لا اعتقد انه يخفى على أحد من المتابعين لوضع الجزائر الحرج الذي تفرضه التوازنات الاقليمية والتعقيدات، الحاصلة على مستوى الموقف السياسي الدبلوماسي من تداخل الاستراتيجي الامني بالثقافي الديني والاقتصادي التجاري، وما لكل ذلك من تأثير على الجبهة الداخلية في ظل تشويش اعلامي وسماء مفتوحة تدع الحليم حيرانا… فالتحالف الامريكي السعودي التركي، والذي يعمل على محاصرة كل تمدد ايراني في المنطقة وقطع الطريق امام الروس العائدين الى السياسة الدولية من بوابة الممانعة، وتهديد امن اوروبا الجواري من خلال الدفع نحو مزيد من التأزم في منطقة الساحل، وقد وصل الامر الى حد تهديد الرئيس ترامب لأوروبا بالتنصل من الدفاع عن امنها ما لم تلتزم بواجباتها في اطار الناتو كمركز وسيط… وتعتبر الجزائر بلدا محوريا تراهن عليه الولاياتالمتحدةالامريكية من خلال الدور السياسي والامني الذي اوكلته لها في قمة امريكا افريقيا، والذي تؤديه الجزائر بكل براعة رغم الضغوطات المصرية والفرنسية، لكن ادراكات صانع القرار الجزائري تتسع وتستوعب أن الرهان ليس مضمونا ولا مأمونا من شريك اثبت التاريخ انه لا يتورع في سحق كل من يقف في وجه مصالحه القريبة والبعيدة، ومن اجل ذلك لم تقطع الجزائر صلاتها وعلاقاتها بحلفاء الامس وأصدقائها الذين لطالما ناضلت معهم من اجل عالم اكثر عدلا، خاصة انهم اثبتوا وفاء لا نظير له في التضامن والوقوف الى جانب الاصدقاء، ووفروا كل غطاء سياسي ودبلوماسي، ولم يبخلوا بكل مشورة وإمداد وتحذيرات لافروف للجزائر ما زالت تلقى صدى في اسماعنا، وصفقات بيع الاسلحة ما زال لها وقع في المنطقة… ان حبل عدم الانحياز الرفيع الذي توازن عليه الجزائر مصالحها يحتاج منا الى شرحه وتبليغه الى كل الجزائريين حتى يتضامنوا مع قيادتهم ويقدروا مواقفهم على اساسه، وكذلك حتى ينتبه اخواننا في كل مكان من الوطن العربي، خاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية ان ما يراد بالجزائر مسؤولية كبيرة تقع على عاتقهم وهم يمارسون ضغوطاتهم تارة باسم دعم المغرب وتارة في اطار محاربة الاخوان المسلمين باسم داعش، وليعلموا ان ذاكرة الشعب الجزائري قوية ولن ينسى ما يحاك ضده وضد مصالحه… كما ان المحافظة على هذه التوازنات والاحتياط الاستراتيجي الذي تلعبه الجزائر لا يجب ان ينسينا مخاطر الامن الثقافي الذي لا تتورع ايران في ملامسته من خلال اختراقاتها المنتظمة والمكشوفة لمنظومتنا الاعلامية ومفاصل مجتمعنا المدني بما في ذلك الاحزاب، وما تسببه من رخاوة في جسم الامة الجزائرية، تنضاف الى تهديدات نعانيها من رواسب الاستعمار ورعونة الجهل من بعض ابنائنا. نحن شعب مسالم متعاون، منفتح على كل شراكة في اطار المصالح المشتركة، ولطالما كان موقفنا متوسطا، ولا نريد ان نركب صعبا، ولا نتمنى ملاقاة الاعداء وإسقاط المنطقة في فوضى يريدها اعداء هذا الوطن…