطرح إطلاقا من قبل المجتمع الجزائري حينها، سواء تعلق الأمر بالنخبة الحاكمة، أوالمثقفة بالثقافة الفرنسية أوالعربية. وكل يتعامل مع اللغة الفرنسية من موروثه الثقافي، والتربوي، والتعليمي، والأسري، لكن ما يجب التركيز عليه في مثل هذا المقام، أن مالك بن نبي أوصى بترجمة كتبه إلى اللغة العربية، وترجم بعض منها في حياته، وأفنى وقتا وجهدا في ترجمتها، كما جاء في كتاب "في صحبة مالك بن نبي " من جزأين، للمحامي والمترجم، عمر كامل مسقاوي.
ويكفيه فخرا أنه كان يراجع شخصيا ما يترجم له، ويقوم بتصحيح الترجمة العربية، بما يناسب فكرته، وبما يضمن نقلها بصدق وأمانة. وسبق أن كتب الجزء الثاني من مذكرات "شاهد القرن" الخاصة بالطالب باللغة العربية، بعدما لمس أن ترجمة الجزء الأول الخاصة بالطفل لم تؤد الغرض المطلوب من مذكراته.
ورفض أن يواصل الشاب عبد الصبور شاهين ترجمة كتبه إلى اللغة العربية، لما رأى فيه سوء الطوية التي لايمكن أن يؤتمن صاحبها على الترجمة، وأوصى للأستاذ المحامي وتلميذه الوفي عمر كامل مسقاوي، بأن يشرف على نشر وترجمة كتبه إلى اللغة العربية، وفعلا كان مسقاوي وفيا لأستاذه وتراث أستاذه بن نبي، وأمينا، وصادقا في النشر، وحفظ الأمانة والترجمة.
وحين عاد مالك بن نبي إلى الجزائر بعد استرجاع السيادة الوطنية سنة 1962، كتب سنة 1963 كتاب " الصراع الفكري في البلاد المستعمرة " باللغة العربية. والقارئ للكتاب يلمس حسن لغة بن نبي العربية في هذا الكتاب. وفي أواخر أيامه حين كان يزور سورية ولبنان، كان يلقي محاضرات على الطلبة، والساسة، ورجال الفكر، باللغة العربية السليمة، وقد جمعت في كتاب " مجالس دمشق"، مرفوقا بقرص صوتي، وقد شرحها الأستاذ عمر كامل مسقاوي بالتفصيل وذكر الأسماء، والأماكن، والشخصيات، وعناوين المحاضرات في كتابه " في صحبة مالك بن نبي "، من جزأين لمن أراد المزيد.
وبالصدفة يقع الآن بين يدي وأنا أعد هذه الأسطر، مقالا بعنوان " مالك بن نبي… نجم الفكر الحرّ "، للكاتب: محمد عادل فارس، جاء فيه ..
" .. ثم إنه في كهولته وجّه اهتمامه لتعلم العربية وإتقانها، فبدأ يحاضِر ويكتب ويؤلف بها. ولقد حظيتُ بسماع محاضرتين له عام (1965م)، على ما أذكر، إحداهما عقب صلاة الجمعة في مسجد الثانوية الشرعية بحلب، والأخرى مساء ذلك اليوم نفسه، على مسرح دار الكتب الوطنية. وكان يتكلم العربية بمستوى مقبول، ويطعِّم كلامه بين الحين والآخر بكلمات فرنسية".
وفي سنة 1972، سافر إلى المملكة العربية السعودية، وألقى جملة من المحاضرات بالرياض، بل إن كتابه "المسلم في عالم الاقتصاد "، جاء نتيجة المحاضرات التي ألقاها في جامعة الملك عبد العزيز بجدة. وأكيد ألقى محاضراته وفي أواخر أيامه باللغة العربية.
ذكر مالك بن نبي أن الكتابة باللغة الفرنسية لا تعني إطلاقا أنه لا يفهم اللغة العربية كما يتوهم البعض، بل كل ما هناك أنه يحسن التعبير باللغة الفرنسية أكثر مما يحسنه باللغة العربية.
وكان ينتقد بشدة التركيز على الإكثار من عدد اللفظ على حساب الفكرة في مجال استعمال اللغة. وقد أعاب على الأديب محمد محمود شاكر حين أطال في المقدمة التي وضعها لكتابه "الظاهرة القرآنية "، وجعلها في 33 صفحة، رغم أن بن نبي طلب منه أن تكون المقدمة من 5 إلى 6 صفحات، كما ذكر ذلك بتاريخ 1958.09.17، عبر دفاتر بن نبي غير المترجمة لحد الآن – فيما نعلم والله أعلم- والمعنونة ب " de Malek BENNABI Les carnets ". وبين يدي الآن مجموعة كتب ترجمها مالك بن نبي إلى اللغة العربية بنفسه، وهي.."من أجل التغيير"، "بين الرشاد والتيه"، "الصراع الفكري في البلاد المستعمرة"، " في مهب المعركة"، "الجزء الثاني من مذكرات شاهد القرن، المعروفة بالطالب". وكتب أخرى تعمدت عدم ذكرها، حتى أتأكد من بعض النقاط.