قد يكون لدينا الوقت للتفكير في مدى تأثير خبرات الجيش الوطني الشعبي الجزائري المتراكمة في بناء عقيدة عسكرية قومية، ومن خلالها يتم توجيه سلوك جيشنا الشعبي في حربه الواسعة ضد الإرهاب، في تمازج لزج بين أهدافه النظامية وسلوكياته غير النظامية وطبيعة التحديات والتهديدات ما يشكل وعمق المخاطر في القرن الحادي والعشرين. ورغم أن الجيش الجزائري لا يزال ملتزما بوحدة الحركة في العمليات الأمنية وثبات قيمه الأخلاقية النوفمبرية ذات البعد السيادي القومي، وهو مستمر في ضبط وتعديل أساليبه من أجل تحقيق أهدافه في نهاية الأمر، فإني على يقين أنه قد آن الأوان للبدء في النظر بشكل أكثر اتساعا إلى ضرورة توظيف خبرات الجيش الوطني الشعبي المكتسبة في تشكيل وتكوين عقيدة عسكرية جزائرية. إن تعقيدات المناخ الحالي للأمن القومي الجزائري تتطلب منا إعادة تقييم المهام داخل الجيش الوطني الشعبي، واحتواء متطلبات العمليات بصورة شاملة، والحفاظ على أهم مبادئنا العسكرية، عند تعديلنا لمنظماتنا وتطويرنا لقيمنا، لأفضل مواجهة للتحديات المنتظرة.
كيف وصل جيشنا إلى هنا وأين يجب أن يذهب؟ إن الإنتشار السريع للتكنولوجيا، والنمو المتعدد للعوامل الدولية، وتداعيات العولمة المتزايدة وتزايد الإعتماد الإقتصادي المتبادل، قد تضافرت لخلق تحديات شديدة التعقيد للأمن القومي... باختفاء الحرب الباردة وتحولها إلى ذكرى، وبروز تحديات جديدة للأمن القومي عند بداية القرن الحادي والعشرين، قامت وجهات النظر العسكرية بالترويج لفكرة حرب مستقبلية تتسم بالتعقيد وصعوبة التوقع والغموض، بصورة متزايدة. كما رأى آخرون، أقل استبصارا، في مفاهيم مثل النزاع قليل الكثافة والعمليات دون الحرب وبناء الأمة، على أنها من الأمور المستبعدة بالنسبة لثقافة مقاتلي الجيش الوطني الشعبي. وعلى الرغم من تكرار القيام بمثل تلك العمليات في التسعينيات، فإن الجيش الجزائري كان يميل إلى العودة السريعة بإمكانياته الفكرية إلى قدراته التقليدية الرئيسية في ضبط تزامن القدرة القتالية في ميدان قتال متسق ومتجانس ومنتظم. وقد كانت النتيجة الحتمية هي أن الجزائر، حتى بعد جولةٍ غير عادية لجهود التحوُّل العسكري الأساسي، دخلت في الحرب ضد الإرهاب بقوات مسلحة مُعَدَّة لهزيمة جيوش معادية، غير أنها تفتقر إلى العمق المناسب لمتطلبات المدى الطويل اللازم لاستقرار وإعادة بناء المناطق الجريحة. وللضرورة، ذهب الجيش الجزائري إلى الحرب ضد الإرهاب بتشكيل حربي ومدني غير مُعَدّ لضرورات العمليات ذات المدى الواسع وللحرب ضد مصادر اللاإستقرار القومي. ومنذ العشرية السوداء، وعن طريق تجارب الجيش الجزائري في ميادين القتال الحديثة غير المتجانسة، تعلَّمت القوات المسلحة الجزائرية دروسا قاسية وأرغمت نفسها على عمل طفرات جيلية هامَّة في عملية التكيُّف والتعديل. وفي غضون ذلك، بدا أن كثيرا من القطاعات الحكومية الجزائرية وأجهزتها كانت آنذاك في حالة رفض بالنسبة لمتطلبات التكيُّف مع التهديدات والحرب الحديثة. وإجمالا، سوف يكون على الجيش الجزائري الاستفادة من دروس حربه على الإرهاب والاستفزازات الأمنية الجغرافية بإجراء تعديلات في الأوضاع الداخلية والمؤسسية، لضمان أنها قد أصبحت بالفعل معمولاً بها وليس فقط "معلومة"، كما يتوجَّب على الجيش الجزائري أيضا توسيعُ مجاله ليشمل ضرورات ملحة داخل الحكومة الجزائرية، ضرورات سوف تساعد الجيش الوطني الشعبي الاستعداد لمستقبل يغلب على القوات المسلحة فيه التأكدُ من مجابهة مواقف تماثل أو تزيد من حيث تعقيدها عن تلك التي يواجهها في الوقت الحاضر. وكما أظهرت الأحداث في تاريخ الدولة الجزائرية بصورة متكررة، فإنه من المحال نظريا التوقع بأيّ درجة من درجات التأكد كيف ستبدو ميادين القتال المستقبلية على وجه التحديد، أو في هذا الخصوص؟ وأين ستتواجد؟ إن الثابت الوحيد هو التغير، كما يكون التنبؤ بالقرارات السياسية المستقبلية أكثر خطورة. وعلى أيِّ حال، من الممكن تعريف بعض التوجهات التي يُحتمل أن تشكِّل النزاعات في المستقبل، وذلك يتضمن ازدياد الهوة بين العالم النامي والمتقدم، والانفجار السكاني في المناطق المتخلفة، وظهور إيديولوجيات ومنظمات لا تعترف بالحدود القومية، والزيادة الحادة في الانفصالات العرقية والطائفية، والتنافس الدولي المتزايد من أجل الحصول على موارد الطاقة. وقد حدثت أيضا تحسينات كبيرة في التقنيات بما يسمح بالنقل الفوري للمعلومات على مستوى العالم، ومن ثم يؤمن إمكانية لصناعة أسلحة لا يمكن تخيل قدرتها التدميرية. وتشير جميع هذه الخصائص إلى الطبيعة المعقدة والغامضة للنزاعات المستقبلية. وقد يسعى البعض إلى تجنب تعقيد الخيارات الصعبة والتي ينجم عنها التوصل إلى نتيجة مفادها أن الجزائر غير مُعَدَّة لاستخدام قواها القومية في مثل تلك البيئات متعددة الأبعاد. وقد يزعمون أنه لا يمكن للقوات المسلحة الجزائرية تحمّل حرب أخرى على الإرهاب أو مواجهة نظامية مع قوة كبرى. غير أن تلك الحجة هي مثل الحجج التي كانت ضد عدم تدخل الجيش الوطني الشعبي في حروب إقليمية بعد استفزازات دولية وإقليمية ما يتعلق ودوائر التوتر الجيوسياسية في المنطقة (مالي وليبيا). على الرغم من جاذبيتها، إلا أنها غير واقعية وتدعو إلى المخاطرة. وفي هذا العالم الخطير الذي نعيش فيه، حيث يتزايد تشابك العلاقات ويزداد الاعتماد المتبادل، لا يكون في إمكان الجزائر افتراض أنها سوف تكون قادرة على الانسحاب من مشاكل الأمم الأخرى لفترة طويلة. وقد تتطلب المصالح الوطنية من الجيش الوطني الشعبي، في أغلب الأحوال في المستقبل غير البعيد، أن يشارك في مواقف يمكن أن تكون أكثر تعقيدا من تلك التي تواجهها الجزائر في الوقت الحالي. وسوف يتوجب على الجيش الوطني الشعبي، من أجل مواجهة تحديات الأمن الوطني في المستقبل، أن يوجد القدرة اللازمة للمشاركة بشكل كامل في العمليات العسكرية دون الحرب. كما سيتوجب على الجيش الوطني تبنّي مفهوم بناء الأمة، ليس فقط من الناحية النظرية ولكن بشكل كامل. إن احتمال فقدان القوة الدافعة للتغيير في هذه الحقيقة الجديدة للنزاع، من خلال نشر القوات على الحدود الوطنية وترتيب الأوضاع السياسية بوجهة نظر قصيرة المدى، والممانعة الطبيعية من جانب القوات المسلحة الجزائرية للمشاركة الفكرية التي تتجاوز البنية الخطية للحرب، هو احتمالٌ حقيقي. وعلاوة على ذلك، فإنه بينما يقوم الجيش الوطني بمحاولة تحسين قدراته في مجالي الدفاع الوطني والحرب غير الخطية، يكون على القوات المسلحة الجزائرية المحافظة على قدرتها على هزيمة التهديدات العسكرية التقليدية وردع ظهور فواعل من دون الدولة أو منافسين إقليميين أقوياء، ويكون التحدي هو أن يجد الجيش الوطني التوازن الصحيح دون محاولة الوصول إلى الجدارة في الكثير من المهام المحتملة مما لا يمكن الجيش الوطني من أداء أي منها بشكل جيد.
تطوير ثوابت الجيش الثقافية لا يتعلق التحوُّل فقط بالتكنولوجيا والبرامج.. التحوُّل يحدث ما بين الأذنين. إن العوامل الثقافية والفكرية للتحول أكثر أهمية من السفن والطائرات الجديدة والأسلحة ذات التقنية المتقدمة. ولعل الشيء الأكثر أهمية الذي يتوجب على الجيش الوطني الشعبي القيام به للاستعداد لمستقبل يتسم بالخطورة هو تغيير ثقافة جاهزية أمننا القومي وزيادة الجهود لتوعية المواطن الجزائري. لقد اعتاد الجزائريون، بصورة تقليدية، على رؤية الحرب كصراع بين صديق وعدو، وهذان الجانبان محددان بشكل واضح، ويشتبكان بميدان قتال له حدود وأبعاد معيَّنة، حيث تكون النتائج على هيئة غالبين ومغلوبين، بشكل قاطع، وبمعنى آخر، كان الجيش الجزائري يشعر بالارتياح لفكرة ميدان القتال المتسق. كان هذا النوع من القتال على هذا النوع من الميادين سهل الفهم والترجمة إلى تشكيلات عسكرية ومُعِدَّات وتدريب.. كان نوعا نظيفا. وقد أدى انتهاء الحرب على الإرهاب في الجزائر والانتصار الساحق في العمليات الإقليمية دون الحرب إلى إعاقة القدرة الجزائرية كأمة وكقوات مسلحة، على إدراك ما سيحدث بعد ذلك. وحتى يومنا هذا، يرى البعض المعركة التقليدية أسلوبا وحيدا للقتال، وهم يعتقدون أن كل ما على الجيش الوطني الشعبي الجزائري فعله لكسب حروبه الحديثة هو أن يقاوم ويُجهض أكبر عددٍ من المؤامرات. وحتى يتمكن الجيش الوطني الشعبي من رفع قدرته على النجاح في نزاعاته الحالية والمستقبلية إلى الحد الأقصى، يتوجب عليه تغييرُ هذا التفكير. لقد تطورت التهديدات، لذلك يتوجب على كل من الأمة الجزائرية وقواتها المسلحة تعديل أوضاعها بما يتناسب مع ذلك التطور. ويجب أن يتضمن جزءٌ من هذا التغيير تقييما صارما لما يجب أن تقوم به الجزائر لزيادة فرص النجاح عند اتخاذ القرار بمواجهة تهديدات داخلية أو خارجية، إلى أقصى حد ممكن، إذْ لم تذهب الجزائر كأمة ومعظم المواطنين إلى مواجهة التهديدات منذ نهاية العشرية السوداء. وبدلا من ذلك، كانت وزارتا الدفاع والخارجية -بما تسمح به قدراتهما الحديثة- ومعهما مصالح الاستخبارات العسكرية، في حالة حرب، بينما كان أغلب المواطنين الجزائريين ومعظم مؤسسات القوى الوطنية الأخرى يمارسون أعمالهم العادية. وهناك مثلٌ ظاهر على ذلك وهو بطء عملية التدبير. إن إمداد القوات المسلحة الجزائرية بعقيدة عسكرية تحتوي على روح ووسائط التعاطي مع أكبر عدد ممكن من المخاطر وبدائل محسَّنة بدرجة فائقة. باختصار، كانت القاعدة الأمنية الجزائرية تعمل إلى حد وفق أسس وقت السلم، مقارنة بالتهديدات الإقليمية التي قام فيها الجيش الوطني الشعبي بالإسراع في رفع قدرات يقظته وإنتاج سلوكيات عملياتية توازي وتنامي المخاطر الجهوية. وقطعا يجب الوعي بأن أحد أسباب قوة الدفع العسكرية كان سلسلة من الافتراضات الإستراتيجية الصحيحة عن الفترة التي كان على القوات المسلحة الجزائرية أن تتواجد خلالها وراء خطوط النار الإقليمية؛ ففي السنوات الأولى من ما يعرف ب(ثورات الربيع العربي)، افترض القادة المدنيون والعسكريون تكرارا أن مستويات القوة يمكن أن تنخفض بشكل منتظم مع مرور الوقت. وبناءً على ذلك اتخذوا العديد من قرارات تأمين الموارد. إن ذلك يلقي الضوء على خطورة الإفراط في التفاؤل، خاصة فيما يتعلق بالعمليات العسكرية التي يصعب في الأساس توقعُ ملابساتها، وهو ما يشير بوضوح إلى أن التخطيط الإستراتيجي يجب أن يعطي اهتماما أكبر لأسوأ الاحتمالات الممكنة. وتثير تحديات الجيش الوطني الشعبي الحالية السؤال المشروع عما إذا كان بإمكان الجزائر، أو أيِّ دولة ديمقراطية أخرى، المشاركة بنجاح في حرب موسَّعة دون التزام قومي حقيقي؟ إن التاريخ مفعَمٌ بالأمثلة عن دول حاولت أن تحارب دون وجود دعم شعبي ودون الالتزام بمواردها القومية، وكانت غالبا ما تجد تلك الدول نفسها منهزمة في ميادين القتال بعيدا عن أرض الوطن.. إنه سِرُّ التزام الجيش الوطني بمنطق القلعة والإدارة السيادية للدفاع الوطني. إن التاريخ الإستراتيجي للعلاقات الدولية هو تاريخ عمليات التغيُّر. ويعد ميدان القتال الحديث – وهو مكان متعدد التهديدات- يصعب تحديد معالمه بدقة، تكون فيه مقدرة أمة ما على استخدام عناصر قواها القومية غير الحَرَكية بنفس أهمِّية استخدام قوى النيران لتحقيق النصر يُعد ثوريا للغاية بما يدعو الجيش الوطني لتوعية المواطن الجزائري بعواقبه. وقد أظهرت التوترات الإقليمية والحرب على الإرهاب أن الحروب سوف تمتد لفترات أطول وستكون أكثر تكلفة، وأن تحديد كل من النصر والهزيمة فيها سيكون صعبا. والجزائر كأمة ناضجة عليها أن تفهم ذلك في المرة القادمة التي تقرر فيها التزامها بخوض الحرب ضد تهديدات مصيرية.
إعادة تحديد أدوار الجيش ومهامه من أجل تحسين قدرة الجيش الوطني الشعبي على تحقيق النجاح في ميدان القتال الحديث المعقد، تحتاج القوات المسلحة بشدة إلى القيام بإعادة النظر بجدول من الأعلى إلى الأسفل لأدوار كافة عناصر قواها القومية ومهامها. وهي تتضمن كل قطاع يساهم في تحقيق التأثير الدبلوماسي والمعلوماتي والعسكري والاقتصادي الجزائري؛ ففي كل موقف إقليمي قامت به الجزائر منذ نهاية حربها على الإرهاب، كان هناك قصورٌ شديد في إيجاد أسلوب متكامل وتفهُّم لمهام وقدرات كل مقدرة من المقدرات الأمنية القومية. ولسنوات، قام البعض من القوات المسلحة الجزائرية بانتقاد الشركاء الإقليميين لعدم مساهمتهم بالقدر الكافي في جهود الجزائر السلمية الإقليمية، بينما قام البعض بجيوش القوى الكبرى بانتقاد القوات المسلحة الجزائرية لعدم توفير التأمين الكافي نظرا لثباتها من وراء حدود قلعتها القومية. وقد كان ما توصلت إليه هو أن أصابع الاتهام تلك تضيِّع الوقت وتخطئ في التصويب، فالمشكلة الحقيقية هي أن الجيش الوطني الشعبي يفتقر إلى رؤية شاملة لما يجب أن يساهم به كل شريك من المجتمع الجزائري أو حلفاء إقليميين في خطوط النار الجهوية. وبدلا من ذلك توجد فجوة كبيرة بين ما يحتاجه الجيش الوطني الشعبي في النهاية لتحقيق النجاح وبين الموارد المركَّبة التي يمكن للحكومة الجزائرية تحمُّلُ تأمينها. إن هذه "الفجوة في القدرات" ليست خطأ أي من قوات الجيش بحد ذاتها ولكنها نتاج عدم قيام الحكومة الجزائرية بوضع تعريف دقيق لما تتوقعه من كل قوة من القوى القومية في الإسهام في حلول السياسة الجزائرية الخارجية. ونظرا لهذا القصور في التوجه، فقد فشلت الجزائر في بناء دروع إقليمية حقيقية نحتاجها في الوقت الحالي. نظرا لطبيعة التحديات المستقبلية، علينا كأمة أن نقرر الدور الذي يجب أن يكون على كل من مؤسساتنا القيام به لتحقيق وضعنا وهيبتنا الإستراتيجية المنشودتين، ومن ثم إمدادها بالموارد اللازمة لتحقيق هذا الوضع وتلك الهيبة. على سبيل المثال، عندما نريد زيادة الحيوية الطبيعية لأمة ما، فهل نرسل خبيرا زراعيا من وزارة الزراعة، وخبيرا في الحكومة من وزارة الخارجية، وخبيرا في القانون من وزارة العدل، أو نرسل هؤلاء الخبراء من الجيش الوطني الشعبي، حيث أنها الأقدر على تعبئة وإجبار الأفراد على التواجد بالمواقع الهشة والخطيرة؟. ومهما كانت الإجابة، فإنها يجب أن تنظم وتفهم بحيث يمكن للهيئة المسئولة الاستعداد بشكل سليم للاحتمالات المستقبلية. وبمجرد وضع المسئوليات التي تقع خارج نطاق العمليات الأمنية التقليدية والاعتبار الفوري لما بعد اللاإستقرار، فإنه يكون على كل قوة من قوات المقدرات الحكومية العمل على تعديل وضبط تنظيمها من أجل تلبية المتطلبات التي يجب أن تدخل ضمن البناء الأشمل للحكومة. وفي الغالب تتضمن هذه التعديلات زيادة الموارد المخصصة للعناصر غير العسكرية من قوى الدولة القومية، مثل وزارة الخارجية. كما يمكن تقريرُ حاجة الدولة الجزائرية إلى إعادة تطوير إمكانات مؤسسات تحليل المعلومات وجمع المعطيات. ومع ذلك فمن الواضح أنه في مثل ذلك النوع من التحديات حيث يتحدَّد معظم النجاح الذي يحققه الجيش الوطني بواسطة وسائل غير حركية من قوى الجزائر القومية. بالتالي يتوجب زيادة الموارد المقدمة للقطاعات الإستراتيجية الأكثر قدرة على إظهار تلك القوى. كما على الحكومة الجزائرية أن تدرس طرق استخدام بعض العناصر غير الحكومية الأكثر فعالية لقوى الجزائر القومية بشكل أفضل، كالجامعات والأعمال والمشروعات الخاصة والموارد الأولى التي تُعدُّ محور تأثير الجزائر في المصفوفة الاقتصادية الإقليمية والعالمية، فالجامعات الجزائرية، على سبيل المثال، مليئة بالزراعيين والمهندسين والاقتصاديين الذين إذا ما تم طلب دعمهم، سوف يتقدمون للمساعدة في تطوير التنمية غير العسكرية والسلطة الوزارية في الدولة الجزائرية، كما يفعلون اليوم في بعض الحالات. ويكون على القيادة الجزائرية التطلع لتطبيق نماذج من تركيبة القطاع الخاص/ الحكومة في العمليات المستقبلية عندما تقع الوسائل الهامة لتحقيق أهداف الجزائر خارج الأدوار العسكرية التقليدية. إن القوة الاقتصادية القومية تكون في أغلب الأحوال أكثر أهمية من القوة العسكرية في ضمان الأمن الإستراتيجي، وبالإضافة إلى ذلك، فإن رخاء الدولة الجزائرية ومواطنيها هو ما يصبو إليه الآخرون، وليس قوة الجزائر العسكرية. كما يكون على القيادة الجزائرية أن تتطلع على الدوام إلى أساليب متجددة لرفع هذا العنصر التأثيري لقوى الجزائر القومية من أجل مساندة أهدافها الأمنية بالخارج.
الضرورات الجزائرية العسكرية وبمجرد اتخاذ القرار باستخدام القوة العسكرية، يتوجب على القيادة العسكرية الجزائرية قبول كون العناصر الحاسمة للقوة المطلوبة للغلبة عناصرَ غير حركية في معظم التهديدات الحديثة. وبينما يتوجب على الجيش الوطني الشعبي المحافظة على قدراته الرئيسية من اجل دحر التهديدات بواسطة القوة العسكرية التقليدية، فإنه يجب أيضا أن يكون قادرا على أن يقدِّم للمواطنين الجزائريين المتأثرين بوسائط تلك التهديدات الأمل بأن الغد سوف يكون أفضل لهم ولأبنائهم بسبب الجاهزية المستدامة للقوات المسلحة. وبمعنى آخر، على عكس فكرة أن القوة تفوز دائما في نهاية الأمر، على القيادة العسكرية أن تدرك أنه لا يمكن حل جميع المعضلات الأمنية الحديثة باستخدام البندقية فقط. وهناك حقيقة أخرى يجب قبولها من قبل القوات العسكرية الجزائرية ألا وهي: يجب أن تبحث قوات الأمن القومي الجزائري بشكل متواصل عن سبل إعادة تشكيل الهياكل الأمنية التنظيمية، مع زيادة التكامل الأفقي الداخلي.. فهذه هي الطريقة التي تعمل بها الكثير من التهديدات الصلبة ويمكن بها وضع قوات أمننا القومي التي تسيَّر بطريقة تقليدية (نظامية) ومتشعبة، حتى لا ترهن عمل الهياكل الأمنية فقط وفق ظروف التهديدات غير التقليدية غير المتسقة. ولسوء الحظ هناك الكثير من قدرات الجزائر الأكثر أهمية التي تدار بسرعةٍ بيروقراطية، وليس بالسرعة المطلوبة لمستوى المواقف العملية المختلفة، فالجزائر تمتلك حدا أدنى من التكنولوجيا التي تمكِّنها من المشاركة المعلوماتية بصورة أسرع. إلا أن عمليات الموافقة النمطية المتشعبة النابعة من التراث الجزائري يمكن أن تبطئ من نقل تلك المعلومات، أما التهديدات فإنها لا تعمل وفق تلك القيود، ومن ثم فإنها غالبا ما تصنع دوائر من حول الجزائر، خاصة في البيئة المعلوماتية، وكذلك في ميدان المواجهة المسلحة السريعة التغيّر والتطوّر. هناك طريقٌ واحد للمساعدة في إعادة بناء مقارباتنا الأمنية وهو أن يقوم القادة العسكريون الجزائريون بتوسيع تركيزهم إلى أعلى وإلى أسفل التسلسل القيادي. لقد فهم القادة العسكريون الجزائريون بالقوات البرية، وبشكل تقليدي، نية قادتهم لمستويين أعلى وقاموا بنقل نيتهم لمستوى تشكيليين أدنى، وإني أعتقد بثقة أنه في ميدان المواجهة الحديث القادة بحاجة إلى توسيع تركيزهم إلى ثلاثة مستويات أو أكثر في كل اتجاه. وأنا لا أقترح أن الجيش الوطني الشعبي يجب أن يتجاوز التسلسل القيادي أو التصرُّف على مستوى المرؤوسين، ولكن التجارب الميدانية للوحدات الجزائرية وضعتنا أمام مدرك يقضي وأن عمليات القوات المسلحة الجزائرية لامركزية بدرجة متفاوتة وأن كل منطقة من مناطق العمليات تختلف عن الأخرى بدرجة تجعل القادة الميدانيين في حاجة إلى توسعة تفهمهم للعمليات فيما وراء ما كان يعمل لصالح الجيش الوطني بشكل متعارف عليه في ميدان المواجهة والاصطدام التقليدي. يمكن دعم إعادة تشكيل وصياغة عقيدة عسكرية جزائرية عن طريق مزيد من العمل على تمكين التكامل الأفقي غير المقيّد والنقل السريع والمجدي للمعلومات العسكرية السيادية، ففي بعض الأحيان لا تأتي المعلومات الأكثر حساسية بميدان مواجهة التهديدات عن طريق التسلسل القيادي، وإنما من مصادر خارجية. ويكون على قيادة الجيش الوطني تمكين أولئك الأكثر حاجة لتلك المعلومات من الوصول إليها دون المراجعات التي يفرضها التسلسل القيادي بصورةٍ تقليدية. ويقترب من ذلك كثيرا الحاجة إلى المراجعة المتواصلة لكيفية تصنيف القيادة للمعلومات والسيطرة عليها. أنا أعتقد أن القوات المسلحة الجزائرية تميل إلى المبالغة في عملية تصنيف المعلومات التي تكون إما سريعة التلاشي أو لا تستحق التصنيف على الإطلاق. وذلك يؤدي في بعض الأحيان إلى تقييد المعلومات الحساسة بقنوات سرية لا يكون في إمكان قادة الوحدات الصغيرة الوصول إليها. ومن الناحية التكنولوجية، يمكن تناول هذه المشكلة عن طريق زيادة عدد الأدوات المتاحة لنشر المعلومات السرية. أما الآن فيمكن دعم عملية حل المشكلة باستخدام المزيد من الفكر والإطلاع في تقرير ما هو بحاجة بالفعل للتصنيف كمعلومات سرية منذ البداية. أما تفتيت القوة فليس هو الحل، ونظرا لتعقد الأزمات الأمنية الإقليمية في الوقت الحالي، فإن البعض يرى أن الجيش الوطني الشعبي يجب أن يعيد تنظيم قواته إلى نوعين من الوحدات: تلك التي تعمل فقط عند مستوى عالي الكثافة من العمليات، وتلك المصممة والمجهزة لقتال منخفض الكثافة والعملية الكلاسيكية في حماية الأمة. وتقوم القوة عالية الكثافة، بعد أداء وظائفها، بتسليم المسئولية إلى القوة منخفضة الكثافة. هذا الحل غير دائم ولا يمكن تحمُّله، فالجيش الوطني الشعبي ببساطة لا يمتلك الموارد لتقسيم القوات المسلحة إلى تشكيل "قتال" وتشكيل "استقرار". وبدلا من ذلك، على القيادة العسكرية الجزائرية التركيز على التطوير الشامل لقدُرات الجيش بجميع تشكيلات القوات المسلحة. وبناء على ذلك، وعند قيام قوات الجيش بزيادة قوة العمليات الفعالة، يكون على القيادة دراسة زيادة العدد وضبط نسب الوحدات المتخصصة وغيرها التي تلعب أدوارا حساسة في عمليات الاستقرار الوطني.
استكشاف البيئة المعلوماتية من الوجهة الإستراتيجية، قامت عمليات الإرهابيين بالانتقال من نمط الحملات العسكرية المدعومة بعمليات المعلومات إلى حملات للاتصالات الإستراتيجية المدعومة بعمليات حرب العصابات والعمليات الإرهابية. قد يكون العامل الأكثر حسما الذي سوف يقرر الفائز في الصدامات المسلحة الحالية والمستقبلية هو: أيٌّ من الجانبين يمكنه الحصول على ميزة متماسكة في البيئة المعلوماتية الشمولية الممتدة في جميع أرجاء الأرض، قريبا من "الخطوط الأمامية" وبعيدا عنه؟ وباختصار، إن القائد الذي يسود في حرب المعلومات يكون تقريبا على يقين من الفوز بالحرب نفسها. هناك تصوُّرٌ مزعج عن كيفية رؤية أعدائنا وأصدقائنا ومجتمعاتنا للحرب وغالبا ما يكون ذلك بصرف النظر عما يحدث على الأرض، فإذا لم يكن باستطاعة مقدرات القوة القومية الجزائرية أن تقوم بالتأثير في تصوُّر العالم بصورة أفضل من خصومنا، فإنه حتى أكثر خطط العمليات الأمنية والعسكرية عبقرية لن يكتب لها النجاح في غالب الأمر. إن ذلك ليس ظاهرة جديدة، حيث أن الولاياتالمتحدةالأمريكية مثلا، قد اكتشفت في فيتنام، حينما تصوَّر العالمُ الغربي الهزيمة الكارثية لفيتنامالشمالية في معركة تيت على أنها نصرٌ استراتيجي للشمال. إن ما يجعل البيئة المعلوماتية اليوم تشكل تحديا أكبر من ذي قبل هو الانفجار التكنولوجي الذي يربط العالم بسرعة شبه لحظية، مما يصعِّب الأمر على الحكومات والجيوش الديمقراطية التي تقدِّر الدقة والحقيقة في التنافس مع الأعداء الذين لا يقدِّرونها. والآن، أكثر من أي وقت مضى، من الضروري أن يدرك القادة العسكريون الجزائريون على جميع المستويات، ليس فقط كيفية تأثير أفعالهم وأفعال مرؤوسيهم على الموقف الفوري الذي يحاولون التأثير فيه، ولكن أيضا كيفية تلقي المواطن الجزائري والجوار الإقليمي لنتائج تلك المواقف والأفعال. وبالطبع، ما زالت تنطبق الحكمة القديمة التي تقول: "لا شيء ينجح كالنجاح". وأن أفضل الطرق لتحقيق النجاح في حرب المعلومات هو النجاح في الحرب نفسها، إلا أن ذلك لم يعد كافيا. إن القوات المسلحة الجزائرية عليها أن تحسِّن من قدرتها على المنافسة في مجال المعلومات بدرجة كبيرة، ويمكن أن يتم ذلك عن طريق ترقية إمكانات الجيش الوطني في المجالين التقليديين، وهما عمليات المعلومات والشؤون الخارجية. والتأكيد على أن القادة العسكريين في الجزائر قد حازوا على المهارات الهامة والحدس المطلوب لفهم الآثار المعقدة من الدرجة الثانية والثالثة لقراراتهم، وكيف أنها سوف تُعرض على الكثير من الجبهات المختلفة. ورغم أن ضباط عمليات المعلومات والشؤون الخارجية يقدِّمون دعما هاما لهيئة القيادة في حملات المعلومات، إلا أنه يكون على القادة العسكريين الأخذُ بزمام المبادرة والمشاركة بشكل وثيق في عملية ضمان أن الجوانب المعلوماتية من العمليات العسكرية السيادية قد وُضعت في الاعتبار في أي فعل تقوم به القوات المسلحة الجزائرية. إنه أمرٌ بالغ الأهمية لنجاح الجيش الوطني الشعبي. في بعض الأحيان يحظى الحدث الأمني باهتمام قومي أو عالمي، إلا أنه غالبا ما تستهدف عمليات معلومات التهديدات الصلبة مناطق سيادية محلية أصغر كثيرا. ولأن تلك التهديدات لا تتقيَّد بنفس القواعد التي تتقيَّد بها القواتُ المسلحة الجزائرية، فإن الهجمات المعلوماتية لها تكون فعَّالة بدرجة كبيرة. وقد فشلت القوات المسلحة في كثير من الأحوال في الأخذ بزمام المبادرة أو حتى في الدفاع عن الشبكية الإتصالية الميدانية في البيئة المعلوماتية. لذا كان لزاما على الجيش الوطني أن يبحث عن سبل استقلالية لتحسين تنافسيته في هذا المجال الخطير.
عمليات المعلومات بالنسبة إلى الكثيرين في الغرب تُعتبر عمليات المعلومات التي تتضمن أيّ عناصر خداعية أو دعائية لعنة على الديمقراطية وتهديدا للصحافة الحرة. وبينما يكون ذلك بحق خطأ أحمر عندما تسيء حكومة ما، أو جيش ما، استخدام المعلومات، إلا أن عمليات المعلومات تعدُّ عنصرا أساسيا من عناصر إستراتيجية المعلومات لدى الجيش الوطني الشعبي، وعلى هذا الأخير مواصلة العمل على تحسينها. ويجب عليه أيضا إدراك كون مصطلح العمليات النفسية مفارقة تاريخية لا بد من استبدالها بمصطلح عمليات المعلومات الأقل عدوانية. وبصرف النظر عن القيمة التي يسبغها الجيش الوطني على عمليات المعلومات، فقد أوضحت التهديدات بشكل جلي أن مفتاحه لتحقيق النصر هو تحقيق السيطرة في هذا الخط الحيوي للعمليات. وقد لخص توماس إل فريدمان في كتابه "العالم مسطح"، ما يعنيه تكاثر تكنولوجيا المعلومات الرخيصة وسهلة المنال على مستوى العالم، بالنسبة إلى الاقتصاد العالمي، فتبعا لفريدمان، بمجرد إتاحة المعلومات للنخبة العالمية فقط، فإنه الآن يمكن الحصول عليها بواسطة أي شخص لديه جهاز كمبيوتر ووسيلة اتصال بشبكة الإنترنت أينما كان. وإثباتا لنظرية فريدمان، تقوم التهديدات الصلبة التي تحوم من وراء المحيط الإقليمي للجزائر باستخدام شبكة الإنترنت وما يرتبط بها من تكنولوجيا حديثة في تغذية حملتها المعلوماتية المعقدة وفي صناعة أجهزة التفجير المرتَجلة بأسرع مما يمكن للقوات المسلحة الجزائرية القيام به لتأمين الإجراءات المضادة أو تدريب وسائط أمنية سيادية على هزيمتها. والخطوة الأولى هي ضرورة قيام قيادة الجيش بتحسين قدرة القوات المسلحة التكنولوجية والتنظيمية من أجل نشر عمليات المعلومات ومقاومة دعايات التهديدات الصلبة. وحاليا، الجيش الوطني الشعبي لا يردّ بالشكل المناسب من أجل التعامل بفاعلية مع تلك التهديدات القادرة على قول ما تريد قوله دون عقاب. الجيش الوطني الشعبي بحاجة إلى محترفين يمكنهم تصميم حملات معلوماتية وإعداد إمكانيات للرد السريع تفوق تلك المتوفرة للتهديدات. وكما سبق قوله، على قيادة الجيش أيضا تبسيط العمليات البيروقراطية التي كان أفراد الجيش يستخدمونها للتصديق على رسائل عمليات المعلومات والتخلص منها حيثما يكون ذلك ممكنا. وعادة ما تقيم المنظمات ذات التنظيم الهرمي والأساليب البيروقراطية جيدة الإعداد حواجز فعَّالة للمرور التلقائي للمعلومات. وهي تميل إلى تطبيق التصديق وبروتوكولات التنسيق التي كانت جاهزة قبل الانفجار الذي حدث في تقنيات المعلومات. ولسوء الحظ، فإن المعلومات مستمرة في التدفق دون انقطاع إلى باقي التهديدات: لا تنتظر النظم البيروقراطية لتلحق بها. وهذا يعني أن صانعي القرار الذين يمكنهم نشر المعلومات بأقصى سرعة لمقاومة الإدِّعاءات الزائفة للتهديدات الصلبة، غالبا ما لا يُسمح لهم بالوصول إلى المعلومات أو نشرها حينما يكون ذلك فعَّالا للغاية. ليس لدى أعداء الجزائر ذلك التقيُّد المعيق، وهم يستخدمون التقنيات المعلوماتية الجديدة بشكل أفضل بكثير. لذلك على قيادة الجيش الوطني الشعبي أن تعيد تنظيم تشكيلات الجيش والتقليل من التطبيقات البيروقراطية، وتحسين ما ينشأ من تدفق للمعلومات – سواء داخل الوحدات أو من قيادة الجيش إلى وسائل الإعلام – من أجل السماح للقادة الميدانيين على جميع المستويات باتخاذ القرارات الأكثر فعالية وفائدة.
علاقات الشؤون الخارجية ووسائل الإعلام إن التغطية الإعلامية القومية والإقليمية لعمليات الجيش الوطني العسكرية ولأنشطة التهديدات تُعدُّ بالغة الأهمية لنجاح الجيش الوطني في البيئة المعلوماتية الإقليمية، ويعتبر ذلك على وجه الخصوص صحيحا في بيئة الأخبار المتواصلة على مدى 24 ساعة يوميا. ومن أجل التعامل مع هذا الموقف، يتوجب على قيادة الجيش وضع حلول لتحسين عملية دخول وسائل الإعلام إلى ميدان القتال وحضور أنشطة القوات المسلحة، دون التضحية باستقلال وسائل الإعلام أو أمن العمليات العسكرية. ويمكن أن يتضمن ذلك أفعالا بسيطة نسبيا، مثل تسهيل الترخيص للصحفيين ونقلهم إلى نطاق العمليات القتالية، وتقديم الدعم اللوجيستي المتزايد للمعاونة في تحمُّل النفقات المتصاعدة. ويمكن أن يتضمن أيضا أساليب أكثر تعقيدا، مثل تشجيع وسائل الإعلام على تصميم السياسات المعلوماتية وإقامة جدران النيران التي تعالج ما يقلق بخصوص عمليات المعلومات المؤثرة في الشؤون الداخلية والخارجية. ومن المهم أيضا، رغم ما تدركه قيادة الجيش في بعض الأحيان على أنه معاملة غير عادلة من قبل وسائل الإعلام، أن تفهم وتدعم الدور الحيوي الذي تؤديه في نقل حقائق عمليات الجيش الوطني القتالية أو سلوكات عسكرية من دون الحرب إلى الداخل والخارج. وفي تعامل قيادة الجيش مع وسائل الإعلام عليها أيضا أن تصبح أكثر حنكة مما كانت عليه في بعض الأحيان. وقبل كل شيء على قيادة الجيش دائما أن تكون صادقة ومباشرة عند تحدُّثها إلى الصحافة؛ ففي بعض الأحوال، قام ضباط وقادة الشؤون الإعلامية باختيار استخدام وسائل الإعلام كأحد مخارج عمليات المعلومات، أو قاموا بتقديم بيانات غير دقيقة على أمل تشكيل التصوُّر العام، وعند حدوث ذلك: فإنه يؤدي إلى إضعاف رابطة الثقة ليس فقط مع وسائل الإعلام ولكن أيضا مع الجمهور الجزائري الذي تقوم على خدمته. إن أيَّ مكاسب قصيرة الأجل يتم تحقيقها عن طريق مثل تلك الإستراتيجيات تؤدي إلى إضعاف المؤسسة العسكرية على المدى الطويل. وفي النهاية، حيث أن عمليات المعلومات بالنسبة لميدان القتال الحديث، على نفس الأهمية فيما يتعلق وإدارة العمليات، قد يكون على القيادة أيضا أن تعيد تنظيم الحاجة إلى استحداث منصب رئيس بالجيش للاتصالات الإستراتيجية، يكون حاملا لنفس رتب القادة ويتصرَّف كرؤساء العمليات والمخابرات والشؤون اللوجيستية وغيرهم من قادة الأركان على مستوى الجيش الوطني الشعبي.
التدريب وتطوير القادة على قيادة الجيش الوطني الشعبي أن تطوُّر الثقة من أجل منح السلطة لهؤلاء الذين تُرسلهم للقيام بتلك العمليات المعقدة بما يتناسب مع المسئوليات الملقاة على عاتقهم.. ولن تأتي تلك الثقة إلا بالانتقاء والتدريب للأشخاص المُناسبين. يجب على قيادة الجيش الوطني، في المناخ الحالي المعقَّد ودائم التغيُّر، حيث تتشابك مستويات التهديدات بشكل متزايد، أن تطوِّر القيادة الميدانية على جميع المستويات، من الوحدة الصغيرة حتى المستوى الإستراتيجي والسياسي، ممن هم أذكياء ومتطوِّرون بما يكفي للقيام بإجراء التعديلات المطلوبة. وعلى القيادة أن تسأل نفسها: لماذا أفرز نظام الجيش الوطني الحالي بعض القادة الذين يبدو أنهم قد تلاءموا بصورة حسنة مع تعقيدات التهديدات الحديثة، مع وجود غيرهم ممن لم يفعلوا ذلك؟ وما الذي يمكنها فعله من أجل تحسين جودة القيادة المطلوبة على جميع المستويات؟ كما يكون عليها أيضا أن تضمن أن القيمة التي تسبغها على الخبرة الأوسع، مقابل الخبرة العسكرية التكتيكية التقليدية، تنعكس بصورة فعلية على أولئك القادة الذين تنتقيهم من أجل التقدُّم المستمر.
التدريب على المهام الخطيرة قبل سبتمبر 2001، كان قد كتب الكثيرون عن الحرب غير المتسقة أو النظامية، وميدان المعركة غير الخطي، والحاجة إلى تدريب قادة يمكنهم عمل التزامن للقوى القتالية تحت ظروف غير مؤكدة وبدائية. يجب أن تواصل القوات المسلحة الجزائرية التحديث وتوسعة برامجها للتعليم والتوعية، وهذا يعني توسيع مناهج تعليم المدارس الرسمية من أجل التكيف مع البيئة العملية الحديثة والمعقدة، مع زيادة الفرص والمنح للقادة حتى يؤدوا ما يكلفون به خارج التشكيلات العسكرية التقليدية. وبالإضافة إلى ذلك، على القيادة العسكرية الجزائرية توفير الفرص الممتدة لأعضاء تشكيلات القوات المسلحة للعمل بشكل روتيني، ويمكن لهؤلاء الأعضاء زيادة مداركهم فيما يتعلق بما يمكن أو لا يمكن للقوات المسلحة الجزائرية المساهمة فيه بالنسبة للحلول الخاصة بالأمن القومي الجزائري. وبغرض مناقشة كون هذا النوع من التدريب المتقاطع يدمِّر "ثقافة المحارب"، أقول إن التعرُّض الواسع لتجارب خارج نطاق العسكرية التقليدية يمكنه فقط أن يساعد القادة الميدانيين في عملهم في عالم متشابك بصورة متزايدة.
التقييمات إن كيفية تقييم قيادة الجيش الوطني الشعبي لقادتها العسكريين وترقيتهم إلى مناصب لها مسئوليات أكبر يرتبط ارتباطا وثيقا بكيفية إعداد القيادة وتطويرها لهم. لقد قيل إن الفرد يمكن أن يخدع رؤساءه معظم الوقت، وأقرانه بعض الوقت، ولكن لا يمكنه خداع مرؤوسيه مطلقا. هذا نوعٌ من التبسيط، إلا أن به شيئاً من الصحة بلا شك. وحتى الآن، تأخذ نظم التقييم العسكرية لدى الجيش الوطني بعين الاعتبار تقييمات الرؤساء فقط عند الحكم على الكفاءة للتقدُّم الوظيفي. لقد فات الأوان بوقت طويل على تطبيق نظام تقييم عسكري. بالنسبة للضباط والصف ضباط، يأخذ في عين الاعتبار وجهات نظر الأقران والمرؤوسين، فيجب أن تظل آراء الرؤساء هي الأهم، إلا أنه من المهم الحصول على وجهات النظر المتفردة التي يمكن أن يساهم بها الأقران والمرؤوسون، فهي سوف تسمح لقيادة الجيش بوضع تقييم أكثر اكتمالا لقادة القوات المسلحة.
الحفاظ على الامتياز الإقليمي لقد تم تقديمُ الكثير من المقترحات من طرف نخبة الأمن القومي الجزائري للحفاظ على جودة القوة العسكرية، إلا أنه إذا لم يحقق بعضُها النجاح المنشود، فإن قيادة الجيش قد لا تعرف ذلك إلا بعد فوات الأوان. إن الجزائر تحتاج اليوم إلى معرفة نوعية القوات المسلحة التي تريدها القيادة العسكرية في المستقبل والثمن الذي يمكن للجزائريين دفعه لضمان الأمن القومي الجزائري. وداخل القوات المسلحة الجزائرية، ربما يكون أهم شيء يمكن للقيادة عمله من أجل تأمين مستقبل المؤسسة العسكرية هو ضمان أن أولئك القادة الميدانيين الصغار وأعضاء الخدمة العسكرية الذين يتحملون وطأة القتال في المواجهات الحديثة لهم الكلمة المسموعة في كيفية إعادة تشكيل قيادة الجيش لقواتها المسلحة من اجل المستقبل. ونسرد سيرة حديثة قصة قيام الجنرال دويت أيزنهاور بكتابة مقالة مثيرة للجدل في أواخر عام 1920 عن الأهمية الكبيرة للدبابات في الحرب. فقد كانت آراء أيزنهاور تناقض الفكر العسكري التقليدي واعتبرت هرطقة، حتى أنه تم تأنيبه شفهيا وهُدِّد بالمحاكمة العسكرية إذا ما استمر في إطلاقها. إن مثل هذه البلادة الفكرية في سنوات ما بين الحروب ساعدت على تأكيد أن جيش الولاياتالمتحدةالأمريكية لم يكن مستعدا على الوجه الأمثل للمعركة في المراحل الأولية من الحرب العالمية الثانية. يجب أن تؤدي هذه القصة إلى التنبيه، بينما نشارك في المناقشات المعاصرة عن عقيدة عسكرية جزائرية، وإلى كيفية إعداد الجيش الوطني الشعبي لقواته للمستقبل على الوجه الأمثل. ومن أجل مضاعفة فرص نجاح القوات المسلحة الجزائرية، يتحتم على قيادة الجيش التأكد من أن جميع الآراء ووجهات النظر قد شاركت في النقاش حول العقيدة العسكرية الجزائرية، وأنه ليس لدى القادة الميدانيين الصغار أي تخوف من العقاب المهني لإدلائهم بآرائهم بحرِّية عما هو مطلوب لجعل قادة القوات المسلحة الجزائرية وتشكيلات الجيش والفكر الإستراتيجي الجزائري في وضع أفضل.
النظر إلى المستقبل بالرجوع إلى السجل غير المتسق للأمة الجزائرية عندما تعيد تنظيم قواتها عقب فترات الأزمات القومية، نجد أن الوقت قد حان لبدء مناقشة كيفية قيام عقيدة عسكرية قومية للاستعداد لمستقبل خطير. إن هذا الغرض لا يشكل تحديا للجيش والقوات المسلحة وحدهما: إنها ضروراتٌ قومية على قيادة الجيش الوطني التعامل معها لضمان الأمن القومي الجزائري في المستقبل. وإني آمل أن تساهم الأفكار التي ستناقش في هذا المقال في المناقشات الضرورية التي يكون على جميع مسؤولي الأمن القومي الجزائري الجادين عقدها الآن بشأن كيفية الاستعداد للمستقبل على أفضل وجه. وبلا شك، قد يودّ بعض الناس نسيان أزمات الجزائر الإقليمية، وهم يريدون أن تسحب القوات المسلحة نفسها من الداخل نحو الخارج على وجه السرعة وتوريط الأمة الجزائرية في اشتباك إقليمي معقد. لذلك ينبغي على قيادة الجيش الوطني وفي نفس الوقت إعداد قوات مسلحة وعناصر قوى الجزائر القومية الأخرى للقيام بالنطاق الكامل للعمليات الأمنية السيادية ضد تهديدات أثبتت أنها تماثل الجيش الوطني الشعبي الجزائري من حيث التكيُّف بصورة كاملة، بل وتتفوَّق عليه في استغلال التقنيات الحديثة في بعض الأحيان. إن هذا هو التحدي الأساسي لقيادة الجيش كما تعرف من تجاربها الأخيرة في زمن المعضلات الأمنية الإقليمية المستمرة. في التسعينيات، عندما كانت القوات المسلحة الجزائرية تمر بفترة اختبار نفس عقب الحرب على الإرهاب، كنت أعتقد أن (عقيدة الحرب) في الجزائر قاسية لا تتحمل خطيئة الهزيمة، لتظهر القوات المسلحة الجزائرية بعدها أن ليس لديها ميزة الخيار بين الحروب التي تخوضها، وقد مضى عهد الحروب النظيفة "المعلنة". في الواقع، إن القوات المسلحة الجزائرية ومؤسسات القوى القومية الجزائرية ليس لديها ميزة اختيار الوقت الذي سوف تدعى فيه وطبيعة مهمات الدفاع عن مصالح الأمة الجزائرية وتعزيزها. غير أن لديها، رغم ذلك، الفرصة للمساعدة في تقرير كيف سوف تؤسس عقيدة الأمن القومي الجزائري للتعامل مع عالم متزايد الخطورة. ومن المهم الآن أن نعجل بمناقشة كيفية إعداد الجيش الوطني الشعبي لهذا المستقبل على أفضل وجه وفق عقيدة عسكرية قومية تليق ووضع الهيبة الإستراتيجية العسكرية الجزائرية إقليميا.