تراتيل البادية يسين بوغازي تراتيل البادية (1) الراي.. تيار موسيقي نشأ بالغرب الجزائري، يحاكي روح البداوة، وأنغامه التي لطالما كانت منتشرة في تلك تلك المناطق الريفية، شجن البداوة أعطته بساطة في تأدية مقاطعه التي أصبحت بعد وقت أغاني، فكان يكفي ان يلقي قصيد على ضبط طبل أو ما شابه . لخرج الرايوي بكائيات مؤثرة ، كان في الأصل تناول لتخفيف وطأة البداوة أجوائها الرتيبة. أخذت هذه الموضة التي انتشرت بين رعيان الأرياف تنتشر فكانت كل مرة تحمل أعباء من الانسانوية الشعرية التي تلج إلى الأنفس بسهولة كمناجاة الأحلام الممنوعة عذابات عاطفية اجتماعية وآراء أخرى، أحيانا كانت تأخذ من جلد الذات بالشعر مساحات كبيرة. بهذا الحفر خط الراي منذ البداية منهجه الغنائي أول ما قام على روح شجن الهامش ذلك الزاخر بتركة تراث أشعار كان لا يأبه لها. فكانت هذه سطوته السمعية الأولى، كان هذا منذ القرن التاسع عشر على اصح الكتابات، كانت فترة محاولات التشكيل الأولى في اللحن القصيدة، لأنه لم يعرف تيارا موسيقيا مكتملة بنياته بمفهومه المتداول إلا منذ منذ أواخر النصف الثاني من القرن العشرين. كما وصفه رواده، نشأ مغضوبا منه؟ فقد اهتم بالمتروك قوله غناه فكانت الردة القاسية في تلك الممارسات المقترفة عليه منظومة من الحقد والحط الازدراء منذ البداية، كانت لا تطيقه تتربص به قبل أن تحاول ترويضه أو القضاء عليه ضربة واحدة. فقد قال فاجعا بأشعار ممنوعة فلم يطقه حراس البادية. ولأن لكل فعل ردة فعل، فإن الراي الكائن الغنائي الجديد اضطر إلى التراجع إلى فسحات الهامش الشوارع الخلفية، مما زاد من غضبه حدة تناولاته، فبقدر النبذ جاءت الجرأة؟ إن الكم الهائل من الازدراء، الاحتقار الذي قبل به الراي، الذي نذكره في هذه الكتابة كلما سمح التذكير، جعل أغنية الراي تستشعره انه حقا مغضوب عليه، فقد حاربته منظومات المدرسة والمسجد الإعلام الذي ما زال إلى الآن سلسلة من الدوائر الخفية. كبعض النخب الثقافية التي ناصبت هذه الأغنية حقدا أبديا. نشا الراي في فضاء موسيقي وغنائي، كان في تلك الأيام الأولى يعاني من ضبابية وعدم وضوح رؤية موسيقية محددة، غير أنها كانت أجواء تعلي أغنية في الجزائر بمقومات انتماء هوية كما كان يقال؟ ففي الغداة كانت أغنية في الجزائر تعنى ببتر روابط الانتماء لتركة الأغنية الفرنسية والغربية عموما، فمجرد الاقتراب يلصق تهمة ضرب الهوية الغنائية، الراي لم يكن متهما في موسيقاه، فقد كانت بدوية، بل كان متهما بثورة أشعاره جرأتها تجاوزاته. لكن تنولات موسيقى الراي الناشئ الجديد كانت ضمن المتن الموسيقي الجزائري الأصيل، فيما جاءت تناولاته القصائدة تغرف من ذات التراث، لكنه المخفي المسكوت عنه، فلم يغفر للراي أن قال تلك المخفيات في أغاني. والجزائر الجديدة الخارجة من قيامها، بدأت تتحدث عن مرجعيات مجتمع جديد مقومات امة وفق قاعدة صارمة قامت بكل بساطة على ان الغرب عدو الشرق صديق؟ فيما شملت هذه الرؤية الجديدة مجالات كثيرة كالموسيقي الفنون، تلك أكثر المجالات التي اعتنى بها وحرص في تطبيق تلك المقولة بصرامة شديدة، حينها ظهر الراي الموسيقى العابثة التي لا تحترم ما تعليه الأمة، فعملت تحت سقف هذه القاعدة، فيما اعتمد على فتح الأبواب على مصرعيه إلى سولافاجا مشرقيا موسيقى عربية هي في الأصل تلك الموسيقي المصرية التي تجسدت أساسا في موسيقى أغاني محمد عبد الوهاب وما أسسه في الغناء والتلحين الأداء، طبقت في جزائر الغداة بشيء من الجزأرة الغنائية. فدخل الغناء الجزائري برمته بيت الطاعة للموسيقى العربية على قواعد الموسيقى الشرقية، بما لها ما عليها في تلك الأزمنة مع الصعود الإعلامي المبهر الذي صاحب أسماءها الكبيرة في سماء الأغنية العربية المصرين تحديدا. ولعل هذا الانصياع الغنائي المشرقي هنا لم يغلق الفضاءات تماما، فقد بقيت أنماط أخرى من الأغاني الجزائرية تصنع مجدها في شتى تجلياته خلفياتها الثقافية. لكن ما كان معتمدا كان تلك الأغنية المشرقية المجزأرة. وبقي هذا التأثير إلى نهاية الثمانينات فكانت نفس القواعد مرجعا بقيت تنفذ لحنيا موسيقيا لما يمكن تسميته بالأغنية الجزائرية الرسمية وريثة الستينات إلى أواخر الثمانينات في التلفزيون الاذاعة. وإن كان إطلاق توصيفات على هذه التجارب الطويلة تحت مسميات الأغنية الجزائرية فيه شيء من عدم الاطلاع الكافي على واقع مسارات الأغنية الجزائرية تأثيراتها، لكن ظل الحال على ما هو عليه وفق ذات القواعد التي بقيت طاغية على جل التناولات الموسيقية في صنف تلك الأغنية المستشرقة إلى يومنا. وتجلت في شبه تقديس للموسيقى الشرقية، نقصد بهذا القول الموسيقى المصرية تجارب فنانيها موسيقييها رجالاتها صعودا من نهاية الحرب العالمية الأولى حيث شكلت جزءا مهما في المتن الموسيقي الجزائري، قد استفردت به لا سيما في أسلوب البنية اللحنية، ومع مرور الوقت صارت مرجعا موسيقيا مسيطرا لأسباب ارتبطت أساسا بأوهام الحفاظ على هوية الأمة، فأضحت برواده حراس معبدها المدافعين في الحقيقة أصبح احتكارا موسيقيا شرقيا حصريا، مما جعل أغنية الراي أولى ضحاياه، فحراس الموسيقى المشرقية هنا أعلنوا الحرب على أغنية الراي الوافد الجديد بتهم خروجه على الأصول الأصالة، وهم يقصدون الموسيقى المشرقية كأنها صمام الأصالة التراث.